عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-11-2019, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,431
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية المتعلقة بحوادث السير

الأحكام الفقهية المتعلقة بحوادث السير
فضل الله ممتاز

أنـواع العقوبـة :
في ضوء الضوابط الثلاثة السالفة الذكر يمكن أن تأخذ العقوبة ألواناً كثيرة، طالما أن المقصود منها حفظ أرواح الناس وأموالهم وتحقيق المصلحة للجميع، وعليه يمكن أن نقسم العقوبة إلى قسمين:
الأول : عقوبة ماديـة.
كالسجن، والتوقيف لمدة معينة، وتختلف باختلاف طبيعة المخالفة، وبمكن أن تكون بسحب رخصة القيادة وحجزها مدة معينة، أو بحجز السيارة، كما يمكن أن تكون بالجلد، والتقريع بالكلام، وغير ذلك من أساليب التعزير الرادعة .
الثـاني : عقوبة مالية.
وهذه اختلفت في جوازها أنظار الفقهاء قديماً وحديثاً، إذ يرى فيها أكثر الفقهاء وسيلة من وسائل تسلط الظلمة على أموال الناس وأخذها بغير حق، كما يرى البعض في جوازها كزواجر عن المخالفات ضمن ضوابط معينة.
و للفقهاء في جواز العقوبة المالية رأيان:
أولا: مذهب جمهور الفقهاء:
وهو عدم الجواز-وهو ما قال به الدكتور سعيد رمضان البوطي[19]- ولننقل الآن بعض نصوصهم في ذلك:
قال الإمام الحصكفي الحنفي: ويكون التعزير بالحبس، والصفع، وبالكلام العنيف، والشتم بغير القذف، لا بأخذ مال في المذهب.
قال ابن عابدين تعليقاً على قوله (لا بأخذ مال في المذهب): قال في الفتح: وعن أبي يوسف يجوز التعزير للسلطان بأخذ المال، وعندهما وباقي الأئمة لا يجوز .اهـ. وظاهره أن ذلك رواية ضعيفة عن أبي يوسف. وأفاد في البزازية: أن معنى التعزير بأخذ المال -على القول به- إمساك شيء من ماله عنه مدة لينزجر، ثم يعيده الحاكم إليه، لا أن يأخذه الحاكم لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي[20].
وقال الشيخ أحمد الصاوي المالكي:
وأما التعزير بأخذ المال فلا يجوز إجماعاً[21].
وقال الإمام العمراني الشافعي في معرض ذكره لأنواع المزكين:
الضرب الثاني: يعتقد وجوبها ولا يؤديها، وهم فساق المسلمين... وإن أخفوا أموالهم حبسهم الإمام، فإذا ظهرت ففي القدر الذي يؤخذ منهم قولان:
أحدهما: قال في القديم (يأخذ منهم الزكاة، وشطر مالهم، عقوبة لهم) لما روى بهز بن حكم [ بن معاوية بن حَيْدة ] عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... ومن منعها فإنا آخذوها، وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد فيها شيء"[22].
والثاني : قال في الحديد : (تؤخذ منه الزكاة لا غير)[23].
وقال ابن قدامة الحنبلي: والتعزير يكون: بالضرب، والحبس، والتوبيخ، ولا يجوز قطع شيء منه، ولا جرحه، ولا أخذ ماله، لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عن أحد يقتدى به[24].
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
1- بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس في المال حق سوى الزكاة"[25].
2- أن العقوبات كانت في أول الإسلام في الأموال، ثم نسخ ذلك.
ثانيا : مذهب بعض الفقهاء من المذاهب الأربعة[26].
أن العقوبة المالية (الجزاء المالي) جائزة، وللحاكم أمر تقديرها بحسب نوع المخالفة والظروف المحيطة بها.
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة:
منها: مضاعفة الغرم على من سرق ما لا قطع فيه[27]، كالحريسة[28]، والثمر قبل أن يوضع في الجرين[29].
ومنها: مضاعفة عمر الغرم في ناقة أعرابي، أخذها مماليك جياع لعبد الرحمن بن حاطب، فذبحوها وأكلوها، إذْ أضعف الغرم عليه، ودرأ القطع بسبب جوعهم[30].
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "ضالّة الإبل المكتومة غرامتها، ومثلها معها"[31].
ومنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الذي يأتي امرأتـه وهي حائض، قال: "يتصدق بدينار، أو بنصف دينار"[32] أي بدينار إن كان في أيام الحيض الأولى وبنصفه إن كان في أيامه الأخيرة، حيث الدم في إدباره.
والراجح والله أعلم أن ما ذهب إليه البعض هو الذي ينبغي المصير إليه إذا وجدت الضوابط التي ذكرتها قبل قليل، وبعدها يبقى رجل المرور هو الأمين على التطبيق العادل، وعدم الحيف .
وذلك لأمرين:
أحدهما: كثرة ماورد من الأمثلة عل التطبيق العملي للعقوبة المالية، من الآثار المرفوعة والموقوفة غير التي ذكرتها في معرض الاحتجاج لرأي البعض[33].
ثانيهما : أن الحديث الذي احتج به الجمهور ضعيف بسببين:
أ- من جهة سنده، فإن فيه ميمون الأعور، وهو ضعيف كما قال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/160 .
ب- من جهة أن بعضهم كالإمام العراقي ذكره في معرض الاستشهاد على الاضطراب في متن الحديث، وهو أنه رواه الترمذي /660/ بلفظ (إن في المال حقاً سوى الزكاة). ولكن السيوطي فند ذلك بتأويله ولم يجعله مضطرباً[34].
ثالثاً : أن المحذور الذي اعتمد عليه الجمهور إذا ضبط زال المانع.
قال الغزالي : للوالي أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه[35].
المطلب الرابع: الإضرار بالآخرين محظور، ومضمون:
قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}[36].
انطلاقاً من هذا النص السماوي إن من تكريم الله للإنسان أن شرع من الأحكام - في تنزيله -وعلى لسان رسوله- ما يحفظ له حياته ويصونها، ويحفظ له ماله لأنه وسيلة حياته الكريمة، وجعل العدوان عليه وعلى ماله بأي شكل جريمة تستوجب العقوبة في الآخرة، والغرامة والتضمين في الدنيا، فليس في الإسلام دم أو مال يطل (أي يبطل ويضيع هدراً بغير دية أو عوض).
قال تعالى:{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}[37].
وقال: {ومن قتل مؤمناً خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}[38].
وفي الحديث من خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه قال: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا.." الحديث[39].
ومن هنا كان الحفاظ على النفس والمال اثنين من الضروريات الخمسة التي ضمنها الإسلام للإنسان، وحماها من كل اعتداء[40]. والتعويض عن الأضرار يشمل الأضرار الواقعة على النفس الإنسانية، المقدر منها كالديات، وغير المقدر كالأروش[41]، ويشمل الأضرار المالية الواقعة على الأعيان كالإتلافات[42].
فالإضرار بالآخرين في أنفسهم وأموالهم حرام مضمون، وهذا أصل ثابت في الشرع بنصوص القرآن والسنة.
المطلب الخامس: القواعد الفقهية المقررة للضمان، وتعيين الضامن:
- القواعد العامة في منع الضرر وضمانه .
- القواعد الخاصة في تعيين الضامن للضرر.
أ: القواعد العامة في منع الضرر وضمانه:
القاعدة الأولى : لا ضرر ولا ضِرار[43].
الضرر : إنزال الضرر بالغير . والضِّرار : بكسر الضاد، من ضره وضارّه، بمعنى واحد، إذا ألحق به ضرراً فيكون الثاني تأكيداً للأول، ولكن المشهور - والأولى - أن بينهما خلافاً، لأن حمل اللفظ على التأسيس أولى من حمله على التأكيد، لإفادته معنى جديد زائداً على الأول.وهذه القاعدة تشير إلى أن مقابلة الضرر بمثله لا يحل شرعاً - إلا استثناء كالقصاص - ولمن وقع عليه الضرر أن يعفو أو يأخذ عوضاً عنه، فمن صدمت سيارته من آخر عن قصد أو غير قصد ليس له أن يصدم سيارة المعتدي، وإنما عليه أن يعفو أو يأخذ العوض حتى تعود سيارته كما كانت وإن هذه القاعدة مقيدة إجماعاً بغير ما أذن به الشرع من الضرر كالقصاص والحدود وسائر العقوبات، فهي مطلوبة شرعاً - وإن كان فيها ضرر - حفاظاً على الحقوق وأمن المجتمع، ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، على أن العقوبات لم تشرع في الأصل إلا لدفع الضرر[44].
القاعدة الثانية : الضرر يزال[45].
قال الفقهاء: إذا شرع ميزابه على الطريق العام، أو تعدى عليه ببناء دَكّة[46] بحيث يضر بالمارين يمنع من ذلك، ويزال إن أحدثه إزالة للضرر، بل لو تضرر بذلك شخص فهذا المالك ضامن لتعديه[47].وفي ميدان الحقوق الخاصة: إذا صدم بسيارته فإنه يضمن عوض ما أتلف من نفس أو مال، لأنه ضرر، والضرر يزال، أي يجب إزالته عن المضرور، ولا يكون ذلك إلا بتعويضه عن الضرر، والضرر أحد أسباب ثلاثة للضمان في الفقه الإسلامي[48]. فإن كان الضرر على النفس فالدية أو الحكومة[49]، وإن كان على المال قُوّم من قبل أهل الخبرة الثقات.
القاعدة الثالثة: المرور في الطريق مباح بشرط السلامة فيما يمكن الاحتراز عنه.
هذه القاعدة ذكرها غير واحد من الفقهاء، والبعض الآخر ذكر المعنى[50]، فكأن الجميع متفقون عليها من حيث المضمون.
والطريق من المرافق العامة المشتركة بين الناس جميعاً، فلكل واحد الحق في المرور به والوقوف فيه، وله سائر الانتفاعات ولو بدابته أو سيارته، ولكن بشرط أن لا يحدث فيه ضرراً للناس وهو قادر على التحرز منه. فإن خالف فهو مضار آثم، ضامن، لم يؤد الطريق حقه.
ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم والجلوس في الطرقات"، قالوا يا رسول الله ما لنا بدٌّ من مجالسنا ؛ نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حقه؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"[51].
(لكل أحد حق المرور في الطريق العام مع حيوانه أيضاً، فلذلك لا يضمن المار راكباً على حيوانه في الطريق العام الضرر والخسارة اللذين لا يمكن التحرز عنهما)[52].
وقال الخطيب الشربيني: ويحترز راكب الدابة عما لا يعتاد فعله له كركض شديد في وَحَل، فغن خالف ضمن ما تولد منه لتعديه، وفي معنى الركض في الوحل الركض في مجتمع الناس واحتراز بالركض الشديد عن المعتاد فلا يضمن ما يحدث عنه، فلو ركضها كالعادة ركضاً ومحلاً وطارت حصاة لعين إنسان لم يضمن[53]. فتحصل من ذلك أن المرور في الطريق لراكب السيارة مباح بشرط السلامة والتحرز عما قد يحدث من ضرر، ولا يكون ذلك إلا بمراعاة : واقع الحال، وقواعد المرور.
ب- القواعد الفقهية الخاصة بتعيين الضامن (السائق أو المتسبب).
القاعدة الأولى: المباشر (أي السائق هنا) ضامن، وإن لم يكن متعدياً.
هذه القاعدة ذكرها الفقهاء بعبارات متقاربة، إلا أنهم متفقون على مضمونها[54] وهي من أهم القواعد المتبعة في مسألة ضمان الضرر.
وأصل هذه القاعدة المـادية الثانية والتسعون من مجلة الأحكـام العدليـة بلفظ (المباشر ضامن، وإن لم يتعمد) والمراد بالتعمد التعدي، لأن الأموال مضمونة في العمد والخطأ، والفرق أن الخطأ لا إثم فيه، ولكنهما في الضمان سواء، ولهذا يضمن الصغير والمجنون ما يحدثانه من إتلافات وإن كان فعلهما لا يوصف بالإثم والتقصير، لأن المقصود بالضمان تعويض المالك إذْ ليس في الإسلام دم أو مال يطل[55]، وإنما هو مضمون لصاحبه[56].
فالمباشر للإتلاف بدابة أو سيارة ضامن مطلقاً، تعمد ذلك أو كان خطأً، تعدى أو لم يتعدّ، فمن كان يحمل على دابة أو سيارة أشياء ثم مر بسوق عام - مثلاً- فوقعت منه حاجة فأتلفت روحاً أو مالاً ضمن، لأنه مباشر، والمباشر ضامن ولو انفلتت عجلة السيارة وهو يمشي في الطريق فأصابت شخصاً أو مالاً فأتلفته ضمن، لأن ذلك دليل تقصيره في عدم الشد والإحكام، ولأنه أيضاً مباشر، والمباشر ضامن مطلقاً[57]. لأن حقوق الغير مضمونة شرعاً في كل حال: العمد والخطأ. فالقاتل عمداً أو خطاً ضامن، ولكن في حال الخطأ أو عدم التعدي ينتفي عنه وصف الإثم فقط، للحديث: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه"[58].
قال ابن رجب الحنبلي: والأظهر -والله أعلم- أن الناسي والمخطئ إنما عفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما، لأن الأمر مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما وأما رفع الأحكام عنهما فليس مراداً من هذه النصوص[59].
ولهذا قال ابن غانم البغدادي: المباشر ضامن، وإن لم يتعد، والمتسبب لا يضمن إلا إذا كان متعدياً[60]. فلا يشترط لتضمين المباشر للإتلاف تعمد أو تعد، سواء كان فعله محظوراً في أصله - ولو من قبل ولي الأمر - كالسرعة الزائدة، أو تجاوز الإشارة الحمراء، أو سيره في طريق معاكس، أو مباحاً كسيره بسيارته في الشارع مع مراعاته لنظام السير، لعموم القاعدة في كل الأحـوال، إلا أن مجلة الأحكام العدليـة العثمانية - وهي مأخوذة من الفقه الحنفي وقليل من غيره - ذكرت قاعدة تقول فيها: (الجواز الشرعي ينافي الضمان)[61] وهذا ظاهر في أن السائق المباشر لا يضمن في حال مراعاة النظام، لأنه يفعل مباحاً لا يتعدى فيه، والجواز الشرعي ينافي الضمان، وهو اعتراض حسن، إلا أن الفقهاء خصصوا عدم الضمان هذا المفهومَ من القاعدة بالحقوق -والمرور حق للسائق - التي لا تتقيد بشرط السلامة، أما الحقوق التي تتقيد بشرط السلامة فيكون الماشي (أي ومثله السائق) فيها ضامناً مطلقاً كما ذكرنا قبل قليل، لأنه يتصرف في حقه من وجه وفي حق غيره من وجه، لكون الطريق مشتركاً بين كل الناس، فقيل بالإباحة مقيداً بالسلامة ليعتدل النظر من الجانبين.
قال الخطيب الشربيني: الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة[62].
(الجواز الشرعي) وهو كون الأمر مباحاً، فعلاً كان أو تركاً (ينافي الضمان) لما حصل بذلك الأمر الجائز من التلف.
ولكن بشرطين:
أ- أن لا يكون الأمر الجائز مقيداً بشرط السلامة.
ب- أن لا يكون إتلاف مال الغير لأجل نفسه[63].
فلو حصل حريق في دكان جاره فهدمه خشية أن ينتقل الحريق إلى دكانه فهو ضامن، لأن ذلك وإن كان جائزاً شرعاً، قطعاً للمفسدة واضطراراً لدفع الأذى عن نفسه، لكن إنما فعله لأجل نفسه، فيضمن. ولو انحرف بسيارته عن خط سيره اتقاء لدهس شخص فأصاب مالاً لآخر فأتلفه، فإنه يضمنه، ولا يكون ارتكاب أخف الضررين برأيه مبرراً لعدم الضمان، لأن الاضطرار لا يلغي حق الغير[64].
التفريق بين المباشر والمتسبب حال الضمان :
بعد ما تقدم من أن المباشر هو الضامن، سواء كان بفعل مباح - كما ذكرنا- أو محظور، لا بد لنا من تحديد معنى المباشرة بمفهومها الصحيح، لئلا تلتبس بالتسبب بالإتلاف .
وقد عرف الفقهاء المباشر بأنه: (من يحصل التلف بفعله من غير أن يتخلل بين فعله والتلف فعلُ مختار)[65] فإن تخلل بين فعله والتلفِ فعلُ شخصٍ مختارٍ لم تتحقق المباشرة عندئذ، فلا يضمن، مثال ذلك: من أصاب بسيارته شخصاً في قدمه فوقع جانباً، فجاءت سيارة أخرى فدهسته فمات، فإن الأول لا يضمن، والضمان على الثاني، مع أن الأول هنا متسبب بذلك، ولكن الفقهاء قالوا:
إذا اجتمع المباشر والمتسبب في الإتلاف أضيف الحكم إلى المباشر إذا كان السبب لا يعمل في الإتلاف لو انفرد عن المباشرة، كما ذكرنا في المثال.
ولا يشترط في هذا المباشر أن يكون مكلفاً ( أي بالغاً عاقلاً ) فلو كان السائق صغيراً مميزاً - كما يحدث أحياناً - فأحدث إتلافاً في نفس أو مال ضمن تعويض ما أتلف، لأن ضمان الإتلافات لا يشترط فيها أهلية الأداء، بل يكفي في تحمل تبعاتها أهلية الوجوب، وهي موجودة في الصغير[66]. فعن الزهري وقتادة أنهما قالا: (مضت السنة أن عمد الصبي والمجنون خطأ)[67]. أي لا قود عليهما، وإنما عليهما الضمان كخطأ المكلف.
ولكن ينبغي التمحيص وإمعان النظر في واقع الحال، هل كان حادث الإتلاف بمباشرة أو تسبب، لان لذلك تأثيراً في الحكم، وذلك هو عمل رجال الأمن، وعليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في معرفة الحقيقة مراعين في ذلك تقوى الله عز وجل وتحري العدل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
المتسبب لا يضمن إلا بالتعدي:
أصل هذه القاعدة في مجلة الأحكام العدلية (المادة 93) بلفظ (المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد) ومعنى ذلك أنه يشترط لضمان المتسبب شيئان:
أ- أن يكون متعمداً.
ب- أن يكون متعدياً.
وعليه لو ذعر حيوان شخص من آخر، وفر، فلا ضمان على الشخص الذي فر منه الحيوان مالم يكن متعمداً[68].
القاعدة الثالثة: إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر.
هذه القاعدة مأخوذة - بلفظها - من الأشباه لابن نجيم الحنفي[69]، وهي نص المادة /90/ من مجلة الأحكام العدلية .
المباشر: هو الذي يحصل منه الإتلاف مباشرة، وأن المتسبب: هو الفاعل للسبب المفضي إلى وقوع الإتلاف .
مثال ذلك: لو حفر شخص حفرة في الطريق، فألقى شخص حيواناً في الحفرة لآخر، ففي هذه الحال اجتمع المتسبب والمباشر في الإتلاف، فلولا الحفر لم يحصل، ولولا الإلقاء من الآخر لم يحصل، وعندئذ يقدم المباشر وهو الملقي، لأن فعله في الإتلاف أقوى. وكذا لو دل شخص لصاً على مال فذهب اللص وسرقه فإن القطع يكون على اللص، لا على الدال، لأن فعله أقوى في تمثيل الجريمة ومع ذلك يعزر المتسبب بما يناسب فعله في التسبب.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]