الاستثمار في المصارف الإسلامية
أ. مصطفى أبو زيد مفتاح[*], د.أحمد سفيان[*]
المطلب الثالث
أهداف الاستثمار في المصارف الإسلامية
إن الهدف الاسمي للاستثمار الإسلامي, باعتباره الأداة الرئيسة للمصرف الإسلامي والمؤسسات المالية الإسلامية, ومحاولة تشغيل الفائض من رؤوس الأموال الإسلامية, وإدخالها في العملية التنموية, إضافة علي ما تحققه من النهوض بالمستوي الاقتصادي للمجتمعات الإسلامية.
وهذا يعني أن الربح ليس هدفا أساسيا في الاستثمار الإسلامي, وإن كان داخلا ضمن اعتبارات المستثمر عند اتخاذ قراراته, إلا أن ذلك يكون ضمن مفهوم مختلف للعائد وطريقة خاصة لقياس الربح, ومن هنا يمكن أن نجمل أهم أهداف الاستثمار في المصارف والمؤسسات الإسلامية فيما يلي:
1- إشراك كل من رأس المال وخبرة العمل في التنمية الاقتصادية.
2- حصول المستثمر علي الربح الذي يكافئ الدور الفعلي الذي أداه ماله في العملية الاستثمارية.
3- تحرير الفرد المسلم والمجتمع من التبعية الاقتصادية.
هذه هي مجمل أهداف الاستثمار في الإسلام, وهي أهداف لا يمكن تحقيقها إلا بعد كفاح طويل من قبل المستثمر, ولذا تقوم المصارف الإسلامية بدراسة المشروعات وتقييمها قبل تمويلها, وتولي الخبراء والاختصاصيين بقسم الاستثمار في المصارف الإسلامية, دراسة المشروعات المقدمة للاستثمار والجدوى الاقتصادية لها, ومعرفة درجة المخاطر.
خصائص الاستثمار المصرفي الإسلامي:
لنجاح المصارف الإسلامية واستثمار الأموال وفق أحكام الشريعة الإسلامية, وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة, ألزمت الضرورة علي المصرف استثمار أمواله طبقا لأحكام القانون والشريعة الإسلامية, لما لها من أثر على تحقيق التنمية الاقتصادية, وحياة سعيدة للفرد والمجتمع, وبالتالي يمكن توضيح خصائص الاستثمار المصرفي الإسلامي فيما يلي:
1- التحفيز علي الاستثمار المباشر: هناك علاقة مباشرة بين العائد المتوقع من عملية الاستثمار, ونصيب صاحب رأس المال (المصرف), وهذا يحفز الأفراد علي زيادة جهودهم لتنمية دخولهم.
2- التعدد: لا يفرض البنك الإسلامي مبالغ محددة للاستثمار, فالفرصة مواتية لأصحاب المدخرات, كبيرة كانت أو متوسطة أو صغيرة.
3– الموازنة: وتتم بين النواحي المعنوية والمادية, حيث تتغلب مصلحة المجتمع علي مصلحة الفرد (العائد).
المطلب الرابع
ضوابط الاستثمار في المصارف الإسلامية
يقوم الاستثمار في المصارف الإسلامية علي مبدأ الاستخلاف, والذي يعني (أن المال مال الله, وأن البشر لا يملكون إلا حق الانتفاع به), وبعبارة أخرى فهو يعني (أن الموارد الطبيعية ملك للبارئ جل وعلا, وأن البشر مستخلفون من الله تعالي في استخدام هذه الموارد, بالقدر الذي يمكنهم من تحقيق عمارة الأرض التي استخلفوا فيها), قال تعالي: ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾ (البقرة:30).
المطلب الرابع
ضوابط الاستثمار في المصارف الإسلامية
1- التعامل في الطيبات دون المحرمات.
الاستثمار في الإسلام يجب أن يقتصر علي العمل الصالح فقط, أما العمل المحرم فهو بعيد كل البعد عن الاستثمار الإسلامي, قال تعالي: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) (الأعراف:33), وقال سبحانه: (يا أيها اللذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) (آل عمران:130), وقال جل شأنه: (يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون) (البقرة:278, 279).
ومن ذلك يتبين لنا أن الربا له نتائج خطيرة علي الفرد والمجتمع ومنها الآتي:
1- الربا يجعل مدير الأعمال يواجه بنفسه أخطار الخسارة.
2- الربا يؤدي إلى عدم العدالة في التوزيع وتحويل الثروة.
3- الربا يؤدي إلى الديون الفردية والدولية.
4- الربا يسبب الأزمات الاقتصادية والمالية والتسويقية.
5- الربا يسبب التدهور الأخلاقي والجرائم.
6- الربا يسبب الانهيار الاجتماعي والقطيعة بين أصحاب المال ومديري المشاريع.
مما سبق يتضح لنا أن منع الربا يعتبر أحد الضوابط الأولي للاستثمار في المصارف الإسلامية, ووجوده هو السبب الرئيس الذي أدى إلى عزوف المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال للتعامل مع المصارف التقليدية (الربوية), وبالتالي اتجهت أنظارهم إلى استثمار أموالهم في المصارف الإسلامية.
2– منع الاحتكار:
وهو يعني حبس الأشياء التي تشتد حاجة الناس إليها, سواء كان ذلك سلعا أو خدمات, بحيث يتضررون من حبسها عنهم, ويكون فيه استغلال لهم, من أجل رفع الأسعار والإضرار بهم, وقد حرم الاحتكار عامة, لاشتماله على أضرار بالمجتمع.
المطلب الخامس
علاقة المخاطرة بالاستثمار الإسلامي
هناك علاقة وثيقة بين الاستثمار الإسلامي وبين تحمل المخاطر (الهلاك الكلي أو الجزئي, أو انخفاض القيمة).
وهذا التلازم بينهما مرده إلى أن تحمل المستثمر المخاطرة هو أهم خصائص الاستثمار الإسلامي, الذي يتميز عن التعامل الربوي المضمون العائد للمقرض بفائدة, وهذا المبدأ أرساه الحديث الشريف الموجز الذي نصه "الخراج بالضمان", (صحيح ابن حبان 11/298, المستدرك: 2/18) أي ما يخرج ويتحصل من مكاسب مناط استحقاقه شرعا, بتحمل التبعة والمسؤولية عن الخسارة أو التلف حال وقوعهما, وقد صاغ الفقهاء في ظل هذا الحديث القاعدة الكلية المعروفة "الغرم بالغنم", وفرعوا عليها كثيرا من التطبيقات في أبواب المعاملات المالية, وترتب عن ذلك الحكم علي العائد بأنه ربح حلال أو كسب مشروع, أو أنه كسب غير مشروع ومنهي عن تملكه, استنادا إلى الحديث الآخر المكمل للحديث السابق, وهو أن رسول الله e "نهي عن ربح ما لم يضمن",(المستدرك2/21), وحديثه e: "بم يستحل أحدكم مال صاحبه"(صحيح مسلم 3/1190).
فمن المعروف أن الشريعة حرمت إلقاء النفس في التهلكة ودعت إلى الحرص علي تحصيل المنافع والمصالح ودرء المضار والمفاسد, وقد تم التنويه على أن تحمل المخاطر هو من خصائص الاستثمار الإسلامي, الذي يميزه عن التعامل الربوي المضمون الأصل, وبالتالي فإن دراسات الجدوى مع وجوب تحري الدقة فيها, لأن المال لا يؤخذ بالاشتراط, والعبرة بالنتائج الفعلية للعمليات وما يتحقق من ربح أو خسارة (إن موضوع دراسة الجدوى في تحميل المسؤولية يحتاج إلى مزيد من البحث).
المبحث الثاني
إدارة الاستثمار وتجارب الدول في تمويل المشروعات
الصغيرة لتحقيق التنمية الاقتصادية.
المطلب الأول: الدعائم الأساسية للاستثمار في المصارف الإسلامية
المصارف الإسلامية تزداد وتتضاعف وتنافس المصارف التقليدية من حيث الاستثمار, وتطبيق الشريعة الإسلامية فيها, ويعتمد ذلك علي الآتي:
1- التناغم بين الخطط الاقتصادية للدول, التي توجد فيها المصارف الإسلامية, والعمل علي دعمها, بقصد تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الملحة في تلك الدول.
2- المواءمة بين مصادر التمويل, والصيغ والأدوات التمويلية والاستثمارية المستخدمة, بما يلبي كافة الاحتياجات الحقيقية للواقع.
3- إن فرص الاستثمار والتمويل في المصارف الإسلامية, قادرة ومستمرة لتحقيق التنمية الاقتصادية, وهي استراتيجية وفرص لا تتوفر في المصارف التقليدية, لأن هدفها الربح, وهي دائما تنظر إلى كبار المستثمرين, ولا تنظر إلى صغارهم.
4- التعامل والتناسق فيما بينها وبين غيرها, من خلال ما هو موجود فعلا من أدوات وصيغ التمويل, مع العمل علي تطويرها, فمن الأدوات والأساليب: المحافظة علي الاستثمار, وهنا يكون من الأولي توجيه رؤوس الأموال الإسلامية وتشجيعها للاستثمار في البيئة المناسبة لها.
5– صياغة نموذج خاص وفق المعطيات الشرعية للسلوك الاستهلاكي الرشيد, وتوفير القنوات الادخارية المصرفية وفق الشريعة الإسلامية.
6- تشجيع وتمويل الصناعات التصديرية, وتنويعها للأفكار التمويلية, لتحفيزها علي أداء دورها, وتحمل مسؤولياته في التنمية الاقتصادية.
مما سبق يتضح أن المصارف الإسلامية بهويتها, تقدم حلولا للاستثمار, وفق الشريعة الإسلامية, ومواكبة التطور وتقديم استراتيجية واضحة للاستثمار, لبناء تنمية اقتصادية حقيقية للبلاد, والابتعاد عن الربح المحرم (الفائدة).
يتبع