عرض مشاركة واحدة
  #363  
قديم 10-03-2020, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (362)
تفسير السعدى
سورة الفرقان
من الأية(9) الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الفرقان




" انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " (9)
" انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ " وهي: هل كان ملكا, وزالت عنه خصائص البشر؟ أو معه ملك, لأنه غير قادر على ما قال, أو أنزل عليه كنز, أو جعلت له جنة تغنيه عن المشي في الأسواق, أو أنه كان مسحورا.
" فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا " قالوا: أقوالا متناقضة, كلها جهل, وضلال, وسفه, ليس في شيء منها هداية, بل ولا في شيء منها أدنى شبهة, تقدح في الرسالة.
فبمجرد النظر إليها وتصورها, يجزم العاقل ببطلانها, ويكفيه عن ردها.
ولهذا أمر تعالى بالنظر إليها, وتدبرها, والنظر: هل توجب التوقف عن الجزم للرسول بالرسالة والصدق؟ ولهذا أخبر أنه قادر على أن يعطيه خيرا كثيرا في الدنيا فقال:

" تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا " (10)
" تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ " أي: خيرا مما قالوا.
ثم فسره بقوله: " جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا " مرتفعة مزخرفة.
فقدرته ومشيئته, لا تقصر عن ذلك, ولكنه تعالى - لما كانت الدنيا عنده في غاية البعد والحقارة - أعطى منها أولياءه ورسله, ما اقتضته حكمته منها.
واقتراح أعدائهم بأنهم, هلا رزقوا منها رزقا كثيرا جدا, ظلم وجراءة.

" بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا " (11)
ولما كانت تلك الأقوال, التي قالوها, معلومة الفساد, وأخبر تعالى أنها لم تصدر منهم لطلب الحق, ولا لاتباع البرهان, وإنما صدرت منهم تعنتا وظلما, وتكذيبا بالحق, قالوا ما في قلوبهم من ذلك, ولهذا قال: " بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ " .
والمكذب المتعنت, الذي ليس له قصد في اتباع الحق, لا سبيل إلى هدايته, ولا حيلة في مجادلته وإنما له حيلة واحدة, وهي نزول العذاب به, فلهذا قال: " وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا " أي: نارا عظيمة, قد اشتد سعيرها, وتغيظت على أهلها, واشتد زفيرها.

" إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا " (12)
" إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ " أي: قبل وصولهم, ووصولها إليهم " سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا " عليهم " وَزَفِيرًا " تقلق منهم الأفئدة, وتتصدع القلوب, ويكاد الواحد منهم, يموت خوفا منها, وذعرا, قد غضبت عليهم, لغضب خالقها, وقد زاد لهبها, لزيادة كفرهم وشرهم.
" وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا " (13)
" وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ " أي: وقت عذابهم, وهم في وسطها, جمع في مكان بين ضيق المكان, وتزاحم السكان وتقرينهم بالسلاسل والأغلال.
فإذا وصلوا لذلك المكان النحس, وحبسوا في أشر حبس " دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا " دعوا على أنفسهم بالثبور, والخزي والفضيحة, وعلموا أنهم ظالمون معتدون, قد عدل فيهم الخالق, حيث أنزلهم بأعمالهم هذا المنزل, وليس ذلك الدعاء والاستغاثة بنافعة لهم, ولا مغنية من عذاب الله.

" لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا " (14)
بل يقال لهم: " لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا " أي: لو زاد ما قلتم أضعاف أضعافه, ما أفادكم إلا الهم, والغم, والحزن.
" قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا " (15)
لما بين جزاء الظالمين, ناسب أن يذكر جزاء المتقين فقال: " قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ " إلى " وَعْدًا مَسْئُولًا " .
أي: قل لهم - مبينا لسفاهة رأيهم, واختيارهم الضار على النافع - " أَذَلِكَ " الذي وضعت لكم من العذاب " خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ " التي زادها تقوى الله, فمن قام بالتقوى, فالله قد وعده إياها.
" كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً " على تقواهم " وَمَصِيرًا " موئلا يرجعون إليها, ويستقرون فيها, ويخلدون دائما أبدا.

" لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسئولا " (16)
" لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ " أي ما يطلبون وتتعلق به أمانيهم ومشيئتهم, من المطاعم, والمشارب اللذيذة, والملابس الفاخرة, والنساء الجميلات, والقصور العاليات, والجنات, والحدائق المرجحنة والفواكه, التي تسر ناظريها وآكليها, من حسنها, وتنوعها, وكثرة أصنافها, والأنهار التي تجري في رياض الجنة, وبساتينها, حيث شاءوا يصرفونها, ويفجرونها أنهارا من ماء غير آسن, وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه, وأنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهارا من عسل مصفى, وروائح طيبة, ومساكن مزخرفة, وأصوات شجية, تأخذ من حسنها, بالقلوب, ومزاورة الإخوان, والتمتع بلقاء الأحباب.
وأعلى من ذلك كله, التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم, وسماع كلامه, والحظوة بقربه, والسعادة برضاه, والأمن من سخطه, واستمرار هذا النعيم ودوامه, وزيادته على ممر الأوقات, وتعاقب الآنات " كَانَ " دخولها والوصول إليها " عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا " يسأله إياها, عباده المتقون بلسان حالهم, ولسان مقالهم.
فأي الدارين المذكورتين, خير وأولى بالإيثار؟ وأي العاملين, عمال دار الشقاء, أو عمال دار السعادة, أولى بالفضل والعقل, والفخر, يا أولي الألباب؟ لقد وضح الحق, واستنار السبيل, فلم يبق للمفرط عذر, في تركه الدليل.
فنرجوك يا من قضيت على أقوام بالشقاء, وأقوام بالسعادة, أن تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة.
ونستعيذ بك اللهم, من حالة الأشقياء, ونسألك المعافاة منها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]