عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 29-10-2019, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,020
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك

شرح حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك (2)
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين


ففي هذه القطعة من الحديث فوائد:



أولًا: فيها دليل على أن من السنة إذا أتى الإنسان ما يسره ان يهنأ به ويبشره به، سواء كان خير دين أو خير دنيا.



ولهذا بشرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بغلام حليم وبغلام عليم؛ الغلام الحليم: إسماعيل. والغلام العليم: إسحاق. بشرت الملائكة إبراهيم بهذين الغلامين.



ثانيًا: إنه لا بأس بالقيام إلى الرجل لمصافتحه وتهنئته بما يسره.

والقيام إلى الرجل لا بأس به، قد جاءت به السنة، وكذلك القيام للرجل وأنت باق في مكانك لا تتحرك إليه، فهذا أيضًا لا بأس به إذا اعتاده الناس؛ لأنه لم يرد النهي عنه؛ وإنما النهي والتحذير من الذي يقام له، لا من القائم، فإن من يقام له قال فيه النبي - عليه الصلاة والسلام -: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».



قال أهل العلم: والقيام ثلاثة أقسام:

الأول: قيام إلى الرجل.

الثاني: قيام للرجل.

والثالث: قيام على الرجل.

فالقيام إلى الرجل، لا بأس به، وقد جاءت به السنة أمرًا وإقرارًا وفعلًا أيضًا.



أما الأمر: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أقبل سعد بن معاذ - رضي الله عنه - عند تحكيمه في بني قريظة، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»[4]، وكان سعد بن معاذ - رضي الله عنه - قد أصيب في غزوة الأحزاب في أكحله، والأكحل عرق في الإبهام إذا انفجر مات الإنسان، أصيب به - رضي الله عنه - فدعا الله أن لا يميته حتى يقر عينه في بني قريظة، وكانوا حلفاء للأوس، وخانوا عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - وصاروا مع الأحزاب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فلما طُعِن سعد قال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني ببني قريظة، وكان من علو منزلته عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يضرب له خباء في المسجد - أي: خيمة صغيرة - لأجل أن يعوده من قريب، فكان يعوده من قريب.



ولما حصلت غزوة بني قريظة ورضوا أن يحكم فيهم سعد بن معاذ، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحضر سعد إلى بني قريظة، فجاء راكبًا على حمار؛ لأنه قد أنهكه الجرح، فلما أقبل قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»، فقاموا، فأنزلوه، فقال النبي- عليه الصلاة والسلام - له: إن هؤلاء - يعني: اليهود - من بني قريظة حكموك، فقال رضي الله عنه: حكمي نافذ فيهم؟ قال نعم! وأقروا هم به، وقالوا: نعم حكمك نافذ، قال: وفيمن ها هنا - يشير إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - والصحابة - قالوا: نعم، فقال: أحكم فيهم أن تُقتل مقاتلهم، وتسبى ذريتهم ونساؤهم، وتغنم أموالهم، حكم صارم، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ»، رضي الله عنه.



فنفَّذ النبي -صلى الله عليه وسلم- حكمه، وقتل منهم سبعمائة رجل، وسَبى نساءهم وذرياتهم، وغنم أموالهم.



الشاهد قوله: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ»، هذا فعل أمر، ولما دخل كعب بن مالك المسجد قام إليه طلحة بن عبيد الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يشاهد ولم ينكر عليه.



ولما قدم وفد ثقيف إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالجعرانة بعد الغزوة قام لهم - أو قام إليهم - عليه الصلاة والسلام، فالقيام إلى الرجل لا بأس به.



الثاني: القيام للرجل: وهذا أيضًا لا بأس به، لا سيما إذا اعتاد الناس ذلك وصار الداخل إذا لم تقم له يُعد ذلك امتهانًا له، فإن ذلك لا بأس به، وإن كان الأولى تركه، كما في السنة، لكن إذا عتاده الناس فلا حرج فيه.



الثالث: القيام عليه: كأن يكون جالسًا، ويقوم واحد على رأسه تعظيمًا له، فهذا منهي عنه، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ، يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»[5].



حتى إنه في الصلاة إذا صار الإمام لا يستطيع القيام وصلى جالسًا فإن المأمومين يصلُّون جلوسًا، ولو كانوا يقدرون على القيام؛ لئلَّا يشبهوا الأعاجم الذين يقومون على ملوكهم.



فالقيام على الرجل منهي عنه، اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يخاف على الرجل أن يتعدى عليه أحد، فلا بأس أن يقوم عليه القائم، وكذلك إذا قام عليه الرجل إكرامًا له في حال يقصد فيه إكرامه وإهانة وكذلك إذا قام عليه الرجل إكرامًا له في حال يقصد إكرامه وإهانة العدو، مثل ما حصل من المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - في صلح الحديبية حينما كانت قريش تراسل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمفاوضة فيما بينهم، كان المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - واقفًا على رأس رسول الله وبيده السيف تعظيمًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإهانة لرسل الكفار الذين يأتون للمفاوضة، وفي هذا دليل على أنه ينبغي لنا - نحن المسلمين - أن نغيظ الكفار بالقول وبالفعل؛ لأنَّا هكذا أُمرنا، قال الله سبحانه: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ï´¾ [التوبة: 73]، وقال الله تعالى: ï´؟ وَلَا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ï´¾ [التوبة: 120]، ومن المؤسف أن منا من يدخل عليهم السرور والفرح، وربما يشاركهم في أعيادهم الكفرية التي لا يرضاها الله بل يسخط عليها، والتي يخشى أن ينزل العذاب عليهم وهم يلعبون بهذه الأعياد.



يوجد من الناس - والعياذ بالله - من لا قدر للدين عنده، كما قال ابن القيم- رحمه الله - في كتابه «أحكام أهل الذمة»: «من ليس عنده قدر للدين يشاركهم في الأعياد ويهنئهم»، وكيف يدخل السرور على أعداء الله وأعدائك؟! أَدْخِل عليهم ما يحزنهم ويغيظهم ويدخل عليهم أشد ما يكون من الضيق، هكذا أُمرنا؛ لأنهم أعداء لنا وأعداء لله ولدينه وللملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.



المهم أن المغيرة بن شعبة وقف على رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيده السيف تعظيمًا له حتى إنه في أثناء تلك المراسلة فعل الصحابة شيئًا لا يفعلونه في العادة، كان - عليه الصلاة والسلام - إذا تنخم تلقوا نخامته بأيديهم، بالراحة، ثم يمسحون بها وجوههم وصدورهم مع أنهم ما كانوا يفعلون هذا، لكن لأجل إذا ذهب رسول الكفار بيَّن لهم حال الصحابة - رضي الله عنهم - مع نبيهم عليه الصلاة والسلام.



ولذلك لما رجع رسول قريش إلى قريش قال: والله لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر والنجاشي فلم أر أحدًا يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدًا، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجزاهم الله عنا خيرًا.



المهم أن القيام على الرجل إذا كان المقصود به حفظ الرجل، أو كان المقصود به إغاظة العدو، فإن هذا لا بأس به، ولا حرج فيه، وإلا فهو منهي عنه.



ثالثًا: إن مَن أنعم الله عليه بنعمة فإن من السنة ان يتصدق بشيء من ماله، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر كعب بن مالك على أن يتصدق بشيء من ماله توبة إلى الله عز وجل لما حصل له من الأمر العظيم الذي كان فخرًا له إلى يوم القيامة.



ثم ذكر كعب بن مالك أن من توبته أن لا يحدث بحديث كذب بعد إذ نجاه الله تعالى بالصدق، ومازال كذلك ما حدث بحديث كذب أبدًا بعد أن تاب الله عليه، فكان - رضي الله عنه - مضرب المثل في الصدق، حتى إن الله أنزل فيه وفي صاحبيه: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ï´¾ [التوبة: 119]، أنزل الله تعالى الآيات في بيان مِنَّته عليهم بالتوبة من قوله تعالى: ï´؟ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ï´¾ [التوبة: 117]؛ ففي هذه الآية أكد الله سبحانه وتعالى توبته على النبي والمهاجرين والأنصار، أكدها بقوله: ï´؟ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ ï´¾.



فأما النبي: فهو محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.



وأما المهاجرون: فهم الذين هاجروا من بلادهم، من مكة إلى المدينة، هاجروا إلى الله، فجمعوا في ذلك بين الهجرة ومفارقة الوطن ومفارقة الديار وبين نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنهم إنما هاجروا إلى الله ورسوله، فالمهاجرون جمعوا بين الهجرة والنصرة.



أما الأنصار: فهم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم، أهل المدينة - رضي الله عنهم - الذين آوَوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونصروه ومنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم.



وقدم الله المهاجرين لأنهم أفضل من الأنصار، لجمعهم بين الهجرة والنصرة.



وقوله: ï´؟ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ï´¾؛ وذلك في الخروج معه إلى غزوة تبوك إلى بلاد بعيدة، والناس في اشد ما يكونون من الحر، والناس في أطيب ما يكونون لو بقوا في ديارهم؛ لأن الوقت وقت قيظ، والوقت وقت طيب الثمار وحسن الظلال، ولكنهم - رضي الله عنهم - خرجوا في هذه الساعة الحرجة في ساعة العسرة ï´؟ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ï´¾، فإن بعضهم كاد أن يتخلف بدون عذر فيزيغ قلبه، ولكن الله عز وجل مَنَّ عليهم بالاستقامة حتى خرجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.



وقوله: ï´؟ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ï´¾ أكد ذلك مرة أخرى ï´؟ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾؛ شملهم بالرأفة والرحمة، والرأفة أرق من الرحمة؛ لأنها رحمة ألطف وأعظم من الرحمة العامة.



ثم قال: ï´؟ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ï´¾.



والثلاثة: هم كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، هؤلاء هم الثلاثة الذين خلفوا رضي الله عنهم؛ وخُلِّفوا: أي: خُلِّف البَتُّ في أمرهم، وليس المراد: عن الغزوة، بل خلفهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - لكي ينظر في أمرهم ماذا يكون حكم الله تعالى فيهم.



وقوله: ï´؟ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ï´¾؛ ضاقت عليهم الأرض مع سعتها، والرحب هو السعة؛ والمعنى: أن الأرض على سعتها ضاقت بهم، حتى قال كعب بن مالك: «لقد تنكرت لي الأرض حتى قلت: لا أدري، هل أنا في المدينة أو غيرها» من شدة الضيق عليهم، رضي الله عنهم.



ï´؟ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُم ï´¾؛ نفس الإنسان ضاقت عليه فهي لا تتحمل أن تبقى، ولكنهم صبروا - رضي الله عنهم - حتى فرَّج الله عنهم.



وقوله: ï´؟ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْه ï´¾ [التوبة: 118]، الظن هنا بمعنى اليقين؛ أي: أيقنوا أنه لا ملجأ من الله؛ أي: أنه لا أحد ينفعهم، ولا ملجأ من الله إلا إلى الله، فالله بيده كل شء عز وجل.



وقوله: ï´؟ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [التوبة: 118]؛ تاب عليهم لينالوا مراتب التوبة التي لا ينالها إلا من وُفِّق، لا ينالها إلا أحباب الله، كما قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ï´¾ [البقرة: 222].



أما أولئك الذين اعتذروا من المنافقين إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فإن الله أنزل فيهم شر ما أنزل في بشر، فقال: ï´؟ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ï´¾ فلا تلومونهم، ï´؟ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ï´¾؛ نعوذ بالله، رجس، الخمر رجس، القذر الذي يخرج من دبر الإنسان رجس، روث الحمير رجس، هؤلاء مثلهم، ï´؟ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [التوبة: 95]، بئس المأوى، والعياذ بالله، إنهم يُنقلون من الدنيا إلى جهنم، نسأل الله العافية، نار حامية، تَطَّلِع على الأفئدة، مؤصدة عليهم في عَمَد ممددة.



ï´؟ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ï´¾؛ لأنكم لا تعلمون سرائرهم، ولا يبدو لكم إلا الظواهر؛ ï´؟ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ï´¾؛ لو رضي الناس عنك كلهم واللهُ لم يرض عنك فإنه لا ينفعك إلا رضا الله عز وجل؛ لأن الله إذا رضي عنك أرضى عنك الناس، وأمال قلوبهم إليك، كما جاء في الحديث: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا، فَأَحِبَّهُ - يعين الله الرجل له - فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ»، قال: «ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ»[6]، فيكون مقبولًا لدى أهل الأرض.



كما قال الله عز وجل: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ï´¾ [مريم: 96].



لكن إذا التمس الإنسان رضا الناس بسخط الله فالأمر بالعكس، يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس.



ولهذا لما تولى معاوية - رضي الله عنه - الخلافة كتبت له عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ»[7].



وما أكثر الذين يطلبون رضا الناس بسخط الخالق عز وجل، والعياذ بالله.



هؤلاء هم في سخط الله ولو رضي عنهم الناس، فلا ينفعهم رضا الناس، قال الله تعالى هنا: ï´؟ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ï´¾ [التوبة: 96].



حتى لو رضي عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أشرف الخلق ما نفعهم؛ لأن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين.



وفي هذه الآية تحذير من الفسق، وهو ارتكاب المعاصي التي أعظمها الكفر، وكل فسق فإنه ينقص من رضا الله عن الإنسان بحسبه؛ لأن الحكم المعلق بالوصف يزداد بزيادته وينقص بنقصانه، ويقوى بقوته، ويضعف بضعفه، والفسق سبب من أسباب عدم رضا الله ï´؟ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ï´¾؛ والفسق أنواع كثيرة ومراتب عظيمة؛ فعقوق الوالدين من الفسوق، وقطيعة الرحم من الفسوق، والكذب من الفسوق، فكل معصية من الفسوق.



لكن صغائر الذنوب تكفرها حسنات الأعمال إذا أصلح الإنسان الحسنات،؛ كما قال الله تعالى: ï´؟ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ï´¾ [الإسراء: 78].



وقال عز وجل: ï´؟ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ï´¾ [هود: 114].



فإذا فعل الإنسان حسنة أذهبت السيئة إذا كانت صغيرة، أما الكبائر فلا ينفع فيها إلا التوبة.



على كل حال، الفسق من أسباب انتفاء رضا الله عن العبد، والطاعة من أسباب الرضا، فالتزم طاعة الله إن كنت تريد رضاه، وإن كنت تريد رضا الناس فأَرضِ الله؛ إذا رضي الله عنك كفاك مؤنة الناس وأرضى الناس عنك، وإن أسخطت الله برضا الناس فأبشر بسخط الناس مع سخط الله، والعياذ بالله.



وذكر- رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من المدينة في يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج في يوم الخميس، ولكن ذلك ليس بدائم، أحيانًا يخرج يوم السبت، كما خرج في آخر سفرة سافرها في حجة الوداع، وربما يخرج في أيام أخر، لكن غالب ما يخرج فيه هو يوم الخميس.



وذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد إلى المدينة ضحى، وأنه دخل المسجد فصلى فيه ركعتين، وكان هذا من سنته -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا قدم بلده لم يبدأ بشيء قبل المسجد.



وهاتان الركعتان تشمل كل الوقت، حتى أوقات النهي؛ لأنها صلاة سببية، فليس عنها نهي، في أي وقت وُجِد سببها حل فعلها.


فينبغي إذا قدم الإنسان إلى بلده أن يبدأ قبل كل شيء بالمسجد. وقد تقدم ذكر ذلك.



المصدر: « شرح رياض الصالحين »





[1] أخرجه مسلم (438).




[2] متفق عليه: أخرجه البخاري (1410)، ومسلم (1014).




[3] متفق عليه: أخرجه البخاري (6023)، ومسلم (1016).





[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (4121)، ومسلم (1768).




[5] أخرجه أبو داود (5230)، وابن ماجه (3836).




[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (3209)، ومسلم (2637).




[7] أخرجه الترمذي (2414)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (2311).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]