مجموع فتاوى الشيخ بن باز في الحج والعمرة(5)
ادارة الملتقى الفقهي
باب صفة الحج والعمرة
(12) صفة العمرة
235- أعمال مناسك العمرة
الحمد لله وحده ، وبعد
فهذه نبذة مختصرة عن أعمال مناسك العمرة وإلى القارئ بيان ذلك :
إذا وصل من يريد العمرة إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتنظف وهكذا تفعل المرأة ولو كانت حائضاً أو نفساء ، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل.
ويتطيب الرجل في بدنه دون ملابس إحرامه. فإن لم يتيسر الاغتسال في الميقات فلا حرج ويستحب أن يغتسل إذا وصل مكة قبل الطواف إذا تيسر ذلك.
يتجرد الرجل من جميع الملابس المخيطة ويلبس إزاراً ورداءً. ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين. أما المرأة فتحرم في ملابسها العادية([43]) التي ليس فيها زينة ولا شهرة.
ثم ينوي الدخول في النسك بقلبه ويتلفظ بلسانه قائلاً: "لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك عمرة " وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضاً أو خائفاً من عدو ونحوه شرع له أن يشترط عند إحرامه فيقول: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها. ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهي: "لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" ويكثر من هذه التلبية ومن ذكر الله سبحانه ودعائه حتى يصل إلى البيت "الكعبة".
فإذا وصل إلى المسجد الحرام قدم رجله اليمنى عند الدخول وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية ثم قصد الحجر الأسود واستقبله ثم يستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر ذلك ولا يؤذي الناس بالمزاحمة. ويقول عند استلامه: "بسم الله والله أكبر" فإن شق عليه التقبيل استلمه بيده أو بعصا أو نحوها وقبل ما استلمه به فإن شق استلامه أشار إليه وقال: " الله أكبر" ولا يقبل ما يشير به. ويشترط لصحة الطواف أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه في الكلام.
يجعل البيت عن يساره ويطوف به سبعة أشواط ، وإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه إن تيسر ويقول: "بسم الله والله أكبر" ولا يقبله. فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه ولا يشير إليه ولا يكبر؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما الحجر السود فكلما حاذاه استلمه وقبله كما ذكرنا سابقاً وإلا أشار إليه وكبر. ويستحب الرمل – وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى – في الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم للرجل خاصة. كما يستحب للرجل أن يضطبع في طواف القدوم في جميع الأشواط ، والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه عل عاتقه الأيسر. ويستحب الإكثار من الذكر والدعاء بما تيسر في جميع الأشواط. وليس في الطواف دعاء مخصوص ولا ذكر مخصوص بل يدعو ويذكر الله بما تيسر من الأذكار والدعية ويقول بين الركنين: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" في كل شوط؛ لأن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويختم الشوط السابع باستلام الحجر الأسود وتقبيله إن تيسر أو الإشارة إليه مع التكبير حسب التفصيل المذكور آنفاً. وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على كتفيه وطرفيه على صدره.
ثم يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر فإن لم يتمكن من ذلك صلاهما في أي موضع من المسجد. يقرأ فيهما بعد الفاتحة: "قل يا أيها الكافرون " في الركعة الأولى ، و"قل هو الله أحد) في الركعة الثانية ، هذا هو الأفضل وإن قرأ بغيرهما فلا بأس. ثم بعد أن يسلم من الركعتين يقصد الحجر الأسود إن تيسر ذلك.
ثم يخرج إلى الصفا فيرقاه أو يقف عنده والرقي أفضل إن تيسر ويقرأ قوله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله "([44]). ويستحب أن يستقبل القبلة ويحمد الله ويكبره ويقول: "لا إله إلا الله والله أكبر. لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ثم يدعو بما تيسر رافعاً يديه ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات. ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل إلى العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني. أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع؛ لأنها عورة ، ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها والرقي أفضل إن تيسر ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا. ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا ، يفعل ذلك سبع مرات ذهابه شوط ورجوعه شوط. وإن سعى راكباً فلا حرج ولاسيما عند الحاجة. ويستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر. وأن يكون متطهراً من الحدث الأكبر والأصغر ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك.
فإذا كمل السعي يحلق الرجل رأسه أو يقصره والحلق أفضل وإذا كان قدومه مكة قريباً من وقت الحج فالتقصير في حقه أفضل ليحلق بقية رأسه في الحج. أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه قدر أنملة فأقل. فإذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته ، والحمد لله. وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
وفقنا الله وسائر إخواننا المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه وتقبل من الجميع إنه سبحانه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملك العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
236- أفضل زمان تؤدى فيه العمرة رمضان
س: هل ثبت فضل خاص للعمرة في أشهر الحج يختلف عن فضلها في غير تلك الأشهر؟([45])
ج: أفضل زمان تؤدى فيه العمرة شهر رمضان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة " متفق على صحته ، وفي رواية أخرى في البخاري: "تقضي حجة معي " وفي مسلم: "تقضي حجة أو حجة معي " – هكذا بالشك- يعني معه عليه الصلاة والسلام ، ثم بعد ذلك العمرة في ذي القعدة ، لأن عُمَرَهُ صلى الله عليه وسلم كلها وقعت في ذي القعدة ، وقد قال سبحانه: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ". وبالله التوفيق.
237- تكرار العمرة في رمضان
س: هل يجوز تكرار العمرة في رمضان طلباً للأجر المترتب على ذلك؟
ج: لا حرج في ذلك ، النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "0([46]) متفق عليه.
فإذا اعتمر ثلاث أو أربع مرات فلا حرج في ذلك. فقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يوماً.
س: دخلت إلى مكة محرماً في رمضان وعملت العمرة وحجيت بحول الله وفضله فهل علي عمرة أخرى وما الحكم؟
ج: ليس عليك عمرة أخرى ، فقد أديت العمرة والحمد لله في رمضان في أشرف وقت وحجك يكون مفرداً؛ لأن العمرة إنما تجب في العمر مرة واحدة كالحج ، وما زاد على ذلك فهو تطوع.
238- عمرة الرسول صلى الله عليه وسلم في رجب
س: هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر عمرة في شهر رجب؟
ج: المشهور عند أهل العلم أنه لم يعتمر في شهر رجب ، وإنما عمره صلى الله عليه وسلم كلها في ذي القعدة ، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "اعتمر في رجب" وذكرت عائشة رضي الله عنها: "أنه قد وَهِم في ذلك" وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب ".
والقاعدة في الأصول أن المثبت مقدم على النافي ، فلعل عائشة ومن قال بقولها لم يحفظوا ما حفظ ابن عمر ، والله ولي التوفيق.
239- حكم التقصير في العمرة
س: ما الحكم في التقصير من الشعر بعد العمرة أهو على التعميم من جميع الشعر أم يكفي من جزء منه فقط؟
ج: التقصير من جميع الشعر في العمرة والحج جميعاً مثل ما يحلقه كله يقصره كله ويأخذ من أطراف الشعر حتى يعم الرأس ولا يكون معناه شعرة شعرة ، معناه يعمم ظاهر الرأس ويكفي ، يعممه بالتقصير كما يعممه بالحلق هذا هو المشروع ، وهذا هو الواجب.
240- حكم من لبس المخيط بعد ستة أشواط جهلاً منه
س: رجل قدم من الرياض وأحرم من الميقات للعمرة ، وفي السعي سعى ستة أشواط جهلاً منه ، ثم قصر شعر رأسه ولبس المخيط وسافر إلى جدة ، ماذا يجب عليه الآن؟ والمذكور إذا رجع إلى مكة بنية العمرة من جديد بنية العمرة السابقة التي لم يكمل سعيها ، هل عليه شيء؟([47]) وماذا يجب عليه الآن للعمرة التي لم يكمل سعيها ولبس المخيط؟
ج: على المذكور أن يرجع إلى مكة ويكمل السعي ثم يعيد التقصير ، وإن أعاد السعي كله فهو أفضل وأحوط بعد خلع المخيط ولبس ملابس الإحرام ولا شيء عليه بسبب الجهل ، وهكذا الناسي؛ لقول الله سبحانه: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" الآية وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسير هذه الآية: "إن الله سبحانه قال: "قد فعلت" . والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.
241- حكم من أحس بتعب قبل إكمال الطواف
س: أنا امرأة مريضة ذهبت إلى العمرة وعندما طفت ثلاثة أشواط أصبت بالدوخة ، ماذا يجب علي أن أفعل؟ (4)
ج: عليك أن تستريحي وتكملي الطواف ، فإن طال الفصل فأعيدي الطواف من أوله. أما إذا زالت الدوخة بسهولة وسرعة فكملي الطواف ويكفي والحمد لله.
242- حكم من نسي الحلق أو التقصير في العمر
س: ما حكم من نسي الحلق أو التقصير في العمرة فلبس المخيط ثم ذكر أنه لم يقصر أو يحلق؟([48])
ج: من نسي الحلق أو التقصير في العمرة فطاف وسعى ثم لبس قبل أن يحلق أو يقصر فإنه ينزع ثيابه إذا ذكر ويحلق أو يقصر ثم يعيد لبسهما ، فإن قصر أو حلق وثيابه عليه جهلاً منه أو نسياناً فلا شيء عليه ، وأجزأه ذلك ، ولا حاجة إلى الإعادة للتقصير أو الحلق ، لكن متى تنبه فإن الواجب عليه أن يخلع حتى يحلق أو يقصر وهو محرم.
س: امرأة اعتمرت ونسيت أن تقصر شعرها ثم تذكرت بعد يومين فماذا تفعل؟
ج: إذا طاف المعتمر وسعى ثم نسي التقصير ، قصر متى ذكره في بلده أو غيرها.
س: إذا لبس المخيط قبل أن يحلق أو يقصر في العمرة ونسي ذلك؟
ج: إذا لبس المخيط ناسياً قبل أن يقصر وجب عليه خلعه متى ذكر ، ثم يحلق أو يقصر ولا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ".
س: أخذت عمرة أنا وزوجتي ، وعند الانتهاء من السعي حلقت رأسي ، أما زوجتي فلم تقصر من شعرها ناسية ، وغادرنا مكة ورجعنا إلى بلادنا ، ثم حدث الجماع بيني وبين زوجتي ، فما حكم عمرتنا جزاكم الله خيراً؟
ج: العمرة صحيحة إن شاء الله ، وليس على زوجتك شيء ما دامت ناسية ، ولكن عليها أن تقصر من شعرها متى نُبهت لذلك والحمد لله.
243- حكم أخذ حبوب منع نزول الدورة لمن أرادت العمرة
س: سائلة تقول: أنا امرأة تناولت حبوب منع نزول الدورة في الكويت وأحسست بألم شديد ثم قطعت هذه الحبوب ثم بعدها بأربعة أيام ألا وهو يوم الاثنين الماضي نزلت علي الدورة واستمرت الثلاثاء والأربعاء خرجنا من الكويت صباحاً ألا وهو ثالث يوم من الدورة ، وفي منتصف الطريق في الساعة الثامنة والنصف ليلاً تناولت حبتين من نفس الحبوب مع العلم أن مفعولها يتبين بعد 24 ساعة ووصلنا إلى الميقات في الساعة الثانية صباحاً يوم الخميس أي مضى على تناولي الحبوب خمس ساعات ونصف ، ولكن عند وصولي للميقات منذ ذلك الوقت لم ينزل علي دم وأحرمت وذهبت إلى الحرم وأنا على شك من أمري لأنني لم أدقق هل الدم وقف أم لا؟ وقبل دخولي الحرم بدقائق ذهبت إلى الحمام ولم يكن نزل مني دم واعتمرت ولكن عندما ذهبت إلى السكن نزل علي قليل من الدم هذا ، ولم تطمئن نفسي فهل عمرتي صحيحة أم لا؟ جزاكم الله خيراً.([49])
ج: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخت في الله ش. س. وفقها الله لما فيه رضاه آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده:
لقد فهمت من سؤالك الموضح في الورقة المرفقة وأفيدك أن عمرتك بحمد الله صحيحة ، إذا كان الواقع هو ما ذكرت تقبل الله منا ومنك ومن كل مسلم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
س: ما حكم من أخذ من مقدمة رأسه بالحلق في العمرة وماذا يجب عليه؟
ج: الواجب التعميم وعليه التوبة من ما مضى.
س: إذا اعتمرت وقضيت العمرة ، هل يجوز لي العمرة عن من أريد من أقاربي علماً أنه ليس في الحج ، وما هو المكان الذي أحرم منه عند ذلك؟
ج: لا أعلم مانعاً شرعياً من عمرتك لمن ترى من أقاربك بعد اعتمارك عن نفسك العمرة الواجبة ، سواء كان ذلك في وقت الحج أو في غيره. أما ميقات العمرة لمن كان داخل الحرم فهو الحل ، كالتنعيم والجعرانة ونحوهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر عائشة بالاعتمار أمر عبد الرحمن أخاها أن يعمرها من خارج الحرم.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. ث. أ. وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بعده:
وصلنا كتابك المتضمن رغبة والدك في أداء العمرة في المولد وطلبك المساعدة له في ذلك.. ألخ([50])
وعليه نشكرك على العناية بوالدك ، ونحب أن نلفت نظرك إلى شيء مهم ، وهو أن الاحتفال بالموالد غير مشروع وليس له أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم ، وهكذا العمرة وقت الموالد غير مشروعة ، ولكنها تشرع في جميع السنة من غير تحرٍّ لوقت المولد ، وأفضل ذلك أن تكون في رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة " متفق على صحته. وهي لا تجب في العمر إلا مرة كالحج.
هذا ونسأل الله لنا ولكم وللمسلمين التوفيق لما يرضيه وصلاح النية والعمل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
244- حكم طواف الوداع في العمرة
س: هل طواف الوداع واجب في العمرة ، وهل يجوز شراء شيء من مكة بعد طواف الوداع سواء كان حجاً أو عمرة؟([51])
ج: طواف الوداع ليس بواجب في العمرة ، ولكن فعله أفضل ، فلو خرج ولم يودع فلا حرج. أما في الحج فهو واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " وهذا كان خطاباً للحجاج. وله أن يشتري ما يحتاج إليه بعد الوداع من جميع الحاجات حتى ولو اشترى شيئاً للتجارة ما دامت المدة قصيرة لم تطل ، أما إن طالت المدة فإنه يعيد الطواف ، فإن لم تطل عرفاً فلا إعادة عليه مطلقاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
انتهى الجزء السابع عشر ويليه بمشيئة الله تعالى
الجزء الثامن عشر وأوله باب الفوات والإحصار.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة
الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله
الجزء الثامن عشر..
القسم الثالث والأخير من الحج
باب الفوات والإحصار
الإحصار يكون بالعدو وبغير العدو كالمرض
س: إذا تجاوز الحاج الميقات ملبياً بحج وعمرة ولم يشترط ، وحصل له عارض؛ كمرض ونحوه يمنعه من إتمام نسكه ، فماذا يلزمه أن يفعل؟([52])
ج: هذا يكون محصراً ، إذا كان لم يشترط ، ثم حصل له حادث يمنعه من الإتمام ، إن أمكنه الصبر؛ رجاء أن يزول المانع ثم يكمل صبر ، وإن لم يتمكن من ذلك فهو محصر - على الصحيح - والله قال في المحصر: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي).
والصواب ، أن الإحصار يكون بالعدو ، ويكون بغير العدو؛ كالمرض.
فيهدي ثم يحلق أو يقصر ، ويتحلل ، هذا هو حكم المحصر ، يذبح ذبيحة في محله الذي أحصر فيه - سواء كان في الحرم أو في الحل - ويعطيها للفقراء في محله ، ولو كان خارج الحرم ، فإن لم يتيسر حوله أحد ، نقلت إلى فقراء الحرم ، أو إلى من حوله من الفقراء ، أو إلى فقراء بعض القرى ، ثم يحلق أو يقصر ويتحلل ، فإن لم يستطع الهدي صام عشرة أيام ، ثم حلق أو قصر وتحلل.
حكم من حبسه حابس عن الطواف والسعي
س: ما حكم من أحرم من الميقات للحج أو العمرة ، ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي؟
ج: الذي أحرم بالحج أو العمرة ثم حبسه حابس عن الطواف والسعي ، يبقى على إحرامه ، إذا كان يرجو زوال هذا الحابس قريباً؛ كأن يكون المانع سيلاً ، أو عدواً يمكن التفاوض معه في الدخول وأداء الطواف والسعي.
ولا يعجل في التحلل ، كما حدث للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه (حيث مكنوا مدة) يوم الحديبية للمفاوضة مع أهل مكة ، لعلهم يسمحون لهم بالدخول لأداء العمرة بدون قتال ، فلما لم يتيسر ذلك ، وصمموا على المنع إلا بالحرب ، وتم الصلح بينه وبينهم على أن يرجع للمدينة ، ويعتمر في العام القادم ، نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هديهم ، وحلقوا وتحللوا.
وهذا هو المشروع للمحصر ، يتمهل ، فإن تيسر فك الحصار استمر على إحرامه ، وأدى مناسكه ، وإن لم يتيسر ذلك وشق عليه المقام ، تحلل من هذه العمرة أو الحج - إن كان حاجاً -.
ولا شيء عليه سوى التحلل بإهراق دم يجزئ في الأضحية ، ثم الحلق أو التقصير كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه يوم الحديبية ، وبذلك يتحلل ، كما قال - جل وعلا-: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله)([53]) ، فالحلق يكون بعد الذبح ، ويقوم مقامه التقصير ، فينحر أولاً ، ثم يحلق أو يقصر ، ثم يتحلل ويعود إلى بلاده ، فمن لم يجد هدياً صام عشرة أيام ، ثم يحلق أو يقصر ، ثم يحل.
من اشترط عند إحرامه لم يلزمه الهدي
س: إذا عزم المسلم على الحج ، وبعد الإحرام تعذر حجه. ماذا يلزمه؟
ج: إذا أحصر الإنسان عن الحج بعدما أحرم بمرض أو غيره ، جاز له التحلل بعد أن ينحر هدياً ، ثم يحلق رأسه أو يقصره؛ لقول الله - سبحانه وتعالى -: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله)([54]) ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أحصر عن دخول مكة يوم الحديبية ، نحر هديه وحلق رأسه ثم حل ، وأمر أصحابه بذلك ، لكن إذا كان المحصر قد قال في إحرامه: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، حل ولم يكن عليه شيء - لا هدي ولا غيره -؛ لما ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت: يا رسول الله: إني أريد الحج وأنا شاكية ، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني "
س: رجل سافر هو وزوجته بنية العمرة بالطائرة ، وعندما وصلا إلى جدة مرضت المرأة في المطار ، ولم يلبثا أن عادا إلى الرياض في نفس اليوم ، ولم يؤديا مناسكهما ، مع العلم أنهما اشترطا عند إعلانهما نية العمرة. فهل عليهما إثم في ذلك؟ - جزاكم الله خيراً - وما المطلوب منهما؟
ج: بسم الله ، والحمد لله.
إذا كانا قد اشترطا عند الإحرام: إن أصابهما حابس فمحلهما حيث حبسا ، أو ما هذا معناه ، فإنهما يحلان ولا شيء عليهما؛ بسبب المرض الذي يشق على المرأة معه أداء مناسك العمرة؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لضباعة بنت الزبير - رضي الله عنها - لما قالت: يا رسول الله: " إني أريد الحج وأنا شاكية ، قال: "حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني "([55]). متفق على صحته.
س: هناك امرأة جاءت للحج مع أمها ، ولكن أمها مرضت ، فبقيت معها في الغرفة يوم عرفات ، فما وقفت يوم عرفة ، لا هي ولا أمها ، ولكن ذهبت بعد الحج فوقفت من الظهر إلى المغرب ، فما حكم حجها؟ وماذا عليهما جميعاً؟
ج: عليهما أن يتحللا بأعمال العمرة ، وهي أن تطوف كل واحدة منهما ، وتسعى ، وتقصر وتتحلل ، وعليهما القضاء من العام الآتي ، مع فدية: ذبيحة تُذبح في مكة للفقراء على كل واحدة - إن استطاعتا ذلك - أما وقوفها بعد يوم عرفة من الظهر إلى المغرب يوم العيد ، فهذا بدعة ، ولا عمل عليه ، ولا يجزئ ، ولا يجوز.
المحصر ينحر الهدي في المكان الذي أحصر فيه
س: هل نحر الهدي في غير الحرم خاص بالمحصر؟
ج: المحصر ينحر الهدي في محله ، سواء كان في الحرم أو في الحل.
صيام عشرة أيام لمن عجز عن الذبح
س: ما حكم من أراد الحج والعمرة ، وبعد وصوله إلى مكة ضاعت نفقته ، ولم يستطع أن يفدي ، وغير نيته إلى حج مفرد. هل يصح ذلك؟ وإذا كانت الحجة لغيره ، ومشترطاً عليه التمتع ، فماذا يفعل؟
ج: ليس له ذلك ولو ضاعت نفقته ، فإذا عجز عن الدم ، يصوم عشرة أيام - والحمد لله - ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ويبقى على تمتعه.
وعليه أن ينفذ الشرط؛ بأن يحرم بالعمرة ، ويطوف ، ويسعى ، ويقصر ويحل ، ثم يلبي بالحج ويفدي ، فإن عجز صام عشرة أيام؛ ثلاثة في الحج قبل عرفة ، وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لأن الأفضل للحاج أن يكون يوم عرفة مفطراً؛ اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه وقف بها مفطراً.
س: إنسان أحصر عن إتمام أعمال الحج أو العمرة بسبب مرض أو نحوه ، ولم يجد هدياً ذلك الوقت ، فماذا يجب عليه؟([56])
ج: عليه صيام عشرة أيام قبل أن يحلق رأسه أو يقصر؛ لقول الله - سبحانه -: (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله " الآية ، ولفعله - صلى الله عليه وسلم - لما أحصر عن العمرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة النبوية ، والله الموفق.
حكم من بدأ العمرة ولم يتمها
س: قدر الله أن أذهب لأداء العمرة في شهر رمضان المبارك الفائت ، ولما بدأت الطواف ولشدة الزحام لم أكمله ، فخرجت من مكة وعدت إلى مدينتي ، وكان ذلك ليلة سبع وعشرين.
وأسأل سماحة شيخنا - حفظه الله - عما يترتب علي ، مع العلم أنني - والحمد لله - أتمتع بصحة جيدة؟ أفيدونا - أفادكم الله -.
ج: قد أخطأت فيما فعلت - عفا الله عنا وعنك - وكان الواجب عليك أن تكمل العمرة في وقت آخر غير وقت الزحام؛ لقول الله - سبحانه -: (وأتموا الحج والعمرة لله).
وقد أجمع العلماء ، على أنه يجب على من أحرم بحج أو عمرة أن يكمل ذلك ، وألا يتحلل منهما إلا بعد الفراغ من أعمال العمرة ، ومن الأعمال التي تبيح له التحلل من أعمال الحج ، إلا المحصر والمشترط إذا تحقق شرطه.
فعليك التوبة مما فعلت ، وعليك مع ذلك أن تعيد ملابس الإحرام ، وتتجنب محظورات الإحرام ، وتذهب إلى مكة لإكمال العمرة؛ للطواف والسعي والحلق أو التقصير ، وعليك مع ذلك دم ، وهو: سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، أو رأس من الغنم؛ ثني معز أو جذع ضأن ، إن كنت جامعت امرأتك في المدة المذكورة ، وعليك أن تذهب إلى الميقات الذي أحرمت منه بالأول وتحرم بعمرة جديدة ، وتؤدي مناسكها؛ قضاء للعمرة الفاسدة بالجماع ، مع التوبة مما فعلت - كما تقدم -.
وإن كنت تعلم الحكم ، وأنه لا يجوز لك هذا العمل ، فعليك إطعام ستة مساكين؛ لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من بر أو أرز أو غيرهما ، أو ذبح شاة ، أو صيام ثلاثة أيام عن لبس المخيط ، ومثل ذلك عن تغطية الرأس ، ومثل ذلك عن الطيب ، ومثل ذلك عن قلم الأظفار ، ومثل ذلك عن حلق الشعر في المدة المذكورة.
أما إن كنت جاهلاً ، فليس عليك شيء من الفدية المذكورة؛ لقول الله - سبحانه -: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)([57]) ، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله أجاب هذه الدعوة ، ولأدلة أخرى في ذلك. والله الموفق.
س: في العام الماضي حجت والدتي ومعها أبناؤها وبناتها بنسك التمتع ، وبعدما دخلوا في الطواف أصيبت بحالة إغماء ، ولم تتمكن من الطواف والسعي ، وحيث أنها مصابة بمرض السكر والضغط أُدخلت المستشفى ، قال الطبيب لها: ما تستطيع إكمال الحج. ونظراً لهذه الحالة رجعوا جميعاً إلى مدينتهم ، فماذا يترتب عليهم؟
ج: هذه عملها عمل المحصر ، هي نفسها تعتبر كالمحصر ، عليها أن تذبح هدياً؛ لأنها أحصرت في مكة ، ودم الإحصار يُذبح في مكان الإحصار ، سواء في مكة أو في غيرها للفقراء ، وعليها أن تقصر من شعرها ، ويتم حلها.
وإذا كان حجها فريضة ، تحج بعد حين؛ لأنها محصرة ، إلا إذا صحت قبل الحج ، وتيسر لها الرجوع وتطوف وتسعى وتكمل حجها ، فلا بأس.
وظاهر الحال أنهم أصابهم هذا الأمر في طواف العمرة وهم متمتعون ، فعليها أن ترجع وتكمل عمرتها إذا كانت تستطيع ، ويكفي.
وإن كانت لا تستطيع ، فعليها دم الإحصار؛ ذبيحة تُذبح في مكة للفقراء ، مع التقصير ، وبذلك تم أمر الإحصار ، ولا شيء عليها؛ لأن الإحصار يكون بالمرض ، ويكون بالعدو - على الصحيح - أما إن تيسر لها أن ترجع فهي لا تزال في الإحرام ، ترجع وتطوف وتسعى وتقصر لعمرتها.
وعليها دم ، إن كان لها زوج وطأها ، يُذبح في مكة للفقراء ، وعليها الإتيان بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه في الأول؛ قضاء لعمرتها التي فسدت بالجماع ، وإن كان ما عندها زوج ، ما عليها شيء ، ترجع تطوف وتسعى وتقصر لعمرتها السابقة ، وتمت عمرتها ، ولا شيء عليها.
أما إن كانت لا تستطيع ، فهي في حكم المحصر ، تذبح شاة في مكة للفقراء؛ لأن الإحصار وقع في مكة ، وعليها أن تقصر أيضاً من شعرها ، وبهذا تحللت من عمرتها ، وعليها عمرة الإسلام فيما بعد - إذا قدرت - إذا لم تعتمر سابقاً ، وعليها الحج أيضاً إن كانت لم تحج.
والذين معها ، إذا كانوا رجعوا ولم يكملوا عليهم مثلها؛ عليهم أن يرجعوا ويكملوا عمرتهم ، وليسوا محصرين ، وإن لبسوا وتطيبوا هذا من الجهل ، لا شيء عليهم.
وإن كان فيهم امرأة قد وطأها زوجها ، فعليها شاة عن الوطء ، وتكمل عمرتها ، وتأتي بعمرة جديدة - أيضاً - من الميقات الذي أحرمت منه ، بدل العمرة التي أفسدتها بالوطء ، ولا حرج.
والذين معها من ذكور وإناث ، يرجعون ويكملون عمرتهم هذه التي رجعوا منها ، وما لبسوا أو تطيبوا لا شيء عليهم؛ لأجل الجهل ، والذي منهم قد وطء زوجته ، أو الزوجة التي وطئت ، قد أفسدت عمرتها ، وكذا عمرة الزوج عليه أن يكملها ، ويأتي بعمرة جديدة من الميقات الأول الذي أحرم منه ، وعلى الذي وطء أو وطئت عليهما دم يُذبح في مكة للفقراء.
س: يقول هذا السائل: إنه في عام 1400هـ أحرم للعمرة من الطائف ، وقال: لبيك اللهم لبيك عمرة - إن شاء الله - وعندما وصل إلى الحرم ، منعه الجنود من دخول الحرم وأمروه بالرجوع ، وعندما رجع إلى الطائف ، أخبره بعض أهل مكة أن في الحرم حرب ، وإطلاق نار ، فما كان منه إلا أن نزع إحرامه ، ولبس ثوبه ، ورجع إلى بلده ، فماذا عليه في ذلك؟ وهل هدي الإحصار يُذبح في الحرم ، أو في أي مكان؟([58])
ج: هذا يسمى محصراً؛ للحادث الذي استحل فيه الحرم ، والواجب على السائل أن لا يعجل في التحلل حتى ينحر هدياً ، ثم يحلق أو يقصر قبل أن يخلع ثيابه ، أو يتحلل ، هذا هو الواجب عليه.
فإن كان قصده في قوله: "لبيك عمرة - إن شاء الله - " يقصد بها: إن حبسه؛ يعني: إن شئت يا رب إمضاءها - هذا قصده: الاستثناء - فليس عليه شيء ، أما إن قال: "إن شاء الله" من غير قصد ، فهذا يلزمه أن يعيد ملابس الإحرام ، وأن يذبح هدياً؛ ذبيحة ، ثم يحلق أو يقصر ، ثم يتحلل؛ يلبس ملابسه العادية ، ولو بعد هذه المدة؛ لأنه محصر ممنوع من الوصول للحرم.
إلا أن يكون تمم حجه بعد ذلك؛ جاء إلى مكة في السنة الثانية أو الثالثة بعد ذلك ، وتمم؛ أي أحرم وتمم حجه أو عمرته ، فليس عليه شيء إذا كان جاء بعد الإحصار هذا ، وأدى عمرة فليس عليه شيء ، والهدي إذا لزمه يُذبح في مكانه الذي أحصر فيه.
س: وإذا كان مثل هذا الذي نسي الحكم ، ولا عرفه إلا فيما بعد؟ (1)
ج: يلبس ملابس الإحرام ويذبح هديه ، ويحلق أو يقصر ، ويحل من حيث بلغه الحكم.
باب الهدي والأضحية والعقيقة
حكم المتمتع الذي ضاعت نقوده
س: لقد أحرمت الإحرام الذي يلزم معه الهدي ، ولكنها ضاعت نقودي وفقدت كل مالي الذي معي ، فما حكمي في هذه الحالة؟ علماً بأن زوجتي ترافقني أيضاً (2).
ج: إذا أحرم الإنسان بالعمرة في أيام الحج متمتعاً بها إلى الحج ، أو بالحج والعمرة جميعاً قارناً ، فإنه يلزمه دم ، وهو: رأس من الغنم؛ ثني من المعز أو جذع من الضأن ، أو سُبع بدنة أو ، سبع بقرة ، يذبحها في أيام النحر بمكة أو منى ، فيعطيها الفقراء والمساكين ، ويأكل منها ويهدي. هذا هو الواجب عليه.
فإذا عجز عن ذلك؛ لذهاب نفقته ، أو لفقره وعسره وقلة النفقة ، فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، كما أمره الله بذلك.
ويجوز أن يصوم عن الثلاثة اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، وذلك مستثنى من النهي عن صيامها لجميع الناس ، إلا من فقد الهدي فإنه يصوم هذه الأيام الثلاثة؛ لما روى البخاري في صحيحه عن عائشة وابن عمر - رضي الله عنهما - قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي " (3). وإن صامها قبل يوم عرفة فهو أفضل ، إذا كان فقد النفقة متقدماً ، ويصوم السبعة عند أهله.
حكم المتمتع الذي صام ثلاثة أيام ثم وجد قيمة الهدي
س: إنسان استحق عليه الهدي في الحج ، ولكنه لم يستطع شراءه بسبب العسر ، فصام ثلاثة أيام في الحج - كما أمر الله - وبعد أن صامها أو صام بعضها ، وجد من يقرضه أو يسر الله الهدي ، فماذا يفعل؟([59])
ج: إذا تيسر له القيمة التي يشتري بها الهدي - ولو بعد أيام الحج - فهو مخير بين ذبحها ، ولا حاجة إلى صيام السبعة الأيام عند أهله ، أو صيام السبعة الأيام الباقية؛ لأنه قد شرع في الصيام وسقط عنه الهدي ، لكن متى ذبح سقط عنه بقية الأيام.
مع العلم بأن الواجب ذبحه في الأيام الأربعة ، وهي: يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة - مع القدرة - ويصير ذبحه بعده قضاء.
ليس على الحاج المفرد هدي
س: هل يجب على الحاج المفرد هدي إذا كان حجه فرضاً؟
ج: ليس على المفرد هدي - سواء كان حجه فرضاً أو نفلاً - وإن أهدى فهو أفضل.
حكم الهدي الذي يهدى ولا يستفاد منه
س: هذا الهدي الذي يهدى ولا يستفاد منه إلا قليلاً ، أليس من الأفضل أن يصوم الحاج القادر على الهدي ، وعند عودته يخرج قيمة الهدي لمساكين وطنه ، ثم يتم صيام باقي العشرة أيام ، فما رأيكم - أثابكم الله -؟
ج: من المعلوم أن الشرائع تتلقى عن الله وعن رسوله ، لا عن آراء الناس ، والله - سبحانه وتعالى - شرع لنا في الحج إذا كان الحاج متمتعاً أو قارناً أن يهدي ، فإذا عجز عن الهدي صام عشرة أيام؛ ثلاثة منها في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
وليس لنا أن نشرع شيئاً من قبل أنفسنا ، بل الواجب أن يعدل ما يقع من الفساد في الهدي ، بأن يذكر ولاة الأمور لتصريف اللحوم وتوزيعها على الفقراء والمساكين ، والعناية بأماكن الذبح وتوسعتها للناس وتعدداها في الحرم؛ حتى يتمكن الحجاج من الذبح في أوقات متسعة ، وفي أماكن متسعة ، وعلى ولاة الأمور أن ينقلوا اللحوم إلى المستحقين لها ، أو يضعوها في أماكن مبردة حتى توزع بعد على الفقراء في مكة وغيرها.
أما أن يغير نظام الهدي؛ بأن يصوم وهو قادر ، أو يشتري هدياً في بلاده للفقراء ، أو يوزع قيمته ، فهذا تشريع جديد لا يجوز للمسلم أن يفعله؛ لأن المشرع هو الله - سبحانه وتعالى - وليس لأحد تشريع (أم لهم شركاءُ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب اليم)([60]).
فالواجب على المسلمين أن يخضعوا لشرع الله وأن ينفذوه. وإذا وقع خلل من الناس في تنفيذه ، وجب الإصلاح والعناية بذلك ، مثلما وقع في الهدي في ذبح بعض الهدايا ، وعدم وجود من يأكلها ، وهذا خلل وخطأ ، يجب أن يعالج من جهة ولاة الأمور ، ومن جهة الناس.
فكل مسلم يعتني بهديه ، حتى يوزعه على المساكين أو يأكله أو يهديه إلى بعض إخوانه. وأما أن يدعه في أماكن لا يستفاد منه ، فلا يجزئه ذلك. وهكذا في المذبح ، يجب على صاحب الهدي أن يعتني بهذا المقام ، وأن يحرص كل الحرص على توزيعه إذا أمكن ، وعلى ولاة الأمور أن يعينوا على ذلك؛ بأن ينقلوا اللحوم إلى الفقراء في وقتها ، أوينقلوها إلى أماكن مبردة؛ يستفاد منها بعد ذلك ، ولا تفسد ، هذا هو الواجب على ولاة الأمور ، وهم - إن شاء الله - ساعون بهذا الشيء ، ولا يزال أهل العلم ينصحون بذلك ، ويذكرون ولاة الأمور هذا الأمر. ونسأل الله أن يعين الجميع على ما فيه المصلحة العامة للمسلمين في هذا الباب وغيره.
حكم من نسي أن يذبح هدي القران
س: إنسان نوى في الحج نسك القران ، ولكنه لم يذبح هدياً جهلاً منه ، وبعد مدة طويلة ذكر أن عليه هدياً ، فماذا يجب عليه؟([61])
ج: عليه أن يذبح الهدي متى علم في مكة أو منى ، ولا بأس أن يأكل هو وأهله ورفقاؤه منه.
صفة تذكية بهائم الأنعام
س: ما هي التذكية الشرعية ، وطريقة ذبح الإبل - خاصة -؟
ج: التذكية الشرعية للإبل والغنم والبقر:
أن يقطع الذابح الحلقوم والمريء والودجين؛ وهما العرقان المحيطان بالعنق ، وهذا هو أكمل الذبح وأحسنه.
فالحلقوم مجرى النفس ، والمريء مجرى الطعام والشراب ، والودجان عرقان يحيطان بالعنق ، إذا قطعهما الذابح صار الدم أكثر خروجاً ، فإذا قطعت هذه الأربعة فالذبح حلال عند جميع العلماء.
الحالة الثانية: أن يقطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين ، وهذا أيضاً حلال صحيح وطيب ، وإن كان دون الأول.
والحالة الثالثة: أن يقطع الحلقوم والمريء فقط دون الودجين ، وهو أيضاً صحيح ، وقال به جمع من أهل العلم ، ودليلهم قوله - عليه الصلاة والسلام -: "ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه ، فكلوا ، ليس السن والظفر " ، وهذا هو المختار في هذه المسألة.
والسنة نحر الإبل قائمة على ثلاث ، معقولة يدها اليسرى ، وذلك بطعنها في اللبة التي بين العنق والصدر. أما البقر والغنم ، فالسنة أن تذبح وهي على جنبها الأيسر.
كما أن السنة عند الذبح والنحر توجيه الحيوان إلى القبلة. وليس ذلك واجباً بل هو سنة فقط ، فلو ذبح أو نحر إلى غير القبلة حلت الذبيحة ، وهكذا لو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حلت ، لكن ذلك خلاف السنة. وبالله التوفيق.
منقول