عرض مشاركة واحدة
  #360  
قديم 27-02-2020, 12:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (359)
تفسير السعدى
سورة النور
من الأية(54) الى الأية(59)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة النور




" قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين " (54)
وأما الرسول عليه الصلاة والسلام, فوظيفته, أن يأمرهم وينهاكم, ولهذا قال: " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ " امتثلوا, كان حظهم وسعادتهم, وإن " تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ " من الرسالة, وقد أداها.
" وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ " من الطاعة, وقد بانت حالكم, وظهرت.
فبان ضلالكم وغيكم واستحقاقكم العذاب.
" وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا " إلى الصراط المستقيم, قولا وعملا.
فلا سبيل لكم إلى الهداية إلا بطاعته, وبدون ذلك, لا يمكن, بل هو محال.
" وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ " أي: تبليغكم البين الذي لا يبقي لأحد, شكا ولا شبهة, وقد فعل صلى الله عليه وسلم, بلغ البلاغ المبين.
وإنما الذي يحاسبكم, ويجازيكم, هو الله تعالى.
فالرسول, ليس له من الأمر شيء, وقد قام بوظيفته.

" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " (55)
هذا من وعوده الصادقة, التي شوهد تأويلها ومخبرها.
فإنه وعد من قام, بالإيمان والعمل الصالح, من هذه الأمة, أن يستخلفهم في الأرض, فيكونون هم الخلفاء فيها, المتصرفين في تدبيرها.
وأن يمكن لهم دينهم, الذي ارتضى لهم, وهو دين الإسلام, الذي فاق الأديان كلها.
ارتضاه لهذه الأمة, لفضلها وشرفها ونعمته عليها, بأن يتمكنوا من إقامته, وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة, في أنفسهم وفي غيرهم, لكون غيرهم من أهل الأديان, وسائر الكفار, مغلوبين ذليلين.
وأنه يبدلهم أمنا من بعد خوفهم, حيث كان الواحد منهم, لا يتمكن من إظهار دينه, وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار, وكون جماعة المسلمين قليلين جدا, بالنسبة إلى غيرهم, وقد رماهم أهل الأرض, عن قوس واحدة, وبغوا لهم الغوائل.
فوعد الله هذه الأمور, وقت نزول الآية, وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض, والتمكين فيها, والتمكين من إقامة الدين الإسلامي, والأمن التام, بحيث يعبدون الله, ولا يشركون به شيئا, ولا يخافون أحدا إلا الله.
فقام صدر هذه الأمة, من الإيمان والعمل الصالح بما يفوق على غيرهم.
فمكنهم من البلاد والعباد, وفتحت مشارق الأرض ومغاربها, وحصل الأمن التام, والتمكين التام, فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة.
ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة, مهما قاموا بالإيمان, والعمل الصالح فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله.
وإنما يسلط الله عليهم الكفار والمنافقين, ويديلهم في بعض الأحيان, بسبب إخلال المسلمين, بالإيمان والعمل الصالح.
" وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ " التمكين والسلطنة التامة لكم, يا معشر المسلمين.
" فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " الذين خرجوا عن طاعة الله, وفسدوا, فلم يصلحوا لصالح, ولم يكن فيهم أهلية للخير, لأن الذي يترك الإيمان في حال عزه وقهره, وعدم وجود الأسباب المانعة منه, يدل على فساد نيته, وخبث طويته, لأنه لا داعي له لترك الدين, إلا ذلك.
ودلت هذة الآية, أن الله قد مكن من قبلنا, واستخلفهم في الأرض كما قال موسى لقومه " وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " وقال تعالى " وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ " " وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ "

" وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون " (56)
يأمر تعالى بإقامة الصلاة, بأركانها, وشروطها, وآدبها, ظاهرا وباطنا.
وبإيتاء الزكاة من الأموال, التي استخلف الله عليها للعباد, وأعطاهم إياها, بأن يؤتوها الفقراء وغيرهم, ممن ذكر الله, لمصرف الزكاة.
فهذان أكبر الطاعات وأجلها, جامعتان لحقه, وحق خلقه للإخلاص للمعبود, وللإحسان إلى العبيد.
ثم عطف عليهما الأمر العام, فقال: " وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ " وذلك بامتثال أوامره, واجتناب نواهيه " مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ " .
" لَعَلَّكُمْ " حين تقومون بذلك " تُرْحَمُونَ " فمن أراد الرحمة, فهذا طريقها, ومن رجاها من دون إقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, وإطاعة الرسول, فهو متمن كاذب.
وقد منته نفسه الأماني الكاذبة.

" لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير "(57)
" لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ " فلا يغررك ما متعوا به في الحياة الدنيا, فإن الله, وإن أمهلهم, فإنه لا يهملهم " نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ " .
ولهذا قال هنا: " وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ " أي: بئس المآل, مآل الكافرين, مآل الشر والحسرة, والعقوبة الأبدية.

" يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم " (58)
أمر المؤمنين أن يستأذنهم مماليكهم, والذين لم يبلغوا الحلم منهم.
قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم, وقت نومهم بالليل بعد العشاء, وعند انتباههم قبل صلاة الفجر.
فهذا - في الغالب - أن النائم يستعمل للنوم في الليل, ثوبا غير ثوبه المعتاد.
وأما نوم النهار, فلو كان في الغالب قليلا, قد ينام فيه العبد بثيابه المعتاد.
قيده بقوله: " وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ " أي: للقائلة, وسط النهار.
ففي هذه الأحوال الثلاثة, يكون المماليك والأولاد الصغار, كغيرهم, لا يمكنون من الدخول إلا بإذن.
وأما ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ " .
أي: ليسوا كغيرهم: فإنهم يحتاج إليهم دائما, فيشق الاستئذان منهم في كل وقت.
ولهذا قال: " طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ " أي: يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم.
" كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ " بيانا مقرونا بحكمته, ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته.
ولهذا قال: " وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " له العلم, المحيط, بالواجبات, والمستحبات, والممكنات, والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه.
فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به.
وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به ومنه هذه الأحكام, التي بينها وبين مآخذها وحسنها.

" وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم " (59)
" وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ " وهو إنزال المني يقظة أو مناما.
" فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ " أي: في سائر الأوقات.
والذين من قبلهم هم الذين ذكرهم الله بقوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا " الآية.
" كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ " ويوضحها, ويفصل أحكامها " وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
وفي هاتين الآيتين فوائد.
منها: أن السيد, وولي الصغير, مخاطبان بتعليم عبيدهم, ومن تحت ولايتهم من الأولاد, العلم والآداب الشرعية, لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ " الآية.
فلا يمكن ذلك, إلا بالتعليم والتأديب.
ولقوله: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ " .
ومنها: الأمر بحفظ العورات, والاحتياط لذلك من كل وجه, وأن المحل والمكان, الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه, أنه منهي عن الاغتسال فيه, والاستنجاء, ونحو ذلك.
ومنها: جواز كشف العورة لحاجة, كالحاجة عند النوم, وعند البول والغائط, ونحو ذلك.
ومنها: أن المسلمين كانوا معتادين القيلولة وسط النهار, كما اعتادوا نوم الليل, لأن الله خاطبهم, ببيان حالهم الموجودة.
ومنها: أن الصغير الذي دون البلوغ, لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة, ولا يجوز أن ترى عورته, لأن الله لم يأمر باستئذانهم, إلا عن أمر ما يجوز.
ومنها: أن المملوك أيضا, لا يجوز أن يرى عورة سيده, كما أن سيده, لا يجوز أن يرى عورته, كما ذكرنا في الصغر.
ومنها أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهما, ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي أن يقرن بالحكم بيان مأخذه ووجهه, ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل, لأن الله - لما بين الحكم المذكور - علله بقوله: " ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ " .
ومنها: أن الصغير والعبد مخاطبان, كما أن وليهما مخاطب لقوله: " لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ " .
ومنها: أن ريق الصبي طاهر, ولو كان بعد نجاسة, كالقيء لقوله تعالى: " طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ " مع قول النبي صلى الله عليه وسلم, حين سئل عن الهرة " إنها ليست بنجس, إنها من الطوافين عليكم والطوافات " .
ومنها: جواز استخدام الإنسان من تحت يده, من الأطفال على وجه معتاد, لا يشق على الطفل لقوله: " طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ " .
ومنها: أن الحكم المذكور المفصل, إنما هو لما دون البلوغ, وأما ما بعد البلوغ, فليس إلا الاستئذان.
ومنها: أن البلوغ يحصل بالإنزال, فكل حكم شرعي رتب على البلوغ, حصل بالإنزال, وهذا مجمع عليه.
وإنما الخلاف, هل يحصل البلوغ بالسن, أو الإنبات للعانة, والله أعلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]