عرض مشاركة واحدة
  #272  
قديم 19-12-2019, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,725
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (271)
تفسير السعدى
سورة النحل
من الأية(64) الى الأية(74)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النحل


" وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون " (64)
يقول تعالى: وما أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن, إلا لتبين للناس الحق, فيما كان موضع اختلافهم, من التوحيد, والقدر, وأحكام الأفعال وأحوال المعاد, وليكون هداية تامة, ورحمة عامة, لقوم يؤمنون بالله, وبالكتاب الذي أنزله.
" والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون "(65)
يذكر الله تعالى في هذه الآية نعمة من أعظم النعم ليعقلوا عن الله مواعظه وتذكيره, فيستدلوا بذلك على أنه وحده المعبود, الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده, لأنه المنعم بإنزال المطر, وإنبات جميع أصناف النبات, وعلى أنه على كل شيء قدير, وأن الذي أحيا الأرض بعد موتها, قادر على إحياء الأموات, وأن الذي نشر هذا الإحسان, لذو رحمة واسعة, وجود عظيم.
" وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " (66)
أي: " وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ " التي سخرها الله لمنافعكم " لَعِبْرَةً " تستدلون بها على كمال قدرة الله, وسعة إحسانه, حيث أسقاكم من بطونها المشتملة على الفرث والدم.
فأخرج من بين ذلك, لبنا خالصا من الكدر سائغا للشاربين, للذته, ولأنه يسقي ويغذي.
فهل هذه, إلا قدرة إلهية, لا أمور طبيعية.
فأي شيء في الطبيعة, يقلب العلف الذي تأكله البهيمة, والشراب الذي تشربه من الماء العذب والملح, لبنا خالصا سائغا للشاربين؟

" ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون " (67)
وجعل تعالى لعباده من ثمرات النخيل والأعناب, منافع للعباد, ومصالح, من أنواع الرزق الحسن, الذي يأكله العباد, طريا ونضيجا, وحاضرا, ومدخرا, وطعاما وشرابا يتخذ من عصيرها ونبيذها, ومن السكر الذي كان حلالا قبل ذلك.
ثم إن الله نسخ حل المسكرات, وأعاض عنها بالطيبات من الأنبذة.
وأنواع الأشربة اللذيذة المباحة ولهذا قال من قال " إن المراد بالسكر هنا: الطعام والشراب اللذيذ " وهو أولى من القول الأول.
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " عن الله كمال اقتداره, حيث أخرجها من أشجار شبيهة بالحطب, فصارت ثمرة لذيذة وفاكهة طيبة, وعلى شمول رحمته, حيث عم بها عباده, ويسرها لهم, وأنه الإله المعبود وحده, حيث إنه المنفرد بذلك.

" وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون " (68)
في خلق هذه النحلة الصغيرة, التي هداها الله هذه الهداية العجيبة, ويسر لها المراعي.
ثم الرجوع إلى بيوتها, التي أصلحتها, بتعليم الله لها وهدايته لها ثم يخرج من بطونها هذا العسل اللذيذ مختلف الألوان, بحسب اختلاف أرضها ومراعيها, فيه شفاء للناس من أمراض عديدة.
فهذا دليل على كمال عناية الله تعالى, وتمام لطفه بعباده, وأنه الذي لا ينبغي أن يحب غيره ويدعي سواه.

" والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير " (70)
يخبر تعالى, أنه الذي خلق العباد, ونقلهم في الخلقية, طورا بعد طور, ثم بعد أن يستكملوا آجالهم, يتوفاهم.
ومنهم من يعمره حتى " يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ " أي: أخسه الذي يبلغ به الإنسان إلى ضعف القوى الظاهرة والباطنة, حتى العقل, الذي هو جوهر الإنسان, يزيد ضعفه حتى إنه ينسى ما كان يعلمه, ويصير عقله كعقل الطفل ولهذا قال: " لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ " أي: قد أحاط علمه وقدرته بجميع الأشياء, ومن ذلك, ما ينقل به الآدمي من أطوار الخلقة, خلقا بعد خلق, كما قال تعالى: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ " .

" والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون " (71)
هذا من أدلة توحيده, وقبح الشرك به.
يقول تعالى: كما أنكم مشتركون بأنكم مخلوقون مرزوقون, إلا أنه تعالى " فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ " فجعل منكم أحرارا, لهم مال وثروة, ومنكم أرقاء لهم, لا يملكون شيئا من الدنيا.
فكما أن سادتهم الذين فضلهم الله عليهم بالرزق ليسوا " بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ " ويرون هذا من الأمور الممتنعة.
فكذلك من أشركتم بها مع الله, فإنها عبيد, ليس لها من الملك, مثقال ذرة.
فكيف تجعلونها شركاء لله تعالى؟!.
هل هذا, إلا من أعظم الظلم, والجحود لنعم الله؟!! ولهذا قال: " أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " فلو أقروا بالنعمة ونسبوها إلى من أولاها, لما أشركوا به أحدا.

" والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون " (72)
يخبر تعالى, عن منته العظيمة على عباده, حيث جعل لهم أزواجا, ليسكنوا إليها, وجعل لهم من أزواجهم, أولادا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم, ويقضون حوائجهم, وينتفعون بهم من وجوه كثيرة, ورزقهم من الطيبات, من المآكل, والمشارب, والنعم الظاهرة, التي لا يقدر العباد أن يحصوها.
" أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ " أي: أيؤمنون بالباطل, الذي لم يكن شيئا مذكورا, ثم أوجده الله, وليس له من وجوده سوى العدم, فلا تخلق, ولا ترزق, ولا تدبر من الأمور شيئا.
وهذا عام لكل ما عبد من دون الله, فإنها باطلة.
فكيف يتخذها المشركون من دون الله؟!!.
" وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ " يجحدونها, ويستعينون بها على معاصي الله والكفر به.
هل هذا إلا من أظلم الظلم, وأفجر الفجور, وأسفه السفه.

" ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون " (73)
يخبر تعالى, عن جهل المشركين وظلمهم, أنهم يعبدون من دونه آلهة, اتخذوها شركاء لله.
والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض.
فلا ينزلون مطرا, ولا رزقا, ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا, ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض, ولا يستطيعون لو أرادوا.
فإن غير المالك للشيء, ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به.
وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون.
فهذه صفة آلهتهم كيف جعلوها مع الله, وشبهوها بمالك الأرض والسماوات, الذي له الملك كله, والحمد كله, والقوة كلها؟!!.

" فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " (74)
ولهذا قال: " فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ " المتضمنة للتسوية بينه وبين خلقه.
" إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " فعلينا أن لا نقول عليه بلا علم, وأن نسمع ما ضربه العليم من الأمثال, فلهذا ضرب تعالى مثلين له ولمن يعبد من دونه.
أحدهما عبد مملوك, أي: رقيق لا يملك نفسه, ولا يملك من المال والدنيا شيئا.
والثاني حر غني قد رزقه الله منه رزقا حسنا, من جميع أصناف المال وهو كريم محب للإحسان, فهو ينفق منه سرا وجهرا, هل يستوي هذا وذاك؟! لا يستويان, مع أنهما مخلوقان, وغير محال استواؤهما.
فإذا كانا لا يستويان, فكيف يستوي المخلوق والعبد, الذي ليس له ملك ولا قدرة, ولا استطاعة بل هو فقير من جميع الوجوه, بالرب المالك لجميع الممالك, القادر على كل شيء؟!!.
ولهذا حمد نفسه, واختص بالحمد بأنواعه, فقال: " الْحَمْدُ لِلَّهِ " .
فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فلم سوى المشركون آلهتهم بالله؟ قال: " بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فلو علموا حقيقة العلم, لم يتجرأوا على الشرك العظيم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]