عرض مشاركة واحدة
  #298  
قديم 08-01-2020, 05:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (297)
تفسير السعدى
سورة الكهف
من الأية(101) الى الأية(110)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الكهف




" أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا " (102)
وهذا برهان وبيان, لبطلان دعوى المشركين الكافرين, الذين اتخذوا بعض الأنبياء والأولياء, شركاء لله يعبدونهم, ويزعمون أنهم يكونون لهم أولياء, ينجونهم من عذاب الله, وينيلونهم ثوابه, وهم قد كفروا بالله ورسوله.
يقول الله لهم على وجه الاستفهام والإنكار المتقرر بطلانه في العقول: " أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ " أي: لا يكون ذلك ولا يوالي ولي الله, معاديا لله أبدا.
فإن الأولياء موافقون لله, في محبته, ورضاه, وسخطه, وبغضه.
فيكون على هذا المعنى, مشابها لقوله تعالى " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ " .
فمن زعم أنه يتخذ ولي الله وليا له, وهو معاد لله, فهو كاذب.
ويحتمل - وهو الظاهر - أن المعنى: أفحسب الكفار بالله, المنابذون لرسله, أن يتخذوا من دون الله أولياء ينصرونهم, وينفعونهم من دون الله, ويدفعون عنهم الأذى؟.
هذا حسبان باطل, وظن فاسد, فإن جميع المخلوقين, ليس بيدهم من النفع والضر, شيء.
ويكون هذا, كقوله تعالى: " قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا " , " وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ " .
ونحو ذلك من الآيات التي يذكر الله فيها, أن المتخذ من دونه وليا ينصره ويواليه, ضال خائب الرجاء, غير نائل لبعض مقصوده.
" إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا " أي ضيافة وقرى فبئس النزل نزلهم, وبئست جهنم, ضيافتهم.

" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا " (103)
أي: قل يا محمد, للناس - على وجه التحذير والإنذار-: هل أخبركم بأخسر الناس أعمالا على الإطلاق؟
" الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " (104)
" الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " أي: بطل واضمحل كل ما عملوه, من عمل, وهم يحسبون أنهم محسنون في صنعه.
فكيف بأعمالهم, التي يعلمون أنها باطلة, وأنها محادة لله ورسله, ومعاداة؟!! فمن هم هؤلاء الذين خسرت أعمالهم, فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة؟ ألا ذلك هو الخسران المبين.

" أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " (105)
" أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ " أي: جحدوا الآيات القرآنية والآيات العيانية, الدالة على وجوب الإيمان به, وملائكته, ورسله, وكتبه, واليوم الآخر.
" فَحَبِطَتْ " بسبب ذلك " أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا " لأن الوزن فائدته, مقابلة الحسنات بالسيئات, والنظر في الراجح منها والمرجوح وهؤلاء, لا حسنات لهم, لعدم شرطها, وهو الإيمان, كما قال تعالى " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا " .
لكن تعد أعمالهم, وتحصى, ويقررون بها, ويخزون بها على رءوس الأشهاد, ثم يعذبون عليها, ولهذا قال: " ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ "

" ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا " (106)
" ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ " أي: حبوط أعمالهم, وأنه لا يقام لهم يوم القيامة, وزن, لحقارتهم وخستهم, بكفرهم بآيات الله, واتخاذهم آياته ورسله, هزوا يستهزئون بها, ويسخرون منهم.
مع أن الواجب في آيات الله ورسله, الإيمان التام بها, والتعظيم لها, والقيام بها أتم القيام.
وهؤلاء عكسوا القضية, فانعكس أمرهم, وتعسوا, وانتكسوا في العذاب.

" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا " (107)
ولما بين مآل الكافرين وأعمالهم, بين أعمال المؤمنين ومآلهم فقال: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا " إلى " حِوَلًا " .
أي: إن الذين آمنوا بقلوبهم, وعملوا الصالحات بجوارحهم.
وشمل هذا الوصف جميع الدين, عقائده, وأعماله, أصوله, وفروعه الظاهرة, والباطنة.
فهؤلاء - على اختلاف طبقاتهم من الإيمان, والعمل الصالح - لهم جنات الفردوس.
يحتمل أن المراد بجنات الفردوس, أعلى الجنة, ووسطها, وأفضلها, وأن هذا الثواب, لمن كمل فيه الإيمان, والعمل الصالح, والأنبياء والمقربون.
ويحتمل أن يراد بها, جميع منازل الجنان, فيشمل هذا الثواب, جميع طبقات أهل الإيمان, من المقربين, والمقتصدين كل بحسب حاله.
وهذا أول المعنيين, لعمومه, ولذكر الجنة, بلفظ الجمع المضاف إلى الفردوس, وأن الفردوس يطلق على البستان, المحتوي على الكرم, أو الأشجار الملتفة وهذا صادق على جميع الجنة.
فجنة الفردوس, نزل, وضيافة لأهل الإيمان, والعمل الصالح.
وأي ضيافة أجل, وأكبر, وأعظم, من هذه الضيافة, المحتوية على كل نعيم, للقلوب, والأرواح, والأبدان, وفيها ما تشتهيه الأنفس.
وتلذ الأعين من المنازل الأنيقة, والرياض الناضرة والأشجار المثمرة.
والطيور المغردة الشجية, والمآكل اللذيذة, والمشارب الشهية, والنساء الحسان, والخدم, والولدان, والأنهار السارحة, والمناظر الرائقة, والجمال الحسي والمعنوي, والنعمة الدائمة.
وأعلى ذلك وأفضله وأجله, التنعم بالقرب من الرحمن [ونيل رضاه, الذي هو أكبر نعيم الجنان, والتمتع برؤية وجه الكريم, وسماع الكلام الرءوف الرحيم].
فله تلك الضيافة, ما أجلها وأجملها, وأدومها, وأكملها!! وهي أعظم من أن يحيط بها وصف أحد من الخلائق, أو تخطر على القلوب.
فلو علم العباد بعض ذلك النعيم, علما حقيقيا, يصل إلى قلوبهم, لطارت إليها قلوبهم بالأشواق, ولتقطعت أرواحهم, من ألم الفراق, ولساروا إليها زرافات ووحدانا.
ولم يؤثروا عليها دنيا فانية, ولذات منغصة متلاشية.
ولم يفوتوا أوقاتا, تذهب ضائعة خاسرة, يقابل كل لحظة منها من النعيم من الحقب آلاف مؤلفة.
ولكن الغفلة شملت.
والإيمان ضعف, والعلم قل, والإرادة وهت فكان, ما كان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

" خالدين فيها لا يبغون عنها حولا " (108)
وقوله " خَالِدِينَ فِيهَا " هذا هو تمام النعيم, إن فيها, النعم الكامل, ومن تمامه أنه لا ينقطع " لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا " .
أي: تحولا ولا انتقالا, لأنهم لا يرون إلا ما يعجبهم ويبهجهم, ويسرهم ويفرحهم, ولا يرون نعيما فوق ما هم فيه.

" قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا " (109)
أي قل لهم مخبرا عن عظمة الباري, وسعة صفاته, وأنها لا يحيط العباد بشيء منها: " لَوْ كَانَ الْبَحْرُ " أي هذه الأبحر الموجودة في العالم.
" مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي " أي: وأشجار الدنيا, من أولها إلى آخرها, من أشجار البلدان والبراري, والبحار, أقلام.
" لَنَفِدَ الْبَحْرُ " وتكسرت الأقلام " قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي " وهذا شيء عظيم, لا يحيط به أحد.
وفي الآية الأخرى " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم " وهذا من باب تقريب المعنى إلى الأذهان, لأن هذه الأشياء مخلوقة, وجميع المخلوقات, منقضية منتهية.
وأما كلام الله, فإنه من جملة صفاته, وصفاته غير مخلوقة, ولا لها حد ولا منتهى.
فأي سعة وعظمة تصورتها القلوب, فالله فوق ذلك.
وبهذا سائر صفات الله تعالى, كعلمه, وحكمته, وقدرته, ورحمته.
فلو جمع علم الخلائق من الأولين والآخرين أهل السماوات وأهل الأرض لكان بالنسبة إلى علم العظيم, أقل من نسبة عصفور, وقع على حافة البحر, فأخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته.
ذلك بأن الله, له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة, وأن إلى ربك المنتهى.

" قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " (110)
أي: " قُلْ " يا محمد للكفار وغيرهم: " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " أي: لست بإله, ولا لي شركة في الملك, ولا علم بالغيب, ولا عندي خزائن الله.
" إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " عبد من عبيد ربي, " يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " أي: فضلت عليكم بالوحي, الذي يوحيه إلي, الذي أجله الإخبار لكم, أنما إلهكم إله واحد, أي: لا شريك له, ولا أحد يستحق من العبادة مثقال ذرة, وأدعوكم إلى العمل الذي يقربكم منه, وينيلكم ثوابه, ويدفع عنكم عقابه.
ولهذا قال: " فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا " وهو الموافق لشرع الله, من واجب ومستحب.
" وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " أي لا يرائي بعمله بل يعمله خالصا لوجه الله تعالى.
فهذا الذي جمع بين الإخلاص والمتابعة, هو الذي ينال ما يرجو ويطلب.
وأما من عدا ذلك, فإنه خاسر في دنياه وأخراه, وقد فاته القرب من مولاه, ونيل رضاه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.87%)]