عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-10-2019, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,167
الدولة : Egypt
افتراضي لا يقبل الله غير الإسلام دينا

لا يقبل الله غير الإسلام دينا


رمزي صالح محمد



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد خاتم النبيين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم أجمعين.
أما بعد:
فإن الله عز وجل قد ذمَّ وتوعد وعيدًا شديدًا مَن يكتمون العلم الذي أنزله الله عز وجل في كتابه، ولا يبينونه للناس، يطلبون بذلك عَرَضًا من الدنيا حقيرًا من جاه أو منصب أو مال، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 159، 160]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة: 174، 175]، روى الطبري عن الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى: ﴿ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾، قال: والله ما لهم عليها من صبر، ولكن ما أجرأهم على النار[1].
وقد وقع أهل الكتاب من قبلنا في ذلك الأمر الشنيع العظيم، وكتموا كثيرًا مما في كتبهم من العلم والحق مما يخالف أهوائهم وشهواتهم ورغباتهم، ومن أعظم ما كتموه من ذلك صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومبعثه، ووجوب الإيمان به واتباعه، واشتروا بذلك ثمنًا قليلًا من متاع زائل من رئاسة أو منصب أو مال أو جاهٍ، فذمَّهم الله عز وجل أشدَّ ذم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في بيان معنى هذه الآيات: "هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن ينوِّهوا بذكره في الناس؛ ليكونوا على أهبة مِن أمره، فإذا أرسله الله تابعوه، فكتموا ذلك وتعوَّضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالدون الطفيف، والحظ الدنيوي السخيف، فبئست الصفقة صفقتُهم، وبئست البيعة بيعتُهم، فعلى المسلمين أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع، الدال على العمل الصالح، ولا يكتموا منه شيئًا، فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مُن سُئل عن علم فكتمه، أُلجمَ يوم القيامة بلجام من نار"[2].
إلا أن الله عز وجل قد عصَم هذه الأمة؛ أي: أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تجتمع على ضلال؛ كما في الحديث المروي في الصحاح والسنن عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم من خذَلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله وهم ظاهرون على الناس»، جعلَنا الله عز وجل بمنه وكرمه من هذه الطائفة.
ومن هنا أردتُ كتابة هذه الكلمات نصحًا للناس؛ حيث كثُر الكلام من بعض الجهال في زماننا هذا أن نصارى اليوم الذين يقولون بأن المسيح هو الله أو ابن الله، أو يقولون بالثالوث المقدس (الأب والابن والروح القدس)، وهم مع ذلك لا يؤمنون أن القرآن العظيم كلام الله عز وجل، ولا يؤمنون بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقولون أنه كاذب في دعواه النبوة والرسالة، وأن القرآن من تأليفه، ومع ذلك يعتقد بعض هؤلاء أن هؤلاء النصارى مؤمنون، وأنهم سيدخلون الجنة، وأنه لا فرق بينهم وبين المسلمين! فأحببت في هذه الرسالة أن أذكُر من كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم من كلام أهل العلم وإجماعهم على أن الله عز وجل لا يقبل غير الإسلام دينًا، وأن كل من لم يدِن بدين الله الإسلام، فهو كافر، وأن من شك في كفره أو توقَّف، فهو كافر مثله سواء بسواء؛ لأنه مكذب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
أولًا: بعض ما جاء في القرآن الكريم من ذلك؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران 19 - 20].
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران 84 - 85].
وقال عز وجل: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران 98 - 102].
وقال تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [النساء: 47].
وقال عز وجل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء 150 - 152].
وقال عز وجل: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء 171 - 173].
وقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17].
وقال عز وجل: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة 72 - 77].
وقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة 116 - 119].
وقال سبحانه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة 130 - 131].
وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة 6 - 8].
ثانيًا: بعض ما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم:
روى أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسْمَعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ ولا يهودي ولا نصراني، ومات ولم يؤمنْ بالذي أرسلتُ به، إلا كان من أصحابِ النارِ"[3].
قال الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: "وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة)؛ أي: مَن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليهم الدخول في طاعته، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهًا على من سواهما، وذلك لأن اليهود النصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتابًا، فغيرهم ممن لا كتاب له أولى"[4].
وفي مسند أحمد وصحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن غلامًا يهوديًّا كان يَخْدُمُ النبي صلى الله عليه وسلم، فمرِض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلِم"، فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له: أطِع أبا القاسم، فأسلَم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار"[5].
ومن المعروف المشهور في كتب السنة والحديث والمغازي والسير - رسائل النبي صلى الله عليه وسلم وكتبه إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، منهم قيصر ملك الروم، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وكل هؤلاء كانوا نصارى، وهذه رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وهذا نصها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِم تسلَم، يُؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأرِيسِيِّين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]"[6]، قال الإمام الزهري: كانت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إليهم واحدة - يعني نسخة واحدة - وكلها فيها هذه الآية [7].
وكذلك قصة قدوم وفد نصارى نجران على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوته لهم إلى الإسلام معروفة مشهورة، ذكرها ابن إسحاق في السيرة وغيره من أهل المغازي والسير، وروى طرفا منها البخاري في صحيحه[8].
وهذا غيض من فيض، وإلا فدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب للإيمان به والدخول في الإسلام أشهر من أن تخفى على أحد.
ثالثًا: أقوال أهل العلم حول كفر اليهود والنصارى:
ممن نقل الإجماع ابن حزم وأبو الحسن بن القطان والقاضي عياض وأبو حامد الغزالي، وابن قدامة وأبو العباس القرطبي وابن تيمية وغيرهم، قال ابن حزم في كتابه مراتب الإجماع - وهو يذكر الأشياء التي أجمع عليها علماء الأمة - قال: "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارًا"[9]، وكذلك قال ابن القطان مثله نصًّا في كتابه الإقناع في مسائل الإجماع[10].
وقال ابن حزم في موضع آخر: "الْيَهُود وَالنَّصَارَى كفار بِلَا خلاف من أحد من الْأمة، وَمن أنكر كفرهم فَلَا خلاف من أحد من الْأمة فِي كفره وَخُرُوجه عَن الْإِسْلَام"[11].
ونقل القاضي عياض أيضًا في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" الإجْماعَ على كُفر مَن لم يكفر أحدًا مِن النَّصَارَى واليَهُود، وَكُلَّ من فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، أَو وَقَف فِي تكفيرهم، أو شَكَّ"[12]، وقال أبو العباس القرطبي: "من وحَّد الله تعالى ولم يؤمنْ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم ينفعْهُ إيمانُهُ بالله تعالى ولا توحيدُهُ، وكان من الكافرين بالإجماعِ القطعيِّ"[13].
وقال ابن تيمية: "وذلك أن دين النصارى الباطل إنما هو دين مُبتدع، ابتدعوه بعد المسيح عليه السلام، وغيَّروا به دين المسيح، فضلَّ منهم مَن عدَل عن شريعة المسيح إلى ما ابتدعوه، ثم لما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، كفروا به، فصار كفرُهم وضلالهم من هذين الوجهين: تبديل دين الرسول الأول، وتكذيب الرسول الثاني، كما كان كفر اليهود بتبديلهم أحكام التوراة قبل مبعث المسيح، ثم تكذيبهم المسيح عليه السلام، ونبيِّن إن شاء الله أن ما عليه النصارى من التثليث والاتحاد، لم يدل عليه شيء من كتب الله: لا الإنجيل ولا غيره، بل دلت على نقيض ذلك، ولا دل على ذلك عقل، بل العقل الصريح مع نصوص الأنبياء تدل على نقيض ذلك، وكذلك عامة شرائع دينهم مُحدثة مبتدعة، لم يشرعها المسيح عليه السلام، ثم التكذيب لمحمد صلى الله عليه وسلم، هو كفرهم المعلوم لكل مسلم؛ مثل كفر اليهود بالمسيح عليه السلام وأبلغ"[14].
وقال ابن تيمية: "وهذا كما أن الفلاسفة ومن سلك سبيلهم من القرامطة والاتحادية ونحوهم، يجوز عندهم أن يتدين الرجل بدين المسلمين واليهود والنصارى، ومعلوم أن هذا كله كفر باتفاق المسلمين، فمن لم يقر باطنًا وظاهرًا بأن الله لا يقبل دينًا سوى الإسلام، فليس بمسلم، ومن لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون مسلم إلا مَن آمن به واتَّبعه باطنًا وظاهرًا، فليس بمسلم، ومن لم يحرم التدين - بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم - بدين اليهود والنصارى، بل من لم يكفرهم ويُبغضهم، فليس بمسلم باتفاق المسلمين"[15].
وقال ابن قدامة: "الكفار ثلاثة أقسام: قسم أهل كتاب، وهم اليهود والنصارى، ومَن اتَّخذ التوراة والإنجيل كتابًا؛ كالسامرة والفرنج ونحوهم، فهؤلاء تُقبل منهم الجزية، ويُقرون على دينهم إذا بذلوها؛ لقول الله تعالى: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [التوبة: 29].
وقسم لهم شبهة كتاب، وهم المجوس، فحكمهم حُكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم، وإقرارهم بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم-: «سُنُّوا بهم سُنة أهل الكتاب»، ولا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذين القسمين، وقسم لا كتاب لهم، ولا شبهة كتاب، وهم من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان، ومن عبد ما استحسن، وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية، ولا يقبل منهم سوى الإسلام، هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي.
وروِي عن أحمد أن الجزية تقبَل من جميع الكفار، إلا عبدة الأوثان من العرب، وهو مذهب أبي حنيفة"[16].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]