عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-03-2019, 06:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,455
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة في العمل الخيري

الانتفاع بالفوائد الربوية والأموال المشبوهة


في العمل الخيري




د. عباس أحمد محمد الباز [·]





وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة من المنقول والمعقول ، منها:

الأدلة الشرعية التي تؤيد ملكية الفقراء لهذا المال ، وليس ملكية مصالح المسلمين العامة له ، وتمليكه إلى المصالح العامة يحتاج إلى دليل شرعي ([23]).
القياس على المال الملتقط الذي لا يعرف له مالك ، فمن التقط مالا وعجز عن رده إلى مالكه يجعله من يلتقطه في الفقراء والمساكين دون المصالح العامة بعد تعريفه وعدم معرفة مالكه ([24]). فالمال الحرام مصرفه الفقراء والمساكين حصرا وقصرا ([25])، ومثله المسلم الذي جمع ثروة من طريق حرام كالسرقة أو الربا أو الرشوة...، ثم تاب وأراد أن يرد هذه الأموال إلى أصحابها كما هو الواجب ، فلم يستطع؛ لأنه لم يعد يعرفهم ، فهذه الأموال سبيلها الفقراء، ومن وضع ماله في مصرف ربوي واستحق عليه فائدة "فعليه أن يأخذ تلك الفائدة التي يحتسبها المصرف الربوي عن ودائعه لديه ويوزعها على الفقراء حصرا وقصرا؛ لأنهم مصرفها الشرعي "([26]).

ومن الأدلة ([27]) على عدم التوسع في صرف الفوائد الربوية في المصالح العامة للمسلمين ، وحصر إنفاقها في الفقراء :

أن الفقراء هم أصحاب هذه الأموال يملكونها حلالا بدليل الشرع ، ولا تتحقق هذه الملكية إلا بالقبض، فإذا صرفت في المصالح العامة لم يتحقق القبض.

إذا كانت الفوائد البنكية ملكا للفقراء، فلا يجوز صرفها في المصالح العامة؛ لأن هذا الصرف يفترض التملك ، والمودع لا يملك فوائد ماله حتى يقرر التصرف فيها، بل الفقراء هم الذين يملكون هذه الفوائد، وهم الذين يقررون صرفها.
القول في صرف الفوائد للفقراء لا يجعل للمودع دورا إلا مساعدة الفقير في تحصيل هذا المال من المصرف مباشرة ،بينما صرف المال الربوي في المصالح العامة يقتضي التملك ثم التصرف -لأن تصرف المسلم لا يصح إلا فيما يملك- وفي ذلك شبهة أكل الربا.

القول الرابع : دفع المال المكتسب من ط ريق حرام إلى الفقراء والمحتاجين أو جعله في بيت المال أو المصالح العامة.


والفرق بين أن يكون مصرف هذا المال هم الفقراء والمساكين ومن هم بحاجة إليه، وبين أن يجعل في بيت المال أو في مصالح المسلمين العامة : أن الاقتصار على دفعه إلى الفقراء والمحتاجين يجعل منهم المصرف المتعين لمثل هذا المال ، بحيث لا يعطى إلى غيرهم؛ لأن هذا مال لا يصلح أن ينتفع به غير من هو مستحق له وهم الفقراء والمحتاجون ، بينما إذا أنفق في المصالح العامة ، فإن المحتاج وغير المحتاج يمكن أن ينتفع بهذا المال من خلال المشاريع والمرافق العامة التي تقيمها الجهة المسؤولة عن المصالح العامة ، فلا تكون منفعة هذا المال محصورة بفرد أو فئة من الناس ([28]).

وقد استدل هذا الفريق بالأدلة التالية:

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي قال : " استعمل النبي –صلى الله عليه وسلم-رجلا من الأزد يقال له : ابن اللتبية على الصدقة ، فلما قدم قال : هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال : فقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال : ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم ، وهذا أهدي لي ؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير : له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر ([29])، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ([30]) ثم قال : اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت " ([31]). فالرسول –صلى الله عليه وسلم-لم يقبل من ابن اللتبية أن يأخذ المال الذي جاءه بسبب الوظيفة العامة التي عينه فيها، وهي وظيفة جمع أموال الصدقات والزكوات؛ لأنه عليه الصلاة والسلام عاب عليه قبول مثل هذه الهدية التي أهديت إليه بسبب الوظيفة، وهو - كذلك - لم يسلم لابن اللتبية قوله أن هذا المال هدية "هذا لكم وهذا أهدي إلي" ووقوف النبي -صلى الله عليه وسلم- خطيبا بالناس بسبب ما حصل من ابن اللتبية يدل على رفض التشريع ما وقع من ابن اللتبية ، وأن المال الذي تحصل لم يكن تحصيله بطريق حلال يرضاها الشارع الحكيم ، فدل على أن سبب الإعطاء هو الطمع في المحاباة من الذين دفعوا هذا المال إلى ابن اللتبية ، فغلظ النبي -صلى الله عليه وسلم- القول فيما وقع " سدا لهذا الباب ، ومنعا لتكرره ممن يمكن أن تحدثه نفسه باستغلال موقعه الوظيفي بقبول العطايا والهدايا، ولما لم يقر عليه الصلاة والسلام ابن اللتبية على ما فعل من أخذه للمال وقبوله إياه دل على عدم جواز انتفاع ابن اللتبية بما أخذ، ولما لم يطلب عليه الصلاة والسلام من ابن اللتبية أن يقوم برد هذه الأموال إلى أصحابها دل هذا على أن مثل هذا المال لا يرد إلى باذله ، كما لم يأمره بإبطال منفعته بالحرق أو الإتلاف ...وهذا كله دال على أن المال الذي لم يتعين له مالك أو ليس له مالك مخصوص كالمال الذي أتى به ابن اللتبية يكون مآله بيت المال ، أي في المصالح العامة للمسلمين . قال ابن بطال معلقا على هذا الحديث : " فيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال ، وأن العامل لا يملكها إلا أن طلبها له الإمام ، وفيه كراهة قبول هدية طالب العناية " ([32]) ويقول ابن تيمية : " المال المكسوب إن كانت عين أو منفعة مباحة في نفسه وإنما حرمت بالقصد مثل من يبيع عنبا لمن يتخذه خمرا، أو من يستأجر لعصر الخمر أو حملها فهذا يفعله بالعوض ، ولكن لا يطيب له كله، وأما أن كانت العين أو المنفعة محرمة كمهر البغي وثمن الخمر : فهنا لا يقضى له به قبل القبض ، ولو أعطاه إياه لم يحكم برده ، فإن هذا معونة لهم على المعاصي إذا جمع لهم بين العوض والمعوض ، ولا يحل هذا المال للبغي والخمار ونحوهما، لكن يصرف في مصالح المسلمين " ([33]) ويقول كذلك : " وما أخذه العمال وغيرهم من المسلمين بغير حق ، فلولي الأمر العادل استخراجه منهم ، كالهدايا التي يأخذونها بسبب العمل ... ([34]) ثم علق بعد أن ذكر حديث ابن اللتبية قائلا: "وكذلك محاباة الولاة في المبايعة والمؤاجرة والمضاربة والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك : هو نوع من الهدية ، ولهذا شاطر عمر بن الخطاب من عماله من كان له فضل ودين لا يتهم بخيانة ، وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها، وكان الأمر يقتضي ذلك؛ لأنه كان إمام عدل يقسم بالسوية " ([35]).

أخرج البيهقي في دلائل النبوة من طريق رجل من الأنصار قال : "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في جنازة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو على القبر يوصي الحافر : أوسع من قبل رجليه ، أوسع من قبل رأسه ، فلما رجع استقبله داعي امرأة ، فجاء وجيء بالطعام ، فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-يلوك لقمة في فمه ، ثم قال : أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة : يا رسول الله ، إني أرسلت إلى البقيع تشترى لي شاة فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها فلم يوجد ، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أطعميه الأسارى" ([36]).

والمال المأخوذ بغير إذن مالكه يعد سرقة أو غصبا ، حقيقة أو حكما ، وكلاهما محرم في الشريعة ، فلما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإطعام لحم هذه الشاة التي أخذت دون إذن من صاحبها إلى الأسارى دل على جواز انتفاع الفقراء ومن في حكمهم كالأسرى بالمال غير الطيب، إذ الأسارى من فئة الفقراء والمساكين.
ج- مراهنة أبي بكر الصديق لبعض كفار قريش لما نزل قول الله تعالى ((الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ([37]) حيث قال بعض المشركين لبعض الصحابة ومنهم أبو بكر الصديق: ألا ترون ما يقول صاحبكم ؟ يزعم أن الروم ستغلب فارس ، فخاطرهم ([38]) أبو بكر على ذلك، فلما حقق الله صدقه وغلبت الروم فارس وكسب أبو بكر الرهان وكان مائة من الإبل قال له -عليه الصلاة والسلام - "هذا سحت فتصدق به" وفرح المؤمنون بنصر الله ، وكان قد نزل تحريم القمار بعد إذن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأبي بكر في المخاطرة مع الكفار ([39]). وهذا واضح الدلالة على أن مال الرهان الذي هو مال حرام يذهب به حائزه إلى الصدقة ، أي إلى الفقراء والمساكين ، أو يجعل في المصالح العامة؛ لأن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر بالتصدق بمال السحت الآتي عن طريق الرهان جاء عاما، ولم يحصر الصدقة بالفقراء أو بيت المال أو المصالح العامة.

د- روي عن ابن مسعود أنه اشترى جارية ، فلم يظفر بمالكها لينقده الثمن ، وبحث عنه فلم يجده ، فتصدق بالثمن ، وقال : اللهم هذا عنه إن رضي، وإلا فالأجر لي ([40]).
هـ- فعل عمر -رضي الله عنه- فيما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال : خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر في جيش إلى العراق . فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة . فرحب بهما وسهل . ثم قال : لو أقدر لكما على امر أنفعكما به لفعلت . ثم قال بلى ، ها هنا مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما . فقالا وددنا ذلك ، ففعل، وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال . فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال : أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما ؟ قالا : لا، فقال عمر : ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما ، أديا المال وربحه ، فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله فقال :ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا ! لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه . فقال عمر : أدياه، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله . فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، فقال عمر : قد جعلته قراضا. فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه. وأخذ عبد الله وعبيد الله نصف ربح المال " ([41]).

وهكذا كان يفعل عمر مع من في يده مال من كسب حرام ؛ يأخذه ويجعله في بيت مال المسلمين؛ ليقوم بيت المال بعد ذلك بإنفاقه في الجهات المستحقة له.

وهذا الرأي يساوي بين دفع المال المكتسب بطريق حرام إلى الفقراء والمساكين وبين جعل هذا المال في منفعة عامة يستفيد منها من كان محتاجا إليها، سواء أكان من الفقراء أم من غيرهم.


الرأي الراجح


هذه أقوال أربعة لأهل العلم والفقه ، وهي عند دراستها وتحليلها احتمالات أربعة يمكن أن يتم من خلالها تصريف المال الحرام والتحلل منه عند التوبة ، والبناء على الراجح منها في معرفة حكم استقبال العمل الخيري لأموال فيها حرام وأموال فيها اشتباه أن يكون الحرام قد تلبس بها، فما الراجح من هذه الأقوال مما يمكن أن يعين على معرفة حكم دفع المال المشتبه فيه ، وكذلك المال المتحقق أنه من حرام إلى العمل الخيري؟
أولا: أما القول بهدر منفعة المال المكتسب بطريق حرام بإتلافه ، أو حرقه ، أو إلقائه في البحر، أو بين الحجارة ، فهذا خلاف واضح لمنهج الشريعة الذي يحض على حفظ المال وصيانته من الهدر والإتلاف ، كما أن فيه مخالفة لما جاء في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإطعام لحم الشاة التي أخذت بغير إذن مالكها إلى الأسرى ، ولم يأمر عليه الصلاة السلام بإتلافه أو حرقه ولا حتى بإطعامه إلى السباع ، ولو كان الإتلاف واردا لأمر به عليه الصلاة والسلام .
ومثل ذلك المال الربوي ، فإن التحلل منه بإتلافه أو حرقه لا يكون موافقا لما حكم به الشرع في مثل هذا المال ، ولا يكون إتلافه بالتحريق أو التمزيق من الورع ، بل هو كما قال ابن تيمية : "إنما يحكى عن بعض الغالطين من المتورعة أنه ألقى شيئا من ماله في البحر أو تركه في البر، فهؤلاء نجد منهم حسن القصد وصدق الورع ، لا صواب
العمل " ([42]) ومثل ذلك ما قاله الغزالي في كتابه الإحياء : " أن هذا المال مردد بين أن يضيع وبين أن يصرف إلى خير إذا وقع اليأس من مالكه ، وبالضرورة يعلم أن صرفه إلى خير أولى من إلقائه في البحر، فإنا إذا رميناه في البحر فقد فوتناه على أنفسنا وعلى المالك، ولم تحصل منه فائدة ، وإذا رميناه في يد فقير يدعو لمالكه حصل للمالك بركة دعائه، وحصل للفقير سد حاجته ، وحصول الأجر للمالك بغير اختياره في التصدق لا ينبغي أن ينكر؛ فإن في الخبر الصحيح أن للزارع والغارس أجراً في كل ما يصيبه الناس والطيور من ثماره وزرعه ، فقد روى البخاري من حديث أنس " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له صدقة " ([43]) وذلك بغير اختياره . وأما قول القائل لا نتصدق إلا بالطيب فذلك إذا طلبنا الأجر لأنفسنا ونحن الآن نطلب الخلاص من المظلمة لا الأجر وترددنا بين التضييع وبين التصدق ، ورجحنا جانب التصدق على جانب التضييع . وقول القائل : لا نرضى لغيرنا ما لا نرضاه لأنفسنا فهو كذلك ولكنه علينا حرام؛ لاستغنائنا عنه ، وللفقير حلال إذا حل فقد رضينا له الحلال ، ونقول : أن له أن يتصدق على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، أما عياله وأهله فلا يخفى؛ لأن الفقر لا ينتفي عنهم بكونهم من عياله وأهله ، بل هم أولى من يتصدق عليهم ، وأما هو فله أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير، ولو تصدق به على فقير لجاز، وكذا إذا كان هو الفقير" ([44]).

والتصرف الموافق لقواعد الشرع ومبادئه الذي دلت عليه النصوص الصحيحة يقضي بأن يقوم من عنده مال من الربا أو مال من كسب مشبوه أو محرم بالتخلص منه بإعطائه إلى من ينتفع به ممن لا يعد بهذا الانتفاع مرتكبا للآثم بسبب الكسب الحرام ، بل يعد من المستحقين لهذا المال ، وليس إتلافه بالحرق أو الإلقاء في البحر؟ يقول ابن تيمية : "إن هذه الأموال إما أن تحبس وإما أن تتلف ، وإما أن تنفق . فأما إتلافها فإفساد، والله لا يحب الفساد، وهو إضاعة لها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن إضاعة المال ، وأما حبسها دائما أبدا إلى غير غاية منتظرة بل مع العلم أنه لا يرجى معرفة صاحبها ولا القدرة على إيصالها إليه فهذا مثل إتلافها، فإن الإتلاف إنما حرم لتعطيلها عن انتفاع الآدميين بها، وهذا تعطيل - أيضا - بل هو أشد منه من وجهين.
أحدهما : أنه تعذيب للنفوس بإبقاء ما يحتاجون إليه من غير انتفاع به

الثاني : أن العادة جارية بأن مثل هذه الأموال لا بد أن يستولي عليها أحد من الظلمة بعد إذا لم ينفقها أهل العدل والحق؛ فيكون حبسها إعانة للظلمة وتسليما في الحقيقة إلى الظلمة ، فيكون قد منعها أهل الحق وأعطاها أهل الباطل ، ولا فرق بين القصد وعدمه في هذا، فإن من وضع إنسانا بمسبعة فقد قتله ، ومن حبس الأموال العظيمة لمن يستولي عليها من الظلمة فقد أعطاهم إياها. فإذا كان إتلافها حراما وحبسها أشد من إتلافها تعين إنفاقها، وليس لها مصرف معين ، فتصرف في جميع جهات البر والقرب التي يتقرب بها إلى الله؛ لأن الله خلق الخلق لعبادته وخلق لهم الأموال ليستعينوا بها على عبادته فتصرف في سبيل الله "([45]).

فلا يجوز إهدار منفعة هذا المال لعدم التلازم بين حقيقة المال وذاته ، وبين وسيلة الكسب المحرمة التي أخذ بها، وما دام التلازم بين الأمرين منفكا، فالصواب أن تستوفى منفعته من غير من كان سببا في حرمة كسبه " لئلا يكون في الانتفاع به ممن اكتسبه إعانة له على الإثم والاستمرار في المعصية ، فيدفع هذا المال إلى بيت المال أو يجعل في إحدى المصالح العامة أو يعطى إلى الفقراء والمحتاجين ، وهو قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة وابن تيمية ([46]). يقول ابن تيمية في حكم الربح المتحقق وقت النداء لصلاة الجمعة "وإذا حصل البيع في هذا الوقت وتعذر الرد، فله نظير ثمنه الذي أداه ، ويتصدق بالربح إن كان قد ربح ، ولو تراضيا بذلك بعد الصلاة لم ينفع ، فإن النهي هنا لحق الله تعالى ، فهو كما لو تراضيا بمهر البغي ، وهنا يتصدق به على أصح القولين ، لا يعطى للزاني، وكذلك في الخمر ونحو ذلك مما أخذ من صاحبه منفعة محرمة فلا يجمع له العوض والمعوض ، فإن ذلك أعظم إثما من بيعه . وإذا كان لا يحل أن يباع الخمر بالثمن فكيف إذا أعطي الخمر وأعطى الثمن؟
وإذا كان لا يحل للزاني أن يزني وإن أعطى ، فكيف إذا أعطى المال والزنا جميعا؟ بل يجب إخراج هذا المال كسائر أموال المصالح المشتركة ، فكذلك هناك إذا كان قد باع السلعة وقت النداء بربح وأخذ سلعته فإن فاتت تصدق بالربح ولم يعطه للمشتري فيكون إعانة على الشراء ... "([47]).
ويقول ابن القيم مبينا حكم المال الذي بين يدي من كانت زانية ثم تابت وأرادت التصرف بهذا المال : " فإن قيل : فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت ، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه ؟ أم يطيب لها ؟ أم تتصدق به ؟ إن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض على خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة ، فهذا لا يجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم فلا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض عنه، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان ، وتيسيرا لأصحاب المعاصي ، وماذا يريد الزاني وصاحب الفاحشة إذا علم أن ينال غرضه ويسترد ماله ؟ فهذا مما تصان الشريعة عن الإتيان به ولا يسوغ القول به ، وهو يتضمن الجمع بين الظلم والفاحشة والغدر، ومن أقبح القبح : أن يستوفي عوضه من المزني بها ثم يرجع فيما أعطاها قهرا، وقبح هذا مستقر في فطر جميع العقلاء فلا تأتي به شريعة ، ولكن لا يطيب للقابض أكله بل هو خبيث كما حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن خبثه لخبث مكسبه لا لظلم من أخذ منه ، فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة " ([48]).
ثانيا: أما القول بدفع المال الحرام إلى بيت المال كما يراه الشافعية ، فليس مطروحا اليوم؛ لأن بيت المال لم يعد موجودا وحل محله ما أصبح يعرف بوزارة المالية وهي الجهة الرسمية التي تعنى بضبط السياسة المالية وحسابات الميزانية داخل الدولة، وليس من مهامها تلقي الهبات والتبرعات من الأفراد، كما أن التوجه بالمال الحرام أو المشبوه إلى الدولة والتبرع لها به لم يعد واردا؛ لأن الدولة اليوم -أي دولة - لا تمثل بيت مال المسلمين؛ لعدم انطباق أوصافها على ما قال الفقهاء في اجتهاداتهم ([49]). ولعل هذا السبب هو الذي دعا بعض المحدثين إلى جعل مصرف المال الحرام والمال الضائع مقصورا على الفقراء والمساكين ، إذ عدم وجود بيت مال المسلمين يتولى إنفاق هذه الأموال في المصالح العامة والمشاريع النافعة يخشى إذا قيل : أن هذه الأموال لا بد أن تذهب إلى المصالح العامة أن يتم أخذها ووضعها في غير موضعها فتفوت منافعها على أصحابها ومستحقيها ([50]) .

فإذا تبين عدم رجحان هذين القولين ، يبقى القولان الآخران ، وهما: أن يجعل المال الحرام والمال الربوي والمال المشبوه في الفقراء والمساكين ، أو أن ينفق في المصالح العامة للمسلمين ، فأي القولين أقرب إلى أحكام الشريعة وقواعدها ؟ ([51])
الذي تدل عليه قواعد الشريعة ومبادئها أن هذين القولين لا ضرر فيهما ولا إثم في دفع المال الحرام إلى أحدهما أو كليهما بأن يخصص الحائز للمال الحرام جزءا للفقراء والمساكين ويدفع الجزء المتبقي إلى هيئة أو مؤسسة أو جمعية خيرية ([52]) تعنى بمشاريع عامة ذات نفع عام . وحصر الجهة التي ينفق فيها هذا المال في الفقراء يخالف الأدلة الثابتة التي قضت بدفع المال الحرام إلى بيت مال المسلمين ، ومنها : حديث ابن اللتبية السابق.
أما قياس الفائدة الربوية والمال المكتسب بطريق حرام على المال الملتقط : فلا يستقيم؛ لأن المال الملتقط لا يكون التحلل منه بالتصدق به على الفقراء قصرا، بل جاءت النصوص دالة على أن المال الملتقط يمكن للملتقط أن ينتفع به بعد تعريفه ، ولا يكون ملزما بالتصدق به؛ لوجود الإذن الشرعي بهذا الانتفاع ، وهو ما دل عليه حديث أبي ابن كعب الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب قال : "وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتيت بها رسول الله فقال : " عرفها حولا"، قال : فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ، فقال : " عرفها حولا"، فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته ، فقال : " عرفها حولا"، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، فقال : " احفظ عددها، ووعاءها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها" ([53]).
وعليه ، فالمال الحرام قد يذهب إلى الفقراء والمحتاجين ، وقد يذهب إلى جهة تمثل مصلحة عامة ، كالمشروعات الخيرية ، دون أن يختص بواحد منها حصرا، فمن المقرر في الشريعة : أن من أخطأ وسلك طريقا محرما في كسب المال كان واجبا عليه التوبة والرجوع عن الفعل الحرام ، ومن شروط قبول التوبة : وجوب التحلل مما اكتسب من مال حرام ، والخروج من عهدة الإثم بإخراجه من حيازته ، ويحرم عليه إبقاؤه عنده؛ لأنه ليس مالكا لهذا المال ، فإن كان مالك هذا المال معروفا، فالواجب أن يرد إليه ماله إذا كان أخذ منه بغير رضا واختيار منه ([54]).
يقول ابن تيمية : " فهذه الأموال التي تعذر ردها إلى أهلها لعدم العلم بهم مثلا هي ما يصرف في مصالح المسلمين عند أكثر العلماء، وكذلك من كان عنده مال لا يعرف صاحبه : كالغاصب التائب والخائن التائب والمرابي التائب ، ونحوهم ، ممن صار بيده مال لا يملكه ولا يعرف صاحبه ، فإنه يتحلل منه بصرفه إلى ذوي الحاجات ، أو يجعله في إحدى مصالح المسلمين العامة " ([55]).
المطلب الرابع


التبرع بالأموال الربوية والأموال المشبوهة إلى العمل الخيري


لما كان انتشار الإسلام وحضوره في عصور الإسلام الأولى مؤثرا في نفوس الناس وأفعالهم وتصرفاتهم ، فقد كان الغالب على المال الذي بين أيديهم ، وكذلك المال الذي يتبرعون به لجهات البر ومصالح الخير أنه من كسب حلال ، ومن مصدر طيب ، أي أن مشاريع العمل العام التي كان يقوم الأفراد على إنشائها والإنفاق عليها تؤسس بالمال الحلال ، ويعد تأسيسها ودعم وجودها جزءا من العبادة والطاعة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى ، فلم يكن هناك ما يستدعي بحث حكم تأسيس الأعمال الخيرية بمال من كسب حرام أو دعم الأعمال القائمة بمثل هذا المال ، وقد سلف القول : إنه مع وجود المكاسب الحرام وانتشار التعامل بالربا والقمار واليانصيب ... ظهرت الحاجة إلى البحث في حكم التبرع بالمكاسب الحرام إلى العمل الخيري الذي يهدف إلى تقديم خدمة عامة ،...
ولما كانت الجمعيات الخيرية هيئات عامة تهدف إلى تقديم العون والمساعدة بما تقوم به من أعمال البر والخير : فهي تتولى مباشرة إنشاء وإقامة ومن ثم إدارة مشاريع ذات نفع عام : كالمدارس التعليمية ، والمستوصفات الطبية ، وتنفق ما يأتيها من دعم مالي وما تقوم على جمعه من المال في المصالح والمشروعات الخيرية العامة ، وأعمالها الخيرية متنوعة من حيث النفع المراد من عملها، كما يتعدى دورها إنشاء المستشفيات والعيادات الصحية والمدارس الخيرية ...، إلى المساهمة في نشر الدعوة الإسلامية بإقامة المراكز والمساجد الإسلامية ، وطباعة الكتب النافعة ، وكذلك طباعة القرآن الكريم وتوزيعه داخل البلاد الإسلامية وخارجها، كما أنها تسهم في إعالة الأسر المحتاجة والعائلات الفقيرة ، مما يأتيها من أموال الزكاة والصدقات والهبات والتبرعات ...، وهي بهذا الوصف تؤدي خدمة عامة ينتفع بها عموم الناس.
وقد يقال : بأن المال المشبوه وكذلك المال الحرام الآتي إلى العمل الخيري المكتسب عن طريق الربا أو القمار ... إذا دفعته الجمعيات الخيرية إلى الفقراء والمحتاجين يكون فيه إطعام الفقراء مالا من كسب حرام خبيث ، بينما إذا دفع إلى المصالح العامة لم يكن فيه مثل هذه الشبهة ، والجواب عن هذا : أن من بيده مال من كسب حرام إنما يجعله في الفقراء أو في مصالح المسلمين العامة؛ تخلصا مما بيده من مال خبيث ، لا على اعتبار أنه مالك له ، وإنما باعتبار أنه يريد أن يطهر ماله وذمته مما ليس له ([56]) من المال الذي في حوزته . كما أن الفقير والمسكين أصبح المالك لهذا المال بتمليك الشارع له إياه ، فهو -أي الفقير والمسكين - ينتفع بما يملك ، فلا يكون هذا المال في حقه حراما خبيثا.
وهذا ما يدل عليه مضمون القاعدة الفقهية "تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات " ([57]) فإذا تبدل سبب تملك المال أو العين ، فإن ذلك المال وتلك العين يعد متبدلا حكما وإن لم يتبدل حقيقة ([58]). فإذا كان الانتفاع بالمال الربوي والمال المشبوه ممنوعا على مكتسبه بسبب حرمة طريق كسبه ، فإن هذا المال إذا آل إلى مصرفه يكون حلالا لزوال وصف الحرمة عنه بالسبب الجديد للتملك ، فكأنه تحول حكما من حال إلى حال ، فيتغير وصفه من الحرمة إلى الحل . ولا يختلف الحكم في الأموال التي تودع في المصارف الربوية ، فالحكم في فوائد هذه الأموال أن لا تترك للمصارف ، بل الواجب أخذها والتحلل منها بتحويلها إلى جمعيات الإغاثة ومؤسسات العمل الخيري في البلدان الإسلامية؛ لتقوم هذه الجمعيات بتوزيعها على المحتاجين والمعوزين ، أو تقوم هذه الجمعيات باستثمار مثل هذه الأموال في إنشاء المشروعات العامة ، كبناء المدارس والعيادات الطبية والمستشفيات؛ ليستفيد منها أبناء المسلمين ، ثم أن بقاءها للمصرف يقوم مقام إلقاء هذه الأموال في البحر أو حرقها أو إتلافها ، وهذه الأموال لا صاحب لها فأولى أن تنفق فيما ينفع المسلمين ([59]).
وبهذا البيان يجوز أن يدفع حائز المال الحرام ما في يده من مال حرام إلى جهة خيرية ترعى مصلحة عامة أو مشروعا خيريا كبناء مستشفى ، أو مدرسة ، أو دار للأيتام تعنى بمصلحتهم وتقوم على شؤونهم ، أو يدفع هذا المال إلى مستوصف طبي خيري يعالج من كان محتاجا إلى العلاج دون مقابل مالي ، وما شابه ذلك من مشاريع لا يكون نفعها محصورا بفرد أو طائفة معينة من الناس ، بل ينتفع به عامة من قصده فقيرا كان أو ليس بفقير.
والبناء على هذا الأصل يظهر منه أنه يجوز للجمعيات الخيرية - بوصفها جهة عمل عام - أن تستقبل ما كان من مال حازة من بيده من مصدر كسب حرام ، أو كان كسبه مشبوها، فلا بأس عليها أن تستقبل مثل هذا المال وأن توظفه في عمل الخير والإغاثة على اعتبار أن ما تقوم به من عمل وما تؤدي من وظيفة يمثل مصلحة عامة.
وقد نحا مجمع الفقه الإسلامي نحو هذا الرأي ، حيث جاء في قراره في دورته التاسعة التي عقدها في مكة المكرمة : " كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية حرام شرعا، ولا يجوز أن ينتفع به المسلم في أي شأن من شؤونه ، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين من مدارس ومستشفيات وغيرها، وليس هذا من باب الصدقة ، وإنما هو من باب التطهر من الحرام ، ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك لتتقوى بها ...، علما بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة "([60]).
كما جاء في قراره في دورته الثالثة التي عقدها في عمان بشأن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية بخصوص التصرف في فوائد الودائع التي يضطر البنك الإسلامي للتنمية لإيداعها في المصارف الأجنبية "يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لأمواله من آثار تذبذب العملات بواسطة الفوائد المنجرة من إيداعاته؛ ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث وتوفير وسائل الإغاثة وتوفير المساعدات المالية للدول الأعضاء وتقديم المساعدات الفنية لها، وكذلك للمؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الإسلامية ".
وهذا ما رجحه المشاركون في ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي التي عقدت في المدينة المنورة في الفترة 17-20 رمضان 1423 هـ جوابا عن استفتاء من بعض المسلمين الذين يعيشون خارج البلدان الإسلامية وتستحق لهم فوائد ربوية على أموالهم المودعة في البنوك الربوية ، ونص الاستفتاء : هل يجوز لمن تحققت له فوائد ربوية على أموال يملكها في خارج البلاد الإسلامية أن يدفع من تلك الفوائد الضرائب التي تتحقق على نشاطه في تلك الدولة؟
فكانت الفتوى : "يوصي فقهاء الندوة ([61]) أصحاب الأموال من المسلمين بتوجيه أموالهم أولا إلى المصارف والمؤسسات والشركات الإسلامية داخل البلاد العربية والبلاد الإسلامية ثم إلى خارجها، وإلى أن يتم ذلك تكون الفائدة التي يحصلون عليها كسبا خبيثا، وعليهم استيفاؤها والتخلص منها بصرفها في مصالح المسلمين العامة، ويعتبر الاستمرار في إيداع الأموال في البنوك والمؤسسات الربوية مع إمكان تفادي ذلك عملا محرما شرعا" ([62]).

كما جاء في الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية الصادرة عن بيت التمويل الكويتي عن الغرامات التي تستحق نتيجة التأخر في سداد بعض الشركات الخارجية ما عليها من التزامات أن يتم أخذ هذه الغرامات زجرا لهذه الشركات وتأديبا لها عن التأخر والمماطلة ، على أن يصرف المبلغ المأخوذ في أوجه الخير العامة والفقراء ([63]).
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]