عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-04-2019, 03:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,090
الدولة : Egypt
افتراضي فتاتنا الجامعية والمهمة الغائبة

فتاتنا الجامعية والمهمة الغائبة


أ.د.. سارة بنت عبد المحسن بن جلوي آل سعود

بعد سبات طويل تجاوز القرنين من الزمان، استيقظ المسلمون ليجدوا أنفسهم وقد فاتهم ركب الحضارة، وهم في حالة تأخر، وجمود، وفكر تحجر بمرور سنين من الانحطاط، يعيشون حالة من التبلد، والركود، والسلبية والانهزامية النفسية المريرة.
خلفهم حضارة إسلامية عظيمة، وماض مشرق مجيد ساد الدنيا وارتقى بالأمم، وأمامهم حضارة غريبة وصلت إلى أعلى درجات التقدم التقني، والاكتشافات العلمية، والرقي الحضاري الذي أسهم في بناء حضارة إنسانية متقدمة، استطاع خلالها الإنسان أن يحل الكثير من مشكلاته المادية التي عانى منها قروناً طويلة. نظر المسلم إلى واقعه فماذا وجد..؟
وجد أنه محاصر بالتخلف، والجهل، والجمود الفكري، والانحطاط العام في كل ميادين الحياة، والبعد عن تعاليم ربه ومنهاج نبيه صلى الله عليه وسلم، وفوق كل هذا احتلال عسكري أجنبي يستنزف دماءه، وغزو فكري نشط يظهر أثره في كل المجالات.
غرب يملك كل مقومات الحضارة المعاصرة، وشرق يفتقر إلى أبسط أسسها ويعيش في غفلة، وفراغ، وذهول عما يحيط به. فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة المنطقية لهذا التقدم والنشاط عند الغرب، والغفلة والجمود عند الشرق، أن فتنت فئات من المجتمع ببريق الحضارة الغربية، ذاك البريق الذي خطف أبصارها واستفز مشاعرها، وأثار في نفسها الرغبة في الصمود للتحدي وتأكيد الذات، إذا فقد وضع العالم الإسلامي نفسه في موضع التحدي الحضاري، هذا التحدي أوجد حركة انبعاث بين المسلمين، تمثلت في تيارات إصلاحية متعددة، تراوحت بين محاك مندفع تجاه كل ما هو غربي، ورافض مقاوم له.
تمثلت الفئة الأولى في التيارات الليبرالية، واليسارية وما انضوى تحت لوائهما من أحزاب سياسية وجماعات فكرية، كالعلمانية وما تقوم عليه من دعوات قومية، واجتماعية وأخلاقية، والاشتراكية الشيوعية، ونبذ الدين، والإقبال على الحياة المادية الحضارية بكل معطياتها، هذه المذاهب كانت جميعها متحدة في الأصول وإن اختلفت في تفريعاتها.
ومثلت الفئة الثانية، الحركات الإسلامية المعاصرة والتي حاولت جاهدة أن تقف في وجه هذا المد، ولكن ضعفها وقلة خبرتها وإمكاناتها لم تمكنها من ذلك وإن أثرت فيه.
في دوامة هذا الصراع العقدي، الفكري، والأخلاقي، والسياسي ماذا كان حال المرأة المسلمة؟
الواقع أن موضوع المرأة المسلمة كان من أظهر الموضوعات التي انهزم فيها المجتمع الإسلامي أمام التدفق القوي لهذا المد.
فنشأ في المجتمع ما يمكن أن نسميه مشكلة المرأة في المجتمع الإسلامي؛ ويرجع ذلك لأسباب وظروف داخلية وخارجية أحاطت بالمرأة في القرون المتأخرة، أو ما يطلق عليه( قرون الانحطاط) أو (الضعف).
ففي هذه القرون سلبت المرأة كل ما أعطاها الإسلام من حقوق ومكانة، وحولت إلى كم مهمل لا قيمة له ولا شأن، وأصبحت تعد من سقط المتاع، وضعها قرين للتخلف، والجهل، السلبية المطلقة والبعد عن حياة المجتمع والتفاعل معه.
وأمام هذا الوضع المهين للمرأة المسلمة، وتصارع التيارات الفكرية المتباينة انقسم المجتمع إلى فئتين:
الفئة الأولى: التغريبية الداعية إلى تحرير المرأة المسلمة من رق العبودية للرجل أياً كان زوج، أب، أبن، أخ، ومن سجن البيت، ورأت في المرأة الغربية وتحررها نموذجاً صالحاً، ومثالاً رائعاً يجب أن يحتذى، مهما كانت التضحيات، وتحركت هذه الفئة باتجاه التغريب والتبعية الذليلة للغرب، دون محاولة للفحص والتمحيص، أو إيجاد نوع من التوازن بين ما لديها من قيم إسلامية أصيلة، وأفكار وتقاليد وافدة.
الفئة الثانية: سلكت الاتجاه المعاكس تماماً، فآثرت الانعزال والتقوقع داخل شرنقة التقاليد الموروثة، دون تمييز بين أن تكون لها أصول إسلامية أو جذور عربية جاهلية.
والحقيقة: أن الظلم الفادح والمهانة التي تعرضت لها المرأة في عصور انحطاط المسلمين، والذي حولها إلى كم مهمل لا قيمة له، ولا رصيد عنده من ثقافة أصيلة تحميه، فتح الباب على مصراعيه أمام تيارات المد الغربي الذي عمل على الإطاحة بكل ما هو إسلامي في كثير من المجتمعات الإسلامية، وكانت المرأة التي رزحت تحت أنواع شتى من المظالم أسرع فئات المجتمع وأكثرها تجاوباً وتفاعلاً مع أفكار هذا المد ومعطياته، ذلك أن الإسلام صار بالنسبة لها سجناً يحجبها عن الحياة، عن العالم المتقدم، عن الاستقلالية والشعور بالذات.
ووجدت في مشاريع التغيير التي قدمتها الحركات العلمانية الليبرالية، والقومية والاشتراكية، الطريق الذي يوصلها إلى تحقيق مكانتها ومحاكاة المرأة الغربية، وكانت هذه المشاريع جميعها تهدف إلى تغريب المجتمع المسلم وتشويه خصائصه ومقوماته، واقتلاعه من جذوره الإسلامية وتذويبه في إطار الحضارة الغربية، وتكريس التبعية الذليلة للغرب، ليصير مجتمعاً مسخاً بلا هوية، بلا شخصية.
وهكذا أصبحت المرأة المسلمة في كثير من البلاد ذيلاً للمرأة الغربية وصورة مشوهة لها في شكلها الظاهري، وإن لم تضاهها في رقيها العلمي وثقافتها الفكرية.
وبالرغم من هذا النجاح للتيارات الفكرية الليبرالية واليسارية، إلا أنها لم تستطع الصمود في وجه الفكر الإسلامي الصحيح، والعقيدة الصافية، فمع مرور الوقت ثبت فشلهما في المجتمع المسلم، على الصعيد الاقتصادي، والنفسي والروحي، والأخلاقي، وحتى العسكري، والسياسي.
لقد كانت إنجازاتهما جزئية، ومكاسبهما وقتية، لكنها أثرت في المجتمع المسلم بصورة لا يمكن تجاهلها؛ لأنها أدت إلى اضطرابات سياسية، واجتماعية وصراعات داخلية، أنهكت الأمة ومزقت شملها وأحدثت الفرقة بين صفوفها.
ولو ضيقنا نطاق الدائرة قليلاً، وانتقلنا من المجتمع الإسلامي الكبير، إلى مجتمعنا السعودي الصغير لوجدنا أن الوضع يختلف، فبلادنا بفضل الله ومنته لم تخضع لاحتلال عسكري أجنبي أبداً ولكنه- أي مجتمعنا- كان قبل بضع عشرة سنة مجتمعاً قروياً، وبدوياً بسيطاً، يعيش منغلقاً على نفسه في حياة انعزالية حافظت له على خصائصه الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
لكن مد التطور والتقدم الذي رافق اكتشاف النفط في أراضينا، قفز بالمجتمع السعودي قفزة مذهلة، وانتقل به نقلة كبيرة من البساطة الاجتماعية إلى حياة التقدم والمعاصرة في فترة وجيزة جداً تكاد لا تصدق، والانتقال الفجائي السريع من حال إلى حال وهو ما يسمى (الطفرة) لا بد أن يحدث خللاً وفجوةً واضحةً في المجتمع، واهتزازاً في الموازين، فقد أحدثت هذه الطفرة هزة عنيفة قسمت المجتمع إلى فئات متباينة تعيش حالات من التناقض أمام معطيات العصر وإن احتفظ المجتمع بخصائصه الإسلامية بشكل عام.
وهي قليلة نسبياً ويكاد ينحصر وجودها في الوقت الحاضر بعدد قليل من الأفراد.
هذه الفئة تريد التمسك ببقايا الماضي، ورواسب الأفكار، والتقاليد الموروثة، وتجميد المجتمع على صورته السابقة، ورفض معطيات الحضارة المعاصرة جملة وتفصيلاً وتنسب ذلك إلى الإسلام وهو منه براء. ذلك أن الإسلام يندد بالجمود الفكري، والتحجر العقلي، وتعطيل الملكات وإهمال التجديد والتطور وينعى على الذين لا يفكرون بعقولهم، أو يتجمدون على القديم المألوف ولو كان الجديد أهدى سبيلاً وأقوم رشداً، وكتاب الله مليء بالآيات التي تذم مثل هذا الموقف التقليدي، وتدعو إلى إعمال العقل والحواس للوصول إلى الحق على هدى من نور الوحي الإلهي. وماضينا المجيد أوضح دليل، وأصدق شاهد على بطلان هذا الموقف. وكم أصبحت الحاجة ماسة للتمييز في تقاليدنا بين ماهو إسلامي فنتشبث به، وما هو جاهلي مناف للإسلام فنتخلص منه.
وهي قلة ولله الحمد لكنها تعمل بجد ونشاط ومؤشرات عملها قد ظهرت في الأيام القليلة الماضية.
هذه الفئة تقف على طرف النقيض من الفئة الأولى، طابعها الإسراف إلى أبعد الحدود، والرغبة في الانغماس في الحضارة الغربية، ونسف كل ماهو موروث من عقائد، وقيم ومفهومات، وتقاليد، واستبدالها بالجديد، زاعمة أن ذلك لا يتنافى مع الإسلام وأنه علاقة شخصية بين المرء وربه، فتأخذ منه ما يناسبها وتترك مالا يناسبها، هي فئة هجين لا شخصية لها ولا هوية، تجهل الإسلام جهلاً فاضحاً، لأن الإيمان اعتقاد، وقول، وعمل، والإسلام لا يكون إسلاماً إلا بتطبيق أحكامه جملة وتفصيلاً في شتى جوانب الحياة الشخصية والاجتماعية؛ لأنه كل لا يقبل التجزؤ.
وهي تشكل الأكثرية.
تعيش هذه الفئة في صراع دائم، وقلق مستمر حاد، واضطراب بين معطيات المدينة الحديثة، ومغرياتها، وأساليبها المثيرة في الدعاية والتأثير، وأصولها الإسلامية الراسخة في أعماقها وفطرتها النقية التي أوجدها الله فيها، والتي تدعوها إلى المحافظة على جذورها الدينية، والتمسك بشخصيتها الإسلامية العريقة.
فنراها ترنو بعين متشوقة إلى الجديد المثير، وترنو بعين أخرى بتراثها الموروث الذي تربت عليه، ونهلت من منابعه الرائقة، فهي مشتتة، تعاني من الحيرة والقلق، والاضطراب، وهذه الفئة تحتاج إلى تقوية إيمانها وتثبيته، ومراجعة ثقافتها الإسلامية وتراثها المجيد.
تحاول أن تواكب ركب الحضارة، دون أن تفقد كيانها الإسلامي، وشخصيتها المستقلة، وتراثها الثمين، فتأخذ من معطيات الحضارة ما يتناسب وعقيدتها الإيمانية، وأصولها الإسلامية، وجذورها العريقة، ويعينها على القيام بدورها المأمول.
وترفض في المقابل ما يتنافى مع ذلك، أو يناقضه.
وهي الفئة التي فهمت الإسلام فمهاً حقيقياً، وآمنت إيماناً صادقاً، فنسأل الله لها الثبات والتمكين.
والصراع بين هذه الفئات الأربع دائم ومستمر، يحتد في بعض الأحيان ويهدأ أحياناً أخرى، لكنه موجود ولا يمكن إنكاره.
أين فتاتنا الجامعية الواعية؟ وهل قامت بدوها المأمول؟ وماذا قدمت لمجتمعها؟ وتأتينا الإجابة حين نلقي نظرة شاملة على ساحات الصراع في العالم أجمع، حيث نجد المرأة المثقفة في البلاد الأخرى، قد قامت بدورها، كبر هذا الدور أم صغر فاعلاً كان أم منفعلاً، ضاراً أم نافعاً، لكنه يبقى دور أعطى لها مكانتها وأثبت وجودها وقدرتها على الدفاع عن معتقداتها.
لكن حين ننتقل إلى الساحة الإسلامية لا نكاد نجد للمرأة المسلمة المثقفة دوراً، على الرغم من أهمية دورها في هذا العصر الحافل بأقسى أنواع الصراعات العقدية، والفكرية، والاجتماعية، والسياسية باختلاف درجاتها، وتباين صورها، وإن كان لها وجود فهو وجود محدود وفي نطاق ضيق لا يؤثر في تحريك عجلة التغيير الاجتماعي نحو الإسلام إلا شيئاً قليلاً. وإن كان للمرأة المسلمة في البلاد الأخرى بعض العذر؛ لأنها تحارب حرباً لا هوادة فيها فإن الفتاة السعودية المثقفة لا عذر لها؛ ذلك أن الجو العام في هذه البلاد مهيأ من الناحية النفسية، والروحية، والفكرية والاجتماعية، على الصعيدين الرسمي والشعبي، والظروف مناسبة. لكن أين هي؟ لماذا لا يكون لها دور فعال في هذا العصر..؟ ما سر غيابها عن ساحة الصراع في هذه المرحلة الحرجة من تأريخ أمتنا.. ؟ لماذا آثرت السلبية..؟ وارتضت أن تقف موقف المتفرجة وكأن الأمر لا يعنيها..!
مكتفية بالتغني بأمجاد ماضيه، واستعراض الصور المشرقة للمرأة المسلمة في صدر الإسلام.
هل كان الهدف من إكمالها تعليمها وحصولها على أعلى الشهادات هو التفاخر بها في المجتمع؟ أو أن الدراسة الجامعية أصبحت مظهراً اجتماعياً لا بد منه لاستكمال الشكل الخارجي للفتاة؟
تساؤلات كثيرة تبحث عن إجابات مقنعة وواقعية ومنطقية.
من هذا المنطلق أقول: إن وضع فتاتنا الجامعية يحتاج إلى مراجعة جذرية عميقة، نحدد من خلالها العلل، ونصف العلاج، من أجل الوصول إلى إيجاد فتاة جامعية مثقفة في أكمل ملامحها الإسلامية التي تحسن التوفيق بين الأصالة، والمعاصرة، وتعمل جاهدة على تحقيق المجتمع الإسلامي الأمثل، وتتحمل مسؤولياتها كاملة في الحفاظ على مجتمعنا ليبقى مسلماً مؤمناً متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فواقعنا الإسلامي المعاصر يحتم على المرأة أن تقوم بدورها الكامل في بناء المجتمع؛ ذلك الدور الذي أبعدت عنه لقرون متعددة.
إن الفتاة المسلمة المثقفة مطالبة بالمشاركة الإيجابية الفعالة في النهضة الإسلامية المعاصرة، وبناء جيل إسلامي واع مثقف مؤهل لتحمل المسؤولية العظيمة في إعادة بناء صرح هذه الأمة فلئن عجز الجيل السابق عن القيام بهذا الدور على الرغم من تدينه وتمسكه بالقيم الأخلاقية؛ لكونه ينقصه الكثير، فهو جيل عانى من الأمية، من ضعف الخبرة في معطيات العصر، وانعدام الفاعلية في حركة المجتمع المعاصر، وضعف القدرة على فهم الجيل الجديد وتطلعاته.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.44%)]