مقدمة مختصرة عن المعاجم
عبد العزيز الحميد
أهمّ دوافع تأليفه :
أ- إثبات دوران صيغ المادّة المختلفة حول معنى أصليّ مشترك ، وهو ما عبّر عنه بأنّ للغة العرب مقاييس صحيحة وأصولاً تتفرّع منها فروع .
ب- بيان أنّ أكثر الكلمات الرباعيّة والخماسيّة منحوتة .
أمّا منهجه فعلى النحو التالي :
1- قسّم معجمه إلى كتبٍ على ترتيب الحروف الترتيب الألفبائيّ ، فبدأ بكتاب الهمزة ، ثمّ كتاب الباء وهكذا.
2- قسّم كلّ كتابٍ إلى ثلاثة أبواب بحسب الأبنية : الثنائيّ المضاعف ، ثمّ الثلاثيّ ، ثمّ ما زاد على الثلاثيّ المجرّد.
3- رتّب الكلمات في الأبواب بحسب الحرف الثاني وما بعده ، وقد بدأ كلّ بابٍ بالحرف المعقود له مع ما يليه في الترتيب الألفبائيّ ، فمثلاً في باب ( التاء ) بدأ بها مع الثاء ، ثمّ بها مع الجيم ، وبعد نهاية الحروف تأتي التاء مع الهمزة ، ثمّ التاء مع الباء .
ونلاحظ أنّ معجم مقاييس اللغة اختلف عن الجمهرة في عدة أمور :
1- قسّم كتابه إلى الحروف مرتّبةً ترتيباً ألفبائياً ، فهو كمعجم العين في تقسيم الكتاب إلى الحروف ، ولكنه اختلف عنه في أن ترتيبه للحروف ترتيب ألفبائي .
2- قسّم كلّ حرفٍ إلى الأبنية كطريقة العين ، ولكنه اختلف عنه في أن الأبنية ثلاثة ( الثنائي المضاعف ، الثلاثي ، ما زاد على الثلاثي المجرد ) ،
ونلاحظ أنه اختلف عن معجم الجمهرة في أنه جعل الأساس الأول هو الحروف ، والثاني هو الأبنية ، أما الجمهرة فجعل الأبنية الأساس الأول ، والحروف الأساس الثاني .
3- لم يقلّب الكلمات على طريقة الجمهرة وإنما ذكر التقليبات المختلفة لكل كلمة في موضعها ، فمثلاً ذكر (لعب ) في الثلاثي من حرف اللام ثم العين ، وذكر ( علب ) في الثلاثي من حرف العين ثم اللام ، وكذا ( بلع ) ذكرها في الثلاثي من حرف الباء ثم اللام ، وهكذا بقية التقليبات .
مجمل اللغة – أحمد بن فارس ( - 395هـ )
ألفه قبل تأليفه المقاييس ، وكان هدفه تدوين الواضح والمشهور والصحيح من كلام العرب واختصاره وإجماله ، ولكن المقاييس اشتهر أكثر منه ، ومنهجه في المجمل فكمنهجه في مقاييس اللغة .
مدرسة التقفية :
كان التطوّر في التأليف المعجمي العربي يتّجه إلى التسهيل على مستعمل المعجم من العرب ، وقد لحظنا ذلك في محاولة ابن دريد في الجمهرة لتيسير طريقة العين ، فترك ترتيب الحروف ترتيباً صوتياً إلى ترتيبها ترتيباً ألفبائياً ، وكذا ابن فارس كان من أبرز التغييرات التي سلكها أنْ تركَ تقليب الكلمات ، فذكر كلّ كلمة في موضعها .
وحدثَ التغيير الكبير في تأليف المعجم العربي حينما تُركت كلّ الأسس الثلاثة التي بُني عليها معجم العين والمعاجم التي تبعته ، وكان هذا التغيير في طريقةٍ جديدةٍ في المعجم وهي ترتيب المعجم ترتيباً ألفبائياً على الحرف الأخير باباً والأول فصلاً ، ففي هذه المدرسة تُرك الترتيب الصوتي للحروف وهو الأساس الأول لمعجم العين ، وتقسيم الكلمات على الأبنية وهو الأساس الثاني ، وتقليب الكلمات على الأوجه المستعملة وهو الأساس الثالث .
يتّضح أنّ التغيير الذي أصاب المعجم في هذه المدرسة تغييرٌ كبيرٌ ، لكونه قفزةً في تصنيف المعجم اتّجهت إلى التيسير على المطالعين ، بسلوكها طريقاً سهلاً خلّص المعجم من مواطن الصعوبة التي اتّسم بها .
وعُرفت هذه المدرسة بمدرسة التَقْفِيَة ، لكون ترتيب ألفاظه اعتمد على قافية الكلمة وهي آخرها ، وأوضّح أسسها على النحو التالي :
الأساس الأول : تقسيم المعجم إلى أبوابٍ بعدد الحروف ، بُنيتْ بالنظر إلى الحرف الأخير للكلمة :
توضيح : انطلق ترتيب الكلمات في هذه المدرسة من الحرف الأخير بجعله باباً ، فلم يُنظر إلى الأبنية الثلاثية والرباعية وغيرها ، ولا إلى نظام التقليبات ، وإنما إلى الاتّفاق في الحرف الأخير ، ولذا تجتمع في كلّ بابٍ الكلماتُ المنتهية بحرفٍ واحدٍ ، وجاءت الأبواب على الترتيب الألفبائيّ على النحو التالي : ( باب الهمزة ، باب الباء ، باب التاء ، باب الثاء ، باب الجيم ... ) ، ويقع تحت كل باب الكلمات التي انتهت بالحرف الذي سُمّي به الباب ، لا فرق بين الثلاثي والثنائي والرباعي والخماسي ، كلّها وُضعت تحته ، ورُتّبت ترتيباً داخلياً على الحرف الأول ، وهو الأساس الثاني.
الأساس الثاني : تقسيم كلّ بابٍ إلى فصولٍ بعدد الحروف ، كلّ فصلٍ يبدأ بحرف ، ورُتّبت الفصول على الحرف الأول للكلمة :
توضيح : كلّ بابٍ قُسّم إلى فصولٍ بعدد الحروف مرتّبةً ترتيباً ألفبائيّاً ( فصل الهمزة ، فصل الباء ، فصل التاء ... ) ، وفي كلّ فصلٍ من فصول الباب الكلمات المتّفقة في الحرف الأول ، ، ففي فصل الهمزة الكلمات المبدوءة بالهمزة ، وفي فصل الراء الكلمات المبدوءة بالراء ، وهكذا ، وكلّ هذه الفصول متّفقة في الحرف الأخير وهو الباب .
وإذا تعدّدت كلمات الفصل الواحد رُتّبت بمراعاة الحرف الثاني وما بعده ، فمثلاً نجد ( فصل الباء ) تحت ( باب الراء ) ، وفيه ( بئر ، بتر ، بثر ، بجر ، بحر ، بخر ، بدر ... ) فنلاحظ أن الكلمات اتّفقت في الباب وهو الحرف الأخير ، وفي الفصل وهو الحرف الأول ، ولكنها اختلفت في الحرف الثاني ، ولذا رُتّبت بالنظر إليه فجاءت الهمزة ثمّ التاء ثم الثاء وهكذا ...
طريقة البحث عن الكلمات :
للبحث عن كلمةٍ نسلك الخطوات التالية :
1- تجريد الكلمة من الزوائد لنعرف الحروف الأصلية .
2- البحث عن الكلمة في الحرف الأخير منها ، حيث وُضعت الكلمات تحت الحروف الأخيرة منها .
3- تحديد موضعها من الباب بحسب حرفها الأول ، حيث رُتّبت الكلمات في الأبواب بالنظر إلى أوائل الكلمات على الترتيب الألفبائي .
وأعرض هنا أمثلة تطبيقية لبعض الكلمات لبيان موقعها في المعجم :
( أكل ) : نجدها في باب اللام فصل الهمزة .
( قعد ) : نجدها في باب الدال فصل القاف .
( عبس ) : نجدها في باب السين فصل العين .
وأورد هنا الكلمات التي مثّلت بها عند دراسة العين لنعرف الفرق في ترتيب تلك الكلمات بين العين وترتيب مدرسة التقفية :
( شدّ ) نجدها تحت باب الدال فصل الشين .
( لعب ) تحت باب الباء فصل اللام .
( رزق ) تحت باب القاف فصل الراء .
( حزن ) تحت باب النون فصل الحاء .
( كرسوع ) تحت باب العين فصل الكاف.
معاجم مدرسة التقفية :
جاءت هذه المدرسة تيسيراً على العربي وتسهيلاً لاستخدام المعجم العربي ، وقد سلك العديد من المعاجم العربية هذه الطريقة لمدة زمنية طويلة قبل أن تأتي الطريقة الأخيرة وهي طريقة الترتيب الألفبائي على الحرف الأول فالثاني .
ومن المعاجم التي سلكت هذه الطريقة ما يلي :
تاج اللغة وصحاح العربية – أبو نصر الجوهري ( ولد سنة 332هـ ، وتوفي سنة 400هـ تقريباً )
العباب – الصاغاني ( 577- 650 هـ )
مختار الصحاح – محمد بن أبي بكر الرازيّ ( - 666 هـ )
لسان العرب – ابن منظور ( 630-711 هـ )
القاموس المحيط – الفيروزآبادي ( 729-817 هـ )
تاج العروس – الزَبيدي ( 1145- 1205هـ )
وتكاد أن تكون تلك المعاجم على طريقةٍ واحدةٍ لوضوح منهج هذه المدرسة ، ولذا فلا حاجة إلى الوقوف كثيراً عندها ، وأكتفي باختيار ( القاموس المحيط ) لإيراد مقاطع من مقدمته للتعرف على منهجه ، مع أنموذج من موادّه :
مدرسة الترتيب الألفبائي :
جاء التطوير الأخير في المعجم العربي ليكون خاتمة المدارس المعجمية ، حيث وصل التيسير في المعجم العربي إلى أسهل الطرق ، وهي الطريقة الأقرب إلى التفكير الأوليّ عند النظرة الأولى إلى الكلمة ، فالكلمة تُقرأ من الحرف الأول ثمّ الثاني وهكذا ، وهذه المدرسة رتّبت الكلمات بمراعات الحرف الأول ثمّ الثاني وهكذا ، دون النظر إلى البناء الصرفي الذي تعود إليه الكلمة ، ويمكننا ذكر منهجها على النحو التالي :
أساس المدرسة : ترتيب كلمات المعجم على الحرف الأول فالثاني ، بعد تجريدها من الزوائد ، أي أن الكلمات تُوضع تحت الجذر الأصلي للكلمة .
وقد بدأ التصنيف على هذه الطريقة في الوقت الذي كان بعض المعجميين يُصنّف على طريقة التقفية ، ومن أقدم من صنّف عليها الزمخشري في القرنين الخامس والسادس ، واستمرّ أكثر المعجميين يصنّفون عليها حتى اصبحت في العصور المتأخرة هي الطريقة الوحيدة .
والمعاجم التي تبعت هذه الطريقة كثيرة ، منها قديم ومنها حديث ، نعرض أهمّها فيما يلي :
المعاجم القديمة :
أساس البلاغة - محمود بن عمر الزمخشري ( 467-538هـ )
دوافعه لتأليف المعجم :
1- دينيّ وهو التعرّف على وجوه الإعجاز القرآني بمعرفة أساليب العرب في كلامها من الحقيقة والمجاز .
2- عنايته الكبرى بالعبارات البلاغية الراقية بما فيها من معانٍ حقيقيّة ومجازيّة ، ولذا فلم يكن همّه الاستقصاء كأكثر المعاجم السابقة .
أمّا عن منهجه فقد رتّب الألفاظ على الحرف الأول فالثاني وما بعده ، ورتّب المعاني بالنظر إلى الحقيقة والمجاز ، فذكر المعنى الحقيقيّ ثمّ المجازيّ .
المصباح المنير – أحمد بن محمد المُقْري الفيّوميّ ( - 770 هـ )
شرح فيه غريب شرح الرافعيّ للوجيز في الفقه ، ورتّب الألفاظ ترتيباً ألفبائيّاً على حروفها الأصول ، ولكنّه عُني بالمشتقات كثيراً ، وأشار إلى أبواب الأفعال والجموع ، وفصّل في المسائل اللغويّة والصرفيّة والنحويّة .
المعاجم الحديثة :
تعدّدت المعاجم العربية الحديثة وكثُرت وتفاوتت بين مجيدٍ ومقصّرٍ ، وسلك بعضها مسلك المعاجم القديمة ، وحاول بعضها التجديد في مادّتها بإدخال بعض الألفاظ التي لم تدخل في المعاجم القديمة .
وأعرض هنا لعددٍ قليلٍ منها نماذجَ على بقيّتها :
محيط المحيط – بطرس البستانيّ
فرغ من تأليفه عام 1286هـ - 1869م
أودعه ما في القاموس المحيط بتصرّف فيه ، مع زيادات كثيرة تشمل اصطلاحات الفنون والألفاظ المولّدة والدارجة ، وكثيراً من مسائل اللغة .
واختصره في معجم آخر هو ( قُطْر المحيط ) .
أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد – سعيد الخوريّ الشرتونيّ
ألفه عام 1307هـ - 1889م
جمع فيه الكثير ممّا ورد في المعاجم العربية القديمة ، ولكنّه جعل القاموس المحيط عِماداً له مع اختصاره ما ورد فيه وحذفه ما رأى الاستغناء عنه ، ورجع إلى المعاجم الحديثة كمعجم البستاني ، وبعض معاجم المستشرقين .
المعجم الكبير – مجمع اللغة العربية بالقاهرة
كان من أهداف مجمع اللغة العربية تصنيف معجمٍ يتتبّع معاني الكلمة عبر عصور العربية ، ويرصد معانيها المختلفة والتطورات التي أصابتها ، وقد جاء المعجم الكبير تلبيةً لهذا الهدف ، وصدر منه بعض أجزائه ، وما زال العمل مستمرّاً فيه ، والأجزاء التي صدرت جاءت على النحو التالي :
صدر الجزء الأول عام 1390هـ - 1970م ( حرف الهمزة )
والجزء الثاني عام 1402هـ - 1982م ( حرف الباء )
والجزء الثالث عام 1412هـ - 1992م ( حرفا التاء والثاء )
والجزء الرابع عام 1420هـ - 2000م ( حرف الجيم )
ويتضح من الأجزاء السابقة ضخامة المعجم وشموله ، فقد جاء الأول لحرف الهمزة في قرابة ( 700 ) صفحة ، ومثله الثاني لحرف الباء ...
وتميّز المعجم بجمعه اللغة بألفاظها القديمة والحديثة ، فاعتنى بألفاظ العلوم والفنون والمعارف والمصطلحات والأعلام.
واعتنى بإيراد النظائر الساميّة للكلمة ، ورتّب المعاني الأصليّة فالفرعية ، والحسّي فالمعنويّ ، والحقيقيّ فالمجازيّ .
ورتّب الأفعال ترتيباً اشتقاقيّاًً ، وقدّمها قبل الأسماء .
واعتمد في مصادر موادّه على المعاجم القديمة وكتب الأدب والتاريخ والعلوم .
المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية بالقاهرة
صدر عام 1380هـ - 1960م
أصدره المجمع تلبيةً لحاجة المثقّفين وطلاب المدارس الثانويّة ومن في مستواهم .
حوى المعجم الألفاظ العربية التي يحتاجها الطالب والمترجم ، وما أقرّه المجمع من ألفاظٍ حضاريّة مولّدة ، ومصطلحات علميّة .
واستعان بالصور في توضيح الحيوان والنبات وما يشابههما .
وسأرفق بهذه الأوراق صورةً من مقدمة المعجم لمعرفة منهجه من المقدمة ، مع أنموذجٍ من باب الهمزة .
المعجم اللغويّ التاريخيّ – المستشرق الألماني فيشر :
تُعدّ تجربة فيشر تجربةً فريدةً في ميدان صناعة المعجم العربي ، فمنهجه في المعجم قائمٌ على تتبّع الكلمة من أقدم العصور ، برصد تطوّر دلالاتها عبر التاريخ .
وممّا يؤسف له أن فيشر بدأ بمعجمه ولكنّه مات في بداية عمله ، لكنّ منهجه فيه كان واضحاً في مقدمة الجزء المطبوع منه ، ولذا فسنتعرف على منهجه منها .
ما طبع من معجم فيشر :
طبع جزء من المعجم من أول حرف الهمزة إلى ( أبد ) بعنوان ( المعجم اللغويّ التاريخي ) ، ذهب أربع وثلاثون صفحة منه في المقدمة ، وجاء المنشور من حرف الهمزة في ثلاث وخمسين صفحة ، ذهب عشرون منها في الحديث عن أنواع الهمزة ، والباقي منه في كلمات أعجميّة وعربيّة ، ولذا فهو نموذج قصير ، لقلة الألفاظ الغنيّة فيه .
المنهج التاريخي في صناعة معجمه :
يمثّل سلوك المنهج التاريخي الهدفَ الرئيس في معجم فيشر ، فقد كان صاحب التجربة الناضجة الأولى بين معاجم العربيّة ، ولذا أدار حول هذا الأمر الحديث في عدة مواضع من مقدمته ، شأن أي صاحب دعوة جديدة يدعو إلى نظريته.
ونستخلص ممّا ذكره من إشاراتٍ أسسَ نظريته في صناعة معجمه ، على النحو التالي :
الأول : مادّة المعجم :
مادّة المعجم تُعدّ الأساس لبناء أيّ معجم ، وفيشر في مقدمته ذكر بداية الحدّ الزمني لمادّة معجمه ونهايته ، فهو معجم تاريخي للعربيّة حتى نهاية القرن الثالث الهجري ، أمّا بداية استشهاده فبنقش النمارة من القرن الرابع الميلادي .
وفي الزمان الذي حدّد بدايته ونهايته ذهب إلى أنّ كلّ الكلمات التي جاءت في الآداب العربيّة في تلك الفترة يتناول بحث تاريخها .
وبالاطّلاع على مصادر المعجم التي ذكرها في المقدمة مختصرة نتعرّف على مادّته ، حيث ذهب إلى عدم الاقتصار على معاجم اللغة ، وإنما تؤخذ اللغة من المصادر المختلفة ، من القرآن ، الحديث ، الشعر ، الأمثال ، المؤلفات التاريخيّة والجغرافيّة ، كتب الأدب ، الكتابات المنقوشة ، مخطوطات البَرْديّ والنقود ، واستثنى منها الكتب الفنيّة مع أخذه المصطلحات منها .
أمّا المعاجم العربيّة فيرجع إليها في ألفاظ لم يجد لها شواهد فيما رجع إليه من كتب ، إذا تبين له أنّ تلك الألفاظ ليست من عصور متأخرة ، وعلّل وجود تلك الألفاظ دون شواهدها في المعاجم بوجود الشواهد أمام المعجميين عند تأليفها ، إلا أنها فُقدت بعد ذلك ، ولذا مال إلى الأخذ من المعاجم لكونها الوسيط الناقل مع فقد المنقول عنه .
وفي معجمه كان يذكر اللفظ أو التعبير واسم المعجم المنقول منه .
الثاني : المداخل :
فرّق فيشر بين المداخل العربيّة والمعرّبة ، أما المداخل العربيّة فسار بها على طريقة المعجميين العرب ، بجعل المادّة المجرّدة من الزوائد مدخلاً ، ومشتقّاتها تحتها ، وكذا الكلمات الأعجمية التي تصرّف بها العرب بالاشتقاق .
أما الأعجمية التي لم يتصرّف بها العرب فجعل لكلّ كلمة مدخلاً خاصّاً بها على الصورة التي هي عليها .
ترتيب المداخل :
يشمل الترتيب في المعجم ترتيبين :
ترتيب خارجي للمداخل ، وترتيب داخلي للمشتقات فيها ، ونبّه فيشر إلى الترتيبين على النحو الآتي :
ترتيب المداخل بمراعاة الحرف الأول والثاني والثالث ، وأشار إلى ترتيب اللسان والقاموس ونحوهما بأنه ليس حسناً لسببين :
¨ لوقوع اللبس عندما يكون الحرف الأخير حرف علة .
¨ لكثرة وقوع الحرف الأخير غير أصلي مثل أخ وأب وابن واست وماء ، من : أخو و أبو و بنو و سته و موه ، ولصعوبة ترتيب الكلمات الأحاديّة والثنائيّة مثل حروف المعاني والضمائر .
ترتيب المشتقات : بدأ فيشر في ترتيبه المشتقّات بالفعل المجرّد ثمّ المزيد بحرف ثمّ بحرفين ثمّ بثلاثة أحرف .
وتكون أبنية الأفعال على الترتيب التالي :
فَعَل ، فَعِل ، فَعُل ، فَعّل ، فاعَل ، أفْعَلَ ، تَفَعّلَ ، تَفاعَل ، انْفَعَل ، افْتَعَل ، افْعَلّ ، استفعل ، افْعالّ ، افْعَوْعَل ، افْعَوّلَ ، افْعَنْلَلَ ، افْعَنْلى .
ثمّ الأسماء بعد الأفعال على ترتيب الأفعال : المجرّد ثمّ المزيد ، وهكذا ، وتكون أبنية الأسماء على الترتيب التالي :
فَعْل ، فِعْل ، فُعْل ، فَعَل ، فَعِل ، فِعَل ، فِعِل ، فُعُل ، فُعَل ، فَعُل ، فاعِل ، فاعَل ، فعَال .
ومن الأمثلة على الترتيب الداخلي :
¨ مادّة ( أبب ) : بدأ بـ ( أبَّ ) ثمّ ( إيتبّ ) ثمّ الأسماء ( أَبّ ) ثمّ ( أُباب ) ثمّ ( أَبابة وإبابة ) ثمّ (إبّان) .
¨ مادّة ( أبد ) : بدأ بذكر أصلها السامي ، ثمّ بدأ بالمشتقات : ( أَبَدَ ) ثمّ (أَبِدَ) ثمّ ( أَبّدَ ) ثمّ الخماسي : ( تَأبّدَ ) ثمّ الأسماء : ( إبْد ) ثمّ ( أَبَد ) ثمّ ( أَبِدٌ ) ثمّ (إِبِدٌ ) ثمّ ( إِبِدَة ، أَبِدَة ) ثمّ ( أَبَدِيّ ) ثمّ ( أَبَدِيّة ) ثمّ ( آبِد ) ثمّ ( أبيد ) ثمّ ( أَبُود ) ثمّ ( أيبد ) ثمّ ( مؤبّد ) ثمّ ( متأبّد ) .
المعجم الذي تحتاج إليه العربية :
يظهر لنا من اطلاعنا على نظرية فيشر في الجزء المطبوع من معجمه أنّ المعجم التاريخي الذي يسلك تتبّع تطوّر الدلالة عبر التاريخ هو المعجم الذي يحتاج إليه العرب ، لما فيه من ربط بين الدلالات المتفرّقة ، ومعرفة الصلة بينها ، ويمكننا أنّ نعرّف المعجم التاريخي على النحو التالي :
المعجم التاريخي : هو معجم لغوي حضاري يتضمن تطور مدلول الكلمات تاريخياً ، ويسجل الاستعمالات المعاصرة التي أوجبها التطور الحضاري ، ويدخل فيه المصطلحات التي أقرتها المجامع اللغويّة .
المعجم التاريخي هو الأمل المنتظر لكثير من أهل اللغة ، وهو بشموله يمكنه تلبية شتّى الحاجات إلى المعاجم الأخرى ، فيمكن له أن يشتمل على لغة المعاجم العربيّة القديمة ، مع الألفاظ التي جدّت في اللغة ولم تشملها المعاجم ، والكلمات الحديثة ، يشمل كلّ هذا بتسلسل ألفاظه تاريخياً ، من أقدم العصور إلى العصر الحديث .