عرض مشاركة واحدة
  #327  
قديم 03-02-2020, 04:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (326)
تفسير السعدى
سورة الانبياء
من الأية(57) الى الأية(68)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الأنبياء

" وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " (57)
" بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ " فجمع لهم بين الدليل العقلي, والدليل السمعي.
أما الدليل العقلي, فإنه قد علم كل أحد حتى هؤلاء الذين جادلهم إبراهيم, أن الله وحده, الخالق لجميع المخلوقات, من بني آدم, والملائكة, والجن, والبهائم.
والسماوات, والأرض, المدبر لهن, بجميع أنواع التدبير.
فيكون كل مخلوق مفطورا مدبرا متصرفا فيه.
ودخل في ذلك, جميع ما عبد من دون الله.
أفيليق عند من له أدنى مسكة من عقل وتمييز, أن يعبد مخلوقا متصرفا فيه, لا يملك نفعا, ولا ضرا, ولا موتا, ولا حياة, ولا نشورا, ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر؟ أما الدليل السمعي: فهو المنقول عن الرسل عليهم السلام, فإن ما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق, ومن أنواع هذا القسم شهادة أحد من الرسل على ذلك فلهذا قال إبراهيم " وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ " أي أن الله وحده المعبود وأن عبادة ما سواه باطل " مِنَ الشَّاهِدِينَ " وأي شهادة بد شهادة الله أعلى من شهادة الرسل؟ خصوصا أولي العزم منهم خصوصا خليل الرحمن.

" قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين " 59)
ولما بين أن أصنامهم ليس لها من التدبير شيء أراد أن يريهم بالفعل عجزها وعدم انتصارها وليكيد كيدا يحصل به إقرارهم بذلك فلهذا قال " وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ " أي أكسرها على وجه الكيد " بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ " عنها إلى عيد من أعيادهم, فلما تولوا مدبرين, ذهب إليها بخفية " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا " أي كسرا وقطعا, وكانت مجموعة في بيت واحد, فكسرها كلها.
" إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ " أي إلا صنمهم الكبير, فإنه تركه لمقصد سيبينه.
وتأمل هذا الاحتراز العجيب, فإن كل ممقوت عند الله, لا يطلق عليه ألفاظ التعظيم, إلا على وجه إضافته لأصحابه, كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى ملوك الأرض المشركين يقول: " إلى عظيم الفرس " , " إلى عظيم الروم " ونحو ذلك, ولم يقل " إلى العظيم " .
وهنا قال تعالى: " إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ " ولم يقل " كبيرا من أصنامهم " .
فهذا ينبغي التنبه له, والاحتراز من تعظيم ما حقره الله, إلا إذا أضيف إلى من عظمه.
وقوله: " لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ " أي ترك إبراهيم تكسير صنمهم هذا لأجل أن يرجعوا إليه, ويستملوا حجته, ويلتفتوا إليها, ولا يعرضوا عنها ولهذا قال في آخرها: " فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ " .

" قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم " (62)
فحين رأوا ما حل بأصنامهم من الإهانة والخزي " قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ " فرموا إبراهيم بالظلم الذي هم أولى به حيث كسرها ولم يدروا أن تكسيره لها من أفضل مناقبه ومن عدله وتوحيده.
وإنما الظالم من اتخذها آلهة, وقد رأى ما يفعل بها " قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ " أي يعيبهم ويذمهم, ومن هذا شأنه لا بد أن يكون هو الذي كسرها أو أن بعضهم سمعه يذكر أنه سيكيدها " يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ " فلما تحققوا أنه إبراهيم " قَالُوا فَأْتُوا بِهِ " أي: بإبراهيم " عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ " أي بمرأى منهم ومسمع " لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ " .
أي: يحضرون ما يصنع بمن كسر آلهتهم, وهذا الذي أراد إبراهيم وقصد أن يكون بيان الحق بمشهد من الناس ليشاهدوا الحق وتقوم عليهم الحجة, كما قال موسى حين واعد فرعون.
" مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى " .

" قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون " (63)
فحين حضر الناس وأحضر إبراهيم قالوا له: " أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا " أي: التكسير " بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ " ؟ وهذا استفهام تقرير, أي: فما الذي جرأك, وما الذي أوجب لك الإقدام على هذا الأمر؟.
" فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون "(64)
فقال إبراهيم والناس مشاهدون " بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا " أي: كسرها غضبا عليها, لما عبدت معه, وأراد أن تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده.
وهذا الكلام من إبراهيم, المقصد منه إلزام الخصم وإقامة الحجة عليه.
ولهذا قال: " فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ " وأراد: الأصنام المكسرة اسئلوها لم كسرت؟ والصنم الذي لم يكسر, اسألوه لأي شيء كسرها, إن كان عندهم نطق, فسيجيبونكم إلى ذلك, وأنا وأنتم, وكل أحد يدري أنها لا تنطق ولا تتكلم, ولا تنفع ولا تضر, بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها بأذى.

" قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم " (66)
" فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ " أي: ثايت إليهم عقولهم, ورجعت إليهم أحلامهم, وعلموا أنهم ضالون في عبادتها, وأقروا على أنفسهم بالظلم والشرك.
" فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ " فحصل بذلك المقصود, ولزمتهم الحجة بإقرارهم أن ما هم عليه باطل وأن فعلهم كفر وظلم.
ولكن لم يستمروا على هذه الحالة.
بل " نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ " أي: انقلب الأمر عليهم, وانتكست عقولهم وضلت أحلامهم, فقالوا لإبراهيم: " لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ " فكيف تتهكم بنا وتستهزئ بنا وتأمرنا أن نسألها وأنت تعلم أنها لا تنطق؟

" أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " (67)
فقال إبراهيم - موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رءوس الأشهاد, ومبينا عدم استحقاق آلهتهم للعبادة-: " أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ " .
فلا نفع ولا دفع.

" قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين "(68)
" أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " أي: ما أضلكم وأخسر صفقتكم, وما أخسكم, أنتم وما عبدتم من دون الله.
" أَفَلَا تَعْقِلُونَ " لتعرفوا هذه الحال.
فلما عدمتم العقل, وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة, صارت البهائم, أحسن حالا منكم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]