عرض مشاركة واحدة
  #314  
قديم 23-01-2020, 02:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (313)
تفسير السعدى
سورة طه
من الأية(50) الى الأية(60)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة طه

" قال فما بال القرون الأولى " (51)
ولهذا لما لم يمكن فرعون, أن يعاند هذا الدليل القاطع, عدل إلى المشاغبة, وحاد عن المقصود فقال لموسى: " فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى " .
أي: ما شأنهم, وما خبرهم وكيف وصلت بهم الحال, وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر, والظلم, والعناد, ولنا فيهم أسوة؟

" قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " (52)
فقال موسى: " عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى " أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر, وكتبه في كتابه, وهو اللوح المحفوظ, وأحاط به علما وخبرا فلا يضل عن شيء منها, ولا ينسى ما علمه منها.
ومضمون ذلك, أنهم قدموا إلى ما قدموه, ولاقوا أعمالهم, وسيجازون عليها.
فلا معنى لسؤالك واستفهامك, يا فرعون, عنهم, فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت, ولكم ما كسبتم.
فإن كان الدليل الذي أوردناه عليك, والآيات التي أريناكها, قد تحققت صدقها ويقينها, وهو الواقع, فانقد إلى الحق, ودع عنك الكفر والظلم, وكثرة الجدال بالباطل.
وإن كنت قد شككت فيها أو رأيتها غير مستيقنة, فالطريق مفتوح وباب البحث غير مغلق فرد الدليل بالدليل, والبرهان بالبرهان, ولن تجد لذلك سبيلا, ما دام الملوان.
كيف وقد أخبر الله عنه, أنه جحدها مع استيقانها, كما قال تعالى " وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا " .
وقال موسى: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ " .
فعلم أنه ظالم في جداله, قصده, العلو في الأرض.

" الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " (53)
ثم استطرد في هذا الدليل القاطع, بذكر كثير من نعمه وإحسانه الضروري, فقال: " الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا " أي: فراشا بحالة تتمكنون من السكون فيها, والقرار, والبناء, والغراس, وإثارتها للازدراع وغيره, وذللها لذلك, ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم.
" وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا " أي: نفذ لكم الطرق الموصلة, من أرض, إلى أرض, ومن قطر إلى قطر, حتى كان الآدميون, يتمكنون من الوصول إلى جميع الأرض بأسهل ما يكون, وينتفعون بأسفارهم, أكثر مما ينتفعون بإقامتهم.
" وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى " .
أي: أنزل المطر " فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا " وأثبت بذلك جميع أصناف النباتات على اختلاف أنواعها, وتشتت أشكالها, وتباين أحوالها.
فساقه, وقدره, ويسره ورزقا لنا ولأنعامنا, ولولا ذلك, لهلك من عليها من آدمي وحيوان.

" كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى " (54)
ولهذا قال: " كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ " وساقها على وجه الامتنان, ليدل ذلك على أن الأصل في جميع النباتات الإباحة, فلا يحرم منهم, إلا ما كان مضرا, كالسموم ونحوه.
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى " أي: لذوي العقول الرزينة, والأفكار المستقيمة على فضل الله, وإحسانه, ورحمته, وسعة جوده, وتمام عنايته, وعلى أنه الرب المعبود, المالك المحمود, الذي لا يستحق العبادة سواه, ولا الحمد والمدح والثناء, إلا من امتن بهذه النعم, وعلى أنه على كل شيء قدير.
فكما أحيا الأرض بعد موتها, إن ذلك لمحيي الموتى.
وخص الله أولي النهى بذلك, لأنهم المنتفعون بها, الناظرون إليها نظر اعتبار.
وأما من عداهم, فإنهم بمنزله البهائم السارحة, والأنعام السائمة, لا ينظرون إليها, نظر اعتبار ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها.
بل حظهم, حظ البهائم, يأكلون ويشربون, وقلوبهم لاهية, وأجسادهم معرضة.
" وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ " .

" منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " (55)
ولما ذكر كرم الأرض, وحسن شكرها لما ينزله الله عليها من المطر, وأنها بإذن ربها, تخرج النبات المختلف الأنواع - أخبر أنه خلقنا منها, وفيها يعيدنا إذا متنا فدفنا فيها, ومنها يخرجنا تارة أخرى.
فكما أوجدنا منها من العدم, وقد علمنا ذلك, وتحققناه, فسيعيدنا بالبعث منها بعد موتنا, ليجازينا بأعمالنا, التي عملناها عليها.
وهذان دليلان على الإعادة عقليان واضحان: إخراج النبات من الأرض بعد موتها, وإخراج المكلفين منها في إيجادهم.

" ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى " (56)
يخبر تعالى, أنه أرى فرعون من الآيات والعبر والقواطع, جميع أنواعها العيانية, والأفقية والنفسية, فما استقام ولا ارعوى, وإنما كذب وتولى.
كذب الخبر, وتولى عن الأمر والنهي, وجعل الحق باطلا, والباطل حقا, وجادل بالباطل, ليضل الناس فقال: " أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ " .
زعم أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى, سحر وتمويه, المقصود منها, إخراجهم من أرضهم, والاستيلاء عليها, ليكون كلامه مؤثرا في قلوب قومه.
فإن الطباع, تميل إلى أوطانها, ويصعب عليها الخروج منها ومفارقتها.
فأخبرهم أن موسى هذا قصده, ليبغضوه, ويسعوا في محاربته, فلنأتينك بسحر مثل سحرك فأمهلنا, واجعل لنا " مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى " أي: مستو علمنا وعلمك به, أو مكانا مستويا معتدلا لتتمكن من رؤية ما فيه.

" قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " (59)
فقال موسى: " مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ " وهو عيدهم, الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم.
" وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى " أي: يجمعون كلهم في وقت الضحى.
وإنما سأل موسى ذلك, لأن يوم الزينة ووقت الضحى فيه يحصل كثرة الاجتماع, ورؤية الأشياء على حقائقها, ما لا يحصل في غيره.

" فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى " (60)
" فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ " أي: جميع ما يقدر عليه, مما يكيد به موسى.
فأرسل في مدائنه, من يحشر السحرة الماهرين في سحرهم.
وكان السحر إذ ذاك, متوافرا, وعلمه مرغوبا فيه.
فجمع خلقا كثيرا من السحرة, ثم أتى كل منهما للموعد, واجتمع الناس للموعد.
فكان الجمع حافلا, حضره الرجال والنساء, والملأ, والأشراف, والعوام, والصغار, والكبار, وحضوا الناس على الاجتماع وقالوا للناس " هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ " .
فحين اجتمعوا من جميع البلدان, وعظهم موسى عليه السلام, وأقام الحجة عليهم, وقال لهم:
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]