أثر الغرر في عقود المشتقات المالية
د. إبراهيم عبد الحليم عبادة
- د. عبد الله محمد ربابعة
ثانياً: عقود الخيارات في الأسواق المالية (options)
وهي عقود مستحدثة(40) يتم التعامل فيها في سوق الأوراق المالية، وقد ظهرت كأداة من أدوات السوق المالي اعتبارا من 1973، وكوسيلة تحوطية يستخدمها المستثمرون للحماية من مخاطر تغير أسعار الأوراق المالية، والمضاربون لتعظيم أرباحهم(41)، وترجع الخلفية التاريخية للخيارات في أول سوق منظمة ظهرت لعقود الخيارات عام 1973 م في مدينة شيكاغو(42)، ولم ينتشر التعامل بها خارج الولايات المتحدة إلا في عقد الثمانينات(43)، حيث أصبحت متداولة في أكثر من أربعين سوقاً على مستوى العالم تقريااً، وقد ازداد التعامل بالخيارات في الولايات المتحدة حتى فاقت المليون عقد يومياً بمئات المليارات من الدولارات(44).
وعن مفهوم عقود الخيارات، فإن الخيار هو: "هو عقد بين طرفين يعطي لمشتريه الحق لا الالتزام أن يشتري أو يبيع كمية معينه من الأسهم أو من سلعة معينة بسعر تنفيذ معين، خلال فترة سريان العقد، ويدفع مشتري الخيار لقاء تلقيه هذا الحق مبلغاً معيناً يسمى ثمن الخيار، وهو مبلغ بسيط من سعر السهم أو من سعر السلعة"(45)، أو هو: عبارة عن عقد عول حامله الحق ببيع أو شراء أوراق مالية أو سلع معينه(46). أو هي تلك العقود التي تعطي لحاملها الحق في أن يبيع أو يشتري كمية معينة من الأوراق المالية أو غيرها من السلع الأخرى بسعر محدد سلفاً في تاريخ معين وله الحق كذلك في أن ينفذ أو لا ينفذ عملية البيع أو الشراء(47).
وهناك تعريف آخر للخيارات على أنها: "عقد بين طرفين يتعهد بموجبه الطرف الأول (البائع) أن يعطي للطرف الثاني (المشتري) الحق وليس الإلزام، لشراء أو لبيع أوراق مالية معينة، بسعر معين ولأجل معين، يدفع المشتري ثمناً مقابل تمتعه بذلك الحق، ويقبضه البائع مقابل تعهده والتزامه"(48). وتوجد في البورصة جهة ثالثة تضمن وفاء الطرفين بتعهداتهم، وهي غرفة المقاصة، حيث تتم هذه العمليات دون الحاجة إلى وجود علاقة مباشرة بين العاقدين.
وعقود الخيارات يدخل فيها أشكال عديدة، مثل خيارات المؤشرات والعملات وغيرها وأشهرها(49):
خيار الطلب أو الشراء (Call Option)
وهو اتفاق يعطي حامله الحق وليس الإلزام في شراء عدد معين من الأسهم أو أية أوراق مالية أخرى بسعر محدد، ويسمى السعر المتفق عليه بين الطرفين بالسعر الضارب (strike price) خلال فترة معينة، عادةً تكون ثلاثة شهور(50)(، والمشتري مخير والبائع ملزم لقبضه الثمن أو العمولة (premium)، فالمشتري حصل على الأمان ضد انخفاض قيمة الصفقة، والبائع حصل على العمولة، إضافة لقيمة الصفقة وقت العقد إذا ما أتم المشتري الشراء(51)). ففي هذه الفترة إذا ارتفع سعر السهم فمن مصلحة صاحب الخيار تنفيذ الحق، أما إذا انخفض فليس من مصلحة صاحب الخيار تنفيذ حق الخيار بالشراء، وفي هذا غرر كبير يؤثر في صحة العقد.
مثال: إذا كان لدى (س) ألف سهم، واتفق معه (ص) على أن يشتري منه هذه الأسهم، ولكن بواسطة شراء خيار الشراء مقابل عمولة مقدارها (200) فلساً عن كل سهم، وكان السعر الضارب للسهم (1,55) ديناراً في 20 / 7 ، وآخر يوم للخيار هو 20 / 10 . فيكون لدى (ص)، وهو المشتري، فرصة ثلاثة شهور لينظر في أفضل وقت لإتمام الصفقة بحسب تغيير السعر السوقي لقيمة السهم، في هذا المثال يكون سعر التعادل للسهم هو (1,75) دينار فإذا ارتفع سعر السهم إلى (2) دينار، فمن مصلحة ص أن يقوم بتنفيذ الشراء وفي هذه الحالة يكون قد ربح (2,00 * 1000) - (175 * 1000) = 250 ديناراً.
أما إذا انخفض سعر السهم إلى (1,45) دينار فليس من مصلحة أحمد تنفيذ حق الشراء؛ لأنه إذا نفذ سيقوم بخسارة (1,75 * 1000) – (1,45 * 1000) = 300دينار(52).
الثاني: خيار العرض أو البيع: (Put Option)
وهو اتفاق أو عقد يعطي لحامله الحق في بيع عدد معين من الأسهم بسعر معين خلال فترة زمنية معينة، ففي هذه الحالة المخير هو صاحب حق الخيار، أما المشتري أو القابض لثمن الخيار: فإنه مجبر على الشراء عندما يقرر مشتري الحق البيع بالسعر المتفق عليه بينهما في الفترة نفسها(53).
ويستنتج من ذلك أن مشتري حق خيار البيع هو صاحب الأوراق المالية ويرغب ببيعها ويخشى هبوط أسعارها، فيقوم بشراء حق خيار البيع إذا كان السعر يحقق له ربحاً، وهو بالخيار وليس عليه إجبار، أما قابض ثمن الخيار، وهو الذي سيقوم بشراء الأسهم إذا قرر الطرف الأول ذلك، فهو مجبر على الشراء خلال الفترة المتفق عليها بقبضه ثمن الخيار(54).
وهناك ثلاثة أساليب يتم تنفيذ عقود الخيارات بها وهي:
الأول: الخيار الأمريكي: هو الذي يعطي لحامله الحق في شراء أو بيع عدد من الأوراق المالية خلال فترة محددة بسعر محدد مسبقاً، وتتميز هذه الطريقة بالمرونة الكبيرة لحامل الخيار كونه غير محصور بتاريخ محدد.
الثاني: الخيار الأوروبي: ويختلف عن الخيار الأمريكي في أن حامل حق الخيار لا يستطيع تنفيذ الخيار إلا في تاريخ محدد.
الثالث: أسلوب برمودا: ومن خلال هذا الأسلوب يتم وضع عدة مراحل محددة يمكن فيها تنفيذ الخيار، ويجمع هذا الأسلوب بين الأسلوبين السابقين(55).
وما يحدث في هذه الخيارات أن الربح الذي يحصل عليه البائع هو خسارة للمشتري هذا في حالة خيار الشراء ، وفي حالة خيار البيع فإن ما يحصل عليه المشتري من ربح هو خسارة للبائع، والذي يحدث في كثير من الأحيان أن المشتري يكتفي بحصوله على الربح من البائع دون الحصول على الأسهم وبيعها، وبالنسبة للبائع فإنه لا يحتاج إلى تملك الأسهم والأوراق المالية عند بيعه للخيار؛ فإذا كان البائع مالكاً سمي الخيار خياراً مغطىً، وإلا فإنه يسمى خياراً مكشوفاً.
ومما سبق يمكن حصر أهم الفروق والاختلافات بين الخيارات في الفقه الإسلامي والخيارات المالية بما يلي:
أهم الفروق الخيار الشرعي الخيار المالي مشروعية الخيار جائز لم تجزه المجامع الفقهية(56) الغاية من الخيار تحقيق العدل بين الطرفين وتقصيه عن طريق حرية التعاقد وتحقيق كمال الرضا ؛ دفعاً للجهالة والخداع والغرر تحميل خطر تذبذب الأسعار للطرف الآخر، التأمين ضد مخاطر السوق، أو بيع المخاطر وشراؤها ارتباطه بعقد البيع من جزء من عقد البيع، وأحكامه الشرعية مرتبطة بعقد البيع عقد مستقل له مقوماته فالبيع يقع على حق الخيار ثمن الخيار لا يقابل بثمن يقابل بثمن وبدونه لا تتم المعاملة جوهر الخيار ليس منفعة أو حق يمكن الاعتياض عنه حق يمكن الاعتياض عنه بيع الخيار وتداوله لا يمكن بيعه وتداوله يمكن بيعه وتداوله
الحكم الشرعي في الخيارات المالية:
ذهب عدد كبير من العلماء المعاصرين إلى القول بمنع هذه العقود(57)، وقد استدلوا بعدة أدلة منها تعارض الخيارات المالية مع قصد الشارع في تحقيق العدل، ومن هذه الأدلة الغرر الفاحش الذي يحيل العقد إلى عقد مقامرة(58)، فهذه العقود تترافق مع غرر كبير يتمثل في الجهالة والترقب، وانتظار تقلبات الأسواق وما تأتي به من ارتفاع أو انخفاض في أسعار السلع أو الأوراق المالية، وما ينجم عن كل ذلك من خسائر للبعض ومكاسب لآخرين كما أن أغلب هذه العقود صورية لا يتم فيها تمليك ولا تملك(59) واعتبار الشروط المرافقة لعقود الخيارات من الشروط الفاسدة*(60)، و انطواء البيوع الآجلة الشرطية على بيع الإنسان ما ليس عنده والغرر الفاحش في عقود الخيارات، وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي تحريم عقود الخيارات كونها عقداً على محل ليس هو منفعة ولا حق مالي يجوز الاعتياض عنه، وبما أنها غير جائزة ابتداءً، فإنّه لا يجوز تداولها(61).
وقد أجازت الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، والدكتور محمد علي القري(62) عقود الخيارات، متذرعين بأن الشرط الذي اتفق عليه العاقدان في البورصة شرط صحيح، وأن المال الذي يأخذه البائع من المشتري هو حق له فلا يرد إلى دافعه(63)، وقد استدل المجيزون بعدة أدلة ومنها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: 1] وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً"(64) وتحقيق إباحة الخيارات لمصلحة أكبر من المفسدة(65). وهذه أدلة عامة لا تنهض للاحتجاج بها لإباحة الخيارات المالية، ولا شك أن هذه العقود تنطوي على الكثير من المخالفات الشرعية وأهمها الغرر الفاحش، وبيع الإنسان ما لا يملك الوارد فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما يؤدي من الغرر، حيث ورد عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِينِى الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِى الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِى أَبِيعُهُ مِنْهُ ثُمَّ أَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ. قَالَ: "لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ"(66). يقول ابن القيم: "فبائع ما ليس عنده من جنس بائع الغرر الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وهو جنس القمار والميسر، والمخاطرة مخاطرتان: مخاطرة التاجر وهو أن يشتري السلعة بقصد الاسترباح، ويتوكل على الله تعالى في ذلك، والخطر الثاني: الميسر الذي يتضمن أكل المال بالباطل، فهذا الذي حرمه الله ورسوله"(67)، وهذا يتطلب البحث في محاولة إزالة هذه المخالفات الشرعية بتطوير هذه العقود لكي تتفق مع الشريعة الإسلامية (68).
ثانياً: العقود المستقبلية
وهي من العقود التي يتم التعامل بها في أسواق الأوراق المالية، وتتضمن هذه العقود بيع سلعة، أو ورقة مالية، أو مؤشراً، أو عملات مع تأخير القبض إلى تاريخ لاحق(69) أو هي عقود تعطي لحاملها الحق في شراء أو بيع كمية من أصل معين (قد يكون سلعة أو ورقة مالية) بسعر محدد مسبقاً، على أن يتم التسليم في تاريخ لاحق في المستقبل، إذ يلتزم الطرفان بإيداع نسبة من قيمة العقد لدى السمسار الذي يتعامل معه، وذلك إما في صورة نقدية أو في صورة أوراق مالية، وسبب ذلك حماية كل طرف من المشكلات التي قد تترتب على عدم مقدرة الطرف الآخر بالوفاء بالتزاماته تجاهه(70).
ويدخل هذا البيع ضمن بيوع الغرر المنهي عنه على صورته المعمول بها؛ فهو يقابل بيع المعدوم، وهو غير جائز إلا في حالات معينة كما في بيع ما ظهر من القثاء والبطيا مع الذي لم يظهر منه، ولهذا جاء خلاف الفقهاء في هذه المسألة؛ انطلاقاً من أن هذا بيع معدوم منهي عنه؛ حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، وقد أجاز المالكية(71) وأحمد هذا البيع مطلقاً على الوجه المعتاد، وهو أن ظهور بعضها ظهور لباقيها، ومن هنا فإنه إذا بدا صلاح بعض الشجر كان صلاحاً لباقيها باتفاق الفقهاء(72). ويمكن بيع الأشياء المستقبلية المعدومة؛ إذا كانت محققة الوجود بحسب العادة؛ فهو بيع مقبول شرعاً، مثل بيع الثمر بعد بدو صلاحه، والسلم، والاستصناع(73).
وصورة ما يحصل في أسواق الأوراق المالية: هو التقاء رغبتي البائع على بيع سلعة لا يحتاجها مع مشترٍ يرغب في تلك السلعة، على أن يكون تسليم البدلين في الموعد الذي يضربانه بينهما، فلا يقاس على السلم؛ لأن السلم استثناء، وليس تأخيراً للبدلين، بل تأخير للسلعة إلى أجل معلوم، والثمن يدفع في مجلس العقد، ويمكن أن تكون العملية مقاسةً على السلم في مسائل رفع الغرر، بأن يسلم الثمن أو جزءاً منه مقابل تسليم السلع في وقت لاحق، حسب الموعد الذي يضرباه لهذا الغرض وأن تحدد السلعة كيلاً ووزناً وعداً وغير ذلك من الشروط، وبهذا يمكن التخلص من الغرر الذي يحدث من بيع الإنسان مالا يملك والذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما يقال في السلع يقال في الأوراق المالية والعملات، فإن ما يحدث في البورصات هو بيع وشراء دون تملك، وهذا ما يعلي شأن بعض التجار مادياً على حساب آخرين.
فبدلاً من عقد المستقبليات على العملات مثلاً مع البنك الضامن لمخاطر الصرف بعقد مستقل عن السلع المقصودة بعملية التبادل، فإنه يمكن ترتيب عملية مرابحة يتحمل بموجبها البنك الضامن مخاطر سعر الصرف من خلال شراء السلعة المطلوبة بعملة ثم بيعها للمستفيد بالعملة الأخرى. وإذا أجزنا المرابحة التمويلية فإنه يمكن استخدامها كذلك للتحوط؛ إذ في المرابحة التمويل جزء من التبادل الحقيقي لا ينفصل عنه وبهذا النوع من الصيغ بضوابطها الشرعية يتم حصول المقصود الحقيقي المولد للثروة وللسبب نفسه يمكن استخدامها للتحوط؛ لأن التشريع المالي الإسلامي القائم على العدل المطلق واحد في كلا الأمرين ومقصود الشارع في كل التعاملات هو أن تكون التعاملات مرتبطة بالنشاط الحقيقي المنتج وإذا كانت على غير ذلك فإنه يخالف مقصود الشارع منها يقول الإمام الشاطبي: "قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع"(74).
ولا بد لكي تكون التعاملات مرتبطة بالنشاط الحقيقي المنتج وأن تكون على مستوى العقد؛ إذ العقد في اصطلاح الفقهاء هو: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله . وليس مجرد النية، فلا بد من تحقق شروط آثار العقد من القبض والضمان لتكون المعاملة مقبولة شرعاً، ومن ثم محققة لأهدافها الاقتصادية.
وكذلك بالنسبة للتعاقد على المؤشر، وهو رقم يشير إلى ارتفاع أو انخفاض قيم مجموعة من الشركات دون قبض أو تسليم لشيء، إلا أن الحاصل هنا هو أنه يتم تسوية نقدية تمثل الفرق بين السعر في العقد والسعر السائد في تاريخ انتهائه(75). وهذا من الغرر المنهي عنه لأنه لا يدري أيحصل التبادل الحقيقي أم لا؟ ثم إنه لا يتم فيه قبض ولا تسليم.
ولا بد في العقد من الرضا، والرضا يكون بحصول كل طرف من أطرافه بما تعاقد عليه، فعلى أي شيء تعاقد؟، وما الذي سيحصل عليه؟ وقد منع مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة التعامل بالمؤشر؛ والمؤشر "رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة، وتجري عليه المبايعات في بعض الأسواق العالمية،ولا يجوز بيع وشراء المؤشر"(76)؛ لأنه مقامرة بحتة وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده، وعليه فإنّ عقود المستقبليات تتضمن عدة مخالفات شرعية منها بيع المضارب ما لا يملك، وبيع الأشياء قبل قبضها، وبيع الدين بالدين، وممارسات غير شرعية (غير أخلاقية) للتأثير على الأسعار.
ولقد تبين أنّ الهدف من عمليات التحوط، هو الحماية من خطر تقلبات الأسعار، وذلك بواسطة عقود الخيارات، وبواسطة عقود الآجال والمستقبليات، وهذا ممتنع شرعاً لمنافاته لمنطق التشريع الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية الغراء.
وقد اتخذ مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة قراراً عاماً في المستقبليات؛ حيث أجاز في التعامل بالسلع طريقتين، ومنع طريقتين(77):
1 - الطريقتان الجائزتان:
أ.أن يتضمن العقد حق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال، مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه.
ب.أن يتضمن العقد حق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال، مع إمكانهما بضمان هيئة السوق، وهذا العقد جائز شرعاً بشروط البيع المعروفة.
2 - الطريقتان الممنوعتان:
أ) أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم، وأن يتضمن شرطاً يقتضي فعلاً بالتسليم والتسلم.
ب) أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم، دون أن يتضمن العقد شرطاً ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس، وما يقال على السلع يقال على بيع العملات.
وتبين أنه لما كان الغرر واضحاً في تلك العقود منعت فضلاً عما يشوبها من أمور أخرى منهي عنها، وبزوال الغرر أجيز التصرف كما في الطريقتين الجائزتين.
وعليه فإنه عند انتفاء مصلحة المتعاقدين في المشتقات سواء عقود الخيارات أو المستقبليات أو المضاربة على المؤشر من تسلم السلع محل التعامل، فإنها تؤول إلى التسوية على فروق الأسعار، إذ ليس المقصود هو الانتفاع بالمبيع أو استغلاله وإنما بيع المخاطر فقط أو تحميلها إلى طرف آخر.
وهذا النوع من التعامل يتضمن الربا بنوعيه لأنها من قبيل مبادلة نقد بنقد مع التفاضل والتأخير، ومن هنا فإن تحريم المشتقات من جهتين: الأولى الغرر الفاحش، والثانية كونها تؤدي إلى الربا. وهذا يؤكد ويبين فضل الشريعة الإسلامية الغراء وكمالها حيث حرمت كلا الأمرين، وحين ربطت الأحكام بالمقاصد والنيات وليس مجرد إجراءات شكلية؛ لأن العبرة بالعقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ولأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد(78).
يتبع