رد: فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه
28-ما يسن عند الاحتضار يسن عند الاحتضار مراعاة السنن الآتية :
1 - تلقين المحتصر " لا إله إلا الله "
لما رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لقنوا موتاكم () أي المحتضرين الذين هم في سياق الموت من المسلمين ، أما غيرهم فيعرض عليهم الاسلام) : لا إله إلا الله "
وروى أبو داود ، وصححه الحاكم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان آخر كلامه لاإله إلا الله دخل الجنة " .
والتلقين إنما يكون في حالة ما إذا كان لا ينطق بلفظ الشهادة . فإن كان ينطق بها فلا معنى لتلقينه . والتلقين إنما يكون في الحاضر العقل القادر على الكلام فإن شارد اللب لا يمكن تلقينه ، والعاجز عن الكلام يردد الشهادة في نفسه .
قال العلماء : وينبغي أن لا يلح عليه في ذلك . ولا يقول له : قل لا إله إلا الله ، خشية أن يضجر ، فيتكلم بكلام غير لائق ، ولكن يقولها بحيث يسمعه معرضا له ، ليفطن له فيقولها . وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاود التلقين ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر فيعاد التعريض له به ليكون آخر كلامه .
وجمهور العلماء على أن المحتضر يقتصر في تلقينه على لفظ " لا إله إلا الله " لظاهر الحديث ، ويرى جماعة أنه يلقن الشهادتين لان المقصود تذكر التوحيد وهو يتوقف عليهما .
3 - تغميض عينيه إذا مات ، لما رواه مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة ، وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : " إن الروح إذا قبض تبعه البصر " .
5 - تسجيته صيانة له عن الانكشاف وسترا لصورته المتغيرة عن الاعين . فعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبره (غطي حبرة " : ثوب فيه أعلام رواه البخاري ومسلم .
ويجوز تقبيل الميت إجماعا فقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ابن مظعون وهو ميت ، وأكب أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته فقبله بين عينيه وقال : يا نبياه ، يا صفياه .
" 6 - المبادرة بتجهيزه متى تحقق (لابد من تحقق الموت بواسطة الاطباء وغيرهم من العارفين المشهود لهم في المعرفة ، ولا سيما من توقع أن يغمى عليه) موته ، فيسرع وليه بغسله ودفنه مخافة أن يتغير ، والصلاة عليه ،
لما رواه أبو داود وسكت عنه . عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : " إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فأذنوبي به (أعلموني) وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهري أهله " .
ولا ينتظر به قدوم أحد إلا الولي : فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير . روى أحمد والترمذي عن علي رضي الله عنه : أن النبي قال له ، " يا علي : ثلاث لا تؤخرها الصلاة : إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والايم (من لا زوج لها) إذا وجدت كفئا "
7 - قضاء دينه ، لما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي . وحسنه ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه "
أي أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا بهلاك أو محبوسة عن الجنة ، وهذا فيمن مات وترك ما لا يقضى منه دينه . أما من لامال له ومات عازما على القضاء ، فقد ثبت أن الله تعالى يقضي عنه ، ومثله من مات وله مال وكان محبا للقضاء ولم يقض من ماله ورثته
فعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " .
وروى أحمد وأبو نعيم والبزار والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عزوجل فيقول : يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين ، وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول : يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ، ولكن أتى علي إما حرق وإما سرق ، وإما وضيعة ، فيقول الله صدق عبدي ، وأنا أحق من قضى عنك ، فيدعو الله بشئ فيضعه في كفة ميزانه ، فترجح حسناته على سيئاته ، فيدخل الجنة بفضل رحمته " .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يمتنع عن الصلاة على المديون ، فلما فتح الله عليه البلاد ، وكثرت الاموال صلى على من مات مديونا وقضى عنه ، وقال في حديث البخاري : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن مات وعليه دين ، ولم يترك وفاء ، فعلينا قضاؤه . ومن ترك ما لا فلورثته " .
وفي هذا ما يدل على أن من مات مدينا استحق أن يقضى عنه من بيت مال المسلمين ، ويؤخذ من سهم الغارمين " أحد مصارف الزكاة " وأن حقه لا يسقط بالموت .
29- استحباب الدعاء والاسترجاع عند الموت :
يستحب أن يسترجع (إنا لله وإنا إليه راجعون ) المؤمن ويدعو الله عند موت أحد أقاربه بالآتي .
1 - روى أحمد ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها ، إلا آجره الله تعالى في مصيبته ، وأخلف له خيرا منها " قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخلف الله لي خيرا منه " رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
2 - وفي الترمذي عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : فماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع . فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " قال : حديث حسن .
3 - وفي البخاري عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " .
4 - وعن ابن عباس في قول الله تعالى : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة . وأولئك هم المهتدون " قال : أخبر الله عزوجل : أن المؤمن إذا سلم لام الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب له ثلاث خصال من الخير : الصلاة من الله ، والرحمة ، وتحقيق سبيل الهدى . استحباب اعلام قرابته وأصحابه بموته استحب العلماء إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه وأهل الصلاح بموته ليكون لهم أجر المشاركة في تجهيزه ، لما رواه الجماعة .
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى المصلى ، فصف أصحابه ، وكبر عليه أربعا .
وروى أحمد والبخاري عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا ، وجعفرا وابن رواحة ، قبل أن يأتيهم خبرهم ، قال الترمذي : لا بأس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه بموت الشخص .
وقال البيهقي : وبلغني عن مالك بن أنس أنه قال : لاأحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد ، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس .
وأما ما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن حذيفة ، قال : إذا مت فلا تؤذني بي أحدا ، فإني أخاف أن يكون نعيا . وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي (الاخبار بموت الشخص) فإنه محمول على النعي الذي كانت الجاهلية تفعله . وكانت عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى القبائل ، يقول : نعاء فلانا أي هلكت العرب بمهلك فلان ، ويصحب ذلك ضجيج وبكاء .
30-البكاء على الميت
أجمع العلماء ، على أنه لا يجوز البكاء على الميت ، إذا خلا من الصراخ والنوح ، ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذب بهذا أو يرحم " وأشار إلى لسانه .
وبكى لموت ابنه إبراهيم وقال : " إن العين تدمع ، والقلب يحزن . ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون "
وبكى لموت أميمة بنت ابنته زينب ، فقال له سعد بن عبادة يا رسول الله أتبكي ؟ أو لم تنه زينب ، فقال : " إنما هي رحمة فجعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " وروى الطبراني عن عبد الله بن زيد قال : رخص في البكاء من غير نوح . فإن كان البكاء بصوت ونياحة ، كان ذلك من أسباب ألم الميت وتعذيبه .
فعن ابن عمر قال : لما طعن عمر أغمي عليه ، فصيح عليه فلما أفاق قال : أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت ليعذب ببكاء الحي " .
وعن أبي موسى قال : لما أصيب عمر جعل صهيب يقول : واأخاه ، فقال له عمر : يا صهيب أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت ليعذب ببكاء الحي "
وعن المغيرة بن شعبة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه " روى هذه الاحاديث البخاري ومسلم .
ومعنى الحديث ، أن الميت يتألم ويسوءه نوح أهله عليه ، فإنه يسمع بكاءهم وتعرض أعمالهم عليه ، وليس معنى الحديث أنه يعذب ويعاقب بسبب بكاء أهله عليه ، فإنه لاتزر وازرة وزر أخرى .
فقد روى ابن جرير عن أبي هريرة قال : إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم فإن رأوا خيرا فرحوا به . وإذا رأوا شرا كرهوا .
وروى أحمد والترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الاموات ، فإن كان خيرا استبشروا به ، وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا . "
وعن النعمان بن بشير قال : أغمي على عبد الله بن رواحة ، فجعلت أخته عمرة تبكي : واحبلاه ، واكذا ، واكذا ، تعدد عليه فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل لي : أأنت كذلك . رواه البخاري .
31- النياحة
النياحة مأخوذة من النوح ، وهو رفع الصوت بالبكاء . وقد جاءت الاحاديث مصرخة بتحريمها ،
فعن أبي مالك الاشعري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الاحساب (الفخر في الاحساب : التعاظم بمناقب الآباء . " الطعن في الانساب " نسبة الرجل المرء لغير أبيه . " الاستسقاء بالنجوم " : اعتقاد أنها المؤثرة في نزول المطر) ، والطعن في الانساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة " وقال : " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب (السربال : القميص . والجرب : تقرح الجلد ، والقطران : يقوي شعلة النار ، فيكون عذاب النائحة بالنار بسبب هذين القميصين أشد عذاب) " رواه أحمد ومسلم .
وعن أم عطية قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لاننوح . رواه البخاري ومسلم .
وروى البزار بسند رواته ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ، وزنة عند مصيبة "
وفي الصحيحين عن أبي موسى أنه قال : " أنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة ، والحالقة والشاقة (الصالقة : التي ترفع صوتها بالندب والنياحة - الحالقة : التي تحلق رأسها عند المصيبة - الشاقة : أي التي تشق) " .
وروى أحمد عن أنس قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على النساء حين بايعهن ، أن لا ينحن ، فقلن : يا رسول الله إن نساء أسعدننا في الجاهلية . افنسعدهن في الاسلام ؟ فقال : " لا إسعاد (الاسعاد : المساعدة في النياحة) في الاسلام " .
31- الاحداد على الميت
1-يجوز للمرأة أن تحد (تحد : من باب نصر وضرب) على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها ، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك ، إلا إذا كان الميت زوجها ، فيجب عليها أن تحد عليه مدة العدة . وهي أربعة أشهر وعشر .
2- لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لاتحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا . ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، إلا ثوب عصب (عصب : برود يمانية) ، ولا تكتحل ، ولا تمس طيبا ، ولا تختضب ، ولا تمتشط إلا إذا ظهرت ، تمس نبذة من قسط ، أو اظفار (القسط والاظفار : نوعان من العود الذي يتطيب به . و " النبذة " القطعة : أي يجوز لها وضع الطيب عند الغسل من الحيض لازالة الرائحة الكريهة ) " .
والاحداد
3- ترك ما تتزين به المرأة من الحلي والكحل والحرير والطيب والخضاب . وإنما وجب على الزوجة ذلك مدة العدة ، من أجل الوفاء للزوج ، ومراعاة لحقه . استحباب صنع الطعام لاهل الميت عن عبد الله بن جعفر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم " : حسن صحيح .
4- واستحب الشارع هذا العمل ، لانه من البر والتقرب إلى الاهل والجيران . قال الشافعي : وأحب لقرابة الميت أن يعملوا لاهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم ، فإنه سنة وفعل أهل الخير . واستحب العلماء الالحاح عليهم ليأكلوا ، لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط جزع . وقالوا : لا يجوز اتخاذ الطعام للنساء إذا كن ينحن لانه إعانة لهن على معصية . واتفق الائمة على كراهة صنع أهل الميت طعاما للناس يجتمعون عليه ، لما في ذلك من زيادة المصيبة عليهم وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية لحديث جرير قال : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة . وذهب بعض العلماء إلى التحريم . قال ابن قدامه : فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والاماكن البعيدة . ويبيت عندهم ، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه " .
32-جواز اعداد الكفن والقبر قبل الموت
1- قال البخاري : باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه ، وروى عن سهل رضي الله عنه أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة ، فيها حاشيتها (حاشيتا الثوب : ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب) أتدرون ما البردة (مقول سهل) ؟ قالوا : الشملة . قال : نعم . قالت : نسجتها بيدي ، فجئت لاكسوها ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا ، وإنها إزارة ، فحسنها فلان فقال : اكسنيها . ما أحسنها . قال القوم : ما أحسنت ، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ، ثم سألته ، وعلمت أنه لايرد ، قال : إني والله ما سألته لالبسها ، إنما سألته لتكون كفني ، قال سهل فكانت كفنه .
2-قال الحافظ معلقا على الترجمة : وإنما قيد " أي البخاري " الترجمة بذلك . أي بقوله : " فلم ينكر ليشير إلى أن الانكار وقع من الصحابة ، كان على الصحابي في طلب البردة ، فلما أخبرهم بعذره لم ينكروا ذلك عليه ، فيستفاد منه جواز تحصيل ما لابد منه للميت من كفن ونحوه في حال حياته ، وهل يلتحق بذلك حفر القبر ؟ ثم قال :
3- قال ابن بطال : فيه جواز إعداد الشئ قبل وقت الحاجة إليه . قال : وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت ، وتعقبه الزين بن المنير : بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة ، قال : ولو كان مستحبا لكثر فيهم .
وقال العيني : لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه . لان ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، ولاسيما إذا فعله قوم من العلماء الاخيار . قال أحمد : لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره ، ويوصي أن يدفن فيه . وروي عن عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضيا لله عنهم أنهم فعلوا ذلك .
33-- استحباب طلب الموت في أحد الحرمين يستحب طلب الموت في أحد الحرمين :
الحرم المكي ، والحرم المدني ، لما رواه البخاري عن حفصة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال : اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم . فقلت : أنى هذا ؟ فقال : يأتيني به الله إن شاء الله
34-موت الفجأة (أي الموت بغتة)
روى أبو داود عن عبيد بن خالد السلمي - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال مرة : عن عبيد . قال : " موت الفجأة أخذة آسف (آسف : غضبان وإنما كان موت الفجأة يكرهه الناس لانه يفوت ثواب المرض الذي يكفر الذنوب والاستعداد بالتوبة والعمل الصالح) " .
35-ثواب من مات له ولد
- روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث (الحنث : الاثم : أي لم يبلغوا سن التكليف فيكتب عليهم الاثم) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " .
2 - وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل لنا يوما . فوعظهن وقال : " أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار " ، قالت امرأة : واثنان قال : " واثنان " .
36- أعمار هذه الامة
روى الترمذي عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين السبعين : أي السبعين سنة) وأقلهم من يجوز (أي يتجاوز) ذلك " .
الموت راحة روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة ، فقال : " مستريح ومستراح منه (أي هذا البيت إما مستريح وإما مستراح منه) " ، فقالوا : يا رسول الله ، ما المستريح وما المستراح منه ؟ فقال : " العبد المؤمن يستريح من نصب (تعبها) الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد (من أذاه) والبلاد والشجر والدواب " .
37- تجهيز الميت
يجب تجهيز الميت فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن ، وتفصيل ذلك فيما يلي : غسل الميت يرى جمهور العلماء أن غسل الميت المسلم فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن جميع المكلفين ، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، ولمحافظة المسلمين عليه .
38-من يجب غسله ومن لا يجب :
يجب غسل الميت المسلم الذي لم يقتل في معركة بأيدي الكفار .
39-غسل بعض الميت :
واختلف الفقهاء في غسل بعض الميت المسلم . فذهب الشافعي وأحمد وابن حزم إلى أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ، وقال الشافعي : بلغنا أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل () كانت عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ) ، فعرفوها بالخاتم ، فغسلوها وصلوا عليها ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة . وقال أحمد : صلى أبو أيوب على رجل ، وصلى عمر على عظام . وقال ابن حزم : ويصلى على ما وجد من الميت المسلم ، ويغسل ويكفن إلا أن يكون من شهيد . قال : وينوى بالصلاة على ما وجد منه ، الصلاة على جميعه : جسده وروحه . وقال أبو حنيفة ومالك : إن وجد أكثر من نصفه غسل وصلي عليه ، وإلا فلا غسل ولا صلاة .
40-الشهيد لا يغسل :
الشهيد الذي قتل بأيدي الكفرة في المعركة لا يغسل ولو كان جنبا (الشهيد الجنب : لا يغسل عند المالكية والاصح من مذهب الشافعية . ورأي محمد وأبي يوسف ، ويشهد لهذا ، أن حنظلة استشهد جنبا فلم يغسله النبي صلى الله عليه وسلم) ، ويكفن في ثيابه الصالحة للكفن ، ويكمل ما نقص منها ، وينقص منها ما زاد على كفن السنة ، ويدفن في دمائه ، ولا يغسل شئ منها .
روى أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تغسلوهم فإن كل جرح ، أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة " ، وأمر صلوات الله وسلامه عليه بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم . قال الشافعي : لعل ترك الغسل والصلاة لان يلقوا الله بكلومهم (كلومهم " جروحهم ) لما جاء أن ريح دمهم ريح المسك ، واستغنوا بإكرام الله لهم عن الصلاة عليهم ، مع التخفيف على من بقي من المسلمين ، لما يكون فيمن قاتل من جراحات وخوف
عبودة العدو ، رجاء طلبهم وهمهم بأهلهم ، وهم أهلهم بهم . وقيل : الحكمة في ترك الصلاة عليهم : أن الصلاة على الميت ، والشهيد حي ، أو أن الصلاة شفاعة ، والشهداء في غنى عنها لانهم يشفعون لغيرهم .
41- الشهداء الذين يغسلون ويصلى عليهم : أ
ما القتلى الذين لم يقتلوا في المعركة بأيدي الكفار ، فقد أطلق الشارع عليهم لفظ الشهداء ، وهؤلاء يغسلون ، ويصلى عليهم ، فقد غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات منهم في حياته . وغسل المسلمون بعده عمر وعثمان وعليا ، وهم جميعا شهداء ، ونحن نذكر هؤلاء الشهداء فيما يلي :
1 - عن جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله : المطعون (: من مات بالطاعون) شهيد ، والغرق (الغريق) شهيد ، وصاحب ذات الجنب (: القروح تصيب الانسان داخل جنبه وتنشأ عنها الحمى والسعال) شهيد ، والمبطون (المبطون : من مات بموت البطن) شهيد ، وصاحب الحرق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع (: أي التي تموت عند الولاد) شهيدة " . رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح .
2 - وعن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ " قالوا : يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد . قال : " إن شهداء أمتي إذا لقليل " ، قالوا : فمن هم يا رسول الله ؟ قال : " من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله (في سبيل الله : أي في طاعة الله ) فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، والغريق شهيد " . رواه مسلم .
3 - وعن سعيد بن زيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد " . رواه أحمد والترمذي وصححه .
|