
22-12-2019, 03:08 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,014
الدولة :
|
|
مواضع التكبير في الحج والعمرة
مواضع التكبير في الحج والعمرة
أ. د. عبدالله بن فهد الحيد
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فإن تعظيم الله عز وجل وإجلاله ينبغي أن يكون عقيدة راسخة ومهمة لدى كل مسلم ومسلمة، فإن الله هو العلي العظيم الكبير المتعال القوي العزيز الجبار الملك الواحد القهار سبحانه وتعالى.
ولهذا شرع الإسلام عبادة التكبير لله وتعظيمه، بقول: الله أكبر – وهو أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال – وجعل منزلتها عالية؛ حيث أمر الله بها في الكتاب العزيز، وشرعها في المواضع الكبار، كما في الأذان والصلاة، وفي إكمال عدة شهر الصيام، وتكبير الله على الهداية لدين الله وشرعه، وفي الحج، وفي العيدين، وفي ذبح الهدي والأضاحي.
ومما يدل على علو منزلة التكبير: أنه قرين التهليل في مواضع عديدة، وأنه من أحب الكلام إلى الله، وأنه شُرع الجهر به وتكراره في أماكن وأحوال وأزمان كثيرة.
وقد تميزت فريضة الحج إلى بيت الله الحرام والعمرة بمواضع كثيرة شُرع فيها التكبير؛ ولهذا اخترت هذا الموضوع لبحثي؛ لتتبع المواضع التي ذكر الفقهاء مشروعية التكبير فيها، بناء على ما ورد فيها من نصوص شرعية، وجعلت عنوانه: "مواضع التكبير في الحج والعمرة".
ومن خلال ما سبق يتبين أهمية هذا البحث، الذي أسأل الله الحي القيوم أن ينفع به كاتبه وقارئه، والحجاج والمعتمرين، وجميع المسلمين.
وقد سرت في هذا البحث على الخطة التالية:
المقدمة.
التمهيد، ويشمل ما يلي:
أولاً: التعريف بمصطلحات العنوان.
ثانياً: منزلة التكبير.
المبحث الأول: التكبير عند الاستواء على الدابة ونحوها.
المبحث الثاني: التكبير إذا علا الحاج أو المعتمر مرتفعاً.
المبحث الثالث: التكبير قبل الإهلال بالحج أو العمرة.
المبحث الرابع: التكبير عند رؤية الكعبة.
المبحث الخامس: التكبير في الطواف عند استلام الحجر الأسود أو محاذاته.
المبحث السادس: التكبير عند الصفا والمروة.
المبحث السابع: التكبير في نواحي الكعبة.
المبحث الثامن: التكبير يوم عرفة.
المبحث التاسع: التكبير عند المشعر الحرام.
المبحث العاشر: التكبير يوم النحر.
المبحث الحادي عشر: التكبير في عشر ذي الحجة وفي أيام التشريق.
المبحث الثاني عشر: التكبير في صلاة العيد والخُطبة.
المبحث الثالث عشر: التكبير عند رمي الجمرات.
المبحث الرابع عشر: التكبير عند ذبح الهدي.
المبحث الخامس عشر: التكبير عند الرجوع من الحج والعمرة.
المبحث السادس عشر: في المتفرقات.
خاتمة البحث.
*******
التمهيد:
ويشمل ما يلي:
أولاً: التعريف بمصطلحات العنوان.
1 – مواضع.
المواضع في اللغة: جمع مَوضِع، والمَوضِعُ: اسم المكان(1).
وقريب منه: المَوطِن وجمعه: مواطن، وهي كل مَقام قامَ به الإنسان لأمر، يُقال: إذا أتيت فوقفت في تلك المَواطِنِ فادع الله لي ولإخواني(2).
وقريب منه أيضاً: المَحَلُّ، وهو الموضع الذي يُحَلُّ فيه – أي: يُنزَل فيه – وجمعه مَحَال، والمَحِلُّ بكسر الحاء يقع على الموضع والزمان، وبلوغ الهدي مَحِلَّه: أي الموضع أو الوقت اللذين يَحِلُّ فيهما نحره(3).
فالمراد بمواضع التكبير في الحج والعمرة: الأماكن والأوقات والأفعال التي يُشرع فيها التكبير في الحج والعمرة.
2 – التكبير.
التكبير في اللغة: التعظيم، وتكبير الله: تعظيمه وتنزيهه من السوء، وهو مصدر كبَّر يُكبِّر تكبيراً يعني: قال: الله أكبر، ومعناه: الله أكبر من كل شيء أي: أعظم(4).
وفي التنزيل قوله تعالى: { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء:111]، أي عَظِّمهُ عظمة تامة، وأجلَّهُ عما يقول الظالمون المعتدون علوّاً كبيراً(5).
قال القرطبي: ويقال أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر، أي صِفهُ بأنه أكبر من كل شيء. ا.هـ(6).
والتكبير في الاصطلاح الشرعي إذا أُطلق فيراد به قول: الله أكبر(7).
3 – الحج.
الحج في أصل اللغة: القصد، يُقال: حَجَّهُ يَحُجُّهُ حَجّاً: قَصَدَهُ، ورَجُلٌ حَاجٌّ، وقومٌ حُجَّاجٌ وحَجِيجٌ، وهم جماعة الحاجِّ، ثم جرى العرف على استعمال الحج في القصد إلى مكة للنسك، والحَجِّ إلى البيت خاصة(8).
والحج في الاصطلاح الشرعي: قصد البيت الحرام، للتقرب إلى الله تعالى بأفعال مخصوصة في زمن مخصوص ومكان مخصوص(9).
4 – العمرة.
العمرة في أصل اللغة: الزيارة، وجمعها: العُمَر(10).
وفي الاصطلاح: زيارة بيت الله الحرام على وجه مخصوص(11).
ثانياً: منزلة التكبير.
التكبير – وهو قول: الله أكبر – له منزلة عظيمة، وفضيلة كبيرة، وأهمية بالغة في الإسلام، وهو من العبادات الجليلة، والأذكار الرفيعة؛ حيث شُرع في المواضع الكبار، وخُص بتكرر مشروعيته، واستحباب إعلانه والجهر به في مواطن كثيرة.
ويدل على عِظم منزلة التكبير ما يلي:
1 – أن الله سبحانه وتعالى أمر بالتكبير في كتابه العزيز، كما في الآيات التالية:
أ – قوله تعالى: { وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185].
ب – قوله عز وجل: { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء:111].
ج – قوله تعالى: { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ } [الحج:37].
د – قوله سبحانه وتعالى: { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } [المدثر:3].
2 – أن التكبير من الكلمات الأربع التي هي أفضل الكلام بعد القرآن، وهن أحب الكلام إلى الله عز وجل، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح: "أحب الكلام إلا الله تعالى أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرُّك بأيهنَّ بدأت"(12).
3 – أن التكبير قرين التهليل، كما أن التسبيح قرين التحميد، فقول: الله أكبر مقرون بقول لا إله إلا الله في مواضع كثيرة، منها: كلمات الأذان، فإن المؤذن يُكبر ويُهلل، ومنها: الذكر على الصفا والمروة، وعلى الأشراف(13) في السفر للغزو أو الحج والعمرة، ومنها: الذكر في أيام عشر ذي الحجة وفي العيدين(14).
4 – أن التكبير من أرفع أنواع الذكر وأعلاه؛ حيث شُرع في المواضع الكبار لكثرة الجمع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال، أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة من جهة المكان أو الزمان أو الحال؛ ليبين أن الله تعالى أكبر، وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار، فيكون الدين كله لله، ويكون العباد كلهم لله مُكَبِّرين، ولهذا شُرع تكبير الله وتعظيمه على الهداية لدين الله وشرعه وما يُحبه ويرضاه، كما في الآية السابقة: {لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } [الحج:37](15)، وشُرع التكبير في الأذان في أوله وفي آخره، وجُعل مفتاحاً للصلاة، وشُرع تكراره فيها، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله(16).
5 – أن الله تعالى شرع الطواف والسعي ورمي الجمار في الحج لأجل إقامة ذكر الله، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جُعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله"(17)، والتكبير من ذكر الله عز وجل.
مواضع التكبير في الحج والعمرة:
ذكر الفقهاء أن من أحكام الحج والعمرة ومسائلهما: مشروعية عبادة التكبير للحاج والمعتمر في مواضع عدة، من بداية الارتحال إلى مكة حتى الوصول إلى البيت الحرام، وفي الطواف والسعي، وفي أثناء أداء المناسك، وعند الانتهاء منها، وعند الرجوع إلى بلد الحاج والمعتمر، وأذكر هذه المواضع في المباحث التالية:
المبحث الأول: التكبير عند الاستواء على الدابة ونحوها.
يُشرع للحاج والمعتمر إذا استوى على دابته أو مركوبه للسفر إلى مكة أن يُكبر ثلاثاً بأن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر؛ لما ثبت في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كَبَّر ثلاثاً، ثم قال: سُبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مُقرنين... وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون" أخرجه مسلم(18).
قال النووي: وفي هذا الحديث استحباب هذا الذكر عند ابتداء الأسفار. ا.هـ(19).
والحديث يدل على أن السنة: الجهر بالتكبير في هذا الموضع؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا جهره عليه الصلاة والسلام به لم يسمعه ابن عمر.
وعن علي رضي الله عنه أنه: "أُتِيَ بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الرِّكاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات... قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت..."(20).
وفي هذا دليلٌ على عِظم هذه العبادة، وهي عبادة التكبير؛ حيث شُرع لمن يُسافر للحج أو للعمرة أو لغيرهما تكبير الله ثلاث مرات في بداية سفره، وذلك عند ركوبه واستوائه على الدابة.
ويُقاس على الدابة كل مركوب، فيدخل في ذلك جميع وسائل النقل الحديثة من السيارات والطائرات والقطارات والسفن.
المبحث الثاني: التكبير إذا علا الحاج أو المعتمر مرتَفَعاً.
يُستحب للحاج والمعتمر: التكبير ثلاث مرات إذا علا مكاناً مُرتفعاً من الأرض كالجبال أو كُثبان الرمل العالية أو عند صعود الأبنية الشاهقة، وكذلك إذا أشرف على المُدن والقِفار وهو في الطائرة.
ويشمل ذلك الحاج والمعتمر، وهو في طريقه من بلده إلى مكة، وفي سيره في مكة سواءً كان راكباً أو ماشياً، وسير الحاج في المشاعر كمِنى وعرفة ومزدلفة.
ويدل على استحباب التكبير في حال الارتفاع والصعود ما يلي:
1 – ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كُنا إذا صَعِدنا كبَّرنا، وإذا نزَلنا سبَّحنا"(21).
والحكمة من التكبير عند الارتفاع: استشعرا كبرياء الله عز وجل، فعندما تقع العين على عظيم خلق الله، يُكبِّر المسلم ليتذكر أن الله أكبر من كل شيء(22).
2 – حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَفل من غزوٍ أو حجٍ أو عمرةٍ يُكبِّرُ على كل شَرَفٍ من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" متفق عليه(23).
والحديث دليلٌ على مشروعية هذا الذكر في السفر لعبادة الحج والعمرة والغزو، كمشروعية الذكر الوارد بعد عبادة الصلاة، ويقاس عليه عند جمهور العلماء كل سفر إذا كان سفر طاعة كالسفر لطلب العلم أو لصلة الرحم؛ لأن الصحابي اقتصر على هذه الثلاث لانحصار سفر النبي صلى الله عليه وسلم فيها(24).
وقد دل الحديث على مشروعية الجهر بالتكبير عند الصعود على الأماكن العالية. قال ابن تيمية: والسنة الجهر بالتكبير على الأشراف. ا.هـ(25).
3 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله إني أريد أن أسافر فأوصني قال: "عليك بتقوى الله، والتكبير على كلِّ شَرَفٍ..."(26).
المبحث الثالث: التكبير قبل الإهلال بالحج أو العمرة.
من المواضع التي يُشرع للحاج والمعتمر أن يُكبِّر اللهَ فيها: التكبير قبل إهلاله بالحج أو العمرة، فالحاج أو المعتمر إذا وصل إلى الميقات، واستعد للدخول في النسك، واستوى على المركوب فإنه يُستحب له أن يقول: الحمد لله، وسبحان الله، والله أكبر؛ ويشهد لذلك ما ثبت في حديث أنس رضي الله عنه قال: "صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء حَمِدَ الله وسبَّح وكبَّر، ثم أهل بحجٍّ وعمرةٍ..." أخرجه البخاري(27).
قال ابن حجر: وهذا الحكم – وهو استحباب التسبيح وما ذُكر معه قبل الإهلال – قَلَّ من تعرض لذكره مع ثبوته. ا.هـ(28).
المبحث الرابع: التكبير عند رؤية الكعبة.
نص بعض فقهاء الحنفية والحنابلة على أن الحاج والمعتمر إذا عاين البيت كبَّر اللهَ تعالى؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كان يقول إذا لقي البيت: بسم الله والله أكبر"(29).
قال الزيلعي عن هذا الأثر: غريب، والذي رواه البيهقي عنه أنه كان يقول ذلك عند استلام الحجر. ا.هـ(30)، يعني ما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما: "كان يدخل مكة ضُحى فيأتي البيت فيستلم الحجر، ويقول: بسم الله، والله أكبر..."(31).
والراجح – والله أعلم – أن التكبير عند رؤية الكعبة غير مستحب؛ لعدم ثبوت دليل على مشروعيته، والتكبير عبادة والأصل في العبادات: التوقيف، ولهذا لم يرد النص على استحبابه عند أكثر الفقهاء.
المبحث الخامس: التكبير عند استلام الحجر الأسود أو محاذاته.
من المواضع التي يُشرع للحاج والمعتمر التكبير فيها: التكبير عند استلام الرُّكن الذي فيه الحجر الأسود أو محاذاته، في كل طوفةٍ من الأطواف، فيكبر عند استلام الحجر الأسود إن تيسر له الاستلام أو يشير إليه عند محاذاته ويُكبرن ويدل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير، كلما أتى الرُّكن أشار إليه بشيء كان عنده وكبَّر"(32).
قال ابن حجر: وفيه استحباب التكبير عند الرُّكن الأسود في كل طوفة. ا.هـ(33).
وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما: "كان يدخل مكة ضُحى فيأتي البيت فيستلم الحجر، ويقول: بسم الله، والله أكبر..."(34).
ومشروعية التكبير واستحبابه عند استلام الحجر الأسود أو محاذاته أمرٌ متفق عليه عند جميع أئمة المذاهب الأربعة(35).
ويُكبر الطائف أيضاً إذا حاذى الحجر في نهاية الطواف، فقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية: هل يَختم الطواف بالتكبير عند الحجر الأسود كما بدأ به أو لا؟ فأجابت اللجنة بما يلي: الطواف بالكعبة من العبادات المحضة، والأصل في العبادات التوقيف، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود(36)، ولا شك أن الطائف يُحاذيه في نهاية الشوط السابع، فيُسن أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر ذلك. ا.هـ(37).
المبحث السادس: التكبير عند الصفا والمروة.
سبق في المبحث الثاني أنه يُشرع للحاج والمعتمر التكبير إذا علا مكاناً مرتفعاً أو مُشرفاً، فيدخل في ذلك الصعود على الصفا والمروة لأنهما من الأمكنة المرتفعة، ويتأكد استحباب التكبير عند الصفا والمروة؛ لثبوت ذلك من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، كما في حديث جابر رضي الله عنه المشهور في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء فيه: "... ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ } [البقرة:158] أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحَّد الله وكبَّره، وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات... حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا..."(38).
وقد جاء في أثر ابن عمر رضي الله عنهما السابق: "... ثم يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم، فيقوم عليه، فيُكبِّر سبع مرار، ثلاثاً يكبر..."(39).
ولهذا اتفق الفقهاء أن المشروع للحاج والمعتمر أن يستقبل القبلة، ويكبر الله عز وجل، ويهلله ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويكرر ذلك ثلاث مرات في كل سعية إذا رقى على الصفا أو المروة(40).
وذكر ابن تيمية أن السنة رفع الصوت بالتكبير، وأن أحمد نص عليه؛ لأن جابراً رضي الله عنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولولا جهره به لم يسمعوه؛ ولأنه شرف من الأشراف، والسنة الجهر بالتكبير على الأشراف(41).
المبحث السابع: التكبير في نواحي(42) الكعبة.
ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله صلى ال
لما قدم أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأُخرجت... فدخل البيت فكبَّر في نواحيه..."(43)، وأخرج مسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كُلها..."(44).
فيشرع للحاج والمعتمر إذا تيسر له الدخول إلى جوف الكعبة أن يكبر في نواحيها ويدعو؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد سُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الصلاة في الكعبة فقال: "... ثم عند أركان البيت سبَّح وكبَّر وتضرَّع واستغفر"(45).
المبحث الثامن: التكبير يوم عرفة.
يُشرع للحاج إذا غدا من منى إلى عرفة ذكر الله بالتَّلبية والتكبير؛ لما ثبت في الحديث الصحيح أن أنس بن مالك رضي الله عنه سُئل كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان يُهِلُّ منا المُهِل، ويُكبِّر منا المُكبِّر فلا يُنكر عليه" متفق عليه(46).
وأخرج مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات، منا المُلبي ومنا المُكبر"(47).
وهذان الحديثان يدلان على استحباب التلبية والتكبير في يوم عرفة من حين الذهاب من منى إلى عرفة، وأن الحاج مُخير بينهما؛ لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم على ذلك(48).
ويوم عرفة يوم فاضل، خصه الشارع بمزية مشروعية عبادتي: الذكر والدعاء فيه، وأنه من مواطن المغفرة وإجابة الدعاء؛ ولهذا ذكر الفقهاء أنه يُستحب للحاج يوم عرفة: الإكثار من ذكر الله تعالى بالتهليل والتكبير والتلبية، والاجتهاد في الدعاء إلى غروب الشمس(49).
وذكر بعض الفقهاء أن الإمام يفتتح خُطبته يوم عرفة بالتكبير(50).
ونُقل عن الإمام أحمد أن الحاج إذا أفاض من عرفات يُهلِّل ويُكبِّر ويلبِّي. ا.هـ. وذكر النووي أن التكبير في هذا الموضع من الأذكار المستحبة(51).
المبحث التاسع: التكبير عند المشعر الحرام(52).
ذكر الفقهاء في المذاهب الأربعة أنه يُسن للحاج التكبير عند المشعر الحرام في مزدلفة، وذلك أن الحاج إذا صلى الفجر من يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة في مزدلقة، فإنه يُشرع له الوقوف عند المشعر الحرام مستقبل القبلة لذكر الله تعالى بالتكبير والتهليل والدعاء حتى يُسفر(53).
واستدل الفقهاء على مشروعية التكبير في هذا الموضع بما يلي:
1 – قوله عز وجل: { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ } [البقرة:198].
فقد أمر الله تعالى بذكره عند المشعر الحرام، والتكبير من ذكر الله، كما يدل عليه الحديث التالي.
2 – حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء فيه: "... وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبَّره وهلَّله ووحَّده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدّاً فدفع قبل أن تطلع الشمس..."(54).
المبحث العاشر: التكبير يوم النحر.
من المواضع التي يسن فيها التكبير في الحج: صباح يوم النحر – وهو اليوم العاشر من ذي الحجة – حين يدفع الحاج من مزدلفة إلى مِنى حتى يرمي جمرة العقبة.
ويدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "... لقد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة، إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل"(55)، فقد دل الحديث على مشروعية التكبير مع التلبية في هذا الموضع اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد عقد البخاري في صحيحه باباً سماه: (باب التلبية والتكبير غداةَ النحر حين يرمي – وفي رواية: حتى يرمي – الجمرة، والارتداف في السير)، وأخرج فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضلَ رضي الله عنه، فأخبر الفضلُ أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة"(56)، قال ابن حجر في الجواب عن عدم مطابقة الحديث الترجمة للباب، حيث لم يُذكر التكبير في الحديث: المعتمد أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، كما جرت به عادته. ا.هـ، ثم ذكر ابن حجر الحديث السابق: "...إلا أن يخلطها بتكبير.."(57).
المبحث الحادي عشر: التكبير في عشر ذي الحجة وفي أيام التشريق(58).
تكبير الله عز وجل مشروع في عيد النحر باتفاق الفقهاء(59)، والمشهور أن التكبير ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول:
التكبير المطلق أو المرسل، وهو التكبير المسنون في كل حال، وفي كل مكان وزمان، فلا يتقيد بحال ولا بمكان ولا بوقت ولا بعدد، وهو مشروع للحاج ولغيره(60).
ووقت التكبير المطلق من دخول عشر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة. ويدل على مشروعيته ما يلي:
1 – قوله تعالى: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج:28]، والأيام المعلومات هي: أيام عشر ذي الحجة عند جمهور العلماء(61)، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما كما حكاه البخاري عنه(62).
2 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه. قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجلٌ خرج يُخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء"(63).
3 – ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم من آثار، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُكبر في قُبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيُكبرون ويُكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى بالتكبير(64)، وكان ابن عمر رضي الله عنه يُكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه(65)، وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرُجان إلى السوق في أيام العشر يُكبران ويكبر الناس بتكبيرهما(66).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|