
14-02-2020, 04:03 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,618
الدولة :
|
|
رد: حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء
حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء
الشيخ د. علي بن محمد العمران
المبحث الثالث: أدلة المذاهب الثلاثة ومناقشتها:
أدلة المذهب الأول:
الدليل الأول: قال الله - تعالى -: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ï´¾ [المائدة: 6].
ووجْه الدَّلالة من الآية: أنَّ الله - تعالى - ذكَر أركان الوضوء في هذه الآية، ولَم يذكر منها المضمضة والاستنشاق، فلو كان واجبًا لذكَره.
فإن قيل: إنه داخِلٌ في مسمَّى الوجْه وقد ذُكِر في الآية، فيُجاب بأنَّ الوجه في اللغة ما تحصل به المواجهة، أمَّا داخِل الأنف والفم فلا تحصل بهما المواجهة المقتضية للوجوب، فهما عضوان باطِنان لا يجب غسلُهما قياسًا على العين وباطن اللحية[20].
وأُجيب أيضًا بأنَّ الإجمال في الآية بيَّنه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن فعْله؛ حيث داوَم على المضمضة والاستنشاق، فدلَّ ذلك على الوجوب، وفِعْل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان بيانًا لمجْملٍ دلَّ على الوجوب؛ كما هو مقرَّر في الأصول، وكذلك قد صحَّ الأمر بهما في غير ما حديث - كما سيأتي.
قال الشوكاني: ويشدُّ من عَضُد دعْوى الدخول في الوجْه أنه لا موجِب لتخصُّصه بظاهره دون باطنه، فإن الجميع في لغة العرب يسمَّى وجْهًا.
فإن قيل: قد أُطْلِقَ على خَرْق الفم والأنف اسمٌ خاص، فليسا في لغة العرب وجْهًا، قلنا: وكذلك أُطْلِق على الخَدَّين والجبهة، وظاهر الأنف والحاجِبَين، وسائر أجزاء الوجْه أسماء خاصَّة، فلا تسمَّى وجْهًا، وهذا في غاية السُّقوط؛ لاستلزامه عدمَ وجوب غَسْل الوجْه.
فإن قيل: يلزَم على هذا وجوب غَسْل باطن العين، قلنا: يلزم لولا اقتصار الشارع في البيان على غَسْل ما عداه، وقد بيَّن لنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما نزَل إلينا، فداوَم على المضمضة والاستنشاق، ولَم يُحْفَظ أنه أخلَّ بهما مرَّة واحدة؛ كما ذكرَه ابن القَيِّم في "الهدي"[21]، ولَم يُنْقَل عنه أنه غسَل باطن العين مرَّة واحدة، على أنه قد ذهَب إلى وجوب غسْل باطن العين ابن عمر، والمؤيد بالله من أهل البيت؛ انتهى كلامه[22].
الدليل الثاني: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عَشْرٌ من الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسْل البَرَاجِم، ونَتْف الإبط، وحلْق العانة، وانتقاص الماء))[23]، قال زكرياء: قال مصعب: ونسيتُ العاشرة، إلاَّ أن تكون المضمضة.
وقد روي من حديث عمار[24] وابن عمر[25] وأبي هريرة[26].
ووجْه الاستدلال: أنهم قالوا: إن معنى الفطرة في الحديث هي السُّنة[27]، واستدلوا على ذلك بأنه قد رُوي هذا الحديث بلفظ: ((عَشْرٌ من السُّنة...))[28]، ورُوي أيضًا عن ابن عمر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((من السُّنة قَصُّ الشارب ونتْف الإبط...))[29].
وأُجيب عن ذلك بأن كونهما من الفطرة لا ينفي وجوبَهما؛ لاشتمال الفطرة على الواجب والمندوب، ولذلك ذكَر فيها الختان وهو واجبٌ[30] .
وكذلك فإنَّ معنى الفطرة مختلف فيه على عدَّة أقوال، فقيل: إنها الخِلْقة، أو البُداءَة، أو الإسلام، أو الميثاق والعهْد.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"[31]: وأما شرْح الفطرة، فقال الخطابي: ذهَب أكثر العلماء إلى أنَّ المراد بالفطرة هنا السُّنة، وكذا قاله غيره، قالوا: والمعنى أنها من سُنن الأنبياء، وقالت طائفة: المعنى بالفطرة الدِّين، وبه جزَم أبو نُعيم في "المستخرج"، وقال النووي في "شرْح المهذب": جزَم الماوردي والشيخ أبو إسحاق بأنَّ المراد بالفِطرة في هذا الحديث الدِّين، واستشكلَ ابن الصلاح ما ذكَره الخطَّابي، وقال: معنى الفطرة بعيد من معنى السُّنة، لكن لعلَّ المراد أنه على حذْف مضاف؛ أي: سُنة الفطرة، وتعقَّبه النووي بأن الذي نقلَه الخطَّابي هو الصواب؛ فإن في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من السُّنة قصُّ الشارب، ونَتْف الإبط، وتقليم الأظفار))، قال: وأصحُّ ما فُسِّر به غريب الحديث تفسيره بما جاء في رواية أخرى؛ ولا سيَّما في صحيح البخاري؛ ا .هـ.
وقد تَبِعه شيخنا ابن الملقِّن على هذا، ولَم أرَ الذي قاله في شيء من نُسَخ البخاري، بل الذي فيه من حديث ابن عمر بلفظ الفطرة، وكذا من حديث أبي هريرة، نعم وقَع التعبير بالسُّنة موضع الفِطرة في حديث عائشة عند أبي عوانة في رواية، وفي أخرى بلفظ الفطرة؛ كما في رواية مسلم والنسائي وغيرهما، والمراد بالفطرة في حديث الباب: أنَّ هذه الأشياء إذا فُعِلت اتَّصف فاعلها بالفطرة التي فطَر الله العباد عليها، وحثَّهم عليها واستحبَّها لهم؛ ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورةً، وقد ردَّ القاضي البيضاوي الفطرة في حديث الباب إلى مجموع ما ورَد في معناها، وهو الاختراع والجِبلَّة، والدِّين والسُّنة، فقال: هي السُّنة القديمة التي اختارَها الأنبياء واتَّفقت عليها الشرائع، وكأنها أمرٌ جِبلِّي، فُطِروا عليه؛ انتهى.
وكذلك لو صحَّ أنَّ معنى الفطرة هي السُّنة، لَم يقم ذلك دليلاً على أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان؛ لأن المراد بالسُّنة الطريقة لا المعنى الاصطلاحي الأصولي[32].
أمَّا ما استدلُّوا به من الأحاديث، فحديث عائشة برواية: ((عَشْرٌ من السُّنة))، والصحيح فيه أنه موقوف على طلْق بن حبيب الراوي عن ابن الزبير، ورفعه شاذ، كما أنَّ المحفوظ أنه بلفظ: ((عشرٌ من الفِطرة)).
أمَّا حديث ابن عمر ((من السُّنة قصُّ...))، فهو في "صحيح البخاري" وغيره لكن بلفظ: ((من الفطرة))، وهو المحفوظ، وهذه اللفظة تفرَّد بها حامد ابن أبي حامد المقري عن إسحاق بن سليمان، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر، وقد خالَف حامد بن أبي حامد في الرواية عن إسحاق بن سليمان جماعة من الحُفَّاظ.
الدليل الثالث: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المضمضة والاستنشاق سُنَّة))[33].
الدليل الرابع: ما رواه رفاعة بن رافع - في المسيء صلاته - قال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قمت فتوضَّأ كما أمرَك الله))[34]، وفي لفظ لهم: ((إنها لا تتم صلاة أحدِكم حتى يُسبغ الوضوء - كما أمرَه الله - فيغسل وجْهه ويديه إلى المِرْفَقَيْن، ويَمسح برأسه ورِجْليه إلى الكعبين)).
ووجْه الاستدلال من الحديث: أنَّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كما أمرَك الله))؛ أي في الآية التي في سورة المائدة - وقد تقدَّمت في الدليل الأول - وليس فيها ذِكْر المضمضة والاستنشاق، وإنما فيها ذِكرُ الوجْه، والوجْه عندهم لا يدخل فيه الفم والأنف، ويدل عليه ما صرَّح به في الرواية الأخرى التي ذكرناها: ((فيغْسل وجْهه ويديه إلى المِرْفَقين، ويمسح برأْسه ورِجليه إلى الكعبين))، وليس فيها ذكرُ المضمضة والاستنشاق.
قال الشوكاني: "فيقتصر في الجواب على أنه قد صحَّ أمرُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بها، والواجب الأخْذ بما صحَّ عنه، ولا يكون الاقتصار على البعض في مبادئ التعاليم ونحوها موجِبًا لصرْف ما ورَد بعده، وإخراجه عن الوجوب، وإلاَّ لزِم قصْرُ واجبات الشريعة بأَسْرها على الخَمْس المذكورة في حديث ضِمَام بن ثَعْلبة مثلاً؛ لاقتصاره على ذلك المقدار في تعليمه، وهذا خرْقٌ للإجماع، وإطْراح لأكثر الأحكام الشرعية"[35].
الدليل الخامس: حكاية الإمام الشافعي، والإمام ابن جرير الطبري الإجماع على أن المتوضِّئ لو ترَك المضمضة والاستنشاق عامدًا أو ناسيًا، لَم يُعِد.
قال الشافعي: "ولَم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضِّئ، ولَم أعلم اختلافًا في أنَّ المتوضِّئ لو ترَكها عامدًا وناسيًا وصلَّى، لَم يُعِد"[36].
قال ابن المنذر: "واعتلَّ الشافعي في وقوفه عن إيجاب الاستنشاق أنه ذكَر بأنه لا يعلم خلافًا في أنْ لا إعادة على تاركهما، ولو عَلِم في ذلك اختلافًا، لرجَع إلى أصوله أنَّ الأمرَ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الفرض، ألا تراه إنما اعتلَّ في تخلُّفه عن إيجاب السواك بأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَم يأمرْ به؛ قال الشافعي[37]: "فلو كان السواك واجبًا، أمرَهم به؛ شقَّ عليهم أو لَم يَشق"[38]؛ ا. هـ.
وقال الحافظ ابن حجر عن كلام الشافعي: "وهذا دليل قوي، فإنه لا يُحْفَظ ذلك عن أحدٍ من الصحابة ولا التابعين، إلاَّ عن عطاء[39]، وثبَت عنه أنه رجَع عن إيجاب الإعادة"[40].
• وقال ابن جرير الطبري: "...أنْ لا خبرَ عن واحدٍ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوجَب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لِحيته وعارِضَيه، وتارِك المضمضة والاستنشاق - إعادة صلاته إذا صلَّى بطُهره ذلك، ففي ذلك أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا من أن فِعْلَهم ما فعلوا من ذلك - أي فِعْل السلف للمضمضة والاستنشاق - كان إيثارًا منهم لأفضل الفِعْلَين من الترْك والغسل"[41].
الدليل السادس: وهو متعلِّق بما قبله، وهو حكاية الآثار عن جماعة من التابعين الذين قالوا بعدم إعادة وضوء مَن ترَك المضمضة والاستنشاق، فقد ذكَر الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة أحد عشر أثرًا عن التابعين[42] كلها لا تأمر بالإعادة، اثنان منها فقط يأْمُران بإعادة الوضوء، وهما:
الأول: قال أبو بكر بن أبي شيبة[43]: حدثنا يزيد بن هارون، حدَّثنا حمَّاد بن سَلَمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء فيمَن نَسِي المضمضة في الوضوء والاستنشاق، قال: "يُمضمض ويستنشق، ويُعيد الصلاة".
لكنَّه رجَع عن هذا القوْل في رواية أخرى؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن مبارك، عن مُثَنَّى، عن عطاء فيمَن نَسِي المضمضة والاستنشاق حتى صلَّى، قال: "ليس عليه إعادةٌ".
وهذا الرجوع ثابتٌ؛ كما قال الحافظ ابن حجر في الفتْح[44].
الثاني: قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا عبَّاد بن العوَّام، عن عمر بن عامر، عن حمَّاد، عن إبراهيم، قال: "يعيد الرجل الصلاة من نسيان المضمضة والاستنشاق[45]".
لكنه رجَع عن هذا القول أيضًا في رواية أخرى؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن منصور، قال: قلت لإبراهيم: الرجل ينسى الاستنشاق، فيذكر في الصلاة أنه نَسِي، قال إبراهيم: يمضي في صلاته، قال: وقال منصور: والمضمضة مثل ذلك.
أدلة المذهب الثاني:
الدليل الأول: قال الله - تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... ï´¾ [المائدة: 6]، وجْه الدَّلالة: أن الآية أمرَت بغسْل الوجْه، وغسْل الوجْه يدخل فيه خارِجُه وداخله؛ لأنه من تمام غسل الوجْه، فالأمر بغسْله أمرٌ بالمضمضة والاستنشاق، ثم إنه لا موجِب لتخصُّصه بظاهره دون باطنه؛ فإنَّ الجميع في لغة العرب يسمَّى وجْهًا[46].
واعترَض على هذا الاستدلال بأنه لا يسمَّى وجهًا إلاَّ ما واجَه، وحصَلت به المواجهة، أمَّا ما بطنَ ولَم يُواجه، فلا يسمَّى وجهًا بإجماع أهل اللغة؛ كما نقَله الإمام الشافعي، وهو من أهل اللسان.
الدليل الثاني: عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن توضَّأ، فليستنثر، ومن استجْمَر، فليوتِر))[47].
وجْه الدَّلالة: أنَّ الحديث جاء بصيغة الأمر، والأمر يدلُّ على الوجوب إذا خلا عن القرائن الصارفة، كما هو مقرَّر في الأصول.
ويُجاب عن ذلك بما قاله ابن جرير الطبري، قال: "فإن ظنَّ ظانٌّ أن في الأخبار التي رُوِيَت عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم، فليستنثرْ))؛ دليلاً على وجوب الاستنثار، فإن في إجماع الحُجَّة - على أن ذلك غيرُ فرْضٍ واجب، يجب على مَن ترَكه إعادةُ الصلاة التي صلاها قبل غسْله - ما يغني عن إكثار القول فيه"[48].
الدليل الثالث: حديث عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: ((أسبغِ الوضوء، وخَلِّل بين الأصابع، وبالِغ في الاستنشاق، إلاَّ أن تكون صائمًا))[49].
وفي رواية: ((إذا توضَّأتَ، فمَضْمِضْ))[50]، وهذه الرواية صحَّحها الحافظ في الفتح[51].
ووجْه الدلالة: أنَّ الحديث جاء بصيغة الأمر، والأمر يدل على الوجوب؛ كما تقدَّم في الدليل قبله.
وأُجيب عن ذلك بأنَّ الأمر هنا للندبِ، بدليل الإجماع الذي نقلَه الشافعي، وابن جرير.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|