أحكام صيام المسنين (2-3)
                                                                                                                                                                                                                          سعد بن عبد العزيز الحقباني
 
                                                   
أحكام صيام المسنين 2-3
المبحث الثاني :فدية إفطار المسن
وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول : حكم فدية إفطار المسن.
   المطلب الثاني : نوع فدية إفطار المسن ومقدارها.
المطلب الثالث: وقت بذل الفدية. 
المطلب الرابع : صفة بذل الفدية.
المطلب الخامس: ما يترتب على تأخير الفدية حتى دخول رمضان آخر.
المطلب السادس : الصيام عن المسن.
المطلب السابع : إعسار المسن عن دفع الفدية.
المطلب الأول : حكم فدية إفطار المسن :
إذا لم يستطع المسن الصوم، أو شق عليه ذلك مشقة شديدة، فأفطر؛ هل يجب عليه الفدية بدلاً عن الفطر أو لا شيء عليه؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: 
القول الأول: تجب الفدية على المسن الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم، أو بسبب المشقة، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء، الحنفية[1]، والشافعية على الصحيح من مذهبهم[2]، والحنابلة[3]،   وبه قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن   مالك من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول سعيد بن جبير والثوري والأوزاعي   وطاووس -رحمهم الله-[4]. 
القول الثاني: لا تجب الفدية على المسن الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم، أو بسبب المشقة، وإلى هذا ذهب المالكية[5]، والشافعية في قول[6]، والظاهرية[7]، وهو قول مكحول، وربيعة، وأبي ثور، وابن المنذر -رحمهم الله-[8].
وقال المالكية باستحباب الفدية للمسن المفطر[9]. 
الأدلـة: 
استدل أصحاب القول الأول القائلون بوجوب الفدية على المسن المفطر بأدلة من الكتاب والسنة والأثر والإجماع والمعقول: 
أ- من الكتاب: 
قولـه سبحانه وتعالى {..   فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ  أَيَّامٍ  أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ  مِسْكِينٍ فَمَن  تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ  خَيْرٌ لَّكُمْ  إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [10].
وجه الاستدلال: أستدل بهذه الآية الكريمة على وجوب الفدية على المسن المفطر من ثلاثة أوجه:
الأول:   ما ثبت من تفسير عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال إنها مخصوصة   بالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيجوز له الإفطار، ويفدي عن كل يوم   مسكيناً.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً».
وبناء على هذا الوجه فقد فسرت الآية الكريمة على ثلاثة تفسيرات:  
 أ-    على قراءة «يُطوَّقونه»[11]   بفتح الطاء وتشديد الواو مبنياً للمفعول فخففت الطاء، من طوق بضم أوله  على  وزن قطع، أي يُكلَّفونه على مشقة فيه وهم لا يطيقونه لصعوبته فعليهم   الإطعام[12]. 
       وبناء على هذا فالشيخ الكبير إذا لحقته مشقة شديدة في الصيام يجوز له الفطر ويجب عليه إخراج الفدية.
ب-    أن  معنى الآية الكريمة على قراءة رسم المصحف «يطيقونه» أي يقدرون عليه  مع  تحمل المشقة، وذلك لأن الطاقة هي الإتيان بالشيء مع الشدة والمشقة،  بخلاف  الوسع فهو القدرة على الشيء على وجه السهولة[13]. 
ج-    على تقدير حرف «لا» النافية، فيكون المعنى: وعلى الذين لا يطيقونه،  فدية، وهذا له نظائر وردت في القرآن الكريم، كما في قولـه تعالى: {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ } [14] أي: لا تفتأ تذكر يوسف[15].
وقوله تعالى: {... يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ...} [16] أي: لئلا تضلوا[17]. 
وقد نوقش هذا الوجه من الاستدلال بأن الآية الكريمة منسوخة، وقد ثبت القول بالنسخ عن عدد من الصحابة ومنهم عبد الله بن عمر، وسلمة بن الأكوع[18]، وعليه فلا يصح الاستدلال بأية منسوخة[19].
وأجيب   بأن النسخ عند المتقدمين من الصحابة وغيرهم أعم مما اصطلح عليه  المتأخرون،  فالنسخ عند المتقدمين قد يكون بمعنى التخصيص، وعليه فالمراد  بالنسخ على  قول ابن عمر وسلمة بن الأكوع -رضي الله عنهم- تخصيص الآية على  المسنين ومن  في حكمهم ممن لا يطيقون الصيام، أو يطيقونه بمشقة شديدة جمعاً  بين الأدلة[20]. 
قال العلامة   ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع   الحكم بجملته تارة وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر   وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه»[21].
الثاني: أن المراد بالذين «يطيقونه» هم من كانوا يطيقون الصوم في شبابهم من المسنين، ثم عجزوا عنه لما كبروا فعليهم الإطعام عن ذلك[22]. 
الثالث:   أن الله تعالى جعل الفدية في هذه الآية الكريمة معادلة للصوم في أول  الأمر  لماَّ كان الناس مخيرين بين الصوم والفدية، فلما تعذر أحد البدلين  ثبت  الآخر، أي لما تعذر الصوم ثبتت الفدية، وذلك لأن الله –تعالى- لما جعل   الفدية عديلاً للصوم في مقام التخيير،دل ذلك على أنها تكون بدلاً عنه في   حالة تعذر الصوم، وذلك لمَّا يكون المكلف لا يستطيع الصوم كالمسن ومن في   حكمه[23]. 
ب- من السنة:
1-     ما  سبق ذكره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الآية  الكريمة ليست  بمنسوخة وأنها خاصة بالشيخ الكبير والشيخة العجوز لا يقدران  على الصيام  فيفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً.
2-حديث  معاذ بن جبل – رضى الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قدم المدينة فصام يوم  عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، ثم إن الله عز وجل  فرض شهر رمضان فأنزل الله تعالى ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ... } حتى بلغ  {... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...}   فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً، ثم إن الله -عز وجل- أوجب   الصيام على الصحيح المقيم، وثبت الإطعام للكبير الذي لايستطيع الصوم،  فأنزل  الله عز وجل: {... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... }[24].
وجه الاستدلال من هذين الحديثين أنهما يفيدان ثبوت حكم الفطر وجوب الفدية على المسن الذي لا يستطيع الصوم[25]. 
ونوقش هذا الاستدلال بأنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما خلاف ذلك وأن الآية منسوخة، وثبت عن غيره من الصحابة أن الآية منسوخة[26]. 
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن المراد بقول الصحابة أن الآية منسوخة أي أنها مخصوصة[27]،   وهذا لا ينفي ما ثبت من حكمها في حق المسن العاجز ومن في حكمه كما إن   الثابت المشهور عن بن مسعود أن الآية غير منسوخة كما سبق بيانه. وبغض النظر   عن كون الآية منسوخة أو محكمة، فإن هذين الحديثين يثبتان حكم الفدية على   المسن المفطر، إما بدلالة الآية عليه واستدلال ابن عباس ومعاذ رضي الله   عنهم بها، أو بثبوت ذلك كحكم مستقل ثابت بالسنة، وذلك لأن ما قالاه له حكم   الرفع، إذ لا يمكن أن يقولا مثل ذلك برأيهما.
ج- من الأثر: 
ما ثبت عن أنس بن مالك – رضي الله عنه -  أنه لما كبر ولم يستطع الصوم فأفطر أطعم عن كل يوم مسكيناً[28].
وجه الاستدلال:  أن عمل أنس – رضي الله عنه -  مع  ما روي عن غيره من الصحابة كعلي  وعبدالله بن عمر وابن عباس من القول بذلك  يدل على وجوب الفدية على المفطر  المسن، ولاسيما وأن ذلك كان بمحضر من  الصحابة ولم يعرف لهم مخالف[29]. 
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين: 
الأول:  أن أنس بن مالك – رضي الله عنه -  قد  خالفه غيره من الصحابة، وابن عباس  -رضي الله عنهما- قد روي عنه خلاف ذلك  وأن الآية الكريمة منسوخة مع ما ثبت  القول بذلك عن سلمة بن الأكوع وعبد  الله بن عمر -رضي الله عنهم-، وعليه  فلا يصح دعوى الإجماع مع وجود هؤلاء  المخالفين، ثم إن قول بعض الصحابة ليس  بحجة على الآخرين منهم، فلا يصح  الاستدلال[30]. 
ويمكن أن يجابعن   هذه المناقشة بأن القول بعدم وجوب الفدية على المسن العاجز عن الصوم لم   يثبت عن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، والثابت عن عبد الله بن عمر وسلمة بن   الأكوع أنهما قالا أن الآية الكريمة منسوخة، والقول بنسخ الآية لا يعني   بالضرورة عدم وجوب الفدية على المسن المفطر، وذلك لاحتمال أن يكون المراد   بالنسخ التخصيص، فالأولى المصير إلى ذلك جمعاً بين الأدلة، ولثبوت وجوب   الفدية بالسنة كحكم مستقل، بغض النظر عن كون الآية محكمة أم منسوخة. كما إن   الثابت المشهور عن بن عباس أن الآية غير منسوخة.
الثاني: أنه يحتمل أن يكون قد فعل أنس – رضي الله عنه -  ذلك استحباباً لا وجوباً[31].
ويجاب عن هذه المناقشة بأن الأقرب الوجوب، ويعضد ذلك ما سبق من الأدلة.
د- من الإجماع: 
أن   وجوب الفدية على المسن المفطر ثابت عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم  قولاً  وفعلاً، ولم يعرف لهم مخالف منهم فكان إجماعاً لا يسع مخالفته[32]. 
قال أبوبكر الجصاص -رحمه الله تعالى-: «وقد ذكرنا قول السلف في الشيخ الكبير وإيجاب الفدية عليه في الحال من غير خلاف أحد من نظرائهم، فصار إجماعاً لا يسع خلافه»[33]. 
وقال الكاساني -رحمه الله تعالى-: «وما قاله مالك خلاف إجماع السلف، فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  أوجبوا الفدية على الشيخ الفاني»[34].
وقال الماوردي -رحمه الله تعالى-:«ويدل   على ما ذكرناه -أي من وجوب الفدية- إجماع الصحابة، وهو ما روي عن علي بن   أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنهم   قالوا: الهِمُّ[35] عليه الفدية إذا أفطر، وليس لهم في الصحابة مخالف»[36]. 
ونوقش   هذا الاستدلال بأنه لا يصح دعوى الإجماع؛ وذلك لوجود الخلاف بين الصحابة   ولما ثبت من بعضهم من القول بنسخ الآية الموجبة للفدية كما ثبت ذلك عن     سلمة  بن الأكوع وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، ولما ثبت من الخلاف في  ذلك بين  كبار الأئمة، فلا يصح دعوى الإجماع مع وجود هذا الخلاف[37].
قال   العلامة ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: «وأما الفدية فلم تجب بكتاب   مجتمع على تأويله ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن   الصحابة، ولا عن من بعدهم»[38]. 
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بأن وجود الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في ذلك ليس   صريحاً، والخلاف بينهم إنما هو في كون الآية الكريمة الموجبة للفدية   منسوخة أم محكمة، ولا تلازم بين القول بنسخ الآية والقول بوجوب الفدية على   المسن المفطر، ولعل هذا يفسر وجود قولين عن بعض الصحابة كابن عمر رضي الله   عنهما، قول بنسخ الآية وفسر على أنه قول بعدم وجوب الفدية، وقول بوجوبها.
هـ- من المعقول: 
1-     أن  الصوم لما فات المسن العاجز مست الحاجة إلى الجابر، وقد تعذر جبره  بالقضاء  لعدم قدرته، فجعلت الفدية مثلاً للصوم شرعاً في هذه الحالة  للضرورة، كما  تجعل القيمة مثلاً في ضمان المتلفات بجامع تعذر الإتيان  بالمثل في الحالتين[39]. 
2-    أنه صوم واجب فجاز أن يسقط إلى بدل وهو الإطعام كما يسقط الصوم بالإطعام في كفارة الظهار[40]. 
3-    ولأن أداء الصوم واجب فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء[41]. 
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بعدم وجوب الفدية على المسن المفطر للعجز أو المشقة الشديدة بأدلة من السنة والمعقول: 
أ- من السنة: 
1-    ما ثبت من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنه - أنه قرأ «فدية طعام مساكين» قال: هي منسوخة[42]. 
2-    ما ثبت من حديث سلمة بن الأكوع – رضي الله عنه -  قال: ولما نزلت: {... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...}  كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي نزلت بعدها فنسختها[43]. 
وجه الاستدلال من الحديثين:   أن الفدية كانت حكماً خاصاً لمن كان يفطر ولا يصوم، ونسخ، فلا يجب على   الشيخ المسن الذي يجوز له الفطر شيء بثبوت نسخ الآية المثبتة للفدية[44]. 
ونوقش هذا الاستدلالبأنه   قد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما بأن الآية غير منسوخة بل هي خاصة   بالشيخ الكبير الذي يعجز عن الصوم، وعليه فيحمل قول ابن عمر وسلمة بن   الأكوع رضي الله عنهم على التخصيص، حيث يطلق على التخصيص نسخ في اصطلاح   المتقدمين، جمعاً بين الأدلة[45]،   والحق أنه لا تلازم بين القول بنسخ هذه الآية الكريمة والقول بعدم وجوب   الفدية لثبوت الفدية بأدلة أخرى وعدم التسليم بالنسخ الكامل الذي يعني رفع   الحكم من كل وجه.
ب- من المعقول: 
1-     أن المسن المفطر معذور فلا تجب عليه الفدية لعجزه عن ذلك كالمسافر  والمريض، ولا قضاء عليه لأنه لا يتمكن من القضاء لعجزه المستمر[46]. 
       ويمكن أن يجاب   عنه بأن هناك حكماً ثالثاً وهو الفدية، فيجب الأخذ به، لأن الفدية بدل عن   الصيام، ولا يصح قياس المسن العاجز على المسافر والمريض، لأنه قياس مع  النص  فلا يصح.
2-     أن  المسن في هذه الحالة عاجز عن الصيام، والله –تعالى- لم يوجب الصيام  على من  لا يطيقه، لأنه لم يوجب فرضاً إلا على من أطاقه، والعاجز عن الصوم  كالعاجز  عن القيام في الصلاة، فلا يجب عليه شيء لأن الله -تعالى- لم يوجب  عليه  شيئاً[47]. 
3-     أن  الفدية لم تجب بكتاب مجتمع على تأويله، ولا سنة يفقهها من تجب  الحجة  بفقهه، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة، ولا عن من بعدهم، والفرائض لا  تجب إلا  من هذه الوجوه وذمة المسن بريئة فلا تجب عليه الفدية[48]. 
4-     أن مال المسن في هذه الحالة حرام ولا يجوز إيجاب شيء عليه ما لم يوجبه  الله ورسوله، ولا يوجد دليل على وجوب الفدية عليه فلا تجب[49].
       ويمكن أن تناقش   هذه الأدلة بأنها في حقيقتها مطالبة بالدليل، وقد ذكر أصحاب القول الأول   الأدلة على ذلك من الكتاب، والسنة، والأثر، والمعقول، والإجماع، فيجب  الأخذ  بها والمصير إليها.
       واستدل المالكية لقولهم باستحباب الفدية للمسن المفطر بما سبق ذكره من أثر أنس – رضي الله عنه - وحملوه على الاستحباب[50]. 
الترجيح: 
والراجح – والله تعالى أعلم – هو القول بوجوب الفدية على المسن المفطر الذي أفطر بسبب العجز عن الصوم أو بسبب المشقة الشديدة، وذلك لما يلي: 
1-    لقوة أدلة هذا القول وسلامتها من المناقشة المؤثرة عليها.
2-    لضعف أدلة القول المخالف، وهي في جملتها مطالبة بالدليل وقد ذكر أصحاب القول الأول الأدلة على الوجوب فيجب الأخذ بها.
3-     أن  القول بعدم وجوب الفدية مبني على القول بنسخ الآية الموجبة للفدية،  ولا  تلازم بين القول بالنسخ وبعدم وجوب الفدية، لثبوتها بالسنة الصحيحة.
4-     أن  في هذا القول جمعاً بين الأدلة، وذلك لأن القائلين بعدم وجوب  الفدية بنوا  قولهم على قول ابن عمر وسلمة بن الاكوع رضي الله عنهم بنسخ  الآية، وهذا  يتعارض مع قول ابن عباس -رضي الله عنهما- الصريح بعدم النسخ  وتخصيص الآية  بالمسن المفطر ومن في حكمه، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يبقى  إلا الجمع وحمل  القول بالنسخ على التخصيص كما هو مصطلح المتقدمين.
5-     أنه  على فرض التسليم بوجود الخلاف بين الصحابة في نسخ الآية من عدمه  فلا يقدم  أحد القولين على الآخر إلا بمرجح، وقد ترجح عدم النسخ، وهو قول  ابن عباس  للأدلة الأخرى الموجبة للفدية كما تقدم، كما أن القول بعدم النسخ  هو قول  أكثر أهل العلم.
المطلب الثاني : نوع فدية إفطار المسن ومقدارها :
ما مقدار فدية المسن؟ وما نوعها؟ وهل يشترط فيها أنواع معينة من الطعام أو يجزئ فيها قوت أهل البلد أيا كان نوعه؟
اختلف العلماء في المذاهب الأربعة في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: 
القول الأول: أن فدية إفطار المسن مُدٌّ[51] من طعام عن كل يوم إفطار، سواء كان الطعام براً أم شعيراً أم تمراً، أم غيرها من أقوات بلد المسن المفطر، وإلى هذا ذهب المالكية[52]، والشافعية[53]، وهو قول طاووس، وسعيد ابن جبير، والثوري، والأوزاعي -رحمهم الله تعالى[54]. 
القول الثاني: أن فدية إفطار المسن مد من البر أو نصف صاع[55] من التمر أو الزبيب أو الشعير، وإلى هذا ذهب الحنابلة[56].
القول الثالث: أن فدية إفطار المسن نصف صاع من البر أو صاع من الشعير أو التمر، وإلى هذا ذهب الحنفية[57].
الأدلـة: