عرض مشاركة واحدة
  #340  
قديم 20-02-2020, 04:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,300
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (339)
تفسير السعدى
سورة الحج
من الأية(67) الى الأية(78)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الحج



" لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم "(67)
يخبر تعالى أنه جعل لكل أمة " مَنْسَكًا " أي: معبدا وعبادة, قد تختلف في بعض الأمور, مع اتفاقها على العدل والحكمة, كما قال تعالى: " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ " الآية.
" هُمْ نَاسِكُوهُ " أي: عاملون عليه, بحسب أحوالهم, فلا اعتراض على شريعة من الشرائع, خصوصا من الأميين, أهل الشرك, والجهل المبين.
فإنه إذا ثبت رسالة إلى الرسول بأدلتها, وجب أن يتلقى جميع ما جاء به بالقبول والتسليم, وترك الاعتراض, ولهذا قال: " فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ " أي: لا ينازعنك المكذبون لك, ويعترضوا على بعض ما جئتهم به, بعقولهم الفاسدة, مثل منازعتهم في حل الميتة, بقياسهم الفاسد يقولون " تأكلون ما قتلتم, ولا تأكلون ما قتل الله " .
وكقولهم " إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا " ونحو ذلك من اعتراضاتهم, التي لا يلزم الجواب عن أعيانها, وهم منكرون لأصل الرسالة, وليس فيها مجادلة ومحاجة بانفرادها, بل لكل مقام مقال.
فصاحب هذا الاعتراض, المنكر لرسالة الرسول, إذا زعم أنه يجادل ليسترشد, يقال له: الكلام معك في إثبات الرسالة وعدمها, وإلا, فالاقتصار على هذه, دليل على أن مقصوده, العنت والتعجيز.
ولهذا أمر الله رسوله, أن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة, ويمضي على ذلك.
سواء اعترض المعترضون أم لا.
وأنه لا ينبغي أن يثنيك عن الدعوة شيء لأنك على " هُدًى مُسْتَقِيمٍ " أي: معتدل موصل للمقصود, متضمن علم الحق والعمل به.
فأنت على ثقة من أمرك, ويقين من دينك, فيوجب ذلك لك الصلابة والمضي لما أمرك به ربك ولست على أمر مشكوك فيه, أو حديث مفترى, فتقف مع الناس, ومع أهوائهم, وآرائهم, ويوقفك اعتراضهم.
ونظير هذا قوله تعالى: " فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ " .
مع أن في قوله " إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ " إرشادا لأجوبة المعترضين, على جزئيات الشرع, بالعقل الصحيح, فإن الهدى, وصف لكل ما جاء به الرسول.
والهدى: ما تحصل به الهداية, في مسائل الأصول والفروع, وهي المسائل التي يعرف حسنها, وعدلها, وحكمهتا, بالعقل, والفطرة السليمة, وهذا يعرف بتدبر تفاصيل المأمورات والمنهيات.

" وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون " (68)
ولهذه أمره الله بالعدول عن جدالهم في هذة الحالة فقال: " وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ " أي: هو عالم بمقاصدكم, ونياتكم, فمجازيكم عليها وهو " يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " .
فمن وافق الصراط المستقيم, فهو من أهل النعيم, ومن زاغ عنه, فهو من أهل الجحيم.
ومن تمام حكمه, أن يكون حكما بعلم, فلذلك ذكر إحاطة علمه, وإحاطة كتابه فقال:

" ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير " (70)
" أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " لا يخفى عليه منها خافية, من ظواهر الأمور, وبواطنها, خفيها, وجليها, متقدمها, ومتأخرها.
ذلك العلم المحيط بما في السماء والأرض قد أثبته الله في كتاب, وهو اللوح المحفوظ, حين خلق الله القلم قال له " اكتب " قال: ما أكتب؟ قال: " اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة " .
" إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ " وإن كان تصوره عندهم لا يحاط به, فالله تعالى يسير عليه أن يحيط علما بجميع الأشياء, وأن يكتب ذلك في كتاب مطابق للواقع.

" ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير " (71)
يذكر تعالى حالة المشركين به, العادلين به غيره, وأن حالهم أقبح الحالات.
وأنه لا مستند لهم على ما فعلوه, فليس لهم به علم, وإنما هو تقليد, تلقوه عن آبائهم الضالين.
وقد يكون الإنسان لا علم عنده بما فعله, وهو - في نفس الأمر - له حجة ما علمها.
فأخبر هنا, أن الله لم ينزل في ذلك سلطانا, أي: حجة تدل عليه, ويحوزه, بل قد أنزل البراهين القاطعة, على فساده, وبطلانه.
ثم توعد الظالمين منهم المعاندين للحق فقال: " وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ " ينصرهم من عذاب الله, إذا نزل بهم وحل.
وهل لهؤلاء, الذين لا علم لهم بما عليه, قصد في اتباع الآيات والهدى إذا جاءهم؟ أم هم راضون بما عليه من الباطل؟ ذكر ذلك بقوله: " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ " التي هي آيات الله الجليلة المستلزمة لبيان الحق من الباطل, لم يلتفتوا إليها, ولم يرفعوا بها رأسا.
بل " تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ " من بغضها وكراهتها, ترى وجوههم معبسة, وأبشارهم مكفهرة.
" يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا " أي: يكادون يوقعون بهم القتل والضرب البليغ, من شدة بغضهم, وبغض الحق وعداوته.
فهذه الحالة من الكفار بئست الحالة, وشرها بئس الشر.
ولكن ثم ما هو شر منها, حالتهم التي يئولون إليها, فلهذا قال: " قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " فهذه شرها طويل عريض, ومكروهها وآلامها, تزداد على الدوام.

" يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب " (73)
هذا مثل ضربه الله, لقبح عبادة الأوثان, وبيان نقصان عقول من عبدها, وضعف الجميع فقال: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ " هذا خطاب للمؤمنين والكفار, المؤمنون يزدادون علما وبصيرة, والكافرون, تقوم عليهم الحجة.
" ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ " أي: ألقوا إليه أسماعكم, وافهموا ما احتوى عليه, ولا يصادف منكم قلوبا لاهية, وأسماعا معرضة, بل ألقوا إليه القلوب والأسماع, وهو هذا.
" إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " شمل ما يدعى من دون الله.
" لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا " الذي هو من أحقر المخلوقات وأخسها.
فليس في قدرتهم, خلق هذا المخلوق الضعيف, فما فوقه من باب أولى.
" وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ " بل أبلغ من ذلك " وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ " وهذا غاية ما يصير من العجز.
" ضَعُفَ الطَّالِبُ " الذي هو المعبود من دون الله " وَالْمَطْلُوبُ " الذي هو الذباب, فكل منهما ضعيف.
وأضعف منهما, من يتعلقون بهذا الضعيف, وينزلونه منزلة رب العالمين.

" ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز " (74)
فهؤلاء " مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ " حيث سووا الفقير العاجز من جميع الوجوه, بالغني القوي من جميع الوجوه.
سووا من لا يملك لنفسه, ولا لغيره نفعا ولا ضرا, ولا موتا ولا حياة ولا نشورا, بمن هو النافع الضار, المعطي المانع, مالك الملك.
والمتصرف فيه بجميع أنواع التصريف.
" إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " أي: كامل القوة, كامل العزة.
ومن كمال قوته وعزته, أن نواصي الخلق بيديه, وأنه لا يتحرك متحرك, ولا يسكن ساكن, إلا بإرادته ومشيئته, فما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن.
ومن كمال قوته, أن يمسك السماوات والأرض أن تزولا.
ومن كمال قوته, أنه يبعث الخلق كلهم, أولهم وآخرهم, بصيحة واحدة.
ومن كمال قوته, أنه أهلك الجبابرة, والأمم العاتية, بشيء يسير, وسوط من عذابه.

" الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير " (75)
لما بين تعالى كماله وضعف الأصنام, وأنه المعبود حقا, بين حالة الرسل, وتميزهم عن الخلق, بما تميزوا به, من الفضائل فقال: " اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ " أي: يختار ويجتبي من الملائكة رسلا, ومن الناس رسلا, يكونون أزكى ذلك النوع, وأجمعه لصفات المجد, وأحقه بالاصطفاء.
فالرسل, لا يكونون إلا صفوة الخلق على الإطلاق.
والذي اختارهم, واجتباهم, ليس جاهلا بحقائق الأشياء, أو يعلم شيئا دون شيء وأن المصطفى لهم, السميع, البصير, الذي قد أحاط علمه وسمعه وبصره بجميع الأشياء.
فاختياره إياهم, عن علم منه, أنهم أهل لذلك, وأن الوحي يصلح فيهم كما قال تعالى: " اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ " .
" وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " أي: هو يرسل الرسل, يدعون الناس إلى الله.
فمنهم المجيب, ومنهم الراد لدعوتهم, ومنهم العامل, ومنهم الناكل فهذا وظيفة الرسل.
وأما الجزاء على تلك الأعمال, فمصيرها إلى الله, فلا تعدم منه, فضلا وعدلا.

" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون " (77)
يأمر تعالى, عباده المؤمنين بالصلاة, وخص منها الركوع والسجود, لفضلهما وركنيتهما, وعبادته التي هي قرة العيون, وسلوة القلب المحزون, وأن ربوبيته وإحسانه على العباد, يقتضي منهم أن يخلصوا له العبادة, ويأمرهم بفعل الخير عموما.
وعلق تعالى, الفلاح على هذه الأمور فقال: " لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " .
أي: تفوزون بالمطلوب المرغوب, وتنجون من المكروه المرهوب.
فلا طريق للفلاح, سوى الإخلاص في عبادة الخالق, والسعي في نفع عبيده.
فمن وفق لذلك, فله القدح المعلى, من السعادة, والنجاح والفلاح.

" وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " (78)
" وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " والجهل بذل الوسع, في حصول الغرض المطلوب.
فالجهاد في الحق جهاده, هو القيام التام بأمر الله, ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك, من نصيحة وتعليم وقتال وأدب وزجر, ووعظ, وغير ذلك.
" هُوَ اجْتَبَاكُمْ " أي: اختاركم - يا معشر المسلمين - من بين الناس, واختار لكم الدين, ورضيه لكم, واختار لكم أفصل الكتب, وأفضل الرسل.
فقابلوا هذه المنحة العظيمة, بالقيام بالجهاد فيه حق القيام.
ولما كان قوله: " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " ربما توهم متوهم أن هذا, من باب تكليف ما لا يطاق, أو تكليف ما يشق, احترز منه بقوله: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " أي: مشقة وعسر, بل يسره غاية التيسير, وسهل بغاية السهولة.
فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس, لا يثقلها, ولا يؤودها.
ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف, خفف ما أمر به.
إما بإسقاطه, أو إسقاط بعضه.
ويؤخذ من هذه الآية, قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " .
قيدخل في ذلك من الأحكام الفروعية, شيء كثير معروف في كتب الأحكام.
" مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ " أي: هذه الملة المذكورة, والأوامر المزبورة, ملة أبيكم إبراهيم, التي ما زال عليها, فالزموها واستمسكوا بها.
" هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ " أي: في الكتب السابقة, أنتم مذكورون ومشهورون [أي: بأن إبراهيم سماكم: مسلمين].
" وَفِي هَذَا " أي: هذا الكتاب, وهذا الشرع أي: ما زال هذا الاسم لكم قديما وحديثا.
" لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ " بأعمالكم خيرها وشرها " وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ " لكونكم خير أمة أخرجت للناس, أمة وسطا عدلا خيارا.
تشهدون للرسل أنهم بلغوا أممهم, وتشهدون على الأمم أن رسلهم بلغتهم بما أخبركم الله به في كتابه.
" فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ " بأركانها وشروطها, وحدودها, وجميع لوازمها.
" وَآتُوا الزَّكَاةَ " المفروضة لمستحقيها شكرا لله, على ما أولاكم.
" وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ " أي: امتنعوا به وتوكلوا عليه في ذلك, ولا تتكلوا على حولكم وقوتكم.
" هُوَ مَوْلَاكُمْ " الذي يتولى أموركم, فيدبركم بحسن تدبيره, ويصرفكم على أحسن تقديره.
" فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " أي: نعم المولى لمن تولاه, فحصل له مطلوبه " وَنِعْمَ النَّصِيرُ " لمن استنصره فدفع عنه المكروه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]