عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-03-2019, 03:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة : Egypt
افتراضي حكم شهادة القاذف

حكم شهادة القاذف (1-2)
فضل ربي ممتاز زادة


حكم شهادة القاذف
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
فهذا بحث في حكم شهادة القاذف، ويشتمل على تمهيد وخمس مسائل:
التمهيد: في تعريف الشهادة والقذف .
المسألة الأولى: تصوير المسألة .
المسألة الثانية: تحرير محل النزاع.
المسألة الثالثة: حكم شهادة القاذف بعد حده .
المسألة الرابعة: حكم شهادة القاذف قبل حده .
المسألة الخامسة: ما تتحقق به توبة القاذف .
هذا وقد اتبعت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي:
1- ذكرت أقوال أهل العلم في المذاهب الأربعة و ما وقفت عليه من آراء العلماء من الصحابة، والتابعين، والفقهاء المشهورين .
2- رتبت أقوال الأئمة الأربعة إذا اتفقت في حكم واحد ترتيباً زمنياً فأبتدئ بالمذهب الحنفي، ثم المالكي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي .
3- ذكرت عقب كل قول ما وقفت على من أدلته .
5- ثم ناقشت الأدلة وبينت القول الراجح على حسب ما ظهر لي من الأدلة.
6- اعتمدت على المراجع الأصلية لكل مذهب من المذاهب الأربعة فلا أنقل قولاً لمذهب معين إلا من كتب فقهاء المذهب نفسه، وإذا لم أجد حكم مسألة فقهية في مذهب معين فإنني أسكت عن هذا المذهب، فمعنى ذلك أنني لم أقف عليه بعد البحث في مظانه .
7- عزوت الآيات إلى سورها مع بيان رقم الآية .
8- خرجت الأحاديث من مصادرها الأصلية حسب ما وقفت عليه، وما كان في الصحيحين أو في أحدهما اقتصرت عليه، وقد جعلت لفظ الحديث لمن ذكرته في التخريج أولاً إلا ما نصصت عليه .
هذا لم آل جهداً في إعداده مع علمي بأنني لم أوف البحث ما يستحق من دراسة وتمحيص؛ إذ الكمال لله وحده جل وعلا، وحسبي أنني بذلك جهدي، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
هذا، وأسأل الله عز وجل أن ينفعني به، وأن ينتفع به من قرأه، وأن يسلك بي وإخواني المسلمين صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التمهيد: في تعريف الشهادة، وتعريف القذف:
أ- تعريف الشهادة:
1- تعريف الشهادة لغة:
الشهادة خبر قاطع، تقول شهد على كذا من باب سلم، وقولهم، أشهد بكذا، أي أحلف، والمشاهدة: المعاينة، وشهده -بالكسر- شهوداً، أي حضره وهو شاهد، وقوم شهود، أي حضور وهو في الأصل مصدر، وشهد له بكذا أي أدى ما عنده من الشهادة فهو شاهد، واستشهده، أي سأله أن يشهد [1].
2- الشهادة اصطلاحاً:
للعلماء في تعريف الشهادة عبارات عديدة ، ومن أهمها :
قال الجرجاني: "هي في الشريعة إخبار عن عيان بلفظ الشهادة في مجلس القاضي بحق للغير على آخر" . ثم قال شارحاً قوله: فالإخبارات ثلاثة: إما بحق للغير على آخر، وهو الشهادة، أو بحق للمخبر على آخر وهو الدعوى، أو بالعكس وهو الإقرار[2] .
وقال ابن فرحون المالكي: "أما حد الشهادة: فهو إخبار بمعين، وبقيد التعيين تفارق الرواية"[3] .
وقال البهوتي: "بأنها إخبار بما علمه بلفظ مخصوص"[4] .
وعرفها شيخا الدكتور عبد الله الركبان بقوله: " أنها إخبار صادق ممن يقبل قوله، بحق للغير على الغير، بمجلس القاضي". ويلاحظ أن هذا التعريف قريب من تعريف الجرجاني رحمه الله .
ثم شرحه بقوله: فقولنا: إخبار صادق، يخرج الأخبار الكاذبة كشهادة الزور، وقولنا: ممن يقبل قوله: احتراز من شهادة المجنون والمعتوه والصبي، وقولنا: بحق للغير على الغير: يخرج الدعوى والإقرار ، إذ الدعوى إخبار الإنسان بحق له على غيره، والإقرار إخبار بحق عليه لغيره.
وقولنا: "في مجلس القاضي، احتراز عما يصدر خارج مجلس القضاء؛ لأنه ليس شهادة بالمعنى الشرعي، ولذا لا يجوز الحكم بمقتضاه"[5] .
ب- تعريف القذف :
1- القذف لغة:
القذف لغة الرمي والطرح، يقال: قذف الشيء يقذفه قذفاً: إذا رمى به، وبلدة قذوف: أي طروح، لبعدها تترامى بالسفر [6] .
والقذف بالحجارة الرمي بها، وقذف المحصنة: رماها، وقيد برمي الشيء بقوة، ومنه اشتهر استعماله في رمي المرأة المحصنة أو الرجل المحصن بالزنا، أو ما في معناه من الألفاظ المكروهة [7] .
2- القذف اصطلاحاً:
فقد اختلفت عبارات العلماء في تعريف القذف، ومنها:
قال ابن الهمام الحنفي: " القذف في الشرع رمي بالزنا "[8] .
وعرفه بعض المالكية بأنّه: "نسبة آدمي غيره حراً عفيفاً مسلماً بالغاً أو صغيرة تطيق الوطء، لزنى، أو قطع نسب مسلم" [9] .
وقال الرملي في تعريفه: "القذف الرمي بالزنا في معرض التعيير لا الشهادة" [10].
وعرفه البهوتي: "هو الرمي بزنى أو لواط، أو شهادة به عليه ولم تكتمل البينة"[11] .
ويلاحظ في هذه التعريفات أن كل واحد منها يمثل النظرة المذهبية لحد القذف.
وقد عرفه الشيخ بكر أبو زيد –رحمه الله - بقوله: " القذف هو الرمي بوطء أو نفي نسب موجب للحد فيهما "[12] .
ثم شرحه بقوله : فالرمي بوطء ، يشمل الرمي بزنا أو لواط. ويشمل أيضاً الشهادة به عند عدم اكتمال نصابها .
أو نفي نسب: وهو قذف يوجب الحد عند الجميع .
موجب للحد فيهما: إشارة إلى ما يجب توفره في القاذف كالعقل، وفي المقذوف كالإحصان وهو (العفة) وفي لفظ القذف مثل لفظ (زاني) أو (لوطي)[13] .
المسألة الأولى: تصوير المسألة في حكم شهادة القاذف :
قال الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} [سورة النور الآيتان: 4 و5] .
لقد دلت الآية الكريمة على وجوب الحد على القاذف ثمانين جلدة، وحكمت بفسقه وردت شهادته، إذا لم يحقق قذفه بإتيان أربعة شهداء، ثم استثنت الآية الثانية الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا .
إذا كانت الآية الكريمة قد دلت على الأحكام الثلاثة المذكورة، فما حكم الاستثناء في الآية التي تليها، هل يشمل جميع الأحكام الثلاثة المذكورة أو يشمل الحكم الأخير فقط ؟
ثم إن حال القاذف بعد قذفه لا يخلو من أن يتمكن من تحقيق ما اتهم به المقذوف بإقامة البينة المعتبرة، أو بقيامه باللعان إذا كان المقذوف زوجته، أو لا يتمكن من ذلك، ويمتنع اللعان. كما أن حاله يحتمل أن يقام عليه الحد ويتوب عن قذفه ويندم على ذلك، أو لا يرجع عما اتهم به المقذوف ويبقى مصراً عليه، أو لا يقام عليه الحد، ولا يرجع عما قذف به المقذوف، أو يرجع عن ذلك مع عدم إقامة الحد عليه .
وبناءً على تعدد هذه الحالات ووجود هذه الاحتمالات فقد اختلف أهل العلم في بعض هذه المسائل، كما أنهم اتفقوا على حكم البعض الآخر، وإليك تحرير محل النزاع في ذلك :
المسألة الثانية: تحرير محل النزاع في حكم شهادة القاذف :
إذا كان القاذف زوجاً فحقق قذفه ببينة أو لعان، أو كان أجنبياً فحققه بالبينة أو بإقرار المقذوف لم يتعلق بقذفه فسق، ولا حد، ولا ردّ شهادة .
وإن لم يحقق قذفه بشيء من ذلك تعلق به وجوب الحد عليه والحكم بفسقه ورد شهادته، لقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} وهذا إن لم يتب ، فإن تاب لم يسقط عنه الحد وزال الفسق.
ولا خلاف بين العلماء في ذلك كله [14] .
قال ابن قدامة رحمه الله في ذلك: "ولا نعلم خلافاً في هذا"[15] .
وقال الماوردي رحمه الله: "أن تحقق قذفه في الأجنبي والأجنبية يكون بأمرين: إما بإقرار المقذوف بالزنا، وإما بقيام البينة عليه بفعل الزنا، وتحققه في الزوجة يكون مع هذين الأمرين بثالث وهو اللعان، فإذا حقق قذفه بما ذكرنا كان على حاله قبل القذف، في عدالته وقبول شهادته وأن لا حد عليه في قذفه"[16] .
وقال ابن القيم رحمه الله: "القاذف إذا حد للقذف لم تقبل شهادته بعد ذلك، وهذا متفق عليه بين الأئمة، قبل التوبة، والقرآن نص فيه" [17] .
واختلفوا فيما عدا في ثلاث صور وهي:
المسألة الأولى: إذا حد القاذف بسبب قذفه ثم تاب
إذا حد القاذف بسبب قذفه، ثم تاب عن ذلك، ورجع عما اقترف من ذنب وصلح حاله، فهل تقبل شهادته، بناء على أن صفة الفسق قد زالت عنه بالتوبة، أو رد شهادته حكم مؤبد ولا تقبل شهادته حتى لو تاب؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تقبل شهادته في هذه الحالة، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء؛ المالكية والشافعية والحنابلة، وهو مروي عن عمر وأبي الدرداء وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري وأبو عبيد وابن المنذر، ونقل عن يحيى بن سعيد وربيعة[18].
القول الثاني: لا تقبل شهادته، وبه قالت الحنفية، وهو مروي عن ابن عباس وأبي بكرة رضي الله عنهم، والقول به ثابت عن مجاهد وعكرمة والحسن ومسروق والشعبي في إحدى الروايتين عنهم، وهو قول شريح القاضي [19].
الأدلــة:
استدل القائلون بقبول شهادته بعد التوبة بأدلة من الكتاب والسنة والأثر والإجماع والمعقول.
أ- من الكتاب :
قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} .
وجه الاستدلال: أن الاستثناء في قوله تعالى: {إلا الذين تابوا} راجع إلى كل ما سبق من الأحكام، إلا ما منع منه مانع، فيكون عائداً على الجملتين {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} فتقبل شهادتهم بعد التوبة كما ترتفع بها صفة الفسق عنهم، وكان المفروض أن ترتفع عقوبة الجلد عنهم كذلك، إلا أن مانعاً منع من ذلك، وهو إجماع الأمة على عدم سقوط حد القذف بالتوبة [20].
وقد نوقش هذا الاستدلال من قبل المخالفين بمناقشات طويلة، وخلاصتها أنه غير مسلم به ؛ لأنه استدلال بمحل النزاع، وهو أن المخالفين يستدلون بنفس الآية على عدم قبول توبة القاذف ويرون أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فقط، وبناء عليه فإن هذا الاستدلال غير قائم [21] .
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]