الأسباب الموجبة للسعادة
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
عباد الله:
قسم الله عباده إلى شقي وسعيد، وقال تعالى مبينًا حال كل: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 106 - 108]، أي غير منقطع، جاء في الصحيحين عند تفسير هاتين الآيتين أنه يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت[1]، ويقال: يا أهل الجنة إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، هذه والله السعادة التي يحق لكل عبد أن يسعى لتحصيلها حيث لا يعقبها موت ولا هرم ولا سقم أبدًا.
أما السعادة في الدنيا بالمال أو بالولد أو بالجاه فهذه سعادة محدودة مدتها ولا يعلم صاحبها غدًا في الآخرة عاقبتها، فالسعادة كل السعادة في طاعة الله إذ هي الأساس الذي تبنى عليها السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، ولنا في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم الأسوة الحسنة فننظر إلى حالهم وما هم فيه من العناء والشقاء والتقاطع قبل أن تبلغهم دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ننظر إلى حالهم بعد ما بلغتهم وقبلوها وطبقوها عل أنفسهم قولًا وعملًا واعتقادًا حيث حازوا بها رضى الله وأضافهم الله إلى نفسه وضمن لهم الفلاح بقوله جل وعلا: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22] إلى قوله: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]، فهذه هي السعادة التي ينبغي لكل عبد أن يلتمس طريقها ويسلكه، أما الذين اغتروا بما أعطاهم الله من المال كقارون فقال الله في حقه: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81] وقال في حق فرعون الذي آتاه الله من المال والرئاسة وطاعة الناس وانقيادهم لأوامره حتى قال أنا ربكم الأعلى، متعه الله بما آتاه قليلًا ثم أغرقه وقومه في البحر وجعله قائدًا لقومه إلى النار: ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ [هود: 98]، وقال الله تعالى ممثلًا للدنيا وما فيها من السعادة والترف وما إلى ذلك من الجاه والسلطان والقوة: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45]، وأخبر أن المال والبنين زينة الحياة.
الدنيا وأن الباقيات الصالحات: أي الأعمال الصالحات، فهي التي تبقى للعباد عائدتها في الآخرة، أما متع الحياة فزائلة وتبقى تبعاتها.
فيا عباد الله:
التمسوا السعادة الباقية بطاعة الله، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لمن حافظ عليها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعلان أهلهما من خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110]، والصادقة تدفع البلاء العاجل والآجل وتجعل صاحبها مع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، حيث ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجلًا تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا إلى الطرق التي تنال بها السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة وأن لا يجعل ما أعطانا من متع الحياة فتنة لنا ومكرًا لنا واستدراجًا.
والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح البخاري ح (4453) ومسلم (2849).