الموضوع: أحكام الحيض ...
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-02-2020, 01:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,373
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام الحيض ...

بسم الله الرحمن الرحيم
أحكام الحيض ... (3)
إعداد حمدي طه ...
مجلة التوحيد
أولاً: الأحكام المتعلقة بالحيض:
1- الحيض ومثله النفاس يوجب الغسل بعد انقطاعه:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ مُوجِبٌ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْل، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَغْتَسِل لاِسْتِبَاحَةِ مَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِالْحَيْضِ؛ لقوله تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» [البقرة: 222]. قوله تعالى: «فَإِذَا تَطَهَّرْنَ» أَيْ إِذَا اغْتَسَلْنَ، فَمَنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا قَبْل غُسْلِهَا، فَدَل عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا لإِِبَاحَةِ الْوَطْءِ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبَيْش: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنكِ الدم وصَلِّي» [متفق عليه] وفي رواية للبخاري: «ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي»، وَأَمَرَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ وَسَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ وَغَيْرَهُنَّ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الاِنْقِطَاعَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْل، وَغُسْل الْحَيْضِ كَغُسْل الْجَنَابَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ، تَطْيِيبُ مَوْضِعِ الدَّمِ. لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، سَأَلْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْل الْمَحِيضِ؟ فَقَال: تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا، فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ فَقَال: سُبْحَانَ اللَّهِ. تَطَهَّرِينَ بِهَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ. كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْل الْجَنَابَةِ؟ فَقَال: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ، فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ. ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ. حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا. ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَْنْصَارِ، لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ. [مسلم 332] [وانظر الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي والموسوعة الفقهية الكويتية].

2- البلوغ:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ عَلاَمَةٌ مِنْ عَلاَمَاتِ الْبُلُوغِ الَّتِي يَحْصُل بِهَا التَّكْلِيفُ، فَإِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فِي زَمَنِ الإِْمْكَانِ، أَصْبَحَتْ بَالِغَةً وأهلاً للتكاليف الشرعية بالحيض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» [أبو داود 641 وصححه الألباني]، فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض، فدل على أن التكليف حصل به. [الفقه الإسلامي وأدلته وهبة الزحيلي، والموسوعة الفقهية الكويتية].

3- الحكم ببراءة الرحم في الاعتداد بالحيض:
من المعلوم أن الأصل في مشروعية العدة: العلم ببراءة الرحم، وقد سبق أن بيّنا أن الحيض هو استعداد متكرر للحمل، فإذا حاضت المرأة دل ذلك على أن الرحم خالٍ من الحمل.

4- الاعتداد بالحيض:
وهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن عدة المرأة المطلقة تكون بالحيض؛ لأن الأقراء الثلاثة المنصوص عليها في قوله تعالى: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ» [البقرة: 228]، هي الحيضات، ولا تنتهي عدة المطلقة غير الحامل إلا بانتهاء الحيضة الثالثة، ولا تحتسب الحيضة التي وقع الطلاق في أثنائها. وقال المالكية والشافعية: القرء: الطهر، فتحسب العدة بزمن الأطهار، وتنتهي العدة بابتداء الحيضة الثالثة، ويحتسب الطهر الذي وقع الطلاق فيه من الأطهار الثلاثة، ولو كان لحظة، وليس هذا موضع بسط هذا الخلاف.

5- الكفارة بالوطء في أثناء الحيض عند الحنابلة، وسيأتي الكلام في ذلك في ما يحرم بالحيض.

ثانيا: ما يحرم بالحيض والنفاس:
يحرم بالحيض والنفاس أكثر ما يحرم بالجنابة كالصلوات كلها، وسجود التلاوة، ومسّ المصحف، ودخول المسجد، والطواف، والاعتكاف، وقراءة القرآن. على خلاف في بعض هذه الأمور سيأتي بيانه في موضعه. ويزاد على ذلك أمور أخرى قال بها الفقهاء بين مُضيق وموسع، وتفصيل هذه الممنوعات في حالة الحيض ومثله النفاس، وأدلتها يتبين فيما يأتي:

1- الطهارة:
فإذا حاضت المرأة حُرم عليها الطهارة للحيض غسلاً أو وضوءًا في رأي الشافعية والحنابلة؛ لأن الحيض ومثله النفاس يوجب الطهارة، وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج البول، أي أن انقطاعه شرط لصحة الطهارة له. فإن قصدت بهذه الطهارة التعبد لله وهي تعلم بعدم صحتها أثمت كمن يصلي وهو مستدبر القبلة وهو يعلم أنه يجب عليه استقبالها، لكن إن أَمَرَّتْ الماء على جسدها بغير قصد التعبد فلا حرج عليها في ذلك بلا خلاف، لكن يجوز الغسل لجنابة أو إحرام ودخول مكة ونحوه، بل يُستحب ذلك؛ لأن هذه الطهارة القصد منها التنظف لأمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالاغتسال عند حيضها وقت الحج وقوله لها: «افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري» [مسلم 1211]. وأمره أسماء بنت عميس لحديث جابر عند مسلم. وفيه: «حتى إذا أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: اغسلي واستثفري بثوب وأحرمي..» الحديث. [مسلم: 1218].

2- الصلاة:
يحرم على الحائض والنفساء الصلاة، وليس عليها قضاء الصلاة بعد انقضاء الحيض بإجماع العلماء؛ وقد حكى غير واحد من أهل العلم هذا الإجماع منهم ابن جرير الطبري، والنووي في «المجموع»، فقال: أجمعت الأمة على أنه يحرم عليها الصلاة فرضها ونفلها، وأجمعوا على أنه يسقط عنها فرض الصلاة فلا تقضي إذا طهرت، قال أبو جعفر الطبري في كتابه «اختلاف الفقهاء»: أجمعوا على أنه عليها اجتناب كل الصلوات فرضها ونفلها. [المجموع: 2/351].

لحديث فاطمة بنت أبي حُبَيش المتقدم: «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة» [متفق عليه]، ولما روت عائشة رضي الله عنها: «كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» [مسلم 335]، ويحرم على الحائض قضاء الصلاة، والمعتمد عند الشافعية أنه يكره، وتنعقد نفلاً مطلقاً لا ثواب فيه.

3- الصوم:
يحرم على الحائض والنفساء الصوم ويمنع صحته، لحديث عائشة السابق، فإنه يدل على أنهن كن يفطرن. ولحديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: «أليس شهادةُ المرأة مثلَ نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلكن من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى؟ قال: فذلك من نقصان دينها» [البخاري 304]، ولا يسقط قضاؤه عنهما، فتقضي الحائض والنفساء الصوم دون الصلاة للحديث نفسه، وهذا محل إجماع من أهل العلم. حكاه الترمذي في جامعه، فقال: وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، فإِن قيل: ما الحكمة أنَّها تقضي الصَّوم، ولا تقضي الصَّلاة؟. قلنا: الحكمة قول الرَّسول صلى الله عليه وسلم كما سبق.
أخرج البخاري تعليقا: وقال أبو الزناد: إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي فما يجد المسلمون بدا من إتباعها من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة كما في صحيح البخارى قلت: لأن تمنع الحائض من الصلاة والطواف فهذا أمر معقول لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة والطواف أما أن تمنع من الصيام فهذا لا مدخل للعقل فيه لأن الطهارة ليست شرطا في صحة الصوم فعنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّى أَسْأَلُ. قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ. أخرجه مسلم.

واستنبط العلماء-رحمهم الله- لذلك حكمة، فقالوا: إِن الصَّوم لا يأتي في السَّنة إِلا مَرَّةً واحدة، والصَّلاة تتكرَّر كثيرًا، فإِيجاب الصَّوم عليها أسهل؛ ولأنها لو لم تقضِ ما حصل لها صومٌ. وأمَّا الصَّلاة فتتكرَّر عليها كثيرًا، فلو ألزمناها بقضائها لكان ذلك عليها شاقًّا. ولأنَّها لن تعدم الصَّلاة لتكرُّرِها، فإِذا لم تحصُل لها أوَّل الشَّهر حصلت لها آخره.

4- مس المصحف وحمله:
اتَّفَقَ فُقَهَاءُ المذاهب الأربعة عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ مَسُّ الْمُصْحَفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ» [الواقعة: 79]، وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى أَهْل الْيَمَنِ كِتَابًا، وَكَانَ فِيهِ: لاَ يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلاَّ طَاهِرٌ. [الطبراني والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع 7780].

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَلِّمَةَ وَالْمُتَعَلِّمَةَ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا مَسُّ الْمُصْحَفِ.
واستثنى الشافعية حالة الخوف على القرآن من غرق أو حرق أو نجاسة، أو وقوعه في يد كافر، فيجب حمله حينئذ، كما يجوز حمله باتفاق العلماء في تفسير أكثر منه يقينًا، ولا يجوز حمله عند الشافعية إذا قصده مع المتاع على المعتمد.

واستثنى الحنفية حالة مس القرآن بغلاف متجافٍ عن القرآن، ويرخص عندهم لأهل كتب الشريعة من حديث وفقه وتفسير أخذ الورقة بالكُمّ وباليد للضرورة، وأجازوا تقليب أوراق المصحف بنحو قلم للقراءة، ولا يكره النظر للقرآن لجنب وحائض ونفساء؛ لأن الجنابة لا تحل العين.
وذهب ابن حزم الظاهري إلى جواز مس المصحف للحائض فقال: وأما مس المصحف فإن الآثار التي احتج بها من لم يجز للجنب مسه فإنه لا يصح منها شيء لأنها إما مرسلة وإما صحيفة لا تسند، وإما عن مجهول، وإما عن ضعيف ومس المصحف، وذكر الله تعالى أفعال خير مندوب إليها مأخوذ فاعلها، فمن ادعى المنع فيها في بعض الأقوال كلف أن يأتي بالبرهان. [المحلى 1/81].
قلت: وما ذهب إليه الجمهور أقوى وأرجح وأحوط، والله أعلم.

5- قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ لِلْقُرْآنِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- إِلَى حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُرْآنِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ. [الترمذي وابن ماجه وغيرهم وضعفه الألباني] من حديث عبدالله بن عمر، ثم نقل الترمذي عن البخاري أنه أعلّ إسناده.. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَائِضَ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي حَال اسْتِرْسَال الدَّمِ مُطْلَقًا، كَانَتْ جُنُبًا أَمْ لاَ، خَافَتِ النِّسْيَانَ أَمْ لاَ.
وَأَمَّا إِذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا، فَلاَ تَجُوزُ لَهَا الْقِرَاءَةُ حَتَّى تَغْتَسِل جُنُبًا كَانَتْ أَمْ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَخَافَ النِّسْيَانَ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى التَّطَهُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْحَائِضِ أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِذَا خَافَتْ نِسْيَانَهُ، بَل يَجِبُ؛ لأَِنَّ مَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومعلوم أن النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن ينههن عن الذكر والدعاء، بل أمر الحيض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين، وأن للحائض أن تؤدي المناسك كلها إلا الطوائف كما في حديث عائشة. [مجموع الفتاوى: 21/459].
فكما أن للحاج أن يذكر الله ويقرأ القرآن، فكذلك الحائض لها أن تذكر الله وتقرأ القرآن. [الجامع لأحكام النساء، مصطفى العدوي: 1/183].
وأما الجنب فلم يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد العيد ولا أن يصلي ولا أن يؤدي شيئًا من المناسك لأن الجنب يمكن أن يتطهر فلا عذر له في ترك الطهارة بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها رفعه. [مجموع الفتاوى لابن تيمية 21/459].
قلت: والنفس أميل إلى ما ذهب إليه ابن تيمية وأهل الظاهر، والله أعلم.

6- دخول المسجد، واللبث والاعتكاف فيه:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْحَائِضِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَمَّا الْمَسْجِدُ فَلاَ أُحِلُّهُ لِجُنُبٍ وَلاَ لِحَائِضٍ» [رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وضعفه الألباني] قلت: وهذا حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج به وقالوا: وَلأَنَّ حَدَثَ الْحَيْضِ أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ كَانَ نَصُّ الْكِتَابِ يَمْنَعُ الْجُنُبَ مِنَ الَمَقَامِ فِيهِ، فَكَانَتِ الْحَائِضُ مَعَ مَا يُخَافُ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ بِدَمِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْعِ، وَإِذَا مُنِعَتْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الاعْتِكَافِ. [الحاوي للماوردي: 1/346]. وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ عُبُورِهَا لِلْمَسْجِدِ دُونَ لُبْثٍ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ، كَالْخَوْفِ مِنَ السَّبُعِ قِيَاسًا عَلَى الْجُنُبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ»، وَاللِّصِّ وَالْبَرْدِ وَالْعَطَشِ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُنَاوِلَهُ الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا حَائِضٌ، فَقَال: «إن حَيْضَتُك لَيْسَتْ في يَدِكِ» [مسلم 298].

وأجاز الشافعية والحنابلة للحائض والنفساء العبور في المسجد، إن أمنت تلويثه؛ لأنه يحرم تلويث المسجد بالنجاسة وغيرها من الأقذار بسبب المكث فيه؛ لأَِنَّ تَلْوِيثَهُ بِالنَّجَاسَةِ مُحَرَّمٌ، وَالْوَسَائِل لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: «تقوم إحدانا بالخُمْرة إلى المسجد، فتبسُطُها وهي حائض» وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ حُرْمَةَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ لِلْمُكْثِ أَوْ لِلْعُبُورِ، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دُخُولَهَا لِلطَّوَافِ. كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُول الْحَائِضِ مُصَلَّى الْعِيدِ. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَكَذَا مُصَلَّى الْجِنَازَةِ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي الأَْصَحِّ، وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ مُصَلَّى الْعِيدِ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّهُ مَسْجِدٌ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «وَيَعْتَزِل الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى» [البخاري 324]، وهو الأرجح دليلاً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.10%)]