عرض مشاركة واحدة
  #266  
قديم 16-12-2019, 04:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (266)
تفسير السعدى
سورة النحل
من الأية(1) الى الأية(13)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النحل


" أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون " (1)
يقول تعالى - مقربا لما وعد به محققا لوقوعه - " أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ " .
فإنه آت, وما هو آت, فإنه قريب.
" سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " من نسبة الشريك, والولد, والصاحبة, والكفء, وغير ذلك, مما نسبه إليه المشركون, مما لا يليق بجلاله, أو ينافي كماله.
ولما نزه نفسه عما وصفه به أعداؤه, ذكر الوحي الذي ينزله على أنبيائه, مما يحب اتباعه, في ذكر ما ينسب لله, من صفات الكمال فقال:

" ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون " (2)
" يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ " أي: بالوحي الذي به حياة الأرواح " عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " ممن يعلمه صالحا.
لتحمل رسالته.
وزبدة دعوة الرسل كلهم ومدارها, على قوله: " أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا " .
أي: على معرفة الله تعالى وتوحده, في صفات العظمة, التي هي صفات الألوهية, وعبادته وحده لا شريك له, فهي التي أنزل بها كتبه, وأرسل بها رسله, وجعل الشرائع كلها تدعو إليها, وتحث وتجاهد من حاربها, وقام بضدها.
ثم ذ كر الأدلة والبراهين على ذلك فقال:

" خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون " (3)
" خَلْقِ السَّمَاوَاتِ " إلى " لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " .
هذه السورة, تسمى سورة النعم, فإن الله ذكر في أولها, أصول النعم وقواعدها, وفي آخرها, متمماتها ومكملاتها.
فأخبر أنه خلق السماوات والأرض بالحق, ليستدل بهما العباد على عظمة خالقهما, وما له من نعوت الكمال, ويعلموا أنه خلقهما سكنا لعباده الذين يعبدونه, بما يأمرهم به, في الشرائع التي أنزلها على ألسنة رسله, ولهذا نزه نفسه عن شرك المشركين به فقال: " تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي: تنزه وتعاظم عن شركهم, فإنه الإله حقا, الذي لا تنبغي العبادة, والحب, والذل, إلا له تعالى.
ولما ذكر خلق السماوات والأرض, ذكر خلق ما فيهما.

" خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين " (4)
وبدأ بأشرف ذلك وهو الإنسان فقال: " خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ " لم يزل يدبرها, ويربيها, وينميها, حتى صارت بشرا تاما, كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة.
قد غمره بنعمه الغزيرة, حتى إذا استتم, فخر بنفسه وأعجب بها " فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ " .
يحتمل أن المراد: فإذا هو خصيم لربه, يكفر به, ويجادل رسله, ويكذب بآياته.
ونسي خلقه الأول, وما أنعم الله عليه به, من النعم, فاستعان بها على معاصيه.
ويحتمل أن المعنى: أن الله أنشأ الآدمي من نطفة.
ثم لم يزل ينقله من طور إلى طور, حتى صار عاقلا متكلما, ذا ذهن ورأي, يخاصم ويجادل.
فليشكر العبد ربه الذي أوصله إلى هذه الحال, التي ليس في إمكانه القدرة على شيء منها.

" والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " (5)
" وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ " أي لأجلكم, ولأجل منافعكم ومصالحكم.
ومن جملة منافعها العظيمة " لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ " مما تتخذون من أصوافها وأوبارها, وأشعارها, وجلودها, من الثياب, والفرش, والبيوت.

" ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون " (6)
" وَ " لكم فيها " مَنَافِعُ " غير ذلك " وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " .
" وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ " أي: في وقت رواحها وسكونها, ووقت حركتها وسرحها.
وذلك أن جمالها, لا يعود إليها منه شيء, فإنكم, أنتم الذين تتجملون بها, بثيابكم, وأولادكم, وأموالكم, وتعجبون بذلك.
" وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ " من الأحمال الثقيلة, بل وتحملكم أنتم " إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ " ولكن الله, ذللها لكم.
فمنها ما تركبونه, ومنها ما تحملون عليه ما تشاءون, من الأثقال, إلى البلدان البعيدة, والأقطار الشائعة.
" إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ " إنه سخر لكم ما تضطرون إليه وتحتاجونه.
فله الحمد, كما ينبغي لجلال وجهه, وعظيم سلطانه, وسعة جوده وبره.
" وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ "
" وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ " سخرناها لكم " لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً " .
أي: تارة تستعملونها للضرورة في الركوب, وتارة لأجل الجمال والزينة.
ولم يذكر الأمر, لأن البغال والحمير, محرم أكلها.
والخيل لا تستعمل - في الغالب - للأكل, بل ينهى عن ذبحها لأجل الأكل, خوفا من انقطاعها, وإلا فقد ثبت في الصحيحين, أن النبي صلى الله عليه وسلم, أذن في لحوم الخيل.
" وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء, التي يركبها الخلق في البر, والبحر, والجو, ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم فإنه لم يذكرها بأعيانها, لأن الله تعالى لم يذكر في كتابه, إلا ما يعرفه العباد, أو يعرفون نظيره.
وأما ما ليس له نظير في زمانهم, فإنه لو ذكر لم يعرفوه, ولم يفهموا المراد به.
فيذكر أصلا جامعا, يدخل فيه ما يعلمون, وما لا يعلمون.
كما ذكر نعيم الجنة, وسمى منه ما نعلم ونشاهد نظيره, كالنخل والأعناب والرمان.
وأجمل ما لا نعرف له نظيرا في قوله " فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ " .
فكذلك هنا, ذكر ما نعرفه, من المراكب, كالخيل, والبغال, والحمير, والإبل, والسفن.
وأجمل الباقي في قوله " وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ " .
ولما ذكر تعالى, الطريق الحسنى, وأن الله قد جعل للعباد, ما يقطعونه به من الإبل وغيرها, ذكر الطريق المعنوي الموصل إليه فقال:

" وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين " (9)
" وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ " أي: الصراط المستقيم, الذي هو أقرب الطرق وأخصرها, موصل إلى الله, وإلى كرامته.
وأما الطريق الجائر في عقائده وأعماله, وهو: كل ما خالف الصراط المستقيم, فهو قاطع عن الله, موصل إلى دار الشقاء.
فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن ربهم, وضل الغاوون عنه, وسلكوا الطرق الجائرة.
" وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " ولكنه هدى بعضا, كرما وفضلا, ولم يهد آخرين, حكمة منه وعدلا.

" هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون " (10)
ينبه الله تعالى بهذه الآية الإنسان على عظمة قدرته وحثهم على التفكر حيث ختمها بقوله " لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " على كل قدرة الله, الذي أنزل هذا الماء من السحاب الرقيق اللطيف, ورحمته, حيث جعل فيه ماء غزيرا منه يشربون, وتشرب مواشيهم, ويسقون منه حروثهم, فتخرج لهم الثمرات الكثيرة, والنعم العزيزة
" وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " (12)
أي: سخر لكم هذه الأشياء لمنافعكم, وأنواع مصالحكم, بحيث لا تستغنون عنها أبدا.
فبالليل تسكنون وتنامون, وتستريحون.
وبالنهار تنتشرون في معايشكم, ومنافع دينكم ودنياكم.
وبالشمس والقمر, من الضياء, والنور, والإشراق, وإصلاح الأشجار والثمار, والنبات, وتجفيف الرطوبات, وإزالة البرودة الضارة للأرض, وللأبدان, وغير ذلك من الضروريات والحاجيات, التابعة لوجود الشمس والقمر.
وفيهما, وفي النجوم, من الزينة للسماء والهداية, في ظلمات البر والبحر, ومعرفة الأوقات, وحساب الأزمنة, ما تتنوع دلالاتها, وتتصرف آياتها.
ولهذا جمعها في قوله " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " أي: لمن لهم عقول يستعملونها في التدبر والتفكر, فيما هي مهيأة له, مستعدة, تعقل ما تراه, وتسمعه.
لا كنظر الغافلين الذين حظهم من النظرة, حظ البهائم, التي لا عقل لها.

" وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون " (13)
أي: فيما ذرأ الله ونشر للعباد, من كل ما على وجه الأرض, من حيوان, وأشجار, ونبات, وغير ذلك, مما تختلف ألوانه, وتختلف منافعه آية على كمال قدرة الله, وعميم إحسانه, وسعة بره, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له, وحده لا شريك له.
" لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ " أي: يستحضرون في ذاكرتهم, ما ينفعهم من العلم النافع, ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه, حتى يتذكروا بذلك, ما هو دليل عليه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]