عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-02-2020, 04:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,373
الدولة : Egypt
افتراضي من فروض الوضوء مسح الرأس

من فروض الوضوء مسح الرأس


دبيان محمد الدبيان




الفرض الثالث من فروض الوضوء مسح الرأس، وقد دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب، فقوله تعالى: ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾[1].

وأما السنة، فالأحاديث الكثيرة المستفيضة والتي سقناها فيما سبق من فروض الوضوء.

وأما الإجماع، فنقله خلق كثير، نقله من الحنفية: الطحاوي[2].



ومن المالكية: ابن عبدالبر[3]، والحطاب[4]، وابن رشد[5]، والقرطبي[6]، والخرشي[7].

ومن الشافعية: النووي[8]، والماوردي[9].

ومن الحنابلة: ابن قدامة[10]، وابن مفلح[11]، والزركشي[12] وغيرهم.



المبحث الأول

خلاف العلماء في القدر الواجب مسحه من الرأس

اختلف العلماء في المقدار الواجب مسحه من الرأس:

فقيل: يكفي في مسح الرأس مقدار الناصية، وهو ربع الرأس، وهذا مذهب الحنفية[13].

وقيل: يجب مسح جميع الرأس، وهو مذهب المالكية[14]، والمشهور من مذهب الحنابلة[15]، واختاره المزني من الشافعية[16].

وقيل: المفروض أقل ما يتناوله اسم المسح، ولو شعرة، وهو مذهب الشافعية[17].



دليل الحنفية على جواز الاقتصار على الناصية في المسح:

الدليل الأول:

(960-189) ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ فمسح بناصيته ومسح على الخفين والعمامة. قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة[18].

[إسناده صحيح][19].



وجه الاستدلال:

لما مسح النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناصية، كان مسحه - عليه الصلاة والسلام - على العمامة من باب الفضل، لا من باب الوجوب؛ إذ لا يمكن أن يجب مسح البدل ومسح الأصل في وقت واحد.

قال الطحاوي: في هذا الأثر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسح على بعض الرأس، وهو الناصية، وظهور الناصية دليل أن بقية الرأس حكمه حكم ما ظهر منه؛ لأنه لو كان الحكم قد ثبت بالمسح على العمامة، لكان كالمسح على الخفين، فلم يكن إلا وقد غُيِّبت الرِّجلان فيهما، ولو كان بعض الرِّجلين باديًا، لما أجزأه أن يغسل ما ظهر منهما، ويمسح على ما غاب منهما، فجعل حكم ما غاب منهما، مضمنًا بحكم ما بدا منهما، فلما وجب غسلُ الظاهر وجب غسل الباطن، فكذلك الرأس: لما وجب مسح ما ظهر منه، ثبت أنه لا يجوز مسح ما بطن منه؛ ليكون حكم كله حكمًا واحدًا، كما كان حكم الرجلين إذا غيِّبت بعضها في الخفين حكمًا واحدًا، فلما اكتفى النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الأثر بمسح الناصية على مسح ما بقي من الرأس، دل ذلك أن الفرض في مسح الرأس هو مقدار الناصية، وأن ما فعله فيما جاوز به الناصية فيما سوى ذلك من الآثار، كان دليلاً على الفضل لا على الوجوب؛ حتى تستوي هذه الآثار ولا تتضاد، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.

وأجيب:

بأنه لو جاز الاقتصار على مسح الناصية، لما مسح على العمامة، وإذا مسح على ناصيته وكمل الباقي بعمامته، أجزأه بلا ريب.



قلت: وهناك تأمل آخر في الحديث، وهو: هل قوله: توضأ فمسح على ناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين - نقلٌ لفعل واحد، أو أنه نقل لأفعال مختلفة رصدها المغيرة، ونقلها مجتمعة في نص واحد؟ فإن كان الفعل واحدًا فظاهر أن المسح لم يقتصر على الناصية، فلا يكون فيه دليل على جواز الاقتصار على الناصية، وإن كان النقل لأفعال مختلفة، وأن هذه مجموعة أحاديث، وليست حديثًا واحدًا للمغيرة، جمعها في حديث واحد، فهو دليل قوي على جواز الاقتصار على المسح على الناصية، وهذا الاحتمال غير بعيد، فإن هناك أحاديث للمغيرة ينقل لنا فيها المسح على الخفين فقط، وهناك حديث ينقل لنا المسح على الجوربين والنعلين، وقد تُكُلِّم فيه، وخرجته في المسح على الحائل، فيحتاج الباحث إلى تأمل، هل هذه الأفعال كانت متفرقة جمعها المغيرة في حديث واحد، أو كانت فعلاً واحدًا في وضوء واحد، نقله لنا المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ والحنفية والشافعية لا يمكن أن يقولوا لنا: إنها أفعال مختلفة؛ لأنه يلزمهم على هذا أن يقولوا بجواز المسح على العمامة، وهم لا يقولون به، ومحال أن يحتجوا علينا ببعض الحديث، ويتركوا بعضه، والله أعلم.

قال ابن القيم في الزاد: ولم يصح عنه في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه ألبتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة، ثم قال: وأما اقتصاره على الناصية مجردة فلم يحفظ عنه[20]. اهـ

وأما الجواب على ما ذكره الطحاوي، فيقال: لا نسلم أن ما ظهر من القدم فرضُه الغسلُ، وأنه يجب أن يغيب القدم في الخف، فالمسح على الخف ورد مطلقًا، واشتراط كون الخف ساترًا للمفروض لم يأتِ في كتاب ولا سنة، وكلُّ شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل، وإن كان مائة شرط، والحنفية لا يمنعون المسح على الخف ولو ظهر أصبع أو أصبعين من القدم، ويجمعون في هذه الحالة بين المسح والغسل، مع أن نسبة الأصبعين إلى خمسة الأصابع كنسبة الناصية إلى العمامة، فانتقض كلام الطحاوي - رحمه الله - في عدم الجمع بين المسح والغسل، والله أعلم.



الدليل الثاني على جواز الاقتصار على الناصية:

(961-190) ما رواه أبو داود، قال: حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، حدثني معاوية بن صالح، عن عبدالعزيز بن مسلم، عن أبي معقل، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة[21].

[إسناده ضعيف] [22].

قال ابن القيم: مقصود أنس به: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقض عمامته حتى يستوعب مسح الشعر كله، ولم يَنفِ التكميل على العمامة، وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره، فسكوت أنس عنه لا يدل على نفيه[23]. اهـ.

ولا نحتاج إلى هذا الجواب والحديثُ ضعيف، ولو قَبِلوا منا هذا لقبلنا منهم دعوى أن الأحاديث الواردة في المسح على العمامة دون ذِكر الناصية أن المقصود: مع مسح الناصية؛ لأن هذه الأحاديث لم تنفِها، وقد أثبتها حديث المغيرة في المسح على العمامة والناصية؛ بل نقول: الحديث لا يثبت، ولا يستدل على دعوى الاقتصار على مقدم الرأس إلا بحديث صحيح، ولا يوجد.



الدليل الثالث:

(962-191) ما رواه عبدالرزاق، قال: عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، قال: بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ، وعليه العمامة يؤخرها عن رأسه، ولا يَحُلُّها، ثم مسح برأسه، فأشار الماء بكف واحد على اليافوخ قط، ثم يعيد العمامة[24].

[هذا الأثر من عطاء مرسل، ومرسل عطاء من أضعف المراسيل][25].



الدليل الرابع:

فعل ابن عمر مع ما عُرف عنه من حرصه على متابعة السنة.

(963-192) فقد روى عبدالرزاق عن معمر، عن أيوب، عن نافع: أن ابن عمر كان يُدخِل يديه في الوضوء، فيمسح بها مسحة واحدة اليافوخ قط[26].

[إسناده صحيح] [27].

فاجتمع لنا أثر صحيح موقوف، ومرسل عطاء، وحديث أنس الضعيف فهل يحصل بمجموعها ما يثبت به الاحتجاج، أو لا تقوى على معارضة الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هذا محل تأمل عندي.

قال ابن حجر عن مرسل عطاء: وهو مرسل، لكنه اعتضد بمجيئه من وجه آخر موصولاً، أخرجه أبو داود من حديث أنس، وفي إسناده أبو معقل، لا يُعرف حاله، فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر، وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لما ذكره الشافعي من أن المرسل يعتضد بمرسل آخر، أو مسند، ثم قال: وفي الباب أيضًا عن عثمان في صفة الوضوء، قال: ومسح مقدم رأسه؛ أخرجه سعيد بن منصور، وفيه خالد بن يزيد بن أبي مالك، مختلف فيه، وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس، قال ابن المنذر وغيره: ولم يصح عن أحد من الصحابة إنكار ذلك؛ قاله ابن حزم، وهذا كله مما يقوى به المرسل المتقدم ذكره، والله أعلم[28].



دليل من قال: يجزئ أقل ما يتناوله المسح:

الدليل الأول:

قال - تعالى -: ﴿ وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ﴾[29]، فيتحقق مسح الرأس بمسح جزء من أجزائه، كما تقول: ضربت رأسه، وضربت برأسه، فمن قال: إنه لا يكون ضاربًا لرأسه حقيقة إلا إذا وقع الضرب على كل جزء من أجزائه، فقد جاء بما لا يفهمه أهل اللغة ولا يعرفونه، ومثل هذا إذا قال القائل: مسحت الحائط ومسحت بالحائط، فإن المعنى للمسح يوجد بمسح جزء من أجزاء الحائط، ولا ينكر هذا إلا مكابر[30].



الدليل الثاني:

ثبت في الدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته، فهذا يمنع وجوب الاستيعاب، ويمنع التقدير بالثلث أو الربع أو النصف؛ فإن الناصية دون الربع، فيتعين أن الواجب ما يقع عليه اسم مسح.



الدليل الثالث:

الباء في قوله تعالى: ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾[31] دالة على التبعيض، وجهه: إذا دخلت الباء على فعل يتعدى بنفسه كانت للتبعيض، كقوله تعالى: ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾، وإن لم يتعد فللإلصاق كقوله تعالى: ﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾[32].

ورد عليهم:

بأنه لم يثبت كونها للتبعيض، وقد رده سيبويه في خمسة عشر موضعًا في كتابه.

فإن قيل: فما فائدة دخول الباء مع أن الفعل يتعدى بنفسه؟

قال ابن تيمية: إذا دخلت الباء على فعل يتعدى بنفسه، أفادت قدرًا زائدًا، فلو قال: "وامسحوا رؤوسكم أو وجوهكم" لم تدل على ما يلتصق بالمسح، فإنك تقول: مسحت رأس فلان، وإن لم يكن بيدك بلل، فإذا قيل: وامسحوا برؤوسكم وبوجوهكم، ضمن المسح معنى الإلصاق، فأفاد أنكم تلصقون برؤوسكم وبوجوهكم شيئًا بهذا المسح.



دليل من قال: يجب استيعاب الرأس بالمسح:

الدليل الأول:

(964-193) ما رواه البخاري من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن رجلاً قال لعبدالله بن زيد - وهو جد عمرو بن يحيى -: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ؟ فقال عبدالله بن زيد: نعم، فدعا بماء، فأفرغ على يديه، فغسل مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. ورواه مسلم بنحوه[33].



وجه الاستدلال:

هذا بيان لما أجمل في آية المائدة من قوله تعالى: ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾، وإذا كان فعله - صلى الله عليه وسلم - بيانًا لمجمل واجب، كان مسحه كله واجبًا، فالله - سبحانه وتعالى - أمر بمسح الرأس، وفعله - صلى الله عليه وسلم - خرج امتثالاً للأمر، وتفسيرًا للمجمل.



الدليل الثاني:

احتج بعضهم لوجوب العموم في مسح الرأس بقوله تعالى: ﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾[34]، وقد أجمعوا أنه لا يجوز الطواف ببعضه، فكذلك مسح الرأس؛ لقوله تعالى: ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾، لا يجوز مسح بعضه[35].



الدليل الثالث:

الباء في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وامسحوا برؤوسكم ﴾ كالباء في قوله تعالى: ﴿ فامسحوا بوجوهكم ﴾ في التيمم، فكما أنهم أجمعوا على أنه لا يجوز مسح بعض الوجه في التيمم، فكذلك لا يجوز مسح بعض الرأس في الوضوء، فالعامل واحد في الموضعين، وهو قوله تعالى: ﴿ وامسحوا ﴾[36].

الدليل الرابع:

قال ابن عبدالبر: الفرائض لا تؤدى إلا بيقين، واليقين ما أجمعوا عليه من مسح جميع الرأس، فقد أجمعوا أن من مسح برأسه كله، فقد أحسن وفعل أكمل ما يلزمه[37].



الدليل الخامس:

أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر مسح الرأس، ومسمى الرأس حقيقة هو جميع الرأس، فيقتضي وجوب مسح جميع الرأس، وحرف الباء لا يقتضي التبعيض لغة، بل هو حرف إلصاق، فيقتضي إلصاق الفعل بالمفعول، وهو المسح بالرأس، والرأس اسم لكله، فيجب مسح كله.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]