عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 22-01-2020, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,400
الدولة : Egypt
افتراضي رد: « مِن مَعَالم التَّوحيد في مَنَاسَكِ الحَجِّ » لِسَمَاحَةِ شيخنا ابن جِبرِينٍ

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

« وماذا بعد الحجّ ؟ »





الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد...

فقد من الله تعالى على المسلمين في هذا الشهر بالتوفيق للأعمال الصالحة، وبالأخص الذين أعانهم الله وأدوا مناسك الحج، وأقاموا شعائره وأحرموا لله تعالى، ودخلوا فجاج مكة المكرمة، ووقفوا في المشاعر خاضعين خاشعين، وطافوا بالبيت العتيق وبالصفا والمروة، وحلقوا رؤوسهم خاضعين لرب العالمين، وهان عليهم ما دفعوه من المال في هذه المناسبة، وذلك فضل الله تفضل به عليهم بهدايتهم للإسلام والإيمان، والعقيدة الصحيحة السليمة، وإعانتهم على التوجه إلى تلك البقعة المباركة، واستجابتهم لدعوة الله تعالى لتعظيم شعائره، حتى أنهوا أعمالهم وقضوا مناسكهم وذكروا ربهم وأطاعوه، وحمدوا ربهم على أن أعانهم، حتى رجعوا إلى أهليهم وبلادهم سالمين غانمين، يحتسبون الأجر فيما أنفقوه وصرفوه من الأموال، وفيما نالهم من التعب والنصب والمشقة التي نالتهم، يعلمون أن الأجر على قدر النصب.


فهكذا يحتسب المؤمن المخلص عمله هذا ويرجو أن الله تعالى يغفر له ذنبه، ويرزقه من حيث لا يحتسب، تحقيقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من حج هذا البيت فلم يفسق ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه »، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والفضة ».


ثم إنه ولابد يتأثر بتلك الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله بها في ذلك الموسم، ويعرف أنه عملها لله تعالى مخلصًا له الدين، ويتذكر بها آثار الأولين الذين وقفوا في تلك المشاعر، وطافوا بالكعبة المشرفة، وعاهدوا ربهم أثناء هذه العبادة أن يخلصوا أعمالهم في بقية حياتهم، شكرًا لربهم، فيواظبون على التوحيد والعبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين، وينصرفوا بقلوبهم وأبدانهم عن غير الله، فلا يلتفتون إلى مخلوق، ولا تتعلق قلوبهم بغير ربهم، فيكثرون من الدعاء مع الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، اتباعًا لصفة الأنبياء الذين مدحهم الله تعالى بقوله: ï´؟ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ï´¾ [ الأنبياء:90] ، فالمسلم كلما عمل عملاً صالحًا أحس من قلبه بإقبال على ربه، ومحبه صادقة لتلك العبادة وما أشبهها.


ولاشك أن العمل لا يقبله الله إلا بعد أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى، وموافقًا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن العمل إذا كان خالصًا لله ولم يكن صوابًا على السنة لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لله لم يقبل، وقد أشار إلى ذلك الصنعاني رحمه الله في قصيدته البائية بقوله:


فللعمل الإخلاص شرط إذا أتى * * * وقـد وافقـتـه سـنـة وكتــاب


ثم إن جميع الأعمال الصالحة تؤثر على من تقرب بها إلى الله، فتحبب إليه جميع العبادات والقربات، وتكره إليه جميع المعاصي والمحرمات، ولو كانت النفس الأمارة بالسوء تميل إلى المشتهيات، وتركن إلى البطالات، وتستثقل عمل الطاعات، فإن الجنة حُفَّت بالمكاره، والنار حُفَّت بالشهوات، وقد ذكر الله أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا إذا كانت صحيحة خالصة لوجه الله تعالى، فكذلك عمل الحج، والوقوف بالمشاعر ونحوها، تظهر آثاره على صاحبه إذا كان مقبولاً، فتجده يكثر من ذكر الله تعالى، يحقق قوله تعالى: ï´؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ï´¾ [ آل عمران:191] ، وقوله تعالى: ï´؟ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ï´¾ [ الرعد:28 ].


وتراه أيضًا يتذكر حاجته إلى ربه تعالى، فيدعوه بإخلاص وصدق، ويتضرع إلى ربه، ويعلم أنه الذي يقضي حاجته، ويحقق إجابته وهكذا يحافظ على بقية أركان الإسلام، فيواظب على الصلوات بأوقاتها ومع جماعاتها، ويتقرب بالنوافل، كالرواتب قبل الصلاة وبعدها، وما تيسر من قيام الليل وصلاة الضحى، ويؤدي ما فرضه الله عليه من زكاة ماله، ويكثر من الصدقات عند المناسبات، وهكذا بقية الأعمال الخيرية.


ويبتعد عن الفواحش والمحرمات بجميع أنواعها، فيحفظ بصره عن النظر إلى العورات وإلى ما يبث عبر أكثر الفضائيات من الخرافات والمسلسلات، التي تبث الشرور وتبعث إلى فعل الفواحش، وتوقع في الزنا أو مقدماته، ويحفظ سمعه، فلا يصغي إلى الأغاني والملاهي، ويحفظ بطنه عن أكل الحرام وعن تعاطي المسكرات والمخدرات، ولا يقرب شيئًا مما حرمه الله عليه، ولا يجالس أهل اللهو والسهو، والقيل والقال، والغيبة والنميمة، والغمز واللمز، والسخرية والاستهزاء.


فمن استمر على الأعمال الصالحة بقية حياته رجي أن يكون ممن قبل الله حجه وعمرته، وعليه أن يسأل الله بقوله: ( اللهم اجعله حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا وعملاً صالحًا مبرورًا ) ويدعو بدعاء عمر بن الخطاب أمير المؤمنين الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه فإنه يقول: (اللهم اجعل عملي صالحًا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئًا، وكان السلف رحمهم الله إذا عملوا العمل أهمهم شأن قبوله، فكانوا يقولون: ( يا ليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المردود فنعزيه، أيها المقبول هنيئًا لك، وأيها المردود جبر الله مصابك ).


ونقول: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مُسلِمِين لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا علينا وعليهم وعلى التابعين.


قاله وأملاه

شَيخُنَا عَبدُ اللَّـهِ بْنُ عَبدِ الرَّحْمَن بْنِ جِبْرِينٍ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.50%)]