
08-04-2019, 04:59 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة :
|
|
رد: مرحــبا بـالحبيب الـــوافد (احكام خاصة بالصيام)
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
اللجنة العلمية
الترغيب والحثُّ على تلاوة القرآن في شهر رمضان!
السؤال: ما وجه قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185] بين آيات الصيام؟ الجواب: إنه حثٌ بيِّنٌ على تلاوة القرآن في هذا الشهر الكريم؛ إذ هو شهره الذي نزل فيه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارضه جبريل بالقرآن في كل عام مرةً في رمضان، فلما كان العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم عارضه بالقرآن مرتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أرى ذلك إلا لحضور أجلي).
وكذلك قد يطرح سؤال مشابهٌ هو:
ما وجه تخلل قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] بين آيات الصيام؟
فالجواب: وبالله تعالى التوفيق، والعلم عند الله تعالى: أن هذا أيضاً حثٌ على الدعاء، فالصائم من الذين تستجاب دعوتهم، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر)، وذكر الحديث، فعليه: يستحب للصائم أن يكثر من الدعاء أثناء صومه، ويستحب له كذلك أن يكثر من تلاوة القرآن، هذا وبالله التوفيق. ......
لتكن علاقتنا بالقرآن في شهر رمضان علاقة استثنائية:
لابد من أن تكون علاقتنا بالقرآن في رمضان علاقة استثنائية، ومهما كان اهتمامنا بالقرآن خلال العام كله فلابد من أن يكون هناك مزيد من الاهتمام الخاص في رمضان الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقرآن، كما في قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:1 - 5]. فالقرآن جمع له الشرف من كل الوجوه، فهو أشرف كتاب نزل على أشرف أمة بسفارة أشرف الملائكة جبريل عليه السلام، نزل على أشرف نبي وهو محمد عليه الصلاة والسلام في أشرف شهور السنة وهو رمضان في أشرف ليالي هذا الشهر الكريم وهي ليلة القدر في أشرف بقاع الأرض وهي مكة بأشرف لغة وهي اللغة العربية، فهذا القرآن الكريم قد جمع له الشرف من كل الوجوه. فإذاً ينبغي أن تكون أيام رمضان ولياليه فرصة لعقد صلح مع القرآن، وتكون الخطة هي التهيؤ لرمضان قبل حلوله، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه في كل ليلة من رمضان ينادي مناد: (يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر!). فمن أعظم الخير الذي ينبغي أن ينتهزه الإنسان في رمضان هو تلاوة القرآن الكريم؛ لأن رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يكثر العبد من تلاوته وحفظه وتدبره وعرضه على من هو أقرأ منه. وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وفي العام الذي توفي فيه دارسه فيه مرتين.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ' وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المدوامة على ذلك، فأما الأوقات المفضلة - كشهر رمضان - خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر - أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم'.
وماذا عن عبادة الليل؟!
إن القراءة بالليل من أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذتها للعابدين إلا في وقت الظلمة، لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ثلث الليل الآخر ينْزل ربنا إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطية؟
هل من مستغفر فأغفر له؟ …)).
وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان ـ مع ما يحصل منا من السهر ـ وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذة عبادة الليل.
فَشَمِّرْ عن ساعد الجِدِّ، وأدركْ فقد سبق المشمرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلاً بل كن رأسًا، والله يوفقني وإياك لكما يحب ويرضى.
ولو رتَّب المسلم لنفسه برنامج قراءة للقرآن كل ليلة؛ لارتبط بعبودية لله، ولم يكن في لَيلِهِ من الغافلين، لا جعلني الله وإياك منهم.
ومما قد يغيب عن أذهاننا في أيامنا هذه: أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبت الليل إلى نهار، فانقلبت بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعله الليل لهم سباتًا يرتاحون فيه، أقول إنه قد يغيب عنا لذة العبادة في الظلمة، لذا لو جرَّب المسلم قراءة القرآن من حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإن في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشغِل المرء في قراءته أو صلاته.
ومن جرَّب العبادة في الظلمة وجدَ لذة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء.
كيف نتأثّر بالقرآن؟
يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟
ولا شكَّ أن ذلك عائدٌ لأمور من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا بدَّ من وجود قدرٍ من التأثر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى ذلك؟
إنَّ البعدَ عن المعاصي، وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثر بهذا القرآن، وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن.
والتأثر بالقرآن حال تلاوته يكون لأسباب متعددة، فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّئًا، وقلبه مستعدًا لتلقي فيوض الربِّ سبحانه وتعالى.
فمن بكَّر للصلاة، وصلى ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذكر فإنَّ قلبه يتعلق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه، ويستشعر معانيه؟!
ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها، فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها.
ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته، فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثر بكلام ربِّه أولَى ممن لم يفعل ذلك.
وإنك لتجد بعض المسرفين على أنفسهم ممن هداهم الله قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربهم، وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمن سبقهم إلى الخير أن يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يعينه على خشوعه وتأثره بكلام ربِّه.
استحباب ختم القرآن الكريم في شهر رمضان! حديث شريف عظيم!
عن أوس بن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فنزلت الأحلافُ على المغيرة بن شعبة، وأنزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول: لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحربِ بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال: "إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه" قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده. الحديث أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم.
وهو حديثٌ شريفٌ عظيمٌ، له وقعٌ في النفوس وخفقٌ في الجوانح، جعلهُ أهلُ العلم أصلاً في "تحزيب القرآن" و"تجزئة المصاحف" وبوّبَ الإمام أبو داود في سننه: "بابُ تحزيب القرآن" - 2/ 237 ط عوّامة - فأورد هذا الحديثَ ونظائره لبيان طريقةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه في قراءة القرآن العظيم والمداومة على ترتيله وتجويده بنظام مشيد محكم ينتظم اليوم والليلة دائباً متصلاً.
والله يعلمُ كم يأخذني هذا الحديثُ بجلالة وقعهِ وحُسن عرضهِ وسلسبيل لفظه إلى عوالم أخرى من السكينةِ والتعظيمِ والتوقيرِ للنبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - تفوق الوصف وتجتاز التقديرَ، وهو يفدُ - صلى الله عليه وسلّم - في لهفٍ إلى هؤلاءِ القوم الذين قدموا عليه من أقاصي البلاد يحدوهم الشوقُ المبرّح للقائهِ ورؤية وجههِ الشريف، فيستعذبُ في سبيل تعليمهم الوَصَبَ ويستطيبُ النَّصَبَ، ويحنو عليهم حنوَّ الوالدِ على ولدهِ ويخاطبهم بأرق العبارات وأنداها، ويراوح بين قدميه الشريفتين من طول القيام في جنب الله ناصحاً مذكّراً قائماً بحق الدعوة وتبليغ شرعِ الله، ويغمرني الحنين والشوق إلى ذيّاك المجلسِ الآنس ببثِّ الحبيبِ المُحب صلّى الله عليه وسلّم إلى أولائه من صالحي المؤمنين وهو يستعبرُ ذاكراًَ ما جرى له من الأذى في ذاتِ الله، فتخضعُ جوانحي وتغشاني المهابة وأنا أقرأ همهماتهِ الأسيفة على قومٍ جاءهم كالنسيم العليل ليأخذ بحجزهم عن النّار ويحميهم من سعيرها ولهيبها البئيس، فيأبون إلا الوقيعة فيها مرتكبين أشنع الجرائم بإيذاء حبيبِ الله وخليلهِ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
ثم اقرأ معي - بسكينةٍ وخضوع - شوقَ أولئكَ الوافدين على حضرتهِ، وهم يعدّون مستكثرين ساعاتِ الوقتِ ويحسبون أجزاءهُ في انتظار طلعتهِ البهيّة ومقدمهِ المهيبِ، فوالله إنّه ليتملّكني العجبُ كيف بقيتْ قلوبهم في الصدور ولم تنخلع منها فرحاً وتعظيماً لرؤيتهِ بعد أن خنقهم الوقتُ وأطبق على أنفاسهم في ترقّبِ ذلك القادم من عالم الغيبِ لينقذهم الله به من أسفل السافلين إلى أعلى العليين.
فإذ بالحبيبِ الشفيق صلى الله عليه وسلم يمسحُ عنهم شعثَ الشوقِ وسفحَ سوائمهِ بعذبِ خطابه قائلاً: "إنّهُ طرأ عليَّ جزئي من القرآن، فكرهت أجيءُ حتى أتمّه" يالله ما أرقهُ من عذرٍ يبديهِ هذا النبيُّ العظيمُ صلى الله عليم وسلّم، وكأنّهُ يستلطفُ قلوبهم التي ناءت بثقل أحمال الشوق والجوى بأنّهُ كان في لقاءٍ - وأيُّ لقاءٍ! - لا يقبلُ التأجيل ولا التسويفَ مع كلامِ الله وتلاوةِ آياتهِ، ومن ذا الذي تسمحُ نفسهُ وتطيبُ بتركِ الاستلذاذ بالقرآن والتنعّمِ بآياته مستقبلاً أمراً آخر كائناً ما كان الأمرُ!
إنَّ هذا لدرسُ الأولوياتِ في الدعوةِ والتعليمِ يا أرباب السلوكِ والتربيّةِ! أما واللهِ إنّهُ لا يعلو على تزكيةِ الروح وتطهيرها بكلام الله والتنعّم بالنظر في كتابهِ والتلذّذِ بتلاوة آياتهِ وسكبِ العبراتِ بين يدي تدبّر معاني القرآن شيءٌ.
إنّه القرآن، كلام ربّك، تنزيلٌ من حكيم حميدٍ، حين يهزّك الحنين والشوقُ إلى التبتّل في محرابِ التدبّر والتفكّر مسبلاً دمعاتِ الندم والأسف واللهفةِ والإجلال، فتغدو معها مباهج الحياة ومغانيها أحقرَ من ذرّة رملٍ في فلاة أبيّةٍ على الإحاطة.
ما الدّنيا؟ ما أموالها؟ ما مفاتنها؟ ما مغانيها؟ ما ملاعبُها؟ ما حطامها الزائلُ؟ ما القصورُ ما الدورُ؟ إنّها لتغدو قاعاً صفصفاً أمام ترنيم العبدِ وتغنّيه بكلام ربّهِ، فتغشاه سكينةُ الصالحين وتعلوه وضاءةُ الذاكرين ويذكرهُ ملك الملوك فيمن عنده، فإذا بالدنيا ريشةٌ تتقاذفها أعاصير الثقة بوعد الله والأنس بنعيمه.
هذا الحديثُ أصلٌ في مسألةِ تحزيب القرآن، والتحزيبُ للقرآن أن يُجعلَ على أجزاءٍ متسقةٍ تقرأ ورداً متصلاً في مدةٍ معلومةٍ، والتحزيبُ من سنن الصالحينَ وطرائقِ المنيبينَ وهدْي المُخبتينَ، وهو دأبٌ درجَ عليه السالكون طريق العبوديّة فما قصّروا عن تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النّهارِ، فكان لكلٍّ منهم زمنهُ المعروفُ يختم فيه تلاوة القرآنِ على مدى حياتهِ، وما بدّلوا تبديلاً.
وقد فهم ذلك أوسُ بن حذيفة - رضي الله عنهُ - راوي الحديثِ، فقاس الغائبَ - وهم الصحابة - على الحاضر - وهو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم -، فأيقن أنهم على دربه في تجزيء القرآن وتحزيبه سائرون ولهديه في ذلك مقتفونَ، ولهذا بادر بسؤال أصحابِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّمَ عن تحزيبهم للقرآن حتى يستنَّ بهم ويهتدي بهديهم، فأخبروه أنهم يجعلون القرآن أحزاباً كل حزبٍ يشتملُ على عددٍ من السورِ التامّةِ.
وظاهر هذا الحديثِ، إذا قرنت إليه إرشاد النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كما في الصحيح بقوله: "واقرأ القرآن في كل سبع ليال مرة" يقضي بأنَّ المعمولَ به لدى الصحابةِ - رضوان الله عليهم جميعاً - هو ختمُ القرآن في سبعة أيام، وأنَّ هذا هو مقتضى السنّة في ذلك.
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية الكلام في موضوع تحزيب القرآن في مجموع الفتاوى، ولخّص مهمّاتِ الكلام عليها، ومن أهمِّ ما بيّنه الشيخُ في ذلك أنَّ طريقةَ الصحابةِ في تقسيم الأحزاب القرآنيّة كانت على السورِ التامة، فلم يكن الصحابة يحزّبون القرآن بحسب عددِ الأجزاءِ وأحزابها المعروفةِ في المصاحفِ الآن، فإن هذه وُضعتْ في زمن الحجاج بن يوسف بحسب عدِّ الآي والحروف ونحوها فيجعلون الحزب قدراً متسقاً من الحروف دون النظر إلى مطالع السور وخواتيمها أو الاعتبار للمعاني وتمامها، وأمّا الصحابةُ فإنهم كانوا يحزّبون القرآن بحسب السور التامة وهو ما يكونُ أعونَ على تدبّر كلام اللهِ تعالى إذ تتضمّن السورُ المعاني متصلة تامّةً فيستوفي القارئ للسور النظرَ في مجموع الآيات الواردة ويُحكمُ تدبّرها وفهمها دون أن ينقطع المعنى أو يقفَ على كلامٍ يتصلُ بما بعدهُ، فيفتتحون القراءة بما فتح الله به السور من المطالع العظيمة التي تأخذ بمجامع القلوب فتزلزلها هيبة وخضوعاً، ويختتمون بما ختم به من الخواتيم المحرّكة للأرواح.
ثمَّ إن كان التحزيبُ في مدةٍ تصلُ إلى الشهر فإنَّ القارئ يحتاجُ إلى فصلِ بعض السور كسورةِ البقرة فحينئذٍ يفصلُ للحاجةِ إلى ذلك على أن يكونُ تحزيبُ السورةِ بالوقوفِ عند المعاني التامةِ المستوفاة فيجعل سورة البقرة حزبين وهكذا.
وذهب بعض السلف إلى تحزيب القرآن على أسباعٍ لا تُراعي خواتيم السور، كما روى ابن أبي داود عن قتادة أنه جعل القرآن أسباعاً ينتهي السبع الأول عند الآية 76 من النساء، والثاني عند الآية 36 من الأنفال .. إلخ ما رواه ابن أبي داود في كتاب "المصاحف" 1/ 466، ولا ريب أنَّ طريقة الصحابة أقوم وأصوب.
وقد كان من عاداتِ بعض السادات من أهل العلم أن يجعلوا ختم القرآن في يومي الاثنين والخميس حتى يوافق ذلك ارتفاع الأعمال وعرضها على الله تعالى، فمن أراد أن يختم في كل أسبوعٍ محزّباً القرآن على طريقةِ الصحابةِ رضي الله عنهم فإنَّ عليه أن يبدأ القراءة يوم الجمعة حتى يختم يوم الخميس فيصيب فضل ارتفاع العمل حال ختم القرآن العظيم.
وإذا عرضنا للتحزيبِ المسبّع بحسب طريقة الصحابة التي أوردها أوس بن حذيفة - رضي الله عنه - في حديثهِ، وهي أيضاً طريقة أكثر السلف كما نقل ذلك عنهم النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 61 فإنّهُ سوف يكون على النحو الآتي:
- اليوم الأول: 3 سور هي: البقرة وآل عمران والنساء.
- اليوم الثاني: 5 سور هي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.
- اليوم الثالث: 7 سور هي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل.
- اليوم الرابع: 9 سور هي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان
- اليوم الخامس: 11 سورة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس.
- اليوم السادس: 13 سورة: الصافات وص والزمر وغافر وفصّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات.
- اليوم السابع: 65 سورة وهي المفصّل: من سورة ق إلى آخر المصحف الشريف.
فهذه 113 سورة من المصحف، وتبقى فاتحة الكتاب وهي داخلة ضمن قراءة الثلاث الطوال الأولى ولكن لقصرها أُسقطت في العدِّ.
قال الدكتور عبدالعزيز الحربي في كتابه "تحزيب القرآن" ص108 - 109: "ولله هذا التحزيب ما أحسنه وما أجملهُ وما أجلّه، فقد جمع بين النظائر على نسقٍ، فلم يفصل بين الأنفال والتوبة، وهما كالسورة الواحدة، وجمع بين السور المفتتحة بالحروف المقطعة المختتمة بالراء، ولا فصل بين العتاق الأول (الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء)، وجمع بين الطواسين (الشعراء والنمل والقصص)، وذوات "ألم" (العنكبوت والروم ولقمان والسجدة)، ولم يفصل بين الحواميم السبع، وجعل المفصل على حدة، ثمَّ هو فوق ذلك مقسّم في أعداده أحسن تقسيم بطريقة لا كلفة لمعرفتها وترتيبها على الأوتار: ثلاث، وخمس، وسبع .. إلخ".
وأقل ما وردتْ به السنّة في الختم أن يكون في ثلاثة أيام كما ورد بذلك توجيه النبي صلى الله عليه وسلّم لعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - في الصحيح فهذا غاية ما يقع من العزيمة في ختم القرآن، وغاية ما روي من التوسعة والترخيص في ذلك مرفوعاً إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقرأ في أربعين يوماً كما في رواية أبي داود لحديث عبدالله بن عمرو وفيه: " اقرأه في أربعين يوماً"، وهذا غايته من جهة توسيع المدة وذلك غايته من جهة التضييق، فمن قرأه في أقل ذلك لم يكد يوفّقُ إلى تدبره والتمعّن في معانيه، ومن أدّاهُ حاله إلى قراءته في مدة تزيد عن الأربعين أوشك أن يحمله ذلك على التراخي والتواني، وخيرُ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلّم وهدي أصحابهِ - رضي الله عنهم - وهو الختم ما بين السبع إلى الشهر.
على أنَّ الإمام النووي - رحمه الله - نقل في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" ص 59 عن ابن أبي داود أنه روى ختم بعض السلف للقرآن في شهرين، فتكون غاية التوسعة في الختم أن يكون في شهرين بناءً على عمل بعض السلف، وإن كان الأكثرون على أنه لا ينبغي ترك الختم في أكثر من أربعين يوماً كما نقل ذلك الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى هذا يكون تجزيء القرآن وتحزيبه بحسب مدة الختم، والمنقول عن السلف في ذلك تردده ودورانه بين أقصى مدته وهي الشهران وأدناها وهي الثلاثة أيام وما بين ذلك فالمنقول عنهم ختمه كل شهر، أو كل عشر ليال، أو ثمانٍ، أو سبعٍ، أو ستٍ، أو خمسٍ، أو أربعٍ، ذكر ذلك النووي في "التبيان" ص 59، وقد تتبع الدكتور عبدالعزيز الحربي في "تحزيب القرآن" ما روي من المدد الأخرى التي يُختم فيها سواءً بحسب الوارد من النصوص أو عملاً لدى السلف فذكر الختم في كل خمسة وعشرين يوماً، أو في عشرين، أو في خمسة عشر، أو في كل أحدى عشر، أو تسعة أيام، وهذين الأخيرين لم يجد أحداً نصَّ على الختم فيه غير أنّهُ ذكر للختم في كل أحد عشر يوماً مزيّة حسنةً تُراجعُ في كتابه ص 124 - 125.
فهذه 15 مدة يُمكن ختم القرآن فيها وتحزيبه، كلُّ حزب بحسب المدّة طولاً وقصراً: شهران، 40 يوماً، شهر، 25 يوماً، 20 يوماً، 15 يوماً، 11 يوماً، 10 أيام، 9 أيام، 8 أيام، 7 أيام، 6 أيام، 5 أيام، 4 أيام، 3 أيام.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" جدول مفصّل بالمدد وما يناسبها من أحزاب القرآن وأجزائه، ولكل قارئ أن يختار منها ما هو ألصق بحاله وأرعى لظروفه، والكتاب جدير بالاطلاع وهو من مطبوعات دار ابن حزم.
ومن السلف من كان يختم ثمان ختمات منجّمة بين اليوم والليلة كما نقل النووي في "التبيان" ص 60 عن ابن الكاتب أنه كان يختم بالنهار أربع ختمات وبالليل أربع ختمات، ثم علّق النووي بقوله: "وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة".
ومن النّاس من حملهُ حبُّ القرآن والتعلّقِ به إلى أن ختمهُ قراءة في ركعة واحدةٍ، فقد ثبت ذلك عن ريحانة القرّاءِ وإمامهم عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - وثبت كذلك عن غيره بل قال النووي في "التبيان" ص 60: "وأما الذي يختم في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم"، وسمعتُ من شيخنا العلامة العابد محمد بن محمد المختار الشنقيطي غير مرّة أنَّ والده ممن ختم القرآن في ركعةٍ واحدةٍ قام بها من الليل، وهذا وإن فعلهُ هؤلاء العبّاد الصالحون أصحاب المقامات العالية إلا أنه لم يكن لهم بعادة ولا طبعٍ، والأتم الأكمل هو سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم وهديه بتوزيع القراءة على الأيام حتى يكون أعون على فهم القرآن وتدبّر آياته.
ثمَّ إنَّ هؤلاء الذين ختموا القرآن في أقل من ثلاثة أيام وإن خالفوا ظاهر الأمر النبوي بعدم قراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام إلا أنَّ لبعضهم تأويلاً سائغاً في ذلك وهو ما ذكره المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 8/ 273 بقوله: "ولو تتبعت تراجم أئمة الحديث لوجدت كثيراً منهم أنهم كانوا يقرؤون القرآن في أقل من ثلاث، فالظاهر أنَّ هؤلاء الأعلام لم يحملوا النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على التحريم".
وقد ذكر الشيخ مازن الغامدي - عليه رحمة الله - في كتابه الذي هو قطعة أثيرةٌ من روحهِ العذبةِ الشفّافة "رحلتي إلى النور" أنَّ الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله - كان يقرأ في شهر رمضان كل يومٍ عشرة أجزاءٍ من القرآن، فيحصّل بذلك فضيلة ختم القرآن في كل ثلاثة أيام مرّة، وممّا ذكرهُ عن الشيخ أنّهُ دخل إلى مصلّى الجمعة الذي في مقدمة جامعه أحد الأيام من رمضان فختم عشرة أجزاء وهو يمشي في المصلى ذهاباً وإياباً.
وفي كتاب "تحزيب القرآن" ص 139 أنَّ الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كان يختم القرآن في قيام الليل كل شهر مرّة يقرأ كل ليلةٍ جزءاً من القرآن في صلاته.
والهائمون بكتاب الله، المنقطعون إلى رياضهِ، المستعذبون لمعانيه وأحكامه كثرٌ، لا يزيدهم إقبال النّاس على الدنيا إلا تمسّكاً بالكتاب العزيز، وتطوافاً بمغانيه الروحانيّة، وحياضه الإيمانيّة، وعضاً عليه بالنواجذِ، ومن أعجب من وقفت على خبره في تتبّعِ كلام الله سماعاً وإسماعاً، وحرصاً على تلقّيهِ من الشيوخ الثقاتِ بأسانيده المتصلةِ الإمام أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي، فقد أخذ القرآن عن 365 شيخاً من آخر المغرب إلى باب فرغانة يميناً وشمالاً وجبلاً وبحراً، حتى قال عن نفسه: "ولو علمت أحداً يقدم علي في هذه الطريقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته"، قال فيه الذهبي في كتابه "معرفة القراء الكبار" - ط. طيار قولاج - 2/ 819: "إنما ذكرت شيوخه وإن كان أكثرهم مجهولين، ليُعلم كيف كانت همّة الفضلاء في طلب العلم"، وانظر أيضاً "منجد المقرئين" لابن الجزري ص 188 - 189.
لله هذه الهمم الصالحة في تعظيم القرآن تلاوة وتعلّماً وسماعاً!
يُستحبُّ ختم القرآن في رمضان، ولكن!
يستحب للمسلم أن يكثر من قراءة القرآن في رمضان ويحرص على ختمه، لكن لا يجب ذلك عليه، بمعنى أنه إن لم يختم القرآن فلا يأثم، لكنه فوت على نفسه أجوراً كثيرة.
قال النووي رحمه الله معلقاً على مسألة قدر ختمات القرآن:
" والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر، لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له.
وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة "."التبيان" (ص76).
ومع هذا الاستحباب والتأكيد على قراءة القرآن وختمه في رمضان، يبقى ذلك في دائرة المستحبات، وليس من الضروريات الواجبات التي يأثم المسلم بتركها.
و أما حديث ابن عمرو قال قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث * [أبو داود 1394و الترمذي 2949وقال حديث حسن صحيح] فقد أجاب عنه الأئمة رضي الله عنهم.
قال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان، خصوصا في الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان و المكان، و هو قول أحمد و إسحاق و غيرهما من الأئمة و عليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره [لطائف المعارف 360]
قال الذهبي رحمه الله: و لو تلا و رتَّل في أسبوعٍ و لا زمَ ذلك لكان عملاً فاضلاً، فالدين يسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة و الضحى و تحية المسجد مع الأذكار المأثورة الثابتة و القول عند النوم و اليقظة و دبر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع و الاشتغال به مخلصا لله مع الأمر بالمعروف و إرشاد الجاهل و تفهيمه و زجر الفاسق ونحو ذلك … لشغل عظيم جسيم و لمقام أصحاب اليمين و أولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب فمتى تشاغل العبد بختمة في كل يوم فقد خالف الحنيفية السمحة و لم ينهض بأكثر ما ذكرناه [السير 3/ 84 - 86]
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل يجب على الصائم ختم القرآن في رمضان؟
فأجاب:
" ختم القرآن في رمضان للصائم ليس بأمر واجب، ولكن ينبغي للإنسان في رمضان أن يكثر من قراءة القرآن، كما كان ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام يدارسه جبريل القرآن كل رمضان " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ 516)
أيسر طريقة لختم القرآن فى رمضان
عدد صفحات المصحف = تقريباً 600 صفحة،
600 صفحه ÷ 30 يوم = 20 صفحه يومياً
20 صفحه يوميا ÷ 5 صلوات = 4 صفحات بعد كل صلاة
فقط أربع صفحات بعد كل صلاة!
والنتيجه = ختم القرآن الكريم كاملاً في الشهر!
ومن أراد أن يختم القرآن مرتين في الشهر؛
فالطريقة أيضاً سهلة جداً:
يقرأ 4 صفحات قبل كل صلاة
و 4 صفحات بعد كل صلاة
فما أعظمه من أجر ..
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|