أصحاب الأعذار في رمضان
اللجنة العلمية
أحكام صيام المريض
-الأعذار نوعان:
إما : عذرٌ يرجى زواله (فيه القضاء)
أو عذر لا يُرجى زواله (فيه الإطعام)!
وغير القادر ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون عجزه عن الصوم مستمراً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه، فهذا يطعم عن كل يوم مسكيناً، فإذا كان الشهر ثلاثين يوما أطعم ثلاثين مسكيناً، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين يوماً أطعم تسعة وعشرين مسكيناً، .....
أما القسم الثاني من العجز عن الصوم: فهو العجز الذي يرجى زواله وهو العجز الطارئ، كمرض حدث للإنسان أثناء الصوم، وكان يشق عليه أن يصوم، فنقول له: أفطر واقض يوماً مكانه؛ لقول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدّةٌ من أيّامٍ أخر} البقرة: ١٨٤
[فقه العبادات ــ لابن عثيمين].
-(والمرض المبيح للفطر عند جمهور السلف والأئمة، هو ما يؤدي الصوم معه إلى ضرر فى النفس أو زيادة فى العلَّة أو إبطاء فى البرء وانما أبيح الفطر للمرض دفعا للحرج والمشقة وقد بنى التشريع الإسلامى على التيسير والتخفيف)!
و(معرفة حد المرض المبيح للفطر كما فى فتح القدير وغيره: تكون باجتهاد المريض، والاجتهاد غير مجرد الوهم والتخيل، بل هو غلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو إخبار طبيب مسلم حاذق غير معروف بما يُنافى العدالة.
والأمارة هى العلامة الظاهرة التى تنذر بالضرر، والتجربة هى تكرُّر وقوع ذلك عند اتحاد المرض فاذا تحقق ما ذكر جاز للمريض الفطر ووجب عليه قضاء ما أفطره بعد زوال العذر فاذا مات، وهو على هذه الحالة لم يلزمه القضاء لعدم إدراكه عدة من أيام آخر ولا فدية عليه مادام يرجى أن يبرأ من مرضه!
أما اذا تحقق اليأس من الصحة، كالمرضى المصابين بأمراض مستعصية شاقة فيجب عليه الفدية اذا أفطر كما ذكره الكرمانى وقال: (فيندرج فى ذلك أمراض السل والقرحة المعوية والقرحة الإثنا عشرية والحميات القلب والكبد والمرارة وسائر الأمراض الشاقة التى يعسر معها الصوم ويفضي إلى تفاقمها أو تأخر برئها أو فساد عضو فى البنية .
المرض هو السقم، وهو نقيض الصحة، أو هو خروج الجسم عن حالة الاعتدال التي تعني قيام أعضاء البدن بوظائفها المعتادة، فما يعوق الإنسان، عن ممارسة أنشطته الجسدية، والعقلية، والنفسية، بصورة طبيعية.
والأمراض مختلفة في ذاتها، فمنها المرض الخفيف: كالصداع، والزكام الخفيف، ومنها الشديدة والخطيرة والمزمنة، كما أنها تختلف بحسب الأبدان التي تصاب بها، فقد ينقلب الزكام الخفيف إلى مرض شديد وخطير على الحياة إذا أصيب به الشيخ الطاعن، أو الرضيع الهزيل فالأمر نسبي وليس فيه مقياس ثابت ولا قاعدة مطردة وإنما العبرة بواقع كل شخص وبطاقته وقوة تحمل.
والمرض الذي يعتبر من أسباب التيسير والتخفيف، هو المرض الذي يؤثر على المكلف بالعجز جزئياً أو كلياً، أو يخشى منه الزيادة في المرض، أو تأخر في البرء.
وقد وضح أهل العلم ضابطاً للمرض المبيح للتخفيف وهو أن: " المريض إذا خشي من الإتيان بالمطلوبات الشرعية على وجهها ضرراً من أهم تسديد أو زيادة مرض، أو تأخر برء، أو فساد عضو أو حصول تشويه فيه، فإنه يعدل إلى الأحكام المخففة".
ينبغي للمريض الصبر واحتساب الأجر على ما يصيبه، قال الله تعالى: ] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب [ وقال تعالى]وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الـْمُجَاهِدِين َ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ َخْبَارَكُم [وقال تعالى] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور [وقال تعالى] مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ [وقال تعالى] وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الـْخَوفْ وَالـْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لله وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الـْمُهْتَدُون [ وقال تعالى] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِين [.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ... والصبر ضياء "، وعن صهيب رضي الله عنه ،قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير،وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،إن أصابته سرّاءُ شكر فكان خيراً له،وإن أصابته ضرّاءُ صبر فكان خيراً له".
و عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " ما يصيب المسلم من نصبٍ، ولا وصبٍ، ولا همٍّ، ولا حزنٍ، ولا أذىً، ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يصيبه أذىً: من مرضٍ فما سواه إلا حَطَّ الله سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها ".
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلا كُتب له بها درجة، ومُحيت عنه بها خطيئة".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه".
وعن أنس رضي الله عنه يرفعه: " إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء و إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخْط".
وعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه ، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: " الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة".
والمسلم يسأل الله العفو والعافية ولا يسأله البلاء، فإذا حصل له شيء صبر واحتسب؛لحديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبيصلى الله عليه وسلمقال على المنبر: " سلوا الله العفو والعافية؛فإن أحداً لم يُعطَ بعد اليقين خيراً من العافية".
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ؟ قال: " سل الله العافية " فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله؟ فقال لي: " يا عباس يا عمَّ رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة".
المرض نوعان :
النوع الأول: المرض الذي يُرجى برؤُه ، فهذا النوع من المرض من أسباب جواز الفطر، فرخص الله سبحانه وتعالى للمصاب بهذا النوع من المرض في الفطر، وأوجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها؛ قال الله تعالى: ] أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [وقال تعالى:] فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [ .
والمريض في شهر رمضان له ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن لا يَشقَّ عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم؛ لأنه ليس له عذر يبيح له الفطر.
الحالة الثانية:أن يشق عليه الصوم ولا يضره، فيفطر، ويكره له الصوم مع المشقة؛ لأنه خروج عن رخصة الله تعالى، وتعذيب لنفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب أن تُؤتَى رخصُه كما يكره أن تؤتى معصيته ".
قال ابن حزم رحمه الله: " واتفقوا على أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام أنه يجزِئه، واتفقوا على أن من آذاه المرض وضَعُف عن الصوم فله أن يفطر".
الحالة الثالثة: أن يضرَّهُ الصوم، فيجب عليه الفطر، ولا يجوز له الصوم؛ لقول الله تعالى:]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[وقال تعالى:] وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [ ؛ ولقول سلمان لأبي الدرداء:"...إن لربِّك عليك حقّاً، ولنفسك عليك حقّاً، ولأهلك عليك حقّاً، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه" فأتى النبيصلى الله عليه وسلمفذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " صدق سلمان "، ومن حق النفس على المسلم أن لا يضرَّها مع وجود رخصة الله تعالى؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".
وإذا حدث له المرض في أثناء يوم من أيام رمضان وهو صائم وشقَّ عليه إتمامه جاز له الفطر؛لوجود المبيح للفطر.
وإذا برئ في نهار رمضان وقد أفطر أول النهار للعذر لم يصح صومه ذلك اليوم؛لأنه كان مفطراً أول النهار؛لأن الصوم لا يصح إلا بنية قبل طلوع الفجر،ثم الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
وينبغي له الإمساك بقية يومه ويجب عليه القضاء بعدد الأيام التي أفطرها؛ لقول الله تعالى: ] فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [.
وإذا ثبت عن طريق طبيب مسلم حاذق موثوق بدينه وأمانته أن الصوم يسبب له المرض أو يزيد مرضه، ويؤخر بُرْأَه ؛ فإنه يجوز له الفطر، محافظةً على صحته، واتقاءً للمرض، ويقضي عن هذه الأيام التي أفطرها .
قال العلامة ابن قدامة: " والصحيح الذي يخشى المرض بالصيام، كالمريض الذي يخاف زيادة المرض في إباحة الفطر؛ لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفاً مما يتجدّد بصيامه من زيادة المرض، وتطاوله، فالخوف من تجدد المرض في معناه".
النوع الثاني: المرض الذي لا يرجى برؤه، فإذا ثبت أن المرض لا يرجى زواله وذلك عن طريق طبيب مسلم حاذق ثقة ؛ وأنه يضر معه الصوم ؛ فيجوز للمريض في هذه الحالة الفطر، لقول الله تعالى: ] فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ [ ولقوله تعالى: ]لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [ .
يتبع