
28-07-2019, 10:24 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة :
|
|
رد: حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية
حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة السرية والجهرية
عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
الدليل الثاني:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعل الإمام ليُؤتَم به، فإذا كبَّر فكبِّروا وإذا قرأ فأنصتوا))؛ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا قرأ فأنصتوا))، وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم للمأموم أن ينصت لقراءة الإمام، وهذا يدل على سُقوط القراءة في حقِّه، وأنه لا يجب عليه أن يقرأ وراء الإمام؛ لأنها لو كانت واجبة لأمرهم بالقراءة معه.
ولأن الإنصات إلى قراءة القارئ من تمام الائتمام به، فإن من قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته لم يكونوا مُؤتمين به.
ونُوقش هذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: أن هذه الرواية ضعيفة لأنها من رواية محمد بن عجلان وهو مع صدقه وأمانته إلا أنه سيء الحفظ.
الوجه الثاني: أن محمد بن عجلان قد تفرَّد بزيادة: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) دون الطرق الأُخرى الصحيحة، فتعيَّن أنها من تخاليطه.
وأجيب عن هذه الوجوه:
بأن هذه الزيادة صحيحة، فقد صحَّحها الإمام مسلم؛ ولكنه لم يخرجها في صحيحه؛ لأنه لم يُجمع على هذه الزيادة ولكنه ذكر أنها عنده صحيحة.
قيل للإمام مسلم رحمه الله: (حديث أبي هريرة صحيح - يعني: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) - قال: هو عندي صحيح، فقيل له: لم لا تضعه ها هنا؟ - يعني: في كتابه - فقال: ليس كل شيء عندي صحيح، وضعته ها هنا إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه)؛ ا هـ.
الدليل الثالث:
عن أبي موسى رضي الله عنه: قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيَّن لنا سُنتنا وعلَّمَنا صلاتنا، فقال: ((إذا صليتم فأقيموا الصلاة، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا))؛ رواه مُسلم.
ورواه البيهقي والداقطني والبزَّار نحوه، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
وجه الدلالة في هذا الحديث: كالحديث الذي قبله.
ونُوقش هذا الحديث بعدة وجوه:
الوجه الأول: أن هذا اللفظ (وإذا قرأ فأنصتوا)) قد ضعَّفه بعض المُحدثين؛ كالبُخاري وأبي داود وأبي حاتم الرازي ويحيى بن معين والدارقطني وأبي علي النيسابوري.
قال البيهقي: (وقد أجمع الحُفَّاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث وأنها ليست بمحفوظة: يحيى بن معين وأبو داود السجستاني وأبو حاتم الرازي وأبو علي الحافظ وعلي بن عمر الحافظ وأبو عبدالله الحافظ).
وأجيب عن ذلك: أنه مع تضعيف أهل العلم لهذا الحديث، فإنه قد صحَّحه أيضًا جمعٌ من أهل العلم؛ كالإمام مسلم والإمام أحمد.
الوجه الثاني: أن هذا اللفظ غير محفوظ، توهم فيه سليمان التيمي.
وأجيب عنه: لم يتفرد سليمان التيمي في زيادة هذا اللفظ بل تابعه عليه عمر بن عامر سعيد بن أبي عروبة.
الدليل الرابع:
روى الزُّهري عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها، فقال: ((هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟))، فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: ((إني أقول: ما لي أنازع القرآن))، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الصلوات حين سمِعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ رواه مالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وابن حِبَّان وأحمد وعبدالرزاق والبزار.
قال أبو داود: (سمِعت محمد بن يحيى بن فارس يقول: قوله: "فانتهى الناس..." من كلام الزهري)؛ ا هـ.
وكذلك قال البخاري في "القراءة خلف الإمام" وفي "التاريخ الكبير" وابن حبان في "صحيحه" والخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل"، ونقله الحافظ ابن حجر في "التلخيص" عن غير واحد، وقد رد هذه الدعوى الإمام ابن القيم في بحث جيد في "تهذيب السنن"، وقال: إنها من قول أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والصحيح أنه قول الزُّهْري)؛ ا هـ.
وجه الدلالة في هذا الحديث على النحو التالي:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على من قرأ خلفه في الصلاة الجهرية، وهذا يدل على أن الصلاة السرية يجب على المأموم أن يقرأ فيها بفاتحة الكتاب؛ لأن الأصل وجوبها عليه، أما الجهرية فيلزمه الاستماع والإنصات لقراءة الإمام، وهذا وجه تفريقهم بين السرية والجهرية.
2- أن هذا الأثر يدل على أن الصحابة لم يكونوا يقرؤون في الجهر مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الزُّهْري وهو من أعلم أهل زمانه أو أعلم أهل زمانه بالسنة هو من قال: (فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الصلوات حين سمِعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
3- أن قراءة الصحابة خلف النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانت مشروعة واجبة أو مُستحبة تكون من الأحكام العامة التي يعرفها عامة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فيكون الزُّهْري من أعلم الناس بها، فلو لم يبينها لاستدل بذلك على انتفائها، فكيف إذا قطع الزُّهْري بأن الصحابة لم يكونوا يقرؤون خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر.
ونوقش هذا الحديث من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه حديث ضعيف؛ لأنه قد تفرَّد به ابن أكيمة، وهو مجهول.
وأُجيب عن ذلك: بأن ابن أكيمة قد وثَّقه كثيرون، ومنهم ابن حِبَّان، وقد حسَّن الترمذي هذا الحديث.
الثاني: أن المرفوع من قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو إلى قوله: ((ما لي أنازع القرآن)) فقط وأما ما بعده وهو (فانتهى الناس... إلخ) فليس بمرفوع بل هو من قول الزُّهْري التابعي، وكان من عادته إدراج قوله في الحديث المرفوع.
ومما يؤكد ذلك أن أبا هريرة كان يأمر بالقراءة خلف الإمام فيما جهر فيه وفيما خافت.
الثالث: أن الحديث ليس فيه ما يدل على منع القراءة سرًّا خلف الإمام بل يدل على منع الجهر بالقراءة من المأموم.
الدليل الخامس:
عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة))؛ رواه ابن ماجه وأحمد، وحسَّنه الشيخ الألباني رحمه الله.
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نصَّ على أن المأموم لا قراءة عليه، ويحمل عنه الإمام هذه القراءة، وهذا شامل لفاتحة الكتاب وغيرها في الصلاة الجهرية والسرية؛ ولكن يُستثنى من هذا الحكم القراءة في الركعات السرية؛ لأنها واجبة عليه عملًا بالأصل.
ونُوقش هذا الحديث: بأنه ضعيف وقد سبق بيان ذلك والرد عليه فليرجع إليه.
الدليل السادس:
أقوال الصحابة رضي الله عنهم وأفعالهم ومن ذلك:
1- روى مالك في مُوطَّئه عن وهب بن كيسان أنه سمِع جابر بن عبدالله يقول: "من صلَّى ركعة لم يقرأ فيها لم يصل إلا وراء الإمام "، وقال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
2- وروى أيضًا عن نافع أن عبدالله بن عُمر كان إذا سُئل: هل يقرأ خلف الإمام؟ يقول: "إذا صلى أحدكم خلف الإمام تُجزئه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ"، قال: وكان عبدالله بن عُمر لا يقرأ خلف الإمام.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
3- وروى مُسلم في صحيحه عن عطاء بن يسار أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام فقال: "لا قراءة مع الإمام في شيء"، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
4- وروى البيهقي عن أبي وائل أن رجلًا سأل ابن مسعود عن القراءة خلف الإمام فقال: "أنصت للقرآن؛ فإن في الصلاة شُغلًا، وسيكفيك ذلك الإمام"، قال الشيخ الألباني رحمه الله: سنده صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وابن مسعود وزيد بن ثابت هما فقيها أهل المدينة وأهل الكوفة من الصحابة وفي كلامهما تنبيه على أن المانع إنصاته لقراءة الإمام)؛ ا هـ.
5- عن علي بن أبي طالب قال: "من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة"؛ رواه البخاري في كتاب "القراءة خلف الإمام"، والدارقطني وابن أبي شيبة بسند قال فيه الشيخ الألباني رحمه الله: جيد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومعلوم أن النهي عن القراءة خلف الإمام في الجهر متواتر عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم كما أن القراءة خلف الإمام في السرِّ متواترة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل ونفى وجوب القراءة على المأموم مطلقًا مما هو معروف عنهم)؛ ا هـ.
الدليل السابع:
قالوا: إجماع المُسلمين على أنه فيما زاد على الفاتحة يُؤمر بالاستماع دون القراءة: دليل على أن استماعه لقراءة الإمام خير له من قراءته معه؛ بل على أنه مأمور بالاستماع دون القراءة مع الإمام.
الدليل الثامن:
قالوا: لو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين إما أن يقرأ مع الإمام، وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ ولم نعلم نزاعًا بين العُلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم بالفاتحة ولا غيرها وقراءته معه منهيٌّ عنها بالكتاب والسُّنة، فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه في حال الجهر.
الدليل التاسع:
قالوا: لو كانت قراءة المأموم في حال الجهر والاستماع مُستحبة لاستُحِبَّ للإمام أن يسكت لقراءة المأموم، ولا يُستحَبُّ للإمام السكوت ليقرأ المأموم عند جماهير العُلماء أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وغيرهم.
وحجتهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسكت ليقرأ المأمومون، ولا نقل هذا أحد عنه؛ بل ثبت عنه في الصحيح سُكوته بعد التكبير للاستفتاح وفي السنن (أنه كان له سكتتان: سكتة في أول القراءة، وسكتة بعد الفراغ من القراءة) وهي سكتة لطيفة للفصل، لا تتسع لقراءة الفاتحة.
قال الترمذي رحمه الله: (وهو قول غير واحد من أهل العلم: يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة وبعد الفراغ من القراءة، وبه يقول أحمد وإسحاق وأصحابنا)؛ ا هـ.
وقد روي أن هذه السكتة كانت بعد الفاتحة ولم يقل أحد إنه كان له ثلاث سكتات ولا أربع سكتات، فمن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سكتات أو أربع، فقد قال قولًا لم ينقله عن أحد من المُسلمين، والسكتة التي عقب قوله: ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] من جنس السكتات التي عند رؤوس الآي، ومثل هذا لا يُسمَّى سُكوتًا؛ ولهذا لم يقل أحد من العُلماء إنه يقرأ في مثل هذا.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة، لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل هذا أحد علم أنه لم يكن.
الدليل العاشر:
قالوا: لو كان الصحابة كلهم يقرؤون الفاتحة خلفه إما في السكتة الأولى وإما في الثانية، لكان هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فكيف ولم ينقل هذا أحد عن أحد من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرؤون الفاتحة مع أن ذلك لو كان مشروعًا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله فعلم أنه بدعة.
الدليل الحادي عشر:
قالوا: المقصود بالجهر استماع المأمومين، ولهذا يؤمنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة، فقد أمر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته وهو بمنزلة أن يُحدث من لم يستمع لحديثه، ويخطب من لم يستمع لخطبته، وهذا سفه تُنَزَّهُ عنه الشريعة.
ولهذا روي في الحديث: ((مثل الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارًا)) فهكذا إذا كان يقرأ والإمام يقرأ عليه.
الدليل الثاني عشر:
قالوا: إن عدم القراءة خلف الإمام في الجهرية هو عمل أهل المدينة، نقل ذلك الإمام ابن العربي في تفسيره، ولا شك أن عمل أهل المدينة المُعتبر الذي يُقدمه الإمام مالك على غيره من الأدلة إنما هو إجماع الصحابة والتابعين السابقين للإمام مالك، وهم بلا شك من القرون الثلاثة المُعتبرة، وإجماع الصحابة والتابعين من أوثق الإجماعات كما قال أهل العلم.
الدليل الثالث عشر:
قالوا: أن الإمام أحمد نقل الإجماع على أنه لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر. وقد ذكر هذا الإجماع عن الإمام أحمد الإمام أبو داود في مسائله عن أحمد ونقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو ذو علم بروايات الإمام أحمد.
الدليل الرابع عشر:
قالوا: إن الاستماع للإمام له حُكم القراءة؛ بل يُطلق عليه أنه قراءة شرعًا ولُغةً وعُرفًا.
أما شرعًا فلما يلي:
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 89،88].
فتأمل قوله تعالى: ﴿ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ﴾ كيف أثبت وجود دعوتين حال كون الداعي هو موسى فقط؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى... ﴾ والمعلوم أن الداعي الثاني هو هارون الذي كان يستمع ويُؤمن؛ إذ لو كان يدعو معه لقال: "وقال موسى وهارون".
ويدل أيضًا على أن المُستمع له حُكم القارئ قوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة)).
وأما لُغة: فإن اللُّغة تُطلق على قراءة السِّرِّ (أي القلب) قراءة.
قال ابن العربي رحمه الله: (وقد وجدنا وجهًا للقراءة مع الجهر، وهي قراءة القلب بالتدبُّر والتفكُّر، وهذا نظام القرآن والحديث وحفظ العبادة ومراعاة السُّنَّة وعمل بالترجيح، والله أعلم.
وهو المُراد بقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205])؛ ا هـ.
وأما عُرفًا: فمن طالع كتابًا بعينه وفهمه وتدبَّره دون أن يتلو حُروفه أو يتحرك لسانه، يصحٌّ له في عرف الناس أن يقول: قرأت هذا الكتاب.
الدليل الخامس عشر:
قالوا: إذا افترضنا أن جميع المأمومين يقرؤون خلف الإمام، فيكون جهر الإمام حينئذٍ لمن لا يستمع له، فلا يكون هناك فائدة في جهر الإمام أصلًا، ولا يكون هناك فائدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمَّنَ فأمِّنوا))؛ لأنهم يكونون قد أمَّنُوا على قرآن لم يستمعوه، ولا استمعه أحدٌ منهم.
الدليل السادس عشر:
قالوا: إن حديث عبادة: ((لا صلاة...)) لا يدل على العُموم؛ لأن كثيرًا من الأحاديث التي وردت على نفس صيغة النفي للجنس لم تدل على العُموم لورود المُخصِّص بأدلة أخرى، منها: حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سمِعَ النداء فلم يُجب، فلا صلاة له، إلَّا من عُذْر))؛ رواه الترمذي والبيهقي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطني والطبراني، وعبدالرزاق، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله، والجمهور على أن صلاة الرجل في بيته مع عدم وجود العُذْر صحيحة مع اختلافهم: هل يلحقه الإثم بذلك أم لا؟
ومنه حديث عن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثانِ))؛ رواه مُسلم.
ومعلوم أن الصلاة بحضرة الطعام ليست باطلة على قول عامة أهل العلم.
الترجيح:
الراجح في هذه المسألة أن المأموم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في الركعات السرية؛ كالظهر والعصر والأخيرتين من العشاء والثالثة من المغرب، أما في الركعات التي يجهر فيها الإمام فلا يجب عليه قراءتها، والمتأكد في حقه الإنصات والاستماع إلى قراءة الإمام، فإن لم يسمع قراءة الإمام لبُعْد المكان أو لصَمَمٍ، فيجب عليه قراءة الفاتحة عملًا بالأصل.
أخي الحبيب، أكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المُراد، وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو زلل فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله مني بريئان، والله المُوفِّق، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفي الختام:
أسأل الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلمَ النافع، والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|