عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-11-2019, 03:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,734
الدولة : Egypt
افتراضي مرض القلب وعلاجه

مرض القلب وعلاجه

الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل




الحمدُ لله نحمَده، ونستعينُه ونستهدِيه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، جعل لحياة القلوب أسبابًا كما جعل لحياة الأبدان أسبابًا، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الذي قال: ((مثل الذي يذكُر ربَّه والذي لا يذكُر ربَّه مثل الحي والميت))[1].

صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته، المسارعين إلى الخيرات، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فيا عبادَ الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واعلَمُوا أنَّ للقلب حياةً كما أنَّ للجسد حياة، والمحافظة على حياة القلب أولى من المحافظة على حياة الجسد، وطاعة الله لازمةٌ لحياة القلب، والعبد محتاجٌ إلى عبادة ربِّه وطاعته، فقيرٌ إليه في جميع أحواله وأوقاته، والقلب يمرض كما يمرض الجسد، والطعام والشراب لازمٌ لحياة الجسد، والطاعات لازمة لحياة القلب، والأطعمة المسمومة تضرُّ بالجسد، وكذلك المعاصي تضرُّ بالقلب وتفسده، وكما أنَّ العبد يَأخُذ بأسباب حياة جسده بتناوُل الأطعمة النافعة والمفيدة، وإذا تبيَّن له أكل طعام مسموم أو مضر بادَرَ بالتخلُّص منه بالوسائل حتى يتطهَّر جسمه منه، فكذلك هو مأمورٌ بالمحافظة على سَلامة قلبه من أمراض المعاصي، بل المحافظة على سلامة القلب أولى من المحافظة على سلامة الجسد؛ فحياة القلب حياة سعادة في العاجل والآجل، في الدنيا والآخرة، أمَّا حياة الجسد فهي حياة دنيا تنقطع بموته، فالمحافظة على حياة القلب أولى من الحافظة على حياة الجسد.

قال أحد الصالحين: يا عجبًا من الناس؛ يبكون على مات جسده، ولا يبكون على مَن مات قلبه، وهو أشدُّ!

إذًا فالطاعات كلها لازمةٌ لحياة القلب، وخُصوصًا ذكر الله - عزَّ وجلَّ - وتلاوة القرآن، والاستغفار، والدعاء، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الله ضرورةٌ للقلب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه -: الذكر للقلب كالماء للسمك، فكيف يكونُ حال السمك إذا خرج من الماء؟!

وللذكر فوائد كثيرة، ذكر منها ابن قيم الجوزية في كتاب ((الوابل الصيب)) ما يقرب من ثمانين فائدة منها:
أنَّه يُرضِي الرحمن - عزَّ وجلَّ.

أنَّه يورث الذاكر القربَ، فعلى قدْر ذكره لله - عزَّ وجلَّ - يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بُعده عنه.

أنه يُنوِّر الوجه والقلب.

أنه يُقوِّي القلب والبدن.

أنه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره.

أنه يزيل الهم والغم من القلب.

أنَّه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل.

أنَّ العطاء والفضل الذي رُتِّبَ عليه لم يُرتَّب على غيره من الأعمال؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن قال: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يومٍ مائة مرَّة - كانت له عدل عشر رقاب، وكُتبتْ له مائةُ حسنة، ومُحِيتْ عنه مائة سيِّئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسِي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل ممَّا جاء به إلا أحدٌ عمل أكثر منه، ومَن قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرَّة حُطَّتْ خَطاياه وإنْ كانت مثل زبد البحر))[2].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأنْ أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحبُّ إليَّ ممَّا طلعت عليه الشمس))[3].

أنَّه أيسر العبادات.

أنَّه يسهل الصعب، ويُيسِّر العسير، ويخفف المشاقَّ.

وأفضل الذكر تلاوةُ القرآن؛ وذلك لتضمُّنه لأدوية القلب وعلاجه من جميع الأمراض؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57].

وقال - تعالى -: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82].

وأمراض القلب تجمعها أمراض الشبهات والشهوات، والقرآن شِفاء للنوعين، قال خباب بن الأرت - رضِي الله عنه - لرجلٍ: تقرَّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنَّك لن تتقرَّب إليه بشيءٍ أحب إليه من كلامه.

وقال ابن مسعود - رضِي الله عنه -: مَن أحبَّ القُرآن أحبَّ الله ورسوله.

وقال عثمان بن عفان - رضِي الله عنه -: لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم.

فأنفع شيء للعبد هو ذكر الله - عزَّ وجلَّ - قال - تعالى -: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

فيا عبادَ الله:
حافِظُوا على سلامة قلوبكم أشد من محافظتكم على سلامة أبدانكم، واعلَمُوا أنَّ أنفع شيءٍ للحِفاظ عليها هو ذكر الله؛ قال - جلَّ وعلا -: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].

بارَكَ الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكِيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيمُ.

أقولُ هذا وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

واعلَمُوا أنَّ الكثير قد اشتغل بأمورٍ فوَّتت عليه الكثير من أمور دِينه ودُنياه، وأضرَّت بآجله وعاجله، وقد لا يفيق البعض إلا عند ارتحاله من هذه الدار، فيندم حين لا ينفع الندم، أو عند عجزه عن استدراك ما فاتَه.

من ذلك:
انشغاله بآلات اللهو والمجون، فيجمع بين ضَياع الوقت وارتِكاب المحرَّم وتفويت ما يعودُ عليه بالخير في عاجله وآجله؛ من ذكر الله والاستغفار وتذكُّر نِعَمِ الله وشُكرها.

ومن ذلك انشغاله باللعب؛ كالمسمَّى بالورقة، والكرة، وغير ذلك ممَّا يصدُّ عن ذِكر الله، وعن الصلاة، وكم ترتَّب على فعل هذا اللعب من سب وشتم، وشقاق ونزاع، وأضرار بدنية ومالية، مع ما فاتَه حالَ لهوه ولعبه من خيرٍ كثير.

فانتبهوا يا عباد الله لأنفسكم، وحافظوا على أوقاتكم، واستغلُّوها فيما يعودُ عليكم بالخير في دُنياكم وأخراكم، فإنَّ سعادة الدارين وراحة الأبدان وحياة القلوب في ذكر الله، والتزام طاعته، واجتناب نواهيه.


[1] البخاري: (6407) - الفتح: 11/212، ومسلم [211 - (779)] بنحوه.

[2] البخاري: (3293) - الفتح: 6/390، ومسلم [28 - (2691)].

[3] مسلم: [32 - (2695)].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]