عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-09-2019, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,690
الدولة : Egypt
افتراضي كونوا إخوانا كما أمرتم

كونوا إخوانا كما أمرتم








الشيخ عبدالله بن محمد البصري








الخطبة الأولى
أَمَّا بَعدُ:
فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - جَلَّ وَعَلا - ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1] ثم اعلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ مِن خَيرِ مَا جَاءَ بِهِ دِينُكُمُ القَوِيمُ وَكُلُّهُ خَيرٌ وَصَلاحٌ وَفَلاحٌ، أَن قَلَّلَ مِن شَأنِ مَا كَانَ أَهلُ الجَاهِلِيَّةِ يَعتَزُّونَ بِهِ مِن رَوَابِطَ قَبَلَيَّةٍ وَعَلائِقَ عَصَبيَّةٍ، وَأَبدَلَ النَّاسَ بِهِ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَرَابِطَةَ العَقِيدَةِ، الَّتي هِيَ أَقوَى رَابِطَةٍ وَأَمتَنُ آصِرَةٍ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].

وَإِنَّ في ذِكرِ الإِصلاحِ بَينَ الإِخوَةِ، وَالتَّعقِيبِ بَعدَهُ بِتَقوَى اللهِ، لإِشَارَةً وَاضِحَةً جَلِيَّةً، إِلى أَنَّ رَابِطَةَ الأُخُوَّةِ الإِيمَانِيَّةِ، لا يُمكِنُ أَن تَقوَى وَتَشتَدَّ وَتَكُونَ عَلَى مَا يَنبَغِي، إِلاَّ بِصَلاحِ مَا بَينَ الإِخوَةِ مِن عِلاقَاتٍ، وَهُوَ مَا لا يَتِمُّ إِلاَّ بِتَقوَى الجَمِيعِ لِرَبِّهِم، وَالَّتي بها يَتَآخَونَ وَيَتَرَاحَمُونَ وَيَتَلاحَمُونَ، وَمِن ثَمَّ يَنَالُونَ رَحمَةَ اللهِ، وَقَد جَاءَت هَذِهِ التَّقوَى مُفَسَّرَةً بِبَعضِ أَفرَادِهَا المُهِمَّةِ في مَوضِعٍ آخَرَ مِن كِتَابِ اللهِ، حَيثُ قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71] فَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ وَبَذلُ النَّصِيحَةِ، وَإِقَامَةُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَطَاعَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ، هِيَ حِليَةُ المُجتَمَعِ وَزِينَتُهُ وَجَمَالُهُ، غَيرَ أَنَّ تَمَامَ تِلكَ الزِّينَةِ وَالتَّحلِيَةِ، لا يَكُونُ إِلاَّ بَعدَ إِكمَالِ التَّخلِيَةِ، بِتَجَنُّبِ أَسبَابِ التَّفَكُّكِ، وَنَبذِ مُوجِبَاتِ التَّفَرُّقِ، وَتَطهِيرِ المُجتَمَعِ مِن مُفسِدَاتِ الوُدِّ وَمُضعِفَاتِ الأُخُوَّةِ، وَمِنهَا مَا جَاءَت بِهِ آيَاتُ سُورَةِ الحُجُرَاتِ قَبلَ ذِكرِ أُخُوَّةِ المُؤمِنِينَ وَبَعدَهَا، مِن وُجُوبِ التَّبَيُّنِ مِنَ الأَنبَاءِ وَالتَّثَبُّتِ مِنَ الأَخبَارِ، وَالأَمرِ بِالعَدلِ مَعَ الآخَرِينَ وَخَاصَّةً عِندَ الإِصلاحِ، وَالنَّهيِ عَنِ السُّخرِيَةِ وَاللَّمزِ وَالتَّنَابُزِ بِالأَلقَابِ، وَعَن سُوءِ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسِ وَالغِيبَةِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسخَرْ قَومٌ مِن قَومٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيرًا مِنهُم وَلا نِسَاءٌ مِن نِسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيرًا مِنهُنَّ وَلا تَلمِزُوا أَنفُسَكُم وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلقَابِ بِئسَ الاسمُ الفُسُوقُ بَعدَ الإِيمَانِ وَمَن لم يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11، 12] وَإِنَّ وَقفَةَ تَأَمُّلٍ مِنَ العَاقِلِ في حَالِهِ وَحَالِ مَن حَولَهُ في هَذَا الزَّمَانِ، لِيُدرِكَ كَم بَعُدَ المُسلِمُونَ عَن تَطبِيقِ هَذِهِ التَّوجِيهَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ العَظِيمَةِ! وَكَم فَرَّطُوا في تِلكُمُ الآدَابِ الإِسلامِيَّةِ الكَرِيمَةِ! فَمِن عَجَلَةٍ في اتِّهَامِ الآخَرِينَ وَدُخُولٍ في نَوَايَاهُم، وَأَخذٍ لَهُم بِالظَّنِّ وَعَدَمِ تَثَبُّتٍ مِن مَقَاصِدِهِم، إِلى مَشيٍ بَينَهُم بِالنَّمِيمَةِ وَنَقلِ حَدِيثِ بَعضِهِم لِبَعضٍ، إِلى استِهزَاءٍ بهم وَسُخرِيَةٍ مِنهُم، وَلَمزٍ وَتَنَابُزٍ بِالأَلقَابِ جَارٍ عَلَى أَلسِنَةِ عَامَّتِهِم، وَأَمَّا الغِيبَةُ وَمَا أَدرَاكَ مَا الغِيبَةُ؟! فَفَاكِهَةُ مَجَالِسِهِم وَمُنتَدَيَاتِهِم، وَحَدِيثُ أَسمَارِهِم وَمُلتَقَيَاتِهِم، وَقَلَّ بَل نَدُرَ بَل لَعَلَّهُ لا يُوجَدُ في زَمَانِنَا مَن يَسلَمُ مِن شَرِّهَا وَيَتَطَهَّرُ مِن وَضَرِهَا، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ العَاقِلَ وَهُوَ يَرَى جَسَدَ المُجتَمَعِ قَد أُصِيبَ بِكُلِّ هَذِهِ الآفَاتِ، لا يَستَنكِرُ أَن تَتَفَكَّكَ أَعضَاؤُهُ وَيَتَفَرَّقَ أَبنَاؤُهُ، وَيَشتَغِلَ بَعضُ النَّاسِ بِبَعضٍ، وَتَضِيقَ صُدُورٌ حتى تَكَادَ تَنفَجِرُ، وَتَذهَبَ السَّعَادَةُ وَتَزُولَ المُوَدَّةُ، وَيَحِلَّ الشَّقَاءُ وَتَسُودَ البَغضَاءُ، أَلا فَاتَّقُوا رَبَّكُم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَاحرِصُوا عَلَى مَا تَقوَى بِهِ أُخُوَّتُكُم، مِن مَحَبَّةِ الخَيرِ لإِخوَانِكُم وَالتَّوَاضُعِ لهم وَالرِّفقِ بهم، وَاللِّينِ مَعَهُم وَرَحمَتِهِم، وَلا تَغُرَّنَّكُم عَلائِقُ الدُّنيَا الزَّائِلَةُ وَرَوَابِطُهَا الهَزِيلَةُ، مِن قَرَابَةٍ أَو مُصَاهَرَةٍ أَو تَبَادُلِ مَصلَحَةٍ، وَحَذَارِ أَن يَستَجرِيَكُمُ الشَّيطَانُ بِبَعضِ مَا يَتَفَاخَرُ بِهِ النَّاسُ في الدُّنيَا مِن شَرَفِ نَسَبٍ أَو عُلُوِّ حَسَبٍ، أَو كَثرَةِ مَالٍ وَوَلَدٍ ونَشَبٍ، فَإِنَّمَا كُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنَ الحَيَاةِ الدُّنيَا يُوشِكُ أَن يَزُولَ ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 101 - 103] ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 33 - 37] ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الزخرف: 67 - 69].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 102 - 105].

الخطبة الثانية
أَمَّا بَعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ، وَخُذُوا بما قَرَّرَهُ إِمَامُكُم - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَوَجَّهَكُم بِهِ، حَيثُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسلِمٌ: "إِيَّاكُم وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُم، المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ، لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ، التَّقوَى هَا هُنَا، التَّقوَى هَا هُنَا، التَّقوَى هَا هُنَا - وَأَشَارَ إِلى صَدرِهِ - بِحَسْبِ امرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَن يَحقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَعِرضُهُ وَمَالُهُ ".

إِنَّ عِرضَ المُسلِمِ لا يَقِلُّ قِيمَةً عَن دَمِهِ وَمَالِهِ، فَلِمَاذَا يَخشَى كَثِيرُونَ مِنَ التَّعَرُّضِ لِدَمِ المُسلِمِ، وَيَتَوَرَّعُونَ عَن مَالِهِ، ثم هُم يُطلِقُونَ أَلسِنَتَهُم في عِرضِهِ وَلا يُبَالُونَ، أَمَا يَنتَهُونَ وَقَد نُهُوا؟! أَلا يَرتَدِعُونَ وَقَد زُجِرُوا؟! أَمَا يَكفِيهِم مَا أَصَابَهُم بِسَبَبِ ذَلِكَ مِن تَقَطُّعِ الرَّوَابِطِ وَتَفَكُّكِ العَلائِقِ، وَمَا يَحدُثُ بَينَهُم مِن جَرَّائِهِ مِن عَدَاوَةٍ وَبُغضٍ وَتَهَاجُرٍ وَتَدَابُرٍ؟! أَفَيُرِيدُونَ مَعَ خَسَارَةِ دُنيَاهُم شَدِيدَ العَذَابِ في أُخرَاهُم؟! في الصَّحِيحَينِ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " لا يَدخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ " وَفِيهِمَا مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبرَينِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: " إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، بَلَى إِنَّهُ كَبِيرٌ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَستَتِرُ مِن بَولِهِ " وَعِندَ أَحمَدَ وَغَيرِهِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لَمَّا عَرَجَ بي رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - مَرَرتُ بِقَومٍ لَهُم أَظفَارٌ مِن نُحَاسٍ يَخمِشُونَ وُجُوهَهُم وَصُدُورَهُم " فَقُلتُ: " مَن هَؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقعَوُن في أَعرَاضِهِم " إِنَّ هَذِهِ الآفَاتِ الَّتي تُفسِدُ مَا بَينَ المُسلِمِينَ مِن عِلاقَاتٍ، وَتُضعِفُ أُخُوَّتَهُم وَتَهدِمُ وِحدَتَهُم، لا تَنتُجُ إِلاَّ مِن ضَعفِ الإِيمَانِ وَقِلَّةِ المُرَاقَبَةِ لِلمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَامتِلاءٍ بِالحِقدِ وَالحَسَدِ وَالكِبرِ، وَضَعفِ مَعرِفَةٍ لِقَدرِ النَّفسِ، وَإِلاَّ فَإِنَّ المُؤمِنَ الَّذِي أَدرَكَ قِصَرَ عُمُرِهِ وَسُرعَةَ انتِقَالِهِ إلى قَبرِهِ، وَقِلَّةَ حِيلَتِهِ يَومَ بَعثِهِ وَحَشرِهِ، وَأَنَّهُ مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ إِلاَّ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، لا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِلاَّ تَوَاضُعًا وَتَطَامُنًا، وَهَضمًا لِنَفسِهِ وَخَفضَ جَنَاحٍ لِلمُؤمِنِينَ، وَاشتِغَالاً بما يُنجِيهِ وَالتَفِاتًا عَمَّا يُردِيهِ، فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ -، وَكُونُوا إِخوَانًا كَمَا أُمِرتُم ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.62 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]