الموضوع: حقيقة الإيمان
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-11-2019, 03:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,842
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان(2)


د. محمد بن سعد الدبل


الحمد لله الذي خلق الإنسان وعليه ما لم يكن يعلم؛ الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

ونشهد أن لا إله إلا الذي فطر الكون ابتداء، وأحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وفضله على كثير ممن خلق.

ونشهد أن إمامنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله. بشارة السماء وسيد أهل الأرض. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله الذي من عليكم بنعمة الإسلام، وميزكم به وهداكم. وجعل لكم بهذا الدين السيادة والقيادة والريادة، فاتقوا الله وآمنوا بدينه الذي شرع لكم.

عباد الله:
إنه لمن الواجب على المسلم المؤمن الحقيقي أن يتفهم سر وجوده ما هذا الكون. لم خلقه الله؟ ولم جاء به إلي هذا الكون؟ وإلى أين سينتهي؟ وماذا بعد النهاية؟ وسيظل هذا السؤال حائرا في النفس متلجلجا في الصدر ما لم يصحبه قوة إيمانية تمكن الإنسان من البقاء والثبات على دين الله وترجمه.

سيظل السؤال حائرا حتى يؤدي بصاحبه إلى الهلكة والضياع ما لم تؤمن تلك النفس الإنسانية بالله إن طوعًا وإن كرهًا.

يسأل النفس سر من أين جئت
وإلى أين ينتهي كل غابر

سائلا ما النجم في غسق الليل
أجرم أم سر إبداع قادر

هكذا والأيام تنشط سيرا
هو في سؤله ملح مثابر



عباد الله:
لكي يعرف المسلم نفسه حق معرفتها، ويدرك شيئا من الحكمة الربانية في وجوده على هذه الشاكلة وتلك الخلقة، وهذه الصورة عليه أن يعرف شيئًا من الفروق الدقيقة بين معنى الإسلام والإيمان حتى يميز بين شخصيته المسلمة، وبين شخصية غيره ممن لا دين له ولا إسلام. إن تعريف الإسلام في أبسط صورة وأيسرها هو الإسلام لله والانقياد بالطاعة والخلوص من الشرك والبراءة من أهله.

وإن تعريف الإيمان ومعناه في مفهوم ميسر: قول باللسان وعمل بالجنان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

وعلى هذا فكل مؤمن مسلم ولا عكس. ï´؟ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ï´¾ [الحجرات: 14].

عباد الله:
إن من أوجه الفروق الرقيقة بين الإسلام والإيمان ما ينوه عنه القرآن الكريم في ترسيخ العقيدة من خلال أركان الإسلام الخمسة، ليعلم المؤمنون من البشر على مدى التاريخ أن كثير من الناس دينهم الإسلام، فإن قرن هذا الدين بجوهر الأمر الذي هو الإيمان فأصحاب ذلك المبدأ السامي هم المسلمون حقا، ومن اكتفى من هؤلاء بمجرد الانتماء إلى الإسلام، أو اكتفى بممارسته قولا وشكلا ومظهرا دون أن يتمثله ويمتثله عقيدة وسلوكا، فإن هذا الفريق يدخل ضمن قول الله تعالى: ï´؟ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ï´¾ [الحجرات: 14].

وليعلم المؤمنون حقًّا أن هناك فريقًا آخر أخذ الإسلام طقوسًا آلية، فدخل في جملة من يراؤون الناس في المجتمعات المتدينة، تقية ومداراة ومسايرة أو نفاقا وسمعة عياذًا بالله من ذلك كله.

والفارق بين إسلام هؤلاء وغيرهم أن إيمانهم لم يكن منوطا بقلوبهم، لأن الإيمان جوهر قولي فعلي منوط بالقلب طمأنينة وعقيدة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ï´؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ï´¾ [الرعد: 28]

ï´؟ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ï´¾ [المجادلة: 22].

ï´؟ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ï´¾ [الحجرات: 7].

ولتعلم أخي المسلم أن مفهوم ذكر الله في قوله تعالى: ï´؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ï´¾، ليصر مجرد ترداد فحسب. ليس بمجود التكرار لهذه الجملة طوال يومك أو بعضه فحسب، وإنما مفهوم ذكر الله أشمل وأوسع. فمتى كنت ممن يتقي الله في السر والعلن، وفيما يأتي ويذر فأنت ممن يذكرون الله ومتى أديت شعار دينك على نحو مما كلفت به أمرًا ونهيًا، فأنت ممن يذكرون الله، ومتى حفظت حدود الله واتقيته فأنت ممن يذكرون الله، ومتى أنصفت نفسك منها وأنصفت غيرك منك في جميع الحقوق والواجبات فأنت ممن يذكرون الله.

ومتى تصورت عظمة الله في صحتك وسقمك في قيامك وقعودك، واستشعرت عظمة الله وقدرته في ملكوت الكون فأنت ممن يذكرون الله. ويقود الحق تبارك وتعالى: ï´؟ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ï´¾ [آل عمران: 190 - 193] إلى قوله جل ثناؤه: ï´؟ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ï´¾ [آل عمران: 195].

عباد الله:
إن المؤمن لحري بثوب الله، فليكن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله علامة إسلامكم. ولتكن تلك العلامة شعار شخصيتكم الإسلامية.

فإنكم وأدته لمسؤولين عن هذا العالم المتأرجح بين الشك واليقين، لأنكم أهل رسالة أنيطت بكم، ولا بد من تطبيقها ونشرها والذب عنها ï´؟ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ï´¾ [يوسف: 108].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه. نشهد أن لا إله إلا هو ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أنكم معشر المسلمين في كل أرض مسؤولون عن هذه العقيدة عقيدة الإسلام، مسؤولون عن دين الله الإسلام، مسؤولون أمام الله عن نشر هذا الدين وتعليمه والمحافظة عليه والذب عنه، لأنه جهاد مستمر تعبدكم الله به وأموكم بالجهاد دونه وله فقال جل من قائل عظيما: ï´؟ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ï´¾ [الفرقان: 52]، ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ï´¾ [التوبة: 73].

واعلموا أن الجهاد ليس بمجرد حمل السلاح في وجوه الأعداء، وإنما الجهاد مفتوح واسع يلج منه المسلم ليحاذر على دينه وقيمه وليجاهد في الله بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، والصبر على إيذاء الناس، وهجر من لا يقيم حدود الله ولا يؤدي فرائضه ولو كان جارا، أو صديقا أو ذا قرابة، فعلى المسلم المؤمن أن لا تأخذه في الله لومة لائم. لا يحابي ولا يخاشي ولا يجامل. تلزمه النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.

تلزمة النظرة ذات الاعتبار، النظرة في تطبيق هذا الدين على نفسه، وعلى من تحت يده من الأهل والولد.

ومن الجهاد في سبيل الله إعلاء لكلمة الله وقول الحق أن يجاهد المسلم بقلمه من خلال قدراته، فإن كان عالما فبالتعليم المستمر يجاهد. وإن كان أديبا فبالكلمة الإسلامية المعبرة يجاهد. وإن كان تاجرا فباتباع الأسلوب الحسن النقي في التعامل يجاهد، وإن كان طبيبا فبالإخلاص يجاهد، وكل ميسر لما خلق له فاتقوا الله ما استطعتم. واتقوا الله حيثما كنتم، واعلموا أن من أعظم الجهاد وأجله العيش تحت راية القرآن، والانضمام إليه، فلنتأمل نحن سكان هذا البلد الطيب الذي شعت منه رسالة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ودوى عن فجاجه صوت القرآن حالا إلى الوجود كله معنى لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ومعنى أن محمدا عبد الله ورسوله، لنتأمل هل أعطينا كتاب الله حقه؟ إن واقعنا يقول لنا:
لم هذا الإعراض عن كتاب الله؟ لسوف تسمع التلاوة تدوي في كل مسجد مرافقة موسم العبادة في شهر رمضان المبارك، الذي قرب أوانه، ولكننا اليوم لا نكاد نسمع آيات الله تتلى إلا في مسجده دون آخر وفي وقت دون وقت أو عبر الإذاعة، أو في مناسبة احتفال بمشروع خيري، ثم إنها تلاوة عادة لا عبادة.

ألا فلينظر كل منا، أين جعل القرآن منه ومن حياته، هل تجد كتاب الله دائما بأيماننا، هل تجده في حقيبة أحدنا في السفر، وفي مكتبته المنزلية في الحضر، وهل خالجت آياته الكريمة قلوبنا فآمنا به، وتلوناه حق تلاوته وتدبرنا ما فيه من المواعظ والحكم، والزواجر والأوامر والنواهي، أم على قلوبنا أقفالها؟

عباد الله:
لقد انعكس المفهوم، وتبدلت الحال، فالكثير منا يفضل الاستماع إلى شريط من الأغاني، ويجعله نديمه في خلوته، ورفيقه في سيارته، ويهتز طربا لما يسمع، ويرفع صوت الآلة ليسمع غيره وحين يسمع آيات الله تتلى عبر أثير تلك الآلة يسارع إلى إخفات صوتها أو إغلاقها. فضلا عن أنه لا يحسن التلاوة، بل القراءة. فالله الله أن يؤتى القرآن من قبلكم يا أهل القرآن. حذار من تضييعه، فإنه لنعمة كبرى ولسوف تسألن يومئذ عن النعيم.

اللهم اجعلنا من حملة القرآن، واجعلنا ممن يحلل حلاله ويحرم حرامه، اللهم اهدنا به واهدنا إليه، اللهم بصرنا بما جهلنا منه واجعله حجة لنا لا علينا، وشاهدا لنا لا علينا. اللهم أعل كلمتك وانصر شريعتك، وأذل خصومها من المشركين والمنافقين والملاحدة، واحفظ قادة المسلمين وولاة أمورهم في كل مكان، وكن ظهير لهم في كل أمر، وارزقهم بوسع كرمك ما يعينهم على إتباع الحق ويجنبهم الباطلة يا ذا الفضل والإحسان، اللهم انصر المجاهدين عن دينك وأذل خصومهم، ودمرهم يا ذا القوة المتين.

سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك. وأقم الصلاة، ï´؟ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ï´¾ [النساء: 103].

من كتاب: من المنبر خطب وتوجيهات

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]