رد: تطبيقات عقود التحوط في المصارف الإسلامية وأحكامها الشرعية
تطبيقات عقود التحوط في المصارف
الإسلامية وأحكامها الشرعية
د. فضل عبدالكريم محمد البشير[*]
2/6 التحوط عن طريق بيع العربون:
العُربونُ والعَرَبونُ والعُرْبانُ: كله صحيح اللفظ وفيه لغات أخرى([84]): وهو أن يشتري السلعة فيدفع للبائع مالأ على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع.([85]) والعربون هو جزء من الثمن يدفعه المشتري ليكون له الخيار مدة معينة في إمضاء البيع أو رده ففي حال إمضاء البيع يكون جزءً من الثمن، وفي حال العدول عن الشراء يكون العربون من استحقاق البائع ويضيع على المشترى وإما قبل عقد البيع وفي حال الوعد بالشراء فما يدفعه المشتري لا يسمى عربوناً وليس له حكم العربون وإنما هو مبلغ للوعد بالشراء إن نكل الواعد بالشراء عن وعده كان للمصرف حق استيفاء عوض التضرر من النكول عن الوفاء بالوعد وما زاد عن مقدار التعويض تعين رده للواعد بالشراء وإن كان مقدار العوض عن الضرر أكثر من هذا المبلغ تعين على الواعد بالشراء إكمال النقص هذا على القول بالإلزام بالوعد وهو ما ذهبت إليه الهيئة الشرعية في مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين([86]).
وقد اختلف العلماء في جواز هذا النوع من المعاملات بسبب الخلاف في ثبوت الأحاديث أو ضعفها الواردة في المنع من بيع العربون، وورود بعض الآثار عن الصحابة y بالجواز. وبناءً على ذلك اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: منع جمهور العلماء، وأجازه من الصحابة عبد الله، ومن التابعين مجاهد، وابن سيرين، وغيرهم([87]) وحجتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: «أنّ النبي e نهى عن العربان في البيع»([88]), وقد ورد: بأنَّ الحديث ضعيف عند أهل الحديث.([89]) غير أن الشوكاني قال بأن هذا الحديث ورد من طرق يقوي بعضها بعضا([90])، إضافة إلى أنه متردد بين الغنم والغرم، وعليه فهو داخل في الغرر الممنوع. وقد ذكر النووي في المجموع (9/335), وشمس الدين بن قدامة في شرح المقنع (4/59)، صورة مباحة من صور بيع العربون -عند من يرى تحريمه- وهي فيما إذا دفع إليه قبل البيع درهماً، وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك، ثم اشترى منه بعد ذلك بعقد مبتدأ، وحسب الدرهم من الثمن، قالوا: فيصح البيع، لأنه خلا من الشرط المفسد, ويشترط الشافعية قول هذا الشرط قبل العقد، ولا يتلفظا به حالة العقد، وإلا كان باطلاً.
القول الثاني: المشهور من مذهب الإمام أحمد جوازه، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف([91]), وهو قول عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله م, ومن التابعين قال به ابن سيرين، ومجاهد بن جبر، وزيد بن أسَّلَم، ونافع بن الحارث. ودليلهم أن نافع بن عبد الحارث اشترى داراً للسجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر فالبيع له، وإن عمر لم يرض فأربعمائة لصفوان. ودليل آخر عن زيد ابن أسَّلَم أن رسول الله e: (سئل عن بيع العربان فأحله).
الرأي المختار: يميل الباحث إلى اختيار مذهب الحنابلة المجيزين بشرط أن تكون مدة الخيار معلومة. وهذا القول أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية، وبه صدرَ قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي([92])، وفق ما يلي:
1. المراد ببيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.
ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع. ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السَّلَم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف) ولا يجري في المرابحة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.
2. يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود. ويحتسب العربون جزءاً من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء.
2/7 التحوط من خلال عقد المرابحة للآمر بالشراء.
يعد عقد المرابحة للآمر بالشراء من أكثر العقود التي طبقتها المصارف الإسلامية في بواكير عملها لما لها من ميزات على صيغ التمويل الأخرى، إلا أن تطبيقها تراجع في الآونة الأخيرة بشكل كبير، حيث ظهرت منتجات مالية إسلامية جديدة أخذت حظاً أوسع منها في التطبيق، وقد أورد سامي السويلم في كتابه التحوط في التمويل الإسلامي، صيغة للتحوط باستخدام المرابحة، بحيث يتم دمج الصرف الآجل بعقد البيع، بحيث يشتري البنك السلع من المصدر بعملة (اليورو مثلا) ثم يبيعها للمستورد بعملة أخرى بالدولار وبهذه الطريقة تتم المبادلة لكل من المصدر والمستورد بعملته المحلية، ويتحمل البنك الوسيط مخاطر الصرف بين العملتين، وهذا الدمج بين الصرف الآجل وبين البيع الفعلي نظير الدمج بين التمويل وبين البيع في المرابحة المصرفية المعروفة، وكما أن المرابحة تحقق مصلحة التمويل فيمكن أن تحقق مصلحة التحوط وإدارة المخاطر.
ومن تطبيقات التحوط في المصارف الإسلامية المرابحة بربح متغير التي صممت في ضوء إشكالية تحديد الربح أو الثمن في عقود التمويل طويلة الأجل، خاصة في ظل تذبذب الأسعار، وارتفاع معدلات التضخم،([93]) فالمصرف لا يرضي بتحديد الربح بمقدار ثابت خشية الارتفاع في المستقبل، والممول لا يرضي بدفع ربح أكثر من السوق، لذلك تلجأ المصارف إلى وضع الحد الأعلى الذي تتوقع أن تصل إليه معدلات الأرباح أثناء مدة التمويل، ونتيجة لذلك ربما تفقد المصارف جزءً من عملائها في ظل المنافسة في السوق (مصارف تقلديه أو إسلامية)، وهنالك حالات واقعية تشير إلى خلاف نشاء بين العملاء وهذه المصارف بسب هذه الإشكالية، لذلك لجاءت بعض المصارف إلى طرح بدائل، أهمها المرابحة بربح متغير، ويتم تطبيقها عبر آليتين: الأولى سداد أصل المديونية في نهاية المدة، وسداد الأرباح فقط في إقساط دورية طوال مدة المديونية. والثانية توزيع سداد الأصل والربح على أقساط دورية طوال مدة المديونية.
وقد عرض حامد ميرة في كتابه القيم عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية الخلاف بين المعاصرين على قولين:
الأول: بتحريم المرابحة بربح متغير، وذهب إلى ذلك جمهور من المعاصرين من الفقهاء والباحثين، وعدد من الهيئات الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، وممن نص على ذلك المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وندوة ربط الحقوق والالتزامات الآجلة بتغير الأسعار التي نظمها المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، والهيئة الشرعية لبنك البلاد، وعدد من الفقهاء المعاصرين، منهم عبد الستار أبوغدة، ومحمد القري، وسامي السويلم، ودليلهم في ذلك ما نص عليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على اشتراط العلم بالثمن لصحة البيع، وعمدة استشهادهم في ذلك حديث أبي هريرة t "نهي رسول الله e عن بيع الغرر" بل إن الإمام النووي قد نقل الاتفاق على اشتراط العلم بالثمن وتحديده عند التعاقد لصحة البيع.
والثاني: بجواز المرابحة بربح متغير، وممن ذهب إلى ذلك يوسف عبد الله الشبيلي ومستنده في ذلك يبنى على ثلاثة أدلة: الأول: أن الأصل في العادات والمعاملات والعقود الصحة والإباحة، ما لم يرد دليل صحيح على التحريم والمنع، وهذا هو مذهب جمهور العلماء، كما نسبه لهم الإمام ابن قيم الجوزية. وهو مذهب الشافعية في وجه عندهم، والإمام أحمد في رواية، واختار ذلك ابن تيمية. الثاني: إن ما اشتملت عليه المرابحة بربح متغير من اتفاق العاقدين في مجلس العقد على معيار منضبط معلم يتحدد به الثمن في المستقبل على وجه يغلب فيه الظن، أنه لا يؤدي إلى الشقاق والنزاع يعد مقدارًا كافيًا لتحقيق العلم بالثمن، قياساً على ما قرره بعض الفقهاء من جواز جملة من البيوع التي لم يتحقق فيها العلم بالثمن، ولكنه آيل إلى العلم على وجه لا يؤدي إلى الشقاق والنزاع. أما الدليل الثالث، اتفاق الفقهاء على اشتراط العلم بالأجرة، استدلالا بعموم قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم... ﴾ الآية, وإلحاقا بما اتفق عليه الفقهاء من اشتراط العلم بالثمن في البيع، إذ الإجارة بيع منافع.
وبعد مناقشة أدلة المجيزين لبيع المرابحة بربح متغير، رجح حامد ميرة جواز المرابحة بربح متغير وفق عدد من الضوابط أشار إليها. ومما يؤخذ عليه في ترجيحه لإجازة المرابحة بربح متغير أنه اكتفى برأي واحد تفرد به يوسف الشبيلي من جملة المعاصرين من الفقهاء والباحثين في الاقتصاد الإسلامي، وهذه مسألة فيها نظر، فلا يمكن قبول رأي واحد في مثل هذه الأمور المعقدة، وكان الأولى أن يستشهد الباحث بقرار مجمعي، أو قرار لهيئة رقابة شرعية في أي مصرف من المصارف الإسلامية. ومن ناحية أخرى فإن الحجج التي استند إليها يوسف الشبيلي في إجازته للمرابحة بربح متغير قياساً على ما قرره الفقهاء من جواز جملة من البيوع التي لم يتحقق فيها العلم بالثمن، حولها خلاف فقهي واسع, وهو في نتيجته لا يؤدي إلى الجواز، بل يؤدي إلى المنع.
وبعد عرض الآراء في موضوع التحوط في عقد المرابحة للآمر بالشراء بربح متغير، فإن الباحث يميل إلى ترجيح الرأي الأول الذي يرى التحريم لقوة أدلته من ناحية، ولعدم وجود من يعضد رأي يوسف الشبيلي من المعاصرين بالجواز.
2/8 التحوط من مخاطر تقلبات أسعار الفائدة.
الناظر في حال المصارف الإسلامية يرى أنها لا تتعامل بالفائدة. ويظن بناء على ذلك أن أي تغيير في معدلات الفائدة في السوق لن يتسبب في حدوث مخاطر تجاه هذه المصارف، ولكن الأمر مختلف عن ذلك تماماً، فالمتتبع لواقع المصارف الإسلامية اليوم، يجد أنها تستخدم مؤشراً للعائد، لأجل تحديد أسعار تكلفة أدواتها المالية، فهي تقوم بتحديد العائد على معاملاتها؛ بناء على معدل أسعار الفائدة السائد، في الأسواق (الليبور)، مضافاً إليه هامش المخاطرة ومعلوم أن أسعار الفائدة ترتبط بالتغير الذي يطرأ على حركة الأسواق، فتتأرجح تِبعاً له أسعار الفائدة صعوداً وهبوطاً.
المشكلة التي تواجه المصارف الإسلامية بهذا الصدد، هي أن مقدار العائد على معاملاتها يتحدد مرة واحدة طوال فترة العقد،في حين أن معدلات الفائدة تتغير أكثر من مرة خلال العام، لذلك يصعب عليها تغيير معدلات العائد على معاملاتها، حيث إنها قد التزمت بمواثيق وعقود مع العملاء على نسب ثابتة، وعليه فان المصارف الإسلامية تواجه المخاطر الناشئة من تغير أسعار الفائدة كما أن التغيُّر في أسعار الفائدة يؤثِّر سلباً على قدرة المصارف الإسلامية في استقطاب ودائع استثمارية جديدة، خاصة إذا ما اتجهت أسعار الفائدة نحو الارتفاع في ظل وضع يكون فيه هامش الربح أقل بكثير من أسعار الفائدة.
وبالطبع فإن هذا القول لا يمكن قبوله على إطلاقه، فهناك شريحة من المستثمرين لا يتأثرون بهذا التغيير، بل يقبلون للتعامل مع المصارف الإسلامية بالرغم من تدنِّي العائد، انطلاقًا من التزام ديني بالبعد عن الربا. ولكن تبقى في النهاية هنالك شريحة من المستثمرين تستهويهم معدلات العائد المرتفع، والربحية العالية. ومثل هؤلاء هم الذين تفتقدهم المصارف الإسلامية. وفي ذات السياق فإن المتمولين بوجه عام، يعقدون المقارنة بين أسعار الفائدة وهامش الربح في المصارف الإسلامية، فإن كانت نسبة الفائدة التي تأخذها المصارف التقليدية أقل من هامش الربح الذي حددته المصارف الإسلامية؛ فإنهم سيتجهون وبلا شك للتعامل مع المصارف التقليدية، مع الأخذ في الاعتبار الاستثناء الخاص بالبُعد عن التعامل الربوي عند بعض المتمولين.
وللتحوط من مخاطر العائد اتجهت المصارف الإسلامية إلى رفع معدلات العائد على التمويل المقدم منها، وهي بذلك تفقد شريحة من المتمولين، ولحل هذه المشكلة، أشار سامي السويلم في كتابه عن التحوط في التمويل الإسلامي إلى مخاطر العائد في البيوع الاجلة، فالدَّين في ذمة العميل لايمكن ان يخضع للتغيير بمقتضى العقد، خاصة في التمويل طويل الأجل، فسيجد كل من العميل والممول أنهما يتعرضان لمخاطر متعددة، فقد تنخفض تكلفة التمويل فيجد العميل نفسه يدفع تكلفة أعلى من تكلفة المثل، وقد ترتفع فيجد الممول نفسه يحصل على عائد اقل من عائد المثل، لذلك فإن التفاوت بين الدخل والتكاليف يمثل مصدرا من مصادر الخطر ومن غير الممكن تغيير مقدار الدَّين, حيث إن ذلك يناقض طبيعة العقد، وفي هذه الحالة يمكن اللجوء للأسلوب التعاوني وفق الطريقة التالية([94]).
إذا ارتفع معدل العائد فيمكن للعميل أن يزيد من مقدار القسط الدوري الذي يدفعه للممول، مقابل تخفيض مقدار الدَّين الكلي، فإذا ارتفع العائد مثلا 2% فوق العائد المثبت في العقد، فيمكن للعميل أن يزيد مقدار القسط بحسب هذه النسبة، على أن يتم حسم هذه الزيادة من إجمالي المتبقي في ذمته للمصرف، وفي المقابل إذا انخفض معدل العائد فيمكن للعميل تخفيض القسط الدوري دون زيادة مقابل التأخير بحيث يبقى مقدار الدَّين الكلي ثابتا. مع ملاحظة أن تغيير القسط سينعكس على مدة السداد، فإذا ارتفع معدل العائد زاد مقدار القسط ومن ثم انخفضت مدة السداد، والعكس صحيح، ونظرا لأن مدة العقد ومقدار القسط يجب أن يكونا معلومين للطرفين، فإن أي تغيير فيهما يجب أن يتم بالتراضي وهذا مايجعل هذه الصيغة قائمة على الأسلوب التعاوني وهي تحقق مصالح الطرفين.
2/9 التحوط عبر مبادلة الأرباح بين البنوك.
يعد تطوير معايير تحوط إسلامية عالمية من التحديات الرئيسية التي واجهتها المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في ضوء الارتباط الوثيق للتمويل الإسلامي مع النظام المالي العالمي، فالميزانية العمومية للمؤسسات المالية الإسلامية معرضة للتذبذب في أسعار العملات الأجنبية وكذلك حالات عدم التوافق في أوضاع التدفقات النقدية نظراً للأسعار المرجعية الثابتة والمتغيرة. لذلك طرحت السوق المالية الإسلامية الدولية[*] (IIFM) بالتعاون مع الاتحاد الدولي للمقايضات والمشتقات[*] (ISDA) منتج جديد لمبادلة الأرباح لاستخدامه كأداة من أدوات التحوط في المصارف الإسلامية والحد من تقلبات السوق وتخفيف المخاطر، وليس لأغراض تجارية[*]. والدافع لتصميم هذا المنتج أن البنوك تدخل في صفقات تدر عليها أرباحاً ثابتة وأخرى متغيرة، فإذا استشعر البنك أن نسبة الأرباح في نزول، فإنه يسعى إلى تثبيت هذه الأرباح في مستوى معين حتى لو نزلت الأرباح في السوق، وهذه الأداة التحوطية تحمي من انخفاض الأرباح، كما أنها تحمي البنوك التي لديها صفقات ثابتة من فقدان الربح إذا كانت نسبة الأرباح في الصعود([95]).
ويستلزم الدخول في أي صفقة من الصفقات على أساس تطبيق معايير المنتج الجديد, أن يكون الغرض من الصفقة التحوط وليس المضاربة، وأن تتم البيوع على أصول حقيقية تتوافر فيها السلعة والمقابل المادي، كما يفضل توافر صفقتين منفصلتين للمبيعات على أساسي الأرباح الثابتة والمتغيرة، بحيث بمكن تجنب بيوع العينة، ووضع الضوابط اللازمة حتى لا يكون هناك مجال للدخول في أي شكل من أشكال المضاربات([96]). وبحسب هذه الاتفاقية فإنه لا يترتب على الطرفين ولا يستحقان أية فوائد في صفقات التحوط، ولا تبنى تسوية الالتزمات على التنضيض، ولا تتم من دون وجود أصول ملموسة، بالإضافة إلى الإدراك المسبق لطرفي الصفقة أن الصفقات تكون مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية([97]).
وقد اختلفت وجهات النظر حول معايير هذه الوثيقة بين مؤيد ومعارض، فالذين يعارضونها يرون أنها صيغت وفق نظام القانوني الأنجلوسكسوني الذي يجعل العقد شريعة المتعاقدين، وأن ما اتفق عليه الطرفان بمحض إرادتهم هو ما يطبق عليهم([98]). فالوثيقة صالحة في حالة التقاضي في محاكم إنجلترا أو نيويورك، وهي وثيقة قانونية معقدة جداً ولم تصدر باللغة العربية. في حين يرى المؤيدون أنها الأولى من نوعها في مجال التوثيق المعياري لمنتجات التحوط الإسلامية القابلة للتداول، وأنها إنجاز غير مسبوق في مجال التمويل الإسلامي وإدارة المخاطر, وهي تعد أساساً قانونياً يتيح للمؤسسات إبرام صفقات التحوط الإسلامية([99])[*].
وبعد عرض هذه الأراء المتباينة حول وثيقة المعايير الموحدة يرى الباحث ضرورة التروي في الحكم على هذه الوثيقة, فالأحوط الانتظار حتى تصدر بترجمة عربية معتمدة ليتسنى بحثها والإحاطة بجوانبها المختلفة.
الخلاصة:
استعرضت الدراسة عقود التحوط في الأسواق المالية, وتبين من خلالها أن الانهيارات التي تعرضت لها الكثير من المصارف كانت بسبب التعامل في العقود الآجلة التي أصبحت السمة المميزة لتعاملات البنوك التقليدية, وكشفت الدراسة أن المصارف الإسلامية تتعرض كغيرها من المؤسسات المالية للمخاطر ولكن منهج التحوط لديها مختلفا عن منهجية البنوك التقليدية, لذلك يعول عليها مراعاة الأدوات التي تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأن تكون مرتبطة بأنشطة اقتصادية حقيقية بعيدة عن المجازفات خاصة في ظل التغيرات التي تحدث في الأسواق المالية العالمية.
تناولت الدراسة بالتحليل عددًا من تطبيقات هذه العقود في المصارف الإسلامية، وتبين من الدراسة تباين وجهات النظر حول كثير من تطبيقاتها, فالاختلاف الفقهي في حد ذاته ليس أمراً مستغرباً, ولكن المستغرب الأخذ بالحجج الضعيفة, وتتبع الرخص والحيل في أمور تظهر الحجة على عدم جوازها, وأغلب فقهاء وخبراء التمويل الاسلامي يرون عدم جواز عقود التحوط من مشتقات واختيارات وغيرها مما يجري حالياً في الأسواق المالية العالمية, إذ أنها تكرس مفهوم القمار والربا بشكل واضح، إلا أن هناك بعض المجيزين لهذه العقود.
بينت الدراسة كذلك ومن خلال استعراضها لعدد من تلك العقود أهميتها في تطبيقات المصارف الإسلامية، وأنها تمثل دون شك صمام أمان لكثير من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها المصارف الإسلامية، وأن عدم استخدام تلك العقود ربما يعرض المؤسسات المالية الإسلامية، إلى مخاطر جمة ربما تكون سببا في انسحابها من المنافسة مما يضعف من دورها الاقتصادي, ويضعف مقدرتها على إدارة أصولها بما يرفع تكلفتها، ويعرّضها للتراجع في أسواق المال في ظل المنافسة الحادة.
التوصيات:
في ختام هذه الدراسة ينبغي التأكيد على أهمية استخدام عقود التحوط في تطبيقات المصارف الإسلامية وفق منهج مدروس يحظى بقبول فقهي واسع, وللوصول لذلك المنهج توصي الدراسة الاهتمام بالجوانب الاتية
- ضرورة إجراء البحوث والدراسات المعمقة لتأصيل تطبيقات عقود التحوط في المصارف الإسلامية وعقد الندوات العلمية، وورش العمل المتخصصة من المجامع الفقهية، والمراكز والمعاهد البحثية لمناقشة ما يرد من أراء في هذه الدراسات بغية الوصول إلى نتائج تكون أقرب إلى الإجماع الفقهي.
- من الجوانب التي ينبغي التركيز عليها, التحوط في منتجات الخزينة في المصارف الإسلامية, التحوط من مخاطر الصرف، الصور والحالات التطبيقية للالتزامات في العمل المصرفي والأسواق المالية. إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية. الوعد في الصرف، والوعد بالدخول في مرابحة، والوعد في منتجات المبادلات (SWAPs)، والوعد في منتجات التحوط (Hedging).
- ضرورة التواصل بين المهنيين العاملين في المصارف الإسلامية وبين العلماء والباحثين في الاقتصاد الاسلامي لعرض القضايا المعاصرة في مجال الممارسة خاصة في تطبيقات عقود التحوط على وجه الخصوص، بغية الوصول إلى فهم مشترك ورأي فقهي حول هذه العقود وغيرها من الممارسات المصرفية, فهناك قصور شديد في هذا الجانب.
- ضرورة إسهام المراكز البحثية والأقسام العلمية المتخصصة في الاقتصاد الإسلامي في إجراء الدراسات التطبيقية التي تتناول قضايا المصارف الإسلامية خاصة في مجال التحوط وإدارة المخاطر، وتوجيه طلاب الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لاختيار موضوعات لأباحثهم حول هذه الجوانب.
- الاهتمام بتثقيف العاملين في المؤسسات المالية الإسلامية بعقود التحوط وتطبيقاتها في هذه المؤسسات من خلال تنظيم وعقد دورات تدريبية, فما يزال هذا الجانب غير مطروق بشكل كافٍ.
هوامش البحث:
[*] عضو بمعهد الاقتصاد الإسلامي, جامعة الملك عبدالعزيز, جدة, المملكة العربية السعودية.
- [1]EthicalSystems.org Case Study: Barings Bank A collaborative effort by Jennifer Fang and Joshua Elle p.no1.
- [2]Sam Bhugaloo. Commodities Trading: Nick Leeson, Internal Controls and the Collapse of Barings Bank. Page no2.
- [3]Yves-Marie Abraham &.Cyrille Sardais. will we learn from the bankruptcy of BARINGS BANK ? École de Paris du management - 94 bd du Montparnasse - 75014 Paris July 4th, 2008. p no5.
- [4]http://daharchives.alhayat.com/issue_archive/Hayat.
- [5]Mark Carlson A Brief History of the 1987 Stock Market Crash with a Discussion of the Federal Reserve Response Finance and Economics Discussion Series Divisions of Research & Statistics and Monetary Affairs Federal Reserve Board, Washington, D.C. November 2006 p.no2.
[*]* بلغ عدد الشيكات والمعاملات 28815 شيكاً آجلاً قيمتها حوالي 26.7 مليار دينار كويتي (94 مليار دولار أمريكي) تخص 6031 متعاملاً.
- [6]سمير عبد الحميد رضوان. المشتقات المالية ودورها في إدارة المخاطر, ودور الهندسة المالية في صناعة أدائها، دراسة مقارنة بين النظم الوضعية والشريعة الإسلامية الطبعة الأولى, دار النشر للجامعات مصر 1426ه. ص68.
- [7]معهد الدراسات المصرفية, المشتقات المالية إضاءات مصرفية مالية, الكويت 2010م ص2
- [8]سمير عبد الحميد رضوان. المشتقات المالية ودورها في إدارة المخاطر مرجع سابق ص6
- [9]المرجع السابق ص9
- [10] أبي الحسين أحمد فارس ابن زكريا, معجم مقاييس اللغة, تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون, ج2, 1979م ص120.
- [11] عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي، نحو مشتقات مالية إسلامية لإدارة المخاطر التجارية، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، جدة: ع11، 1999، ص57.
- [12] فواز حمد الفواز. صناديق التحوط وصعود نخبة جديدة, مراجعة كتاب More Money Than God, صحبفة الاقتصادية, العدد 6291، السبت 26 محرم 1432 هـ. الموافق 01 يناير 2011 م.
- [13] ميشيل صالح غاسنر, صناديق التحوط الإسلامية تتحول نموذجاً لصناعة التمويل الإسلامي، مجلة بانكر ميدل ايست عدد سبتمبر2005م. ص15
- [14] المرجع السابق
[*] هناك أختلاف كبير في وجهات النظر حول أهداف هذه الصناديق وطريقة عملها, فيرى البعض أن صناديق التحوط الملتزمة بتعاليم الشريعة الإسلامية هي الحل لأمثل لمديري الأموال الراغبين في الاستفادة من السيولة الضخمة في المنطقة، وأن سياساتها تعمل على تقليل المخاطر، وهو ما يتفق مع جوهر الشريعة الإسلامية, كما أنها تقدم إمكانات كبيرة للتمويل الإسلامي الذي يعاني نقصا في أدوات إدارة المخاطر خاصة المخاطر طويلة الأجل، بينما يرى آخرون أن القواعد الأساسية لهذه الصناديق تخالف الشريعة الإسلامية. وأن مثل هذه المضاربات تبدو كالمقامرة، وهو ما يتعارض مع تعاليم الإسلام.
[**] بطبيعة الحال فإن الهندسة المالية لن تتوقف عن التجديد والابتكار.
- [15] سمير عبد الحميد رضوان. المشتقات المالية ودورها في إدارة المخاطر ودور الهندسة المالية في صناعة أدواتها-ط1 دار النشر للجامعات، 2005،ص 58.
- [16] محمود محمد الداغر،الأسواق المالية: مؤسسات، أوراق، بورصات, دار الشروق للنشر والتوزيع ط2، ص125.وطارق عبد العال حماد. المشتقات المالية الدار الجامعية,2001م ص8.
- [17] طلال بن سليمان الدوسري عقود التحوط من مخاطر تذبذب اسعار العملات دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع الرياض ص90.
- [18] منير إبراهيم هندي, إدارة الأسواق والمنشآت المالية،, منشأة المعارف الاسكندرية 1996م, ص668.
[*] بعض الباحثين يرون أن عقود المبادلات لا تدخل ضمن المشتقات المالية. لمزيد من التفصيل أنظر سمير رضوان المشتقات المالية, ص236.
- [19] الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر. مختار الصحاح. جدة: دار الثقافة الإسلامية، 1406هـ = 1986م، ص180.
[*]يعرف قاموس أوكسفورد الخطر، بأنه إمكانية حدوث شيء ما بالصدفة، تترتب على ذلك نتائج سيئة وخسارة، بينما يعرفه قاموس ويبستر بأنه الضرر والتخريب والأذى. وقد عرَّفه الاقتصادي المعروف نايت (Knight) بأنه عدم التأكد الممكن قياسه بدقة؛ باستخدام نظرية الاحتمالات.
- [20] The oxford illustrated dictionary-oxford university press - London – 1989 P.728. & webster's Third.New International dictionary, Gc Ameriam company - U.S.A - P.1961. & Knight, Frank H, Risk, uncertainty and profit, New York Hamper and Raw p p1921.
- [21] ياسين عبد الرحمن جفري. بيع الغرر. جدة. كلية الاقتصاد والإدارة – جامعة الملك عبد العزيز. ورقة غير منشورة. ص2.
- [22] اتحاد المصارف العربية. موسوعة بازل, دليلك إلى إدارة المخاطر المصرفية، موسوعة بازل- ترجمة نبيل حشاد، بيروت، لبنان، 2005م،ص7.
- [23] علي الحفيف، أحكام المعاملات الشرعية، بنك البركة للاستثمارات, البحرين، ص400.
- [24] علي حيدر خواجه أمين أفندي. درر الحكام في شرح مجلة الأحكام تعريب: فهمي الحسيني: دار الجيل الطبعة: الأولى، ج1، 1411هـ - 1991م. المادة 300, ص290.
وسبب التماس الخيار أن حبان بن منقد كان يغبن في البياعات, وأن أهله قد رفعوا أمره إلى النبي e عسى أن يمنعه, فقال له النبي e ( إذا بايعت فقل: لا خلابة, ولي الخيار ثلاثة أيام، والخلابة هي الخداع.
- [25] الموسوعة الفقهية الكويتية, وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ج 21، ص79.
[*] خالف زفر، فقال: لا يصح اشتراط الخيار لأجنبي عن العقد, لأن فيه إثبات بعض آثار العقد لغير عاقده فلا يجوز كجعل الثمن على غير المشتري. وفي مدته خلاف، فقد ذهب أبو حنيفة والشافعي وزفر, إلى أن مدته لا تزيد عن ثلاثة أيام, وذهب أحمد بن حنبل والصاحبان ( أبو يوسف, ومحمد بن الحسن) إلى أنه مؤقت بما يرى العاقدان توقيعه به. ويرى الإمام مالك أن مدته بقدر الحاجة إليه، لاختلاف المبيعات. غير أن أصحاب مالك قد حددوا مدداً مختلفة, ففي العقار لا تزيد عن 36 يوماً, وفي الدقيق لا تزيد عن 10 أيام، وفي العروض والحيوان لا تزيد عن ثلاثة أيام. فإذا زادت فسد الشرط.
- [26] منير ابراهيم هندي. الفكر الحديث في مجال الاستثمار – منشأة دار المعارف الاسكندرية 1996م ص573.
- [27] مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي. العدد السادس، ج2 ص1273، والعدد السابع ج1 ص73 والعدد التاسع ج2 ص5. القرار رقم (65/6/7) الدورة السابعة المنعقدة في مدينة جدة في عام 1992م بشأن الأسواق المالية.
- يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|