النص العقدي
الفاصلة
المعنى البلاغي الدقيق
ï´؟ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ï´¾ [الأحزاب: 48] وكفى بالله وكيلًا لما كان موضوع الآية التوكل خُتِمت باسم الله (الوكيل)؛ لتَمنَح المخاطب بالاعتقاد الإسلامي قوةً؛ أي: إنك متَّكِل على مَن له الأمر كله؛ يقول القرطبي: "وفي قوة الكلام وعدٌ بنصره، والوكيل: الحافظ القائمٌ على الأمر"[23]. ï´؟ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ï´¾ [النساء: 85].
وكان الله على كل شيء مقيتًا
في مقام الشفاعة جاء بهذه الفاصلة؛ ليُبيِّنَ أنه سبحانه الوحيد المتحكم في الأقدار والأرزاق، وكل أسباب الحفظ، وحب الخير التي جُبل على حبها الإنسان، وليَحذر الناس باقي أنواع التوسل المفضي إلى بوابة الشِّرك؛ قال ابن الجوزي:"وفي المُقِيت سبعةُ أقوال: أحدهما أنه المقدر، والثاني: أنه الحفيظ، وبه قال قتادة والزجاج، وقال هو الحفيظ أشبه؛ لأنه مشتق من القوت، وقال: قُتُّ الرجلَ أقوته قوتًا، إذا حفِظ عليه نفسه بإعطائه ما يَقوته، والقوتُ: اسم الشيء الذي يَحفظ نفسه، ولا فضل فيه على قدر الحفظ، فمعنى المقيت: الحافظ الذي يعطي الشيء على قدر حاجته من الحفظ، والثالث: أنه الشهيد، والرابع: أنه الحسيب، والخامس: أنه الرقيب، والسابع: أنه معطي القوت؛ أي: الرزَّاق"[24]، وكل هذه الأوصاف تجعل الشفاعة بإذن الله وبيده.
ï´؟ اتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ï´¾ [الأحزاب: 2]
إن الله كان بما تعملون خبيرًا
لِمَّا كان موضوع الآية الأمرَ باتباع أمر الله، وأول أمر الله التزام عقيدته - جاءت الفاصلة لتؤكد أن الله خبيرٌ بالأعمال والقلوب؛ يقول الرازي: "لما قال: إنه عليم بما في قلوب العباد، بيَّن أنه عالم خبيرٌ بأعمالهم، فسَوُّوا قلوبكم وأصلِحوا أعمالكم"[25].
ï´؟ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ï´¾ [البقرة: 137].
وهو السميع العليم
أبلغت فاصلة هذا النص {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} علِم الله بالنيَّات، وسمِع الله للأقوال؛ لأن الإيمان بالمعتقد الذي جاءت الآية لتُرسخه يبنى على أساسين: الأقوال الظاهرة (الحجاج)، والنيات المضمرة (الإيمان)؛ يقول أبو حيان: "أي: وهو السميع لأقوالكم، العليم بنياتكم واعتقاداتكم، ولما كانت الأقوال الظاهرة لنا، الدالة على ما في الباطن، قُدِّمت صفة السميع على العليم"[26].
ï´؟ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [سبأ: 27].
هو الله العزيز الحكيم
فالقرآن هنا في سياق مجادلة المخالفين لمعتقده بأحقية عبادة الله، وزَيف ما يُعبَد دونه؛ لذا بيَّن عزة الله وحكمته؛ يقول الرازي: "لا يُعبَد أحدٌ لاستحقاق العبادة غير الله، فقال: ï´؟ أَرُونِيَ... ï´¾ï´؟ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾؛ أي: هو المعبود لذاته واتصافه بالعزة وهي القدرة الكاملة، والحِكمة وهي العلمُ التام الذي عِلمُه موافقٌ له"[27].
ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ï´¾ [إبراهيم: 19، 20].
وما ذلك على الله بعزيز
تؤكِّد هذه الآية وَحدانية الله ببيان قدرته المطلقة المتجسِّدة في خلقه السماوات والأرضَ، لذا جاءت الفاصلة بصيغتها الاسمية الثابتة؛ لتُثبت طلاقة القدرة الإلهية؛ يقول الشعراوي: "طلاقة قدرة الله تعالى يُمكن أن تفعل ما تشاء، فلا شيء يتأبَّى عن مرادات الحق سبحانه ولا على قدرته، فلا أحد يسبق إرادة الله أو مشيئته...، والله لا يُغلَب، وقد بيَّن لنا في جزئيات الحياة أنه يذهب بنبات ويأتي بنبات آخر، ويذهب بحيوان ويأتي بحيوان آخر؛ وكذلك يذهب بالجماعة من البشر ويأتي بغيرهم"[28]، فهو بهذه الفاصلة يَختم برهانه على وحدانيَّته بشكل بديع، يُبرز قدرته على إفناء المخاطبين، والإتيان بخلق جديد على صفتهم أو على غير صفتهم، وما ذلك بممتنع متعذر عليه[29].
ï´؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [المائدة: 40].
والله على كل شيء قدير
فالنص بيَّن أنه ما مِن شيء في السماوات والأرض إلا وقع تحت ملكه تعالى وتصرُّفه، فيُعذب مَن أراد أن يُعذبه، ويغفر لمن يشاء أن يغفر له، ولا شيء يُعجزه، فهو سبحانه صاحب القدرة المطلقة[30]، لذا جاءت الفاصلة مبيِّنةً أن الله تعالى قدير، فلا يُعجزه شيء، وهي تمكين يَمنح النص قوةً؛ ليَزدجر كلُّ مَن خالَف معتقد التوحيد.
ï´؟ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [آل عمران: 189].
والله على كل شيء قدير
يثبت هذا النص ملك الله المطلق على السماوات والأرض وكل المخلوقات التي بهما؛ لذا جاء بفاصلة تبلغ أن القدرة المطلقة له وحده؛ يقول النسفي: "ï´؟ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ من المنع والإعطاء والإيجاد والإفناء"[31].