عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-10-2019, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,167
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لا يقبل الله غير الإسلام دينا

لا يقبل الله غير الإسلام دينا


رمزي صالح محمد

رابعًا: توضيح معنى الإسلام وبيان أنه دين الأنبياء جميعًا:
قال أهل العلم إن كلمة الإسلام عندما تطلق يراد بها أحد معنيين:
الأول: المعنى العام للكلمة، وهو إسلام الوجه لله، والاستسلام له سبحانه، وذلك بعبادته وحده لا شريك الله وطاعة رُسله، وهذا يسميه أهل العلم الإسلام العام، وهو بهذا المعنى دين الأنبياء جميعًا، وأتباعهم من نوح إلى المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليهم؛ كما قال تبارك وتعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ï´¾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾ [النحل: 36]، وقال تعالى ï´؟ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ï´¾ [البقرة: 130 - 133]، إلى غير ذلك من الآيات.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة من عَلَّاتٍ (وفي رواية: أولاد عَلَّاتٍ)، أمهاتهم شَتَّى، ودينهم واحد»[17].
قال ابن الجوزي: أولاد العلات: الإخوة من أب واحد وأمهاتهم شتى، وأولاد الأعيان: الإخوة من أب واحد وأم واحدة، والذي أراد أن أصل دين الأنبياء واحد وإن كانت شرائعهم مختلفة، كما أن أولاد العلات أبوهم واحد وإن كانت أمهاتهم شتى[18].
وقال النووي: قال جمهور العلماء: معنى الحديث أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف[19].
وقال الحافظ ابن حجر: معنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع، وقيل: المراد أن أزمنتهم مختلفة[20].
أما المعنى الثاني لكلمة الإسلام، فهو الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، المتضمن لشريعة القرآن، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»[21]، وهذا يسميه العلماء الإسلام الخاص، وهو الخاص بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، والإسلام اليوم عند الإطلاق يقصد به هذا.
قال ابن تيمية: "الإسلام الخاص الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، المتضمن لشريعة القرآن - ليس عليه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا، وأما الإسلام العام المتناول لكل شريعة بعث الله بها نبيًّا من الأنبياء، فإنه يتناول إسلام كل أمة متبعة لنبي من الأنبياء، ورأس الإسلام مطلقًا شهادة أنْ لا إله إلا الله، وبها بعث الله جميع الرسل؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ï´¾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ï´¾ [الأنبياء: 25]"[22].
وقال في موضع آخر: "وكان دينه الذي ارتضاه الله لنفسه هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، ولا يقبل من أحد دينًا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو دين الأنبياء وأتباعهم، كما أخبر الله تعالى بذلك عن نوح ومن بعده إلى الحواريين؛ قال تعالى: ï´؟ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ï´¾ [يونس: 71، 72]، وقال تعالى عن إبراهيم: ï´؟ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ï´¾ [البقرة: 130 - 132]، وقال تعالى عن يوسف الصِدِّيق: ï´؟ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ï´¾ [يوسف: 101]، وقال تعالى عن موسى: ï´؟ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ï´¾ [يونس: 84]، وأخبر تعالى عن السحرة أنهم قالوا لفرعون: ï´؟ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ï´¾ [الأعراف: 126]، وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن: ï´؟ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [النمل: 44]، وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل: ï´؟ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ï´¾ [المائدة: 44]، وقال تعالى عن المسيح: ï´؟ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 52]، وقال تعالى: ï´؟ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ï´¾ [المائدة: 111].
فهذا دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم هو دين الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادته تعالى في كل زمان ومكان، بطاعة رُسله عليهم السلام، فلا يكون عابدًا له مَن عبَده بخلاف ما جاءت به رسله؛ كالذين قال فيهم: ï´؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ï´¾ [الشورى: 21]، فلا يكون مؤمنًا به إلا من عبده بطاعة رُسله، ولا يكون مؤمنًا به ولا عابدًا له إلا مَن آمن بجميع رسله، وأطاع مَن أُرْسِلَ إليه، فيطاع كل رسول إلى أن يأتي الذي بعده، فتكون الطاعة للرسول الثاني؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ï´¾ [النساء: 64].
ومن فرَّق بين رسله فآمَن ببعض وكفَر ببعض، كان كافرًا؛ كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ï´¾ [النساء: 150 - 152][23].
خامسًا: رد على شبهات:
قالوا: إن في القرآن الكريم ما يدل على المساواة بين المسلمين واليهود والنصارى، وأنه لا فرق بينهم، وذلك في قول الله عز وجل: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [البقرة: 62].
وتكرَّرت الآية في سورة المائدة أيضًا باختلاف في الترتيب: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [المائدة: 69].
وهذه الشبهة شبهة قديمة، وقد رد عليها أهل العلم من قبلُ؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه القيم "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح"[24].
وقبل الرد على هذه الشبهة، فأود أن أبيِّن أن هناك علامة لأهل الزيغ والضلال ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم؛ لنعرفهم ونحذرَهم؛ قال تبارك وتعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ï´¾ [آل عمران: 7]؛ قال ابن كثير رحمه الله في بيان معنى هذه الآية الكريمة: يخبر تعالى أن في القرآن آياتٍ محكمات هنَّ أم الكتاب؛ أي: بيِّنات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس، ومنه آيات أُخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردَّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحَكَّم مُحْكَمَه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس[25].
قلتُ: وهذا ما فعلوه هنا، ففي القرآن الكريم آيات كثيرة واضحة وصريحة في أن الله لا يقبل غير دين الإسلام، وأن النصارى الذين حرَّفوا دينهم وادَّعوا أن عيسى ابن الله، واعتقدوا فيه الألوهية، وكذبوا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم، أنهم كفار لا شك في ذلك، وقد سبق ذكرُ كثيرٍ من هذه الآيات، وفي القرآن أيضًا آيات متشابهة عن النصارى ليست واضحة الدلالة، قد تحتمل أكثر من معنى، فأما أهل الزيغ والضلال، فيتركون الآيات المحكمة، ويذهبون إلى المتشابه ويؤوِّلونه ويفسِّرونه وَفْق أهوائهم، أما أهل العلم والإيمان، فيردون المتشابه إلى المحكم، بمعنى أنهم يفسرون المتشابه بما لا يتعارض مع المحكم، بل بما يوافقه؛ لأنه ليس في القرآن تعارض، ولنأتِ إلى هذه الآية الكريمة، فبمعرفة سبب نزولها يتبيَّن المراد منها، فقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في أصحاب سلمان الفارسي رضي الله عنه، وذلك أن سلمان الفارسي رضي الله عنه كان قبل أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مصاحبًا لبعض علماء النصارى ممن كانوا على دين عيسى عليه السلام الصحيح قبل التحريف، وكان كلما مات منهم أحد أوصى به إلى صاحب له، إلى أن انتقل إلى آخر من صاحبه منهم، فلما حضره الموت أخبره أن هذا الزمان سوف يبعث فيه نبي في جزيرة العرب، وأوصاه بالذهاب إليه والإيمان به، فلما لقِي سلمان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وآمَن به، سأل سلمانُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن حال هؤلاء العلماء الصالحين من النصارى الذين صاحبهم، الذين كانوا على دين عيسى الصحيح، ما هو مصيرهم وهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به؟ فأنزل الله هذه الآية: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [البقرة: 62][26]، فهؤلاء كانوا على التوحيد دين عيسى عليه السلام، ودين جميع الأنبياء، وكانوا يؤمنون أن عيسى عبد الله ورسوله، ولم يعتقدوا فيه الألوهية، ولم يحرِّفوا دينهم، ويدل على ذلك أن آخر مَن صاحبه سلمان الفارسي منهم قد أرشده قبل موته إلى الذهاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فمعنى الآية أن الذين آمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم واتَّبعوه وهم المسلمون، والذين هادوا؛ أي: الذين آمنوا بموسى عليه السلام واتَّبعوه ولم يحرِّفوا دينه، والنصارى الذين آمنوا بعيسى عليه السلام واتَّبعوه ولم يحرِّفوا دينَه، قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كل هؤلاء طالما أنهم آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحًا، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أما اليهود الذين حرَّفوا دينهم وكتابهم التوراة، ثم لما أرسل الله إليهم عيسى عليه السلام؛ ليصحِّح لهم ما حرَّفوه كذبوا به أيضًا، وكذلك النصارى الذين حرَّفوا دين عيسى عليه السلام وكتابه الإنجيل، وادَّعوا فيه الألوهية، ثم لما أرسل الله إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ليصحِّح لهم دينهم، فكذبوا به أيضًا، فهؤلاء لا يدخلون في هذه الآية قطعًا، وفي الآية نفسها ما يدل على ذلك، فإن الله عز وجل يقول: ï´؟ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا ï´¾، ومن اعتقد أن عيسى هو الله أو ابن الله - تعالى الله عن ذلك - أو اعتقد بالثالوث المقدس (الأب والابن والروح القدس)، فهذا لم يؤمن بالله الواحد الأحد.


[1] تفسير الطبري؛ ت شاكر (3/ 331).

[2] تفسير ابن كثير؛ ت سلامة (2/ 180).

[3] مسند أحمد، ط الرسالة (13/ 522) من طريق همام بن مُنَبِّهٍ عن أبي هريرة، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وصحيح مسلم (153) من طريق أَبي يونس عن أَبي هريرة به.

[4] شرح النووي على مسلم (2/ 188).

[5] مسند أحمد، ط الرسالة (21/ 399)، وصحيح البخاري (1356).

[6] صحيح البخاري (7)، وقال أهل العلم: الأريسيون هم الأكارون؛ أي: الفلاحون، والمراد أتباعه ورعاياه الذين يتبعونه وينقادون له، ونبَّه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادًا، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا.

[7] السيرة النبوية لابن كثير (2/ 41).

[8] سيرة ابن هشام (1/ 573)، ودلائل النبوة للبيهقي (5/ 382)، والسيرة النبوية لابن كثير (4/ 100)، وصحيح البخاري (4380).

[9] مراتب الإجماع (ص: 119).

[10] الإقناع في مسائل الإجماع (1/ 352).

[11] الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 110).

[12] الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 281).

[13] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 54).

[14] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 109).

[15] مجموع الفتاوى (27/ 463).

[16] المغني لابن قدامة (9/ 212).

[17] صحيح البخاري (3442 و3443)، وصحيح مسلم (2365).

[18] كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 375).

[19] شرح النووي على مسلم (15/ 120).

[20] فتح الباري (6/ 489).

[21] صحيح البخاري (8)، وصحيح مسلم (16).

[22] التدمرية (ص: 173).

[23] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (1/ 81).

[24] الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3/ 121).

[25] تفسير ابن كثير؛ ت سلامة (2/ 6).


[26] تفسير ابن أبي حاتم (634)، وتفسير ابن كثير (1/ 284)، ومسند أحمد، ط الرسالة (39/ 140).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]