الخلاف في نقض الوضوء من مس الذكر
دبيان محمد الدبيان
وعبدالله بن أحمد بن ذكوان الدمشقي كما في صحيح ابن حبان (1117)، كلاهما عن الوليد بن مسلم، ثنا عبدالرحمن بن نمر اليحصبي، عن الزهري، عن عروة، عن بسرة، بدون ذكر مروان.
ورواه البيهقي (1/ 132) من طريق أبي موسى الأنصاري، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبدالرحمن بن نمر، عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.
وهذا الطريق هو الصحيح، وأن الزهري يروي الحديث عن عبدالله بن أبي بكر، وعروة يرويه عن مروان؛ لما سبق ذكره.
وسوف يكون لي - إن شاء الله تعالى - وقفة أخرى عند هذا الطريق من جهة متنه.
وقيل: عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، عن زيد بن خالد الجهني.
فجعل الحديث من مسند زيد بن خالد، ترويه عنه بسرة، وبدون ذكر مروان بن الحكم.
أخرجه عبدالرزاق (412) قال: أخبرنا ابن جريج، قال: حدثني ابن شهاب (الزهري)، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، أنه كان يحدث عن بسرة بنت صفوان، عن زيد بن خالد الجهني.... الحديث.
وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات إلا أنه معلول.
وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم (1/ 32) ذكر طريق عبدالرزاق هذا، إلا أنه قال: عن عروة، عن بسرة وزيد بن خالد، ولعل هذا أقرب.
وعلى كل حال فهو معلول، وعلته ابن جريج، فإنه وإن كان ثقة، وقد صرح بالتحديث، إلا أن روايته عن الزهري فيها كلام.
قال ابن معين: ابن جريج ليس بشيء في الزهري.
وقال الذهبي: كان ابن جريج يرى الرواية بالإجازة والمناولة، ويتوسع في ذلك، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري؛ لأنه حمل عنه مناولة، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف، ولا سيما في ذلك العصر لم يكن حدث في الخط بعدُ شكلٌ ولا نقط...
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 32): سألت أبي عن حديث رواه عبدالرزاق وأبو قرة موسى بن طارق، عن ابن جريج، عن عبدالله بن أبي بكر، عن الزهري، عن عروة، عن بسرة وزيد بن خالد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مس الذكر. قال أبي: أخشى أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى؛ لأن أبا جعفر حدثنا، قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى، يقول: جاءني ابن جريج يكتب مثل هذا - خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى مقدار بضعة عشر جزءًا - فقال: أروي هذا عنك، فقال: نعم. اهـ
وخالف محمد بن إسحاق ابن جريج، فرواه ابن أبي شيبة (1/ 150) حدثنا عبدالأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن زيد بن خالد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بلفظ: ((من مس فرجه فليتوضأ)).
وقيل: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.
رواه البزار كما في كشف الأستار (284) من طريق أبي عامر.
وأخرجه الطحاوي (1/ 74) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، كلاهما عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، عن عمرو بن شريح، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((من مس فرجه فليتوضأ)).
وفي الإسناد: إبراهيم بن إسماعيل.
قال أحمد: ثقة. تهذيب التهذيب (1/ 90).
وقال ابن معين: ليس بشيء. المرجع السابق.
وقال مرة: يكتب حديثه ولا يحتج به. المرجع السابق.
وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (1/ 271).
وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، منكر الحديث. تهذيب التهذيب (1/ 90).
وقال النسائي: ضعيف. الضعفاء والمتروكين (2).
وقال الدارقطني: متروك. تهذيب التهذيب (1/ 90) وفي التقريب: ضعيف.
وفي الإسناد أيضًا: عمرو بن شريح، جاء في ترجمته:
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 245): قال الأزدي: لا يصح حديثه.
وروى ابن عبدالبر في التمهيد - كما في فتح البر (3/ 328) - بإسناده من طريق الحسين بن الحسن الخياط، أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس فرجه فليتوضأ)).
قال ابن عبدالبر: وهذا إسناد منكر عن مالك، ليس يصح عنه، وأظن أن الحسين هذا وضعه، أو وهم فيه، والله أعلم.
قلت: وهو مخالف لكل من رواه عن مالك؛ كالقعنبي، ومعن، وابن القاسم، وأحمد بن أبي بكر، والشافعي وغيرهم، فقد رووه كلهم عن مالك عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وقد تقدم تخريج هذا الطريق.
وقيل: عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة، عن بسرة.
أخرجه الطحاوي (1/ 72) من طريق بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال: أخبرني ابن شهاب، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: حدثني عروة، عن بسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يتوضأ الرجل من مس الذكر)).
فهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا أن بشر بن بكر وإن كان ثقة، إلا أنه قد قال فيه مسلمة بن صلة: روى عن الأوزاعي أشياء انفرد بها.
لكنه هنا قد توبع، فقد تابعه أبو المغيرة كما في سنن الدارمي (724) وعبدالحميد بن حبيب كما في التمهيد - انظر فتح البر بترتيب التمهيد لابن عبدالبر (3/ 330) - كلاهما عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم - وقال الدارمي: (عن ابن حزم) - عن عروة به.
وعبدالحميد - كما في التقريب -: صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان صاحب ديوان، ولم يكن صاحب حديث، وأما أبو المغيرة فهو ثقة، لكن انفراد الأوزاعي من بين أصحاب الزهري بإسقاط مروان يدل على شذوذ روايته، فقد تقدم لنا أن كلاًّ من شعيب وعقيل والليث، ومعمر من رواية عبدالرزاق عنه، كلهم رووه عن الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة بذكر مروان، كما أن رواية الأوزاعي مخالفة لكل من روى الحديث عن عبدالله بن أبي بكر؛ كمالك، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وابن علية، فكلهم رووه بذكر مروان.
وقد رجح ابن عبدالبر رواية عبدالله بن أبي بكر على رواية أبيه؛ لأن الحديث عنده عن عروة، عن مروان، عن بسرة. فقال: "والمحفوظ في هذا الحديث رواية عبدالله بن أبي بكر له عن عروة، ورواية أبي بكر له عن عروة أيضًا، وإن عبدالله قد خالف أباه في إسناده، والقول عندنا في ذلك قول عبدالله، هذا إن صح اختلافهما في ذلك، وما أظنه إلا ممن دون أبي بكر، وذلك أن عبدالحميد كاتب الأوزاعي رواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد، عن عروة، عن بسرة، وإنما الحديث لعروة عن مروان عن بسرة، والمحفوظ أيضًا في هذا الحديث أن الزهري رواه عن عبدالله بن أبي بكر، لا عن أبي بكر، والله أعلم. اهـ كلام ابن عبدالبر.
قلت: ومما يرجح رواية عبدالله أنه ذكر أنه سمع الحديث هو وأبوه من عروة، كما تقدم من رواية أحمد (6/ 406) وابن الجارود (16) من طريق سفيان، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: تذاكر أبي وعروة ما يتوضأ منه، فأخبر عروة، أن مروان أخبره أنه سمع بسرة...
وكذا أخرجه أحمد (6/ 406) من طريق إسماعيل بن علية، عن عبدالله بن أبي بكر، قال: سمعت عروة بن الزبير يحدث أبي، قال: ذاكرني مروان مس الذكر، فهذان الطريقان يشهدان أن أبا بكر سمعه من عروة، عن مروان، عن بسرة.
وقد أخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 73) من طريق الخصيب، قال: ثنا همام، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة أنه كان جالسًا مع مروان... ثم ذكر الحديث، وفي آخره: "أرسل مروان إليها حرسيًّا يستثبت منها الحديث".
فتبين بهذه الروايات شذوذ رواية أبي بكر، عن عروة، عن بسرة، وأن المحفوظ رواية أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.
وبهذا أكون قد استكملت طرق الزهري، وقد تبين لنا الاختلاف عليه في هذا الحديث، لكن الراجح منها: رواية شعيب وعقيل والليث ومعمر؛ لموافقتها رواية مالك وابن عيينة وشعبة وابن علية، وأن الحديث عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.
الطريق الثالث: هشام بن عروة، عن أبيه، واختلف على هشام:
فقيل: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة. وهذا أصح الطرق.
وقيل: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة، بدون ذكر مروان.
وقيل: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان، ثم إن عروة سأل بسرة فصدقته.
وقيل: عنه، عن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، فصار بين هشام بن عروة وأبيه واسطة.
وقيل: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.
وإليك تفصيل هذه الطرق:
أما طريق هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، بذكر مروان في الإسناد، فرواه جماعة عن هشام، منهم:
الأول: أبو أسامة، كما في سنن الترمذي (83)، وابن الجارود في المنتقى (17).
الثاني: عبدالله بن إدريس، كما في سنن ابن ماجه (479).
الثالث: سفيان الثوري، كما في صحيح ابن حبان كما في الموارد (213)، وسنن الدارقطني (1/ 146).
الرابع: حماد بن سلمة، كما في شرح معاني الآثار (1/ 72).
الخامس: علي بن مسهر، كما في شرح معاني الآثار (1/ 72).
السادس: يزيد بن سنان، فأخرجها الدارقطني (1/ 147).
السابع: إسماعيل بن عياش، كما في سنن الدارقطني (1/ 147)، كلهم رووه عن هشام، عن عروة، عن مروان، عن بسرة.
ورواه الحاكم كما في المستدرك (1/ 136) من طريق سليمان بن حرب ومحمد بن الفضل عارم وخلف بن هشام، قالوا: ثنا حماد بن زيد، عن هشام بن عروة، أن عروة كان عند مروان بن الحكم، فسئل عن مس الذكر، فلم ير به بأسًا، فقال عروة: إن بسرة بنت صفوان حدثتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وذكر الحديث.
ولا أشك لحظة أن الحديث انقلب على حماد بن زيد؛ لأن جميع من رواه عن عروة يذكر عن عروة أنه أنكر على مروان حديثه في مس الذكر، فأخبره مروان أنه سمعه من بسرة، ولم يقل أحد أن عروة هو الذي حدث مروان، فانقلب الحديث على حماد بن زيد، لكن موضع الشاهد منه هو الذي يعنينا، وهو ذكر مروان في الإسناد.
فهؤلاء ثمانية رواة يروونه عن هشام، عن عروة يذكرون مروان في الإسناد، وهو المحفوظ.
وأما رواية هشام بن عروة، عن عروة، عن بسرة بإسقاط مروان:
فأخرجها أحمد (6/ 406)، والترمذي (82)، والنسائي (447) من طريق يحيى بن سعيد، عن هشام، قال: حدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته... وذكر الحديث.
وقد صرح هشام بن عروة بالتحديث من أبيه، وصرح عروة بالسماع له من بسرة.
ورواه ابن حبان (1115) من طريق علي بن المبارك.
ورواه الدارقطني (1/ 148) من طريق أيوب، وابن عيينة وعبدالحميد بن جعفر فرقهم، أربعتهم عن هشام بن عروة به.
وهذا الطريق بحذف مروان بن الحكم طريق شاذ؛ لأمور:
أولاً: لمخالفته من رواه عن هشام، وقد وقفنا على ثمانية رواة: الثوري والحمادان وأبو أسامة وعبدالله بن إدريس وعلي بن مسهر ويزيد بن سنان وإسماعيل بن عياش، كلهم رووه عن هشام بذكر مروان.
وثانيًا: أن من رواه عن هشام بذكر مروان روايته موافقة لرواية مالك وشعبة وابن علية وابن عيينة وابن شهاب عن عبدالله بن أبي بكر.
وثالثًا: أن عبدالله بن أبي بكر لم يختلف عليه في الحديث، وهشام بن عروة مختلف عليه في إسناده، فإذا وافقتْ رواية هشام رواية عبدالله بن أبي بكر بذكر مروان، قُبلت من هذا الوجه، وصارت أرجح من غيرها، خاصة أن الذي يرويه عن هشام بذكر مروان من المتقدمين من أصحابه، وهم أكثر عددًا من غيرهم، والله أعلم.
وأما رواية من أثبت سماع عروة من مروان، ثم سماع عروة من بسرة مصدقة لمروان:
فقد رواها جماعة عن هشام:
الأول: شعيب بن إسحاق، وهو ثقة، رواه الدارقطني (1/ 146) والحاكم (1/ 136) والبيهقي (1/ 129) من طريق الحكم بن موسى، عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة به. والحكم بن موسى، قال أبو حاتم: صدوق. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس. وقال صالح بن محمد جزرة: الثقة المأمون، وفي التقريب: صدوق.
ورواه ابن حبان في صحيحه (1113) من طريق أحمد بن خالد بن عبدالملك، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا شعيب بن إسحاق به.
وأحمد بن خالد، قال عنه الدارقطني: ليس بشيء. انظر لسان الميزان (1/ 95).
الثاني: المنذر بن عبدالله الحزامي، رواه الحاكم (1/ 137) من طريقه عن هشام به، والمنذر قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول؛ أي: حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
الثالث: ربيعة بن عثمان، كما في المنتقى لابن الجارود (18)، وربيعة صدوق له أوهام.
الرابع: عنبسة بن عبدالواحد، رواه الحاكم (1/ 137)، ومن طريقه البيهقي (1/ 129) من طريق عبدالله بن عمر بن أبان، ثنا عنبسة بن عبدالواحد، وعنبسة ثقة، لكن الراوي عنه عبدالله بن عمر بن أبان، صدوق فيه تشيع.
الخامس: حميد بن الأسود أبو الأسود، أخرجه البيهقي (1/ 130) من طريق علي بن المديني، عن حميد بن الأسود، عن هشام به.
وحميد - كما في التقريب -: صدوق يهم قليلاً.
واختلف العلماء في زيادة هؤلاء، فمنهم من اعتبر الحديث محفوظًا من طريق عروة، عن بسرة، وأن عروة سمعه من مروان، ثم سمعه من بسرة.
قال ابن حبان في صحيحه (3/ 397): وأما خبر بسرة الذي ذكرناه، فإن عروة بن الزبير سمعه من مروان بن الحكم، عن بسرة، فلم يقنعه ذلك حتى بعث مروان له إلى بسرة، فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم بمثل ما قالت بسرة، فسمعه عروة ثانيًا عن الشرطي عن بسرة، ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب إلى بسرة فسمع منها، فالخبر عن عروة، عن بسرة متصل، وليس بمنقطع، وصار مروان والشرطي كأنهما عاريتان يسقطان من الإسناد. اهـ
وقال الحاكم (1/ 136): نظرنا فوجدنا جماعة من الثقات الحفاظ رووا هذا عن هشام، عن أبيه، عن مروان عن بسرة، ثم ذكروا في روايتهم أن عروة قال: ثم لقيت بعد ذلك بسرة، فحدثتني بالحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حدثني مروان عنها، فدلنا ذلك على صحة الحديث وثبوته على شرط الشيخين، وزال عنه الخلافُ والشبهة، وثبت سماع عروة من بسرة.
وقال ابن حجر في التلخيص: وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة. اهـ
وصحح الدارقطني سماع عروة من بسرة.
وقال بعضهم: بأن عروة لم يسمعه من بسرة، وأن الصحيح من حديث عروة ما حدث به عن مروان، عنها، وهذا ما رجحه ابن معين، ونقلنا عبارته قبل، ورجحه ابن عبدالبر وجماعة، وإليه تميل النفس؛ للأسباب التالية:
الأول: أن هشام تفرد بهذه الزيادة، وهي قوله: "فسألت بسرة فصدقته"، وقد رواه غير واحد عن عروة، ولم يذكر هذه الزيادة، منهم عبدالله بن أبي بكر، وأبوه أبو بكر بن محمد، وأبو الأسود، وعبدالرحمن بن أبي الزناد وغيرهم.
الثاني: أن هشام مع انفراده بهذه الزيادة، فقد اختلف عليه فيه، فقد روى الحديث عنه جماعة من الأئمة، على رأسهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة والثوري وأبو أسامة وعبدالله بن إدريس ويزيد بن سنان وعلي بن مسهر وغيرهم، وهؤلاء لا يقارنون بمن رواه عن هشام بزيادة: "فسألت بسرة فصدقته"، لا من جهة الحفظ، ولا من جهة العدد، فإن كل من رواها عن هشام إما صدوق له أوهام أو مقبول في المتابعات، فلم يصل أحد منهم إلى مرتبة الثقة إلا عنبسة بن عبدالواحد، والإسناد إليه حسن، فالراجح كما سبق أن فصلنا أن هذه الزيادة شاذة.
الثالث: يحتمل - والله أعلم - أن يكون السؤال الذي نسب إلى عروة بقوله: "فسألت بسرة" باعتبار أن عروة طلب من مروان أن يرسل إلى بسرة ليسألها فأرسل إليها الحرسي، ونُسب السؤال إلى عروة باعتباره هو من طلب سؤال بسرة، فقد جاء في المنتقى لابن الجارود (16) قلنا: أرسل إليها، فأرسل حرسيًّا أو رجلاً فجاء الرسول بذلك، وعليه يحمل ما جاء في الحديث: "فأنكر ذلك عروة، فسأل بسرة، فصدقته".
وأما رواية هشام، عن أبي بكر، عن عروة بذكر واسطة بين هشام وبين أبيه:
فرواها الطحاوي (1/ 73) من طريق الخصيب بن ناصح، قال:حدثنا همام، عن هشام بن عروة، قال: حدثني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عروة أنه كان جالسًا مع مروان... ثم ذكر الحديث.
وقد انفرد الخصيب بن ناصح في هذا الإسناد بكون هشام سمع الحديث من أبي بكر، ولم يسمعه من أبيه، والخصيب بن ناصح قال أبو زرعة: ما به بأس - إن شاء الله تعالى.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما أخطأ، وفي التقريب: صدوق يخطئ.
قال النسائي في سننه (1/ 216): هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث.
وكذلك قال شعبة بن الحجاج كما في المعجم الكبير للطبراني (24/ 202).
وقال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 73): هشام بن عروة لم يسمع هذا من أبيه، وإنما أخذه من أبي بكر.
فإن كان عمدة هذا القول هو طريق الخصيب بن ناصح، عن همام، عن هشام، فإننا لا نستطيع ترجيح هذا الطريق على سائر الطرق إلى هشام:
أولاً: أن من رواه عن هشام عن عروة، عدد كبير من الأئمة والحفاظ: منهم الثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأبو أسامة وعبدالله بن إدريس ويزيد بن سنان وعلي بن مسهر ويحيى بن سعيد القطان وشعيب بن إسحاق وربيعة بن عثمان والمنذر بن عبدالله الحزامي، وعنبسة بن عبدالواحد وحميد بن الأسود وإسماعيل بن عياش وعلي بن المبارك وعبدالحميد بن جعفر وغيرهم، فهؤلاء ستة عشر راويًا، منهم أئمة متفق على إمامتهم وحفظهم لم يذكروا ما ذكره الخصيب بن ناصح، وقد تقدم تخريج طرقهم.
ثانيًا: أن أحمد بن حنبل رواه في المسند (6/ 406،407) عن يحيى بن سعيد القطان، عن هشام، قال: حدثني أبي. وكذلك رواه الترمذي (82)، والنسائي (447) بالتصريح بسماع هشام عن أبيه.
ثالثًا: أن الطبراني في المعجم الكبير (24/ 202) رقم 519، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: قال شعبة: لم يسمع هشامًا حديث أبيه في مس الذكر، قال يحيى: فسألت هشامًا فقال: أخبرني أبي، إلا أن يحيى بن سعيد أدرك هشامًا في زمن الكبر.
فإن كان هناك متابع للخصيب بن ناصح على روايته عن هشام، عن أبي بكر، فالحمد لله فقد عرفنا الواسطة بين هشام وأبيه، وهو ثقة، وإن كان قد انفرد بهذا الطريق فالنظر يقضي بترجيح طريق عروة عن أبيه على طريق عروة عن أبي بكر، والله أعلم.
وقال الحافظ في التلخيص متعقبًا كلام الطحاوي: رواه الجمهور من أصحاب هشام، عنه عن أبيه بلا واسطة، فإما أن يكون هشام سمعه من أبي بكر، ثم سمعه من أبيه، فكان يحدث به تارة هكذا، وتارة هكذا، أو يكون سمعه من أبيه، وثبته أبو بكر، فكان تارة يذكر أبا بكر، وتارة لا يذكره، وليست هذه علة قادحة عند المحققين. اهـ
وعلى كل حال، فرواية الخصيب بن ناصح، عن همام، عن هشام، عن أبي بكر، عن عروة هذه توافق رواية عبدالله بن أبي بكر، وتوافق رواية الأكثر ممن رواه عن هشام بذكر مروان في الإسناد، وهذا الذي يعنينا: وهو أن المحفوظ من إسناد الحديث ذكر مروان فيه، والله أعلم.
وأما رواية هشام، عن عروة، عن عائشة:
فقد أخرجها الدارقطني (1/ 147) من طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن عمر بن حفص العمري، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ويل للذين يمسون فروجهم، ثم يصلون ولا يتوضؤون)). قالت عائشة: بأبي وأمي، هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: ((إذا مست أحداكن فرجها، فلتتوضأ للصلاة)).
وضعفه الدارقطني بعبدالرحمن العمري.
وقال أحمد: كان كذابًا.
وقال النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة: متروك، زاد أبو حاتم: وكان يكذب. اهـ
وجاء من طريق أخرى من مسند عائشة غير هذا الطريق، فقد جاء في كتاب العلل لابن أبي حاتم (1/ 36) سألت أبي عن حديث رواه حسن الحلواني، عن عبدالصمد بن
عبدالوارث، عن أبيه، عن حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن المهاجر بن عكرمة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)).
ورواه شعيب بن إسحاق، عن هشام، عن يحيى، عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من مس ذكره في الصلاة فليتوضأ))، قال أبي: هذا حديث ضعيف، لم يسمعه يحيى من الزهري، وأدخل بينهم رجلاً ليس بالمشهور، ولا أعلم أحدًا روى عنه إلا يحيى، وإنما يرويه الزهري، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو أن عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهم أحدًا، وهذا يدل على وهن الحديث.
هذا وجه الاختلاف على هشام في حديث الوضوء من مس الذكر، وهذا الطريق وطريق الزهري قد اختلف عليهما اختلافًا كثيرًا، فما وافق طريق عبدالله بن أبي بكر، فهو صحيح، وما خالفه، فهو إما منكر أو شاذ، والله أعلم. ولذلك قال ابن عبدالبر في التمهيد - كما في فتح البر بترتيب التمهيد لابن عبدالبر (3/ 333) -: الصحيح في حديث بسرة: عروة، عن مروان، عن بسرة، وكل من خالف هذا فقد أخطأ فيه عند أهل العلم، والاختلاف فيه كثير على هشام وعلى ابن شهاب، والصحيح فيه عنهما ما ذكرناه في هذا الباب، وقد كان يحيى بن معين يقول: أصح حديث في مس الذكر حديث مالك، عن عبدالله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة، وكان أحمد بن حنبل يقول نحو ذلك أيضًا. اهـ
الطريق الرابع: رواية أبي الأسود يتيم عروة، عن عروة:
أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 73): حدثنا محمد بن الحجاج وربيع المؤذن، قالا: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود، أنه سمع عروة يذكر عن بسرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -... الحديث.
وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة، وباقي رجاله ثقات إلا أسد بن موسى فإنه صدوق يغرب.
الطريق الخامس: عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن عروة، عن بسرة، بدون ذكر مروان:
أخرجه الترمذي (82) حدثنا علي بن حجر، قال: حدثنا عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة به.
وهذا إسناد ضعيف من أجل عبدالرحمن بن أبي الزناد؛ لأنه من رواية علي بن حجر، وهو بغدادي، وقد قال ابن المديني: ما حدث به بالمدينة فصحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون.
وقال النسائي: لا يحتج بحديثه.
وفي التقريب: صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا. وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات.
هذا ما وقفت عليه من طرق حديث بسرة، والراجح فيها - كما قلت -: طريق عروة، عن مروان، عن بسرة.
وللحديث شواهد كثيرة من حديث أم حبيبة وأبي هريرة وعبدالله بن عمرو وغيرهم، وسيأتي تخريجها في صلب الكتاب - إن شاء الله تعالى.
انظر: أطراف المسند (8/ 396)، تحفة الأشراف (15785)، إتحاف المهرة (21362).
([11]) المصنف (1/ 150) ح 1724.
([12]) دراسة الإسناد:
الأول: معلى بن منصور، روى له الجماعة، وفي التقريب: ثقة سني فقيه، طلب للقضاء فامتنع، أخطأ من زعم أن أحمد رماه بالكذب.
الثاني: الهيثم بن حميد: قال أحمد فيه: لا أعلم إلا خيرًا.
وقال يحيى بن معين: لا بأس به. وفي رواية أخرى عنه، قال: ثقة.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال أبو داود: ثقة.
وقال أبو زرعة: فأعلم أهل دمشق بحديث مكحول، وأجمعه لأصحابه الهيثم بن حميد.
وقال عبدالرحمن بن إبراهيم: الهيثم بن حميد كان أعلم الآخرين والأولين بقول مكحول.
ولا أعلم أحدًا جرحه إلا علي بن مسهر، وهو جرح غير مفسر لا يقدم على التعديل.
وفي التقريب: صدوق رمي بالقدر.
الثالث: العلاء بن الحارث، قال ابن سعد فيه: كان قليل الحديث، ولكنه كان أعلم أصحاب مكحول، وأقدمهم، وكان يفتي حتى خولط.
وقال أبو حاتم: لا أعلم في أصحاب مكحول أوثق منه.
وقال صاحب الكواكب النيرات (339): أطلق يحيى بن معين وعلي المديني ويعقوب بن سفيان ودحيم وأبو داود القول بتوثيقه، لكنه خلط.
في التقريب: صدوق فقيه رمي بالقدر، وقد اختلط. اهـ
ولم أجد أحدًا نص على من سمع منه قبل الاختلاط أو بعده، لكن يمكن أن يقال: ما دام أن الراوي عن العلاء بن الحارث هو الهيثم بن حميد، والهيثم من أصحاب مكحول، فاشتراكه هو وشيخه العلاء بن الحارث في السماع من مكحول دليل على أن الهيثم من كبار أصحاب العلاء، فإذا أضفت إلى ذلك أن الراوي عن العلاء قد قيل فيه: إنه من أعلم الناس بقول مكحول، زال ما يخشى من خطأ العلاء بسبب اختلاطه، ثم إن جميع من تكلم في الحديث لم يعلّوه بالعلاء، وإنما تكلموا فيه هل سمع مكحول من عنبسة أم لا؟ وباقي الإسناد رجاله كلهم ثقات، ومع ذلك فالإسناد منقطع، حيث قال البخاري ويحيى بن معين أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي: لم يسمع مكحول من عنبسة. انظر جامع التحصيل (796)، تهذيب التهذيب (10/ 258)، تلخيص الحبير (1/ 217).
وخالفهم دحيم، قال الحافظ في التلخيص (1/ 217): وهذا أعرف بحديث الشاميين، فأثبت سماع مكحول من عنبسة. اهـ
لكن يعارض أبا دحيم قولُ يحيى بن معين: قال أبو مسهر: لم يسمع مكحول من عنبسة. وأبو مسهر شامي، وهو أكبر من دحيم، وقد قال يحيى بن معين في ترجمة أبي مسهر: من ثبت أبو مسهر من الشاميين فهو مثبت، وقال أيضًا: إن الذي يحدث بالبلد، وبها من هو أولى منه بالحديث أحمق، إذا رأيتني أحدث ببلدة فيها مثل أبي مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق، فإذا أضفت إلى قول أبي مسهر قول الأئمة كالبخاري والنسائي وأبي زرعة وأبي حاتم ويحيى بن معين، لم تكن كفة أبي دحيم راجحة عليهم، وعلى كلٍّ سواء رجحنا سماعه أم لا، فإن مكحولاً مدلس، وقد عنعن، وهو من المكثرين فعنعنته على الانقطاع، والله أعلم.
قال البوصيري في مصباح الزجاجة: مكحول الدمشقي مدلس وقد رواه بالعنعنة، فوجب ترك حديثه، لا سيما وقد قال البخاري في التاريخ الصغير وأبو زرعة وهشام بن عمار وأبو مسهر وغيرهم: إنه لم يسمع من عنبسة بن أبي سفيان، فالإسناد منقطع. اهـ
وأعله البخاري بعلة أخرى، قال في التاريخ الكبير (7/ 37): روى الهيثم بن حميد، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن عنبسة، عن أم حبيبة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مس الذكر، ويرونه وهمًا؛ لأن النعمان بن المنذر قال: عن مكحول، أن ابن عمر - مرسل - كان يتوضأ منه. اهـ
يتبع