يوم يكشف عن ساق (سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها "13")
د. زياد بن حمد العامر
وذلك لما يلي:
1- ثبوت التفسير النبوي للآية كما سبق في أدلة القول الأول.
2- مطابقة حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين للآية؛ ممَّا يُؤيِّد أن معنى الآية محمول على معنى الحديث كما سبق في أدلة القول الأول.
3- أن تفسير الكشف عن الساق في الآية بإزالة الشدة لا يصحُّ؛ وذلك أن للكشف معنيين:
"يُقال: كَشَفَ البلاء؛ أي: أزاله ورفعه، ويُقال: كَشَفَ عنه؛ أي: أظهره وبيَّنه؛ فمن الأول قوله تعالى: ï´؟ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ï´¾ [النحل: 54]، وقوله تعالى: ï´؟ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ï´¾ [المؤمنون: 75]، وقوله تعالى: ï´؟ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ï´¾ [الأعراف: 135].
ومن الثاني قوله تعالى: ï´؟ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ï´¾ [القلم: 42]، لم يقل: "يوم يكشف الساق"، وهذا يُبيِّن خطأ من قال المراد بهذه كشف الشدة، وأن الشدة تُسمَّى ساقًا، وأنه لو أريد ذلك لقيل: يوم يُكشَف عن الشدة، أو يَكشِف الشدة" [36].
فتفسير الكشف عن الساق بـإزالة (الشِّدَّة لا يصحُّ؛ لأن المستعمل في الشِّدَّة أن يُقال: كشف الله الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ كما قال: ï´؟ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ï´¾ [الزخرف: 50]، وقال: ï´؟ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ ï´¾ [الأعراف: 135]، وقال: ï´؟ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ï´¾ [المؤمنون: 75]، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يُقال: كشف الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ فلفظ الآية: ï´؟ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ï´¾ [القلم: 42]، وهذا يُراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال: ï´؟ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ï´¾ [الأعراف: 135]" [37].
ولغة العرب لا تساعد على تفسير الكشف عن الساق بإزالة الشدة، "فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يُقال كَشَفْتُ الشِّدَّةَ عن القوم، لا كَشَفْتُ عنها؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ï´¾ [الزخرف: 50]، وقال: ï´؟ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ï´¾ [المؤمنون: 75]، فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه" [38].
4- أن تفسير الكشف عن الساق بإزالة الشدة غير صحيح؛ وذلك أنه لو كان المراد كذلك لكان كشف الشدة يشمل المؤمنين والكفار، و"يوم القيامة لا يكشف الشدة عن الكفار" [39].
5- أن تفسير الكشف عن الساق بإزالة الشدة غير صحيح؛ وذلك لأن ذلك الموقف هو وقت حدوث الشدة، وليس زوال الشدة [40].
6- أن تركيب الكلام وسياقه وتدبُّر المعنى يدلُّ على أن ظاهر الآية فيه دلالة على صفة الساق لله [41]، ووجه هذا أن "ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق، ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه" [42].
7- أنه لم يصحَّ تفسير ابن عباس للآية بالشدة، "والرواية في ذلك عن ابن عباس ساقطة الإسناد" [43].
وحتى لو ثبتت هذه الرواية عن ابن عباس، فلا يصح الاستدلال بها على هذه المسألة؛ وذلك أن ابن عباس كان يقرأ هذه الآية بلفظ: [يوم تكشف عن ساق]، فهو يقصد يوم القيامة ولا يقصد الله عز وجل، فقد أخرج الفراء "عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قرأ: {يوم تكشف عن ساق] يريد: القيامة والساعة لشدتها" [44]، قال أبو حاتم السجستاني: "من قرأ بالتاء؛ أي: تكشف الآخرة عن ساق، يستبين منها ما هو غائب عنه" [45].
وممن ذكر قراءة ابن عباس هذه النحاس [46]، والقرطبي [47]، وقال السيوطي: "وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن منده من طريق: عمرو بن دينار، قال: كان ابن عباس يقرأ: [يوم تَكْشِف عن ساق] - بفتح التاء - قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها" [48].
8- أنه وإن كانت الآية لا يقصد منها إثبات صفة الساق أصالة [49]، فإن هذا لا يمنع صحة إثبات صفة الساق من الآية استنباطًا.
[1] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394.
[2] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 472، ومختصر الفتاوى المصرية؛ للبعلي ص 202، والصواعق المرسلة؛ لابن القيم 1/ 252.
[3] يُنظَر: مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394.
[4] شرح كتاب التوحيد من البخاري؛ للغنيمان 2/ 122.
[5] يُنظَر: مجموع الفتاوى 6/ 394، ولعل هذا القول منسوب إليه؛ لأنه راوي الحديث الذي في التصريح بلفظ ((فيكشف عن ساقه)).
[6] أخرجه عبدالرزاق في تفسيره، رقم (3293) 3/ 335، ولفظه: عن ابن مسعود، في قوله تعالى: ï´؟ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ï´¾ [القلم: 42]، قال: "عن ساقه؛ يعني: ساقه تبارك وتعالى".
وقال ابن منده في الرد على الجهمية 1/ 16: "أخبرنا علي بن العباس بن الأشعث الغزي بغزة، ثنا محمد بن حماد الطهراني، ثنا عبدالرزاق، أنبأ الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود في قوله جل وعز: ï´؟ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ï´¾ [القلم: 42]، قال: عن ساقيه، قال أبو عبدالله: هكذا في قراءة ابن مسعود، وï´؟ يَكْشِف ï´¾ بفتح الياء وكسر الشين".
وقال السيوطي في الدر المنثور 14/ 643: "وَأخرَج عبدالرزاق، وعَبد بن حُمَيد، وابن المنذر، وابن منده، عن ابن مسعود في قوله: ï´؟ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ï´¾ [القلم: 42]، قال: عن ساقيه تبارك وتعالى، قال ابن منده: لعله في قراءة ابن مسعود ï´؟ يَكشِف ï´¾ بفتح الياء وكسر الشين..
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن منده، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله: ï´؟ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ï´¾ [القلم: 42].
قال: وقال ابن مسعود: يكشف عن ساقه، فيسجد كل مؤمن ويقسو ظهر الكافر فيصير عظمًا واحدًا.
والدارقطني في الرؤية رقم (167)، ص 269.
وقال الحاكم في المستدرك 2/ 587: "إسناد صحيح".
وذكر أثر ابن مسعود أبو يعلى في إبطال التأويلات رقم (160،161)، 1/ 160.
[7] حيث بوَّب بلفظ آية سورة القلم، ثم ذكر تحت الباب حديث أبي سعيد، وفيه: ((فيكشف عن ساقه))، يُنظر: صحيح البخاري، كتاب: التفسير، باب: يوم يكشف عن ساق، رقم (4919) 6/ 159.
[8] يُنظَر: إبطال التأويلات 1/ 159.
[9] يُنظَر: اجتماع الجيوش الإسلامية؛ لابن القيم، ص 34.
[10] يُنظَر: تفسير الشوكاني 5/ 340.
[11] يُنظَر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة؛ لابن باز 4/ 130.
[12] يُنظَر: دروس وفتاوى الحرم المدني 1/ 22.
[13] يُنظَر: السلسلة الصحيحة، رقم (584).
[14] اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية 2/ 380.
[15] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 473.
[16] تفسير السعدي، ص 881.
[17] يُنظَر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري؛ للغنيمان 2/ 121.
[18] أخرجه الدارمي، رقم (2845)، 3/ 1848، كتاب: الرقاق، باب: في سجود المؤمنين يوم القيامة، وهذا لفظه، وأخرجه ابن منده، رقم (8)، 1/ 17، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (584).
[19] أخرجه البخاري، كتاب: التفسير، باب: يوم يكشف عن ساق، رقم (4919) 6/ 159، وأخرجه أيضًا في كتاب التوحيد، باب: وجوه يومئذ ناظرة، رقم (7439) 9/ 130.
[20] يُنظَر: الصواعق المرسلة 1/ 253، اجتماع الجيوش الإسلامية، ص 34.
[21] أي أن فيها نكارة.
[22] فتح الباري 11/ 18.
[23] الأسماء والصفات؛ للبيهقي 2/ 182.
[24] السلسلة الصحيحة، رقم (584).
ويُنظَر: التعليق على فتح الباري؛ لعبدالله الدويش، ص 18.
[25] لم أقف على كلام صريح لابن عباس رضي الله عنهما في نفي صفة الساق من هذه الآية؛ وإنما الذي وقفت عليه - على تقدير ثبوته - هو تفسيره لهذه الآية بالكرب والشدة، وهذا التفسير لا يلزم منه نفي دلالة الآية على صفة الساق؛ بل يمكن حمل الآية على المعنيين جميعًا، كما سبق في النقل عن السعدي في القول الأول.
وقد جاء أثر ابن عباس هذا من عدة طرق؛ منها: ما أخرجه الفراء في معاني القرآن 3/ 177، والحاكم في المستدرك، رقم (3902) 2/ 587، والطبري في التفسير 23/ 187، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (746)، 2/ 183.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد"، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح 17/ 435.
وقال شيخ الإسلام عن رواية ابن عباس كما في الاستغاثة في الرد على البكري، ص 293: "ساقطة الإسناد".
وقد جمع بعض الباحثين جميع طرق مرويَّات ابن عباس في هذا الأثر، وتوصَّل إلى أنه لم يثبت منها شيء.
يُنظَر: المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير "يوم يكشف عن ساق" لسليم بن عيد الهلالي، ص 17.
وحتى لو ثبتت هذه الرواية عن ابن عباس فلا يصحُّ الاستدلال بها على هذه المسألة، وذلك أن بن عباس كان يقرأ هذه الآية بلفظ {يوم تكشف عن ساق} فهو يقصد يوم القيامة، ولا يقصد الله عز وجل، وسيأتي مزيد بيان في المبحث التالي إن شاء الله.
[26] يُنظَر: تفسير الطبري 23/ 188.
[27] يُنظَر: المرجع السابق 23/ 188.
[28] يُنظَر: المرجع السابق 23/ 188.
[29] يُنظَر: تفسير الطبري 23/ 195، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (751)، 2/ 186.
[30] يُنظَر: إبطال التأويلات 1/ 159.
[31] يُنظَر: فتح الباري؛ لابن حجر 11/ 18، ولم أقف على كلام الإسماعيلي عند غير ابن حجر.
[32] يُنظَر: الصواعق المرسلة 1/ 252.
واعتبرته هو القول المتأخر بدليل أن قوله الأول مذكور في كتابه: اجتماع الجيوش الإسلامية، وهذا القول مذكور في كتابه الصواعق المرسلة، وكتابه الصواعق المرسلة متأخر عن كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية بدليل أنه أحال في كتابه الصواعق على كتابه اجتماع الجيوش في أكثر من موضع منها: 4/ 1254، 4/ 1305.
[33] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394، ويُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 473.
[34] أخرجه أبو يعلى في مسنده، رقم (7283) 13/ 269، وابن جرير في التفسير 23/ 195، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (752)، 2/ 187.
وقال البيهقي: "تفرَّد به روح بن جناح - وهو شامي - يأتي بأحاديث منكرة لا يتابع عليها"، وأورده ابن كثير في تفسيره 8/ 199، وقال: "فيه رجل مبهم"، وضعَّفه ابن حجر في الفتح 11/ 18، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (1339)، 3/ 512.
[35] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394، الصواعق المرسلة 1/ 252.
[36] الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية، ص 293.
[37] بيان تلبيس الجهمية 5/ 473، ويُنظَر: الصواعق المرسلة 1/ 253.
[38] الصواعق المرسلة 1/ 253.
ويُنظَر: مختصر الصواعق؛ للموصلي 1/ 64.
[39] الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية ص 293.
[40] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 474، الصواعق المرسلة 1/ 253.
[41] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 474.
[42] بيان تلبيس الجهمية 5/ 473.
[43] الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية، ص 293.
[44] معاني القرآن للفراء 3/ 177.
قال النحاس في إعراب القرآن 5/ 15: "هذا إسناد مستقيم"، وقال شعيب الأرناؤوط: "قلت: وهذا سند صحيح"؛ كما في حاشية العواصم والقواصم؛ لابن الوزير (8/ 341).
[45] الرد على الجهمية؛ لابن منده 1/ 17.
[46] يُنظَر: إعراب القرآن 5/ 15.
[47] يُنظَر: تفسير القرطبي 21/ 175.
[48] الدر المنثور 14/ 646.
[49] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 464، الصواعق المرسلة؛ لابن القيم 1/ 245.