عرض مشاركة واحدة
  #358  
قديم 27-02-2020, 12:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (357)
تفسير السعدى
سورة النور
من الأية(40) الى الأية(46)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النور




" أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " (40)
والمثل الثاني, لبطلان أعمال الكفار " كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ " بعيد قعره, طويل مداه " يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ " ظلمة البحر اللجي, ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة, ثم فوق ذلك, ظلمة السحب المدلهمة, ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم.
فاشتدت الظلمة جدا, بحيث أن الكائن في تلك الحال " إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا " مع قربها إليه, فكيف بغيرها.
كذلك الكفار, تراكمت على قلوبهم الظلمات, ظلمة الطبيعة, التي لا خير فيها, وفوقها ظلمة الكفر, وفوق ذلك, ظلمة الجهل, وفوق ذلك, ظلمة الأعمال الصادرة عما ذكر.
فبقوا في الظلمة متحيرين, وفي غمرتهم يعمهون, وعن الصراط المستقيم مدبرون, وفي طرق الغي والضلال, يترددون وهذا لأن الله خذلهم, فلم يعطهم من نوره.
" وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ " لأن نفسه ظالمة جاهلة, فليس فيها من الخير والنور, إلا ما أعطاها مولاها, ومنحها ربها.
يحتمل أن هذين المثالين, لأعمال جميع الكفار, كل منهما, منطبق عليها, وعددهما لتعدد الأوصاف.
ويحتمل أن كل مثال, لطائفة وفرقة.
فالأول.
للمتبوعين, والثاني, للتابعين.
والله أعلم.

" ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون " (41)
نبه تعالى عباده على عظمته, وكمال سلطانه, وافتقار جميع المخلوقات إليه, في ربوبيتها, وعبادتها فقال: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " من حيوان وجماد " وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ " أي: صافات أجنحتها, في السماء, تسبح ربها.
" كُلِّ " من هذه المخلوقات " قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " أي: كل له, صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به.
وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح, إما بواسطة الرسل, كالجن والإنس, والملائكة.
وأما بإلهام منه تعالى, كسائر المخلوقات غير ذلك.
وهذا الاحتمال, أرجح, بدليل قوله " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " .
أي: علم جميع أفعالهم, فلا يخف عليه منها شيء, وسيجازيهم بذلك.
فيكون على هذا, قد جمع بين علمه بأعمالهم, وذلك بتعليمه, وبين علمه بمقاصدهم المتضمن للجزاء.
ويحتمل أن الضمير في قوله: " قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ " يعود إلى الله, وأن الله تعالى, قد علم عبادتهم, وإن لم تعلموا - أيها العباد - منها, إلا ما أطلعكم الله عليه.
وهذه الآية كقوله تعالى " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " .

" ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير "(42)
فلما بين عبوديتهم وافتقارهم إليه - من جهة العبادة والتوحيد - بين افتقارهم إليه, من جهة الملك والتربية والتدبير فقال: " وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " خالقهما ورازقهما, والمتصرف فيهما, في حكمه الشرعي والقدري, في هذه الدار, وفي حكمه الجزائي, بدار, القرار بدليل قوله " وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ " أي: مرجع: الخلق ومآلهم, ليجازيهم بأعمالهم.
" ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار " (43)
أي: ألم تشاهد ببصرك, عظيم قدرة الله, وكيف " يُزْجِي " .
أي: يسوق " سَحَابًا " قطعا متفرقة " ثُمَّ يُؤَلِّفُ " بين تلك القطع, فيجعله سحابا متراكما, مثل الجبال.
" فَتَرَى الْوَدْقَ " أي: الوابل والمطر, يخرج من خلال السحابة, نقطا متفرقة, ليحصل بها الانتفاع, من دون ضرر, فتمتلئ بذلك, الغدران, وتتدفق الخلجان, وتسيل الأودية, وتنبت الأرض من كل زوج كريم.
وتارة ينزل الله من ذلك السحاب, بردا يتلف ما يصيبه.
" فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ " أي: بحسب اقتضاء حكمه القدري, وحكمته التي يحمد عليها.
" يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ " أي: يكاد ضوء برق ذلك السحاب, من شدته " يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ " .
أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين, وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر, كامل القدرة, نافذ المشيئة, واسع الرحمة؟.

" يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " (44)
" يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " من حر إلى برد, ومن برد إلى حر, ومن ليل إلى نهار, ومن نهار إلى ليل, ويديل الأيام بين عباده.
" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ " أي: لذوي البصائر, والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها, كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية.
فالبصير, ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكير, وتدبر لما أريد بها ومنها.
والمعرض الجاهل, نظره إليها نظر غفلة, بمنزلة نظر البهائم.

" والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير " (45)
ينبه عباده على ما يشاهدونه, أنه خلق جميع الدواب, التي على وجه الأرض.
" مِنْ مَاءٍ " أي: مادتها كلها, الماء, كما قال تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ " .
فالحيوانات التي تتوالد, مادتها, ماء النطفة, حين يلقح الذكر الأنثى.
والحيوانات التي تتولد من الأرض, لا تتولد إلا من الرطوبات المائية, كالحشرات لا يوجد منها شيء, يتولد من غير ماء أبدا.
فالمادة واحدة, ولكن الخلقة مختلفة, من وجوه كثيرة.
" فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ " كالحية ونحوها.
" وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ " كالآدميين, وكثير من الطيور.
" وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ " كبهيمة الأنعام ونحوها.
فاختلافها - مع أن الأصل واحد - يدل على نفود مشيئة الله, وعموم قدرته, ولهذا قال: " يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " أي: من المخلوقات, على ما يشاؤه من الصفات.
" إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " كما أنزل المطر على الأرض, وهو لقاح واحد, والأم واحدة, وهي الأرض, والأولاد مختلفو الأصناف والأوصاف " وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " .

" لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " (46)
أي: لقد رحمنا عبادنا, وأنزلنا إليهم آيات بينات, أي: واضحات الدلالة, على جميع المقاصد الشرعية, والآداب المحمودة, والمعارف الرشيدة.
فاتضحت بذلك السبيل, وتبين الرشد من الغي, والهدى من الضلال.
فلم يبق أدنى شبهة لمبطل, يتعلق بها, ولا أدنى إشكال, لمريد الصواب, لأنها تنزيل من كمال علمه, وكملت رحمته, وكمل بيانه, فليس بعد بيانه بيان " لِيَهْلِكَ " بعد ذلك " مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ " .
" وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " ممن سبقت لهم سابقة الحسنى, وقدم الصدق.
" إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " أي: طريق واضح مختصر, موصل إليه, وإلى دار كرامته, متضمن العلم بالحق وإيثاره, والعمل به.
عمم البيان التام لجميع الخلق, وخصص بالهداية من يشاء, فهذا فضله وإحسانه.
وما فضل الكريم بممنون وذاك عدله, وقطع الحجة للمحتج والله أعلم حيث يجعل مع مواقع إحسانه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.50 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]