مقدمة مختصرة عن المعاجم
عبد العزيز الحميد
الأساس الثاني : تقسيم الأبنية
جميع الكلمات التي وُضعت تحت الحرف لكونه أقصى حروفها مخرجاً قُسّمت بالنظر إلى حروفها الأصول ووُضعت تحت أبنيتها ، فوُضعت الأبنية في أبواب تحت كلّ حرف ، ولذا ينقسم الحرف الواحد إلى أبوابٍ تشمل الكلمات مصنّفة بالنظر إلى حروفها الأصلية دون الزائدة ، والأبواب هي :
باب الثنائي الصحيح / ذكر تحته الكلمات الثنائية مثل ( الخاء والقاف ) وفيه : خَقَّ ، الخَقْخَقَة ، الأُخقوق.
باب الثلاثي الصحيح / ذكر تحته الكلمات الثلاثيّة دون زوائد .
باب الثلاثي المعتلّ / ذكر تحته ما فيه حرفان صحيحان وحرف علّة مثل : ( الخاء والطاء وأحد حروف العلّة [ و ا ي ء ] ) وفيه : خطو ، خطأ ، خوط ، وخط ، خيط ، طيخ ، طخي .
باب اللفيف / ذكر تحته ما فيه حرفا علّة ، مثل : ( القاف والواو والياء ) وفيه : قوي ، قوقى ، وقى ، واق ، أقا ، قاء ، أوق .
باب الرباعي / ذكر تحته الكلمات الرباعيّة مثل : ( القاف والجيم ) وفيه : جنبق ، قنفج ، جرمق ، مجنق ، جبلق ، جوسق ، جلهق .
باب الخماسي / ذكر تحته الكلمات الخماسيّة ، مثل( باب الخماسي من القاف ) وفيه : جنفلق ، شفشلق ، قنفرش ، فلنقس .
حينما نعيد النظر في الكلمات السابق ذكرها في الأساس الأول فإننا نجدها على النحو التالي :
( شدّ ) تحت باب الثنائي الصحيح من حرف الشين ، ومعها مشتقاتها .
( لعب ) تحت باب الثلاثي الصحيح من حرف العين ، ومعها مشتقاتها .
( رزق ) تحت باب الثلاثي الصحيح من حرف القاف ، ومعها مشتقاتها .
( حزن ) تحت باب الثلاثي الصحيح من حرف الحاء ، ومعها مشتقاتها .
( جرى ) تحت باب الثلاثي المعتلّ من حرف الجيم ، ومعها مشتقاتها .
( وقى ) تحت باب اللفيف من حرف القاف ، ومعها مشتقاتها .
( كرسوع ) تحت باب الرباعي من حرف العين .
( عندليب ) تحت باب الخماسي من حرف العين .
وأنبّه إلى أن تقسيم الأبنية السابقة يتكرّر تحت كل حرف من حروف المعجم .
الأساس الثالث : تقليب الكلمات
تبيّن ممّا سبق أن منهج العين هو تقسيم الكتاب إلى حروف ، وتقسيم كل حرف إلى الأبنية المعروفة ، ثمّ توزيع الكلمات التي تدخل تحت الحرف المقصود على الأبنية التي تدخل تحتها .
وأبيّن هنا أن الكلمات التي تدخل تحت كلّ بناءٍ تُقلّب على الصور المستعملة في العربية ، ولذا فإن جميع تلك الصور ترد مرّةً واحدةً في تحت أقصى حروفها مخرجاً ، ومن الأمثلة السابقة نعرف ما يلي :
( لعب ، لبع ، بلع ، بعل ، علب ، عبل ) هذه التقليبات المختلفة للحروف الثلاثة يرد المستعمل منها تحت حرف العين ، في باب الثلاثي الصحيح ، في مادة ( علب ) ، لأنّ العين هي أقصاها مخرجاً ، ثمّ اللام لأنها من طرف اللسان ، ثمّ الباء لأنها من الشفتين ، وهكذا بقيّة الكلمات التي ذكرتها سابقاً تذكر في موضع واحد مع جميع تقليباتها المستعملة .
وقد استعمل تقليب الكلمات ليكون طريقةً إلى إحصاء جميع الكلمات العربية المستعملة ، وليس معناه أنّ جميع التقليبات استعملها العرب ، بل منها ما استعمله ومنها ما أهمله ، ولكن هذه الطريقة الإحصائية تُبرز له كل الصور الممكنة ليعرف بها المستعمل والمهمل .
أمّا عدد الصور التي تنتج عن تقليب الكلمات – سواءً المستعمل أم المهمل – فهي على النحو التالي :
الثنائي ينتج عنه صورتان .
الثلاثي ينتج عنه ستّ صور .
الرباعي ينتج عنه أربع وعشرون صورة .
الخماسي ينتج عنه مائة وعشرون صورة .
طريقة البحث عن الكلمة في معجم العين :
عند البحث عن الكلمة نسلك الخطوات التالية :
1- تعيين الحروف الأصلية للكلمة .
2- تعيين أقصى حروفها مخرجاً ، حيث إنّه هو الحرف الذي تُذكر تحته الكلمة المقصودة ، دون النظر إلى موضع الحرف سواءً كان في أولها أو أوسطها أو آخرها .
3- تعيين بناء الكلمة المقصودة ، هل هو ثنائي أم ثلاثي صحيح أم ثلاثي معتلّ أم لفيف أم رباعي أم خماسي ، وبعد تعيين بنائها نعرف أنّ الكلمة تقع تحته .
وكما أشرتُ سابقاً فإن جميع تقليبات الكلمة الواحدة تكون في موضع واحد .
أعرض مقطعاً من مقدمة العين لتكون أنموذجاً لهذا الكتاب :
(بسم الله الرحمن الرحيم ، بحمد الله نبتدئ ونستهدي وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل هذا ما ألفه الخليل بن أحمد البصري رحمة الله عليه من حروف أ ب ت ث مع ما تكلمت به ، فكان مدار كلام العرب وألفاظهم ، فلا يخرج منها عنه شيء ، أراد أن تعرف به العرب في أشعارها وأمثالها ومخاطباتها فلا يشذّ عنه شيء من ذلك ، فأعملَ فكره فيه فلم يمكنه أن يبتدئ التأليف من أول أ ب ت ث وهو الألف لأن الألف حرف معتل فلما فاته الحرف الأول كره أن يبتدئ بالثاني وهو الباء إلا بعد حجة واستقصاء النظر ، فدبّر ونظر إلى الحروف كلها وذاقها فوجد مخرج الكلام كله من الحلق فصير أولاها بالابتداء أدخل حرف منها في الحلق ، وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف نحو أب أت أح أع أغ ، فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها أول الكتاب ثم ما قرب منها الأرفع فالأرفع حتى أتى على آخرها وهو الميم ، فإذا سئلت عن كلمة وأردت أن تعرف موضعها فانظر إلى حروف الكلمة فمهما وجدت منها واحداً في الكتاب المقدم فهو في ذلك الكتاب .
وقلّب الخليل أ ب ت ث فوضعها على قدر مخرجها من الحلق وهذا تأليفه ( ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ث ذ ر ل ن ف ب م و ا ي همزة ) .
قال أبو معاذ عبد الله بن عائذ حدثني الليث بن المظفر بن نصر بن سيار عن الخليل بجميع ما في هذا الكتاب ، قال الليث قال الخليل كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي فالثنائي على حرفين نحو قد لم هل لو بل ونحوه من الأدوات والزجر ، والثلاثي من الأفعال نحو قولك ضرب خرج دخل مبني على ثلاثة أحرف ، ومن الأسماء نحو عمر وجمل وشجر مبني على ثلاثة أحرف ، والرباعي من الأفعال نحو دحرج هملج قرطس مبني على أربعة أحرف ، ومن الأسماء نحو عبقر وعقرب وجندب وشبهه ، والخماسي من الأفعال نحو اسحنكك واقشعر واسحنفر واسبكر مبني على خمسة أحرف ... ) الخ ...
المعاجم التي تبعت العين :
سلك طريقة العين عدد من المعاجم ، مع اختلافها في اتّباع العين في جميع المنهج أو بتغيير بعض ملامحه ، لكن المنهج العامّ نستطيع أن نلمحه في تلك المعاجم ، حيث إن ترتيب الحروف ترتيباً صوتياً ، وتقسيم كل حرفٍ إلى أحد الأبنية ، وتقليب الكلمات تحت كلّ بناء ، من أهمّ الأسس التي بُنيت عليها تلك المعاجم مع بعض التغييرات في بعضها .
ومن المعاجم التي سلكت مسلك العين ما يلي :
1- البارع – أبو عليّ القالي ( 280-356هـ )
الأساس الأول : تقسيم الكتاب إلى الحروف مرتّبةً بحسب مخارجها ، لكنّ ترتيبه الحروف اختلف قليلاً عن ترتيب العين ، وجاء ترتيبه على النحو التالي :
هـ ، ح ، ع ، خ ، غ ، ق ، ك ، ض ، ج ، ش ، ل ، ر ، ن ، ط ، د ، ت ، ص ، ز ، س ، ظ ، ذ ، ث ، ف ، ب ، م ، و ، ا ، ي
الأساس الثاني : تقسيم الحروف إلى أبنية ، وقد اختلفت الأبنية هنا عن العين قليلاً :
1- باب الثنائي في الخطّ والثلاثيّ في الحقيقة ، وقصد به الثنائيّ المضاعف
2- الثلاثيّ الصحيح
3- الثلاثيّ المعتلّ
4- باب الحواشي والأوشاب ، وعنى به اللفيف
5- الرباعيّ
6- الخماسيّ
الأساس الثالث : تقليب الكلمات على طريقة العين في التقليب .
2- تهذيب اللغة – أبو منصور الأزهريّ ( 282-370هـ )
من أهمّ دواعي تأليفه :
أ- تقييد ما وعاه عن أفواه الأعراب الذين شافههم
ب- تبيينه الخلل الذي أصاب العربية في بعض الكتب ومنها كتاب العين
سلك مسلك العين في ترتيب الحروف وتقسيم الأبنية ونظام التقليبات ، واعتمد العين أساساً لمعجمه – مع أنه ينكر أن يكون للخليل – وزاد عليه زيادات كثيرة ، بعضها نقلها من الأعراب مشافهةً ، وبعضها نقلها من الكتب .
3- المحيط – الصاحب بن عبّاد ( 324-385هـ )
تبع العين في ترتيب الحروف وتقسيم الأبنية والتقليبات ، لكنّه اعتنى بالألفاظ فاستكثر منها مع اختصاره في ذكر المعاني ، ولذا فلا تجديد منه على نظام العين .
4- مختصر العين – أبو بكر الزُبيديّ ( - 379هـ )
سلك مسلك العين في ترتيب الحروف .
أمّا تقسيم الأبنية فقد زاد ( باب الثنائي المضاعف من المعتلّ ) فجاءت كما يلي :
أ- باب الثنائيّ المضاعف الصحيح
ب- باب الثلاثيّ الصحيح
ج- باب الثنائيّ المضاعف من المعتلّ
د- باب الثلاثيّ المعتلّ
هـ - باب الثلاثيّ اللفيف
و- باب الرباعيّ
ز- باب الخماسيّ
وكذا تقليب الكلمات تبع العين فيها .
5- المحكم – ابن سيدة ( 398-458هـ )
سلك مسلك العين في منهجه إلاّ أنه خالفه فيما يلي :
أ- تبع الزبيديّ في زيادة ( باب الثنائيّ المضاعف من المعتلّ ) ، وفي كثيرٍ من الموادّ التي خالف فيها الزبيدي العين ، حيث تبع فيها الزبيديّ ، وذلك بسبب كون الزبيديّ أستاذ والده ( إسماعيل ) ، وعن والده أخذ مختصر العين ، وفي كثيرٍ من الموادّ يتطابق المعجمان .
ب- زاد ابن سيدة ألفاظاً كثيرةً على المختصر ، ففاق فيها ما في العين ، واعتنى بمسائل النحو والصرف .
مدرسة الجمهرة :
لصعوبة طريقة العين في ترتيب الحروف فإنّ بعض اللغويين حاول تيسير تلك الطريقة لتكون أسهل للمطّلعين على المعجم ، ومن أشهر مَنْ جدّد في طريقة العين ابن دريد في معجمه ، ولذا فهو يُعدّ صاحب طريقةٍ جديدةٍ :
الجمهرة – أبو بكر بن دريد ( 223-321هـ )
أدخل ابن دريد على منهج العين تغييراتٍ عديدةً محاولةً منه تيسير طريقته المعقّدة ، وجاءت تغييراته على النحو التالي :
الأساس الأول : تقسيم المعجم إلى الأبنية
قسّم الكتاب إلى الأبنية التالية بالنظر إلى حروفها الأصول :
أ- الثنائيّ المضاعف وما يلحق به .
ب- الثلاثيّ وما يلحق به .
ج- الرباعيّ وما يلحق به .
د- الخماسيّ وما يلحق به .
وأتبع هذه الأبواب أبواباً للّفيف والنوادر .
أي أن ابن دريد جعل تقسيم الأبنية هو الأساس الأول في معجمه ، وليس كما جاء في العين ، ففي العين قسّم كتابه إلى حروف ، وكلّ حرف قسّمه إلى أبنية ، أمّا ابن دريد فقد عكس ما في العين ، ولذا ففي كل معجمه بناء واحد للثنائي المضاعف ، وواحد للثلاثي .. وهكذا ، وتحت كل بناء جميع الحروف العربية .
الأساس الثاني : تقسيم كلّ بناء إلى حروف
قسّم كلّ بناءٍ إلى أبوابٍ طبقاً للحروف على الترتيب الألفبائيّ ، فبدأ بحرف الهمزة ، ثم حرف الباء ثم التاء وهكذا بقية الحروف على الصورة التالية :
أ / ب / ت / ث / ج / ح / خ / د / ذ / ر / ز / س / ش / ص / ض / ط / ظ / ع / غ / ف / ق / ك / ل / م / ن / هـ / و / ي
بدأ كلّ بابٍ بالحرف المعقود له مع ما يليه في الترتيب الألفبائيّ ، فمثلاً في باب ( التاء ) بدأ بها مع الثاء ، ثمّ بها مع الجيم ، وبعد نهاية الحروف تأتي التاء مع الهمزة ، ثمّ التاء مع الباء .
وهنا يختلف الجمهرة عن العين لكونه رتّب الحروف على الترتيب الألفبائي وليس الترتيب الصوتي ، وهذا من مواطن التجديد في الجمهرة .
الأساس الثالث : تقليب الكلمات
قلّب الألفاظ التي تقع تحت كل حرف على الصور المستعملة في العربية .
طريقة البحث في الجمهرة :
للبحث عن كلمة في الجمهرة نسلك الخطوات التالية :
1- تجريد الكلمة من الحروف الزائدة لنعرف الحروف الأصلية .
2- تحديد البناء الذي تدخل تحته الكلمة ( الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي أو الخماسي ) ، ثم الاتجاه إلى ذلك البناء في الجمهرة .
3- البحث عن الكلمة تحت أول حروفها على الترتيب الألفبائي ، ثم الذي يليه ، ومع الكلمة بقية تقليباتها .
وإليك أمثلة تطبيقية للبحث عن الكلمات في الجمهرة :
أمثلة تطبيقية :
( أكل ) نجدها في باب الثلاثي تحت حرف الهمزة ثم الكاف لأن الهمزة أول الحروف على الترتيب الألفبائي ثم الكاف ثم اللام ، ونجد معها المستعمل من تقليباتها ( ألك ، كلأ ، كأل ، لكأ ، لأك ) .
( قعد ) نجدها في باب الثلاثي تحت حرف الدال مع العين لأن الدال أولها على الترتيب الألفبائي ثم العين ثم القاف ، أي أنها تحت ( دعق ) ومعها المستعمل من تقليباتها مثل ( دقع ، قدع ، قعد ، عقد ، عدق ) .
( عبس ) نجدها في باب الثلاثي تحت حرف الباء مع السين لأن الباء أولها ثم السين ثم العين ، أي أنها تحت (بسع) ومعها المستعمل من تقليباتها .
ولو أتيت ببعض الأمثلة التي ذكرتها عند ذكر أسس مدرسة العين لتبيّن لنا الاختلاف في مواقع الكلمات في الجمهرة عنه في العين :
( شدّ ) في باب الثنائي تحت حرف الدال لأنه أول حروفها على الترتيب الألفبائي ، ومعها تقليباتها المستعملة .
( لعب ) في باب الثلاثي تحت حرف الباء لأنه أولها على الترتيب الألفبائي ، ومعها تقليباتها .
( رزق ) في باب الثلاثي تحت حرف الراء ، ومعها تقليباتها .
( حزن ) في باب الثلاثي تحت حرف الحاء ، ومعها تقليباتها .
معجم مقاييس اللغة – أحمد بن فارس ( - 395هـ )
يُعدّ هذا المعجم قريباً من الجمهرة في المنهج مع بعض الاختلاف
يتبع