موقف المسيح من تقديس السبت!
اللواء المهندس أحمد عبدالوهاب علي
نتحدث عن تقديس السبت عند اليهود، فنجد في (سفر التكوين 2: 1 - 3): "فأكملت السماوات والأرض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمَله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدَّسه؛ لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا".
هذا بينما نجد القرآن الكريم يقول في سورة ق: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 38]؛ أي: لم يمسَّنا التعب على أية صورةٍ من الصور؛ وبذلك لا معنى للحديثِ عن الراحة بعد خلقِ العالم في تلك الأيَّام الستة، لكن اليهود يُقاومون المسيحَ تحت شعار حفظِ السبت، فكانوا ينتقدونه في شفاء المرضى يوم السَّبت.
ولقد علمهم المسيح أن السبت قد خُلق لأجل الإنسان، ولم يخلق الإنسانُ لأجل السبت، ولكن عقولهم توقفت عن فَهم ذلك كله.
يقول إنجيلُ (يوحنا 9: 1 - 33): "وفيما هو مجتازٌ رأى إنسانًا أعمى منذ ولادته، فسأله تلاميذُه قائلين: يا معلم، مَن أخطأ: هذا أم أبَواه، حتى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمالُ الله فيه؛ ينبغي أن أعمل أعمالَ الذي أرسلني ما دام نهار، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل، ما دمتُ في العالم فأنا نورُ العالم.
قال هذا، وتفل على الأرض، وصنع من التَّفل طينًا، وطلى بالطين عينَي الأعمى، وقال له: اذهب اغتسِل في بركة سلوام، الذي تفسيره (مرسل)، فمضى واغتسل، وأتى بصيرًا.
وكان سبت حين صنع يسوع الطين وفتح عينيه، فقال قومٌ من الفريسيين: هذا الإنسان ليس من الله؛ لأنه لا يحفظ السبت، آخرون قالوا: كيف يَقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟! وكان بينهما شقاق.
فدعَوا ثانية الإنسانَ الذي كان أعمى، وقالوا له: أعط مجدًا لله، نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ، فأجاب ذاك وقال: أخاطئ هو؟! لست أعلم؛ إنما أعلم شيئًا واحدًا، أنِّي كنتُ أعمى والآن أُبصر! فشتَموه وقالوا: أنت تلميذ ذاك، وأما نحن فإننا تلاميذ موسى؛ نحن نعلم أن موسى كلمة الله، وأما هذا فما نعلم من أين هو؟ أجاب الرجل وقال لهم: إن في هذا عجبًا أنَّكم لستم تعلمون من أين هو، وقد فتَح عيني، ونعلم أن الله لا يسمع للخطاة، ولكن إن كان أحدٌ يتَّقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يَسمع.
ويختم الأعمى الذي عاد بصيرًا قولَه: "منذ الدهر لم يُسمع أن أحدًا فتَح عينَي مولودٍ أعمى! لو لم يكن هذا من الله لم يَقدر أن يفعل شيئًا".
ويجب ملاحظةُ أن بعض صفات الله تُنسب أحيانًا للبشر؛ مثل قول المسيح هنا: "ما دمت في العالم فأنا نور العالم"! إنَّ هذا لا يَعني أنه إلهٌ أو معادل للإله؛ لأن هذا القول لا يُقارَن بما تذكره التوراة عن موسى الذي جعلَته إلهًا لكلٍّ من هارون أخيه وفرعونَ عدوه!
يقول (سفر الخروج 4: 14 - 16): إن الرب قال لموسى عن أخيه هارون: "ها هو خارج لاستقبالك، فتكلِّمه وتضع الكلمات في فمه، وأنا أكون مع فمك ومع فمه، وأعلمكما ماذا تصنعان، وهو يكلِّم الشعب عنك، وهو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلهًا".
يقول (سفر الخروج 7: 1 - 2): "فقال الرب لموسى: انظر؛ أنا جعلتُك إلهًا لفرعون، وهارون أخوك يكون نبيك".
إن هذه الأقوال من قَبيل المجاز لا الحقيقة، والهدف من هذه القصَّة - الأعمى الذي عاد بصيرًا في يوم السبت - أن المسيح أراد أن يكشف لليهود خطأَ نظرتهم للسبت، وتعطيلِ كلِّ عمل صالح فيه.
يقول إنجيل (مرقس 2: 23 - 28): "واجتاز في السبت بين الزروع، فابتدأ تلاميذُه يقطفون السنابل وهم سائرون، فقال له الفريسيون: انظر، لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل؟! فقال لهم: أما قرأتم ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه؟ كيف دخل بيت الله في أيام أبيأثار رئيس الكهنة، وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة، وأعطى الذين كانوا معه أيضًا؟! ثم قال لهم: السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت؛ إذًا ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا".
وبهذا ينتهي اليوم، وسيكون حديثي معكم عن بقيَّة الموضوعات في الجلسة القادمة إن شاء الله.
تعقيب للدكتور محمد جميل غازي:
ثم قال الدكتور محمد جميل غازي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على محمَّد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمرُنا وأمركم إلى الله؛ ذلك أنَّ الموضوع طويل، والكلام فيه كثير، ولا تغطيه الليالي المتعاقبة، ولا المحاضرات الكثيرة، ولا المناقشات الطويلة، ولكننا نجتزئ البعض عن الكل، وأريد أن أحدثكم عن قانون الإيمان المسيحي[1]؛ كيف نشأ هذا القانون؟ وكيف تجمَّع عبر مجموعة المجامع المسكونيَّة الكنسيَّة؟
يقول نصُّ قانون الإيمان، المنبثق عن مجمع نيقية عام 325م: "نؤمن بإله واحد آب، ضابط الكل، خالق السموات والأرض؛ ما يُرى وما لا يرى، نؤمن بربٍّ واحد؛ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حقٍّ من إله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر، الذي به كان كل شيء؛ هذا هو الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاص نفوسنا نزَل من السماء، وتجسَّد من الروح القدس ومريم العذراء، وتأنس وصُلب عنا على عهد بيلاطس النبطي، وتألم وقُبر، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث؛ كما في الكتب، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه، وأيضًا يأتي في مجده الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء".
ثم أضيفت إلى هذا القانون إضافةٌ أخرى، منبثقة عن مجمع القسطنطينية عام 381 م: "نعَم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي، المنبثق من الآب، نسجد له ونمجِّده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء، وكنيسة واحدة مقدَّسة، جامعة رسولية، ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا، وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي؛ آمين".
ثم أضيفت إضافة ثالثة حول تطويب العذراء، منبثقة عن مجاميع أفسس عام 431 م، تقول: "نعظمك يا أم النور الحقيقي، ونمجدك أيتها العذراء القديسة؛ لأنك وَلدتِ لنا مخلِّص العالم كله، أتى وخلص نفوسنا".
ثم أضيفَت إضافةٌ رابعة لتمجيد السيد المسيح: "المجد لك يا سيدنا وملكنا المسيح، فخر الرسل، إكليل الشهداء، تهليل الصديقين، ثبات الكنائس، غافر الخطايا".
ثم إضافة أخرى؛ للتبشير بالثَّالوث الأقدس: "نكرز ونبشر بالثالوث لاهوت واحد، نسجد له ونمجِّده، يا رب ارحم، يا رب بارك؛ آمين".
هذه هي قوانين الإيمان التي نريد أن نمر عليها؛ لنعرف كيف لُفِّقت هذه القوانين، وكيف جُمعت كلماتها من أسفارهم كما تُجمع الكلمات المتقاطعة التي تُنشر في الصحف! إن تاريخ المسيحية يقول: في سنة 325م اجتمَع المؤتمر المسكوني في نيقية بأمر الملك قسطنطين الكبير، وكانت المسألة الأولى والوحيدة التي ناقَشها المؤتمر هي طبيعة المسيح، وذلك بعد أن قرَّر القسُّ الإسكندري آريوس رأيه في المسيح وأنه مخلوق.
يقول سعيد البطريق أو ابن البطريق في كتابه التاريخيِّ "نظم الجوهر"؛ يَروي مقالةَ آريوس هذا وما كان لها من آثار في إثارة الخلاف والفُرقة بين المسيحيين، وما انتهى إليه الرأي فيه وفي مقولته.
يقول ابن البطريق: "قال بِطرِيَرك الإسكندرية لتلاميذه: إن المسيح لعن آريوس، فاحذروا أن تَقبلوا قوله؛ فإني رأيت المسيح في النوم مشقوقَ الثوب، فقلت له: يا سيدي، مَن شق ثوبك؟ فقال لي: آريوس، فاحذروا أن تقبَلوه أو أن يَدخل معكم الكنيسة.
فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان، فجمع البطارقة والأساقفة، فاجتمع في مدية نيقية - بعد سنة وشهرين - ألفان وثمانية وأربعون أسقفًّا، وكانوا مختلِفي الآراء ومختلفي الأديان:
فمنهم من يقول: المسيح ومريم إلهان من دون الله، وهم المَريمانيَّة.
ومنهم من يقول: إن المسيح من الآب بمنزلة شعلة نار تخلَّقَت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى لإيقاد الثانية منها! وهي مقالة سيبارينون وأتباعه.
ومنهم من كان يقول: لم تَحمل مريم لتسعة أشهر، وإنما مرَّ نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب؛ لأن كلمة الله دخلَت من أذنها وخرجَت من حيث يخرج الولد من ساعتها، وهي مقالة إيليان وأشياعه.
ومنهم من يقول: إن المسيح إنسانٌ خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم وإنه اصطُفي ليكون مخلِّصًا للجوهر الإنسي، صاحبَتْه النعمة الإلهية، فحلَّت فيه المحبة والمشيئة؛ فلذلك سمِّي ابن الله! ويقولون: إن الله جوهر واحد، وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بالروح القدس! وهي مقالة بولس الشمشاطي، بطريرك أنطاكية وأشياعه، وهم البولونيون.
ومنهم من كان يقول بثلاثة آلهة: صالح وطالح وعدل، وهي مقالة مرقيون وأشياعه، ومنهم من كان يقول: ربنا هو المسيح، وتلك هي مقالة بولس الرسول، ومقالة الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًّا".
ثم يقول ابن البطريق: فلما سمع قسطنطين الملك مقالاتهم عجب من ذلك، وأخلى لهم دارًا، وتقدَّم لهم بالإكرام والضيافة، وأمرَهم أن يتَناظروا فيما بينهم؛ ليَظهر من معه الحقُّ فيتبعه، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًّا على دين واحد ورأي واحد، فناظروا بقية الأساقفة فأفلَجوا عليهم حُججَهم، وأظهروا الدين المستقيم.
أما أهمُّ ما قرَّره هذا المجمع الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًّا فهو أن المسيح ابن الله، وأنه مساوٍ لله في الجوهر! ونريد الآن أن نعرف من أين جمَعوا نصوص قانون الإيمان المسيحيِّ، فنجد أنَّ عباراته كالآتي:
• "نؤمن بإله واحد"؛ جاءت من إنجيل (يوحنا 3: 17).
• "آب"؛ من (الرسالة الأولى لأهل تسالونيكي 3: 11).
• "ضابط الكل"؛ من (إنجيل متى 1: 9- 20).
• "خالق السَّموات والأرض؛ ما يُرى وما لا يرى"؛ من (متى 11: 25 وسفر الخروج 20: 11).
• "نؤمن برب واحد"؛ من (العبرانيين 1: 8 والرؤيا 19: 16).
• "يسوع المسيح"؛ من (العبرانيين 13: 8).
• "ابن الله الوحيد"؛ من إنجيل (يوحنا 3: 16).
• "المولود من الآب قبل كلِّ الدهور"؛ من (ميخا 5: 2).
• "نور على نور"؛ من (العبرانيين 1: 3).
• "إله الحق"؛ من إنجيل (يوحنا 17: 5).
• "من إله الحق"؛ من إنجيل (يوحنا 17: 5).
• "مولود غير مخلوق"؛ من إنجيل (يوحنا 26: 5).
• "مساوٍ للآب في الجوهر"؛ من إنجيل (يوحنا 10: 30).
• "الذي به كل شيء"؛ من إنجيل (يوحنا 1: 3).
• "هذا هو الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاص نفوسنا"؛ ليس له سندٌ من نصوص العهد الجديد، وإنما وُضع بمعرفة المجمع.
• "ونزل من السماء وتجسد"؛ من إنجيل (يوحنا 1: 14 ومن العبرانيين 10: 5).
• "من الروح القدس ومريم العذراء"؛ من إنجيل (لوقا 1: 35).
• "وتأنس"؛ من إنجيل (يوحنا 8: 40).
• "وصلب على عهد بيلاطس النبطي"؛ من إنجيل (يوحنا 19: 19).
• "وتألم"؛ من (الرسالة الأولى لبطرس 1: 11).
• "وقُبِر"؛ من (أشعياء 53: 9 ومن متى 27: 60).
• "وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب"؛ (من سفر الرؤيا 14: 14 ومن الرسالة الأولى لكورنثوس 15: 2).
• "وصعد إلى السموات"؛ من إنجيل (لوقا 24: 51).
• "وجلس عن يمين أبيه"؛ من إنجيل (مرقس 16: 19).
• "وأيضًا يأتي في مجده"؛ من إنجيل (متى 25: 31).
• "ليدين الأحياءَ والأموات"؛ من (العبرانيين 10: 30).
• "الذي ليس لملكِه انقضاء"؛ من إنجيل (لوقا 1: 33).
هذا هو قانون الإيمان المسيحي الأول قبل تطويره، وأود أن أنبِّه إلى أن هذا التخريج ليس من عندِنا، ولكنه كما خرج عليه المؤتمرون قرارهم، وقدموا به محمولاً بين يدي هذه المذكِّرة الإيضاحية.
وإذا جاوزتُ هذا التبرير وما فيه من تعسُّف وشطَط بعيدَين غريبين، فإنك تجد أن الصورة التي رسمها القرار للألوهية ينقصها الوجه الثالث من وجوه التَّثليث وهو الروح القدس، فالإيمان الذي يبشِّر به هذا القرار هو الإيمان بالآب والابن فقط، أما الرُّوح القدس فهو ما دخَل في تجسد الابن من مريم العذراء، وهو في هذا الموضع قد يكون ملاكَ الرب أو جبريل أو كلمة الله أو الابن.
ونستطيع أن نتخذ من هذا القرار وثيقة تاريخية محقِّقة للقول بأنَّ التثليث المسيحي لم يكن معروفًا إلى سنة 324 من ميلاد المسيح، ولم يَعترف المؤتمر المنعقِد في هذا العام بغير الآب والابن!
يتبع