عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-03-2020, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 154,702
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نصاب السرقة ومقاديره المعاصرة

نصاب السرقة ومقاديره المعاصرة (1/2)
د.فهد المشعل



أدلة القول الثاني :

يتفق القول الثاني والثالث والرابع في الاستدلال بحديث عائشة وابن عمر الآتيين :
1- عن عائشة رضي الله عنها قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً (131)"
ولمسلم عن عائشة : " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً(132) "
وله عنها : " لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه " (133).
وفي رواية : " أقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك "(134) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما طال علي ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعداً (135)، وهذا في معنى المرفوع(136)

وجه الاستدلال من هذه الأحاديث :
أن الروايات الصحيحة السابقة أفادت أن يد السارق تقطع في ربع دينار فما فوقه ولا تقطع فيما دونه، ودلالاتها واضحة صريحة(137) .
ونوقش الاستدلال بها بأمرين :
الأمر الأول : ما ذكره الطحاوي رحمه الله الاضطراب في هذا الحديث عن عائشة ، فقد روى عنها موقوفاً عليها، وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والمرفوع روي تارة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وتارة من فعله، وذكر أمثلة لكل .
ثم قال : " فلما اضطرب حديث الزهري على ما ذكرنا واختلف عن غيره كما وصفنا ارتفع ذلك كله فلم تجب الحجة بشي منه ، إذ كان بعضه ينفي بعضاً "
ثم ذكر ان المرفوع من قول عائشة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم يرِده احتمال أنه اجتهاد من عائشة رضي الله عنها في تقويم النصاب، وهذا لا يكون فيه حجة على غيرها ممن قدره بأكثر من ذلك(138) .
وأجيب : بان الاضطراب المذكور غير مسلم ما دام الحفاظ الأثبات رووه مرفوعاً من صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم .
وهو لا يعارض ما روى من فعله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن عائشة رضي الله عنها تارة تروي قوله، وتارة تروي فعله صلى الله عليه وسلم ، وتارة تفتي به ، فيروى موقوفاً عليها ، وهذا شأن كثير من الأحاديث، ثم إن من شرط الاضطراب أن تتساوى وجوهه، أما إذا رجح بعضها – كما هنا – تعين الأخذ بالراجح .
أما احتمال كون التقدير بربع دينار من اجتهاد عائشة رضي الله عنها فتعقب باستبعاد أن تجزم عائشة بذلك، مستندة إلى ظنها المجرد .
واختلاف التقويم وإن كان ممكنا، كلنه محال في العادة أن يتفاوت هذا التفاوت الفاحش بحيث يكون عند قوم أربعة أضعاف قيمته عند آخرين، وإنما يتفاوت بزيادة قليلة او نقص قليل لا يبلغ المثل غالباً (139).
الأمر الثاني : أن هذا الحديث معارض بالأحاديث الواردة في عدم القطع فيما هو أقل من عشرة دراهم، وهي أحاديث تحظر القطع ، وحديث عائشة يبيحه، وخبر الحظر أولى من خبر الإباحة(140) .
وقد تقدم إيراد هذه الأحاديث مع المناقشات الواردة عليها في أدلة القول الأول بما يغني عن إعادته هنا .
2- حديث ابن عمر رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم "، وفي لفظ "قيمته ثلاثة دراهم"(141) .
قال ابن عبدالبر: " هذا أصح حديث يروى في هذا الباب، لا يختلف أهل العلم في ذلك (142).
وفي رواية عن ابن عمرو رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً سرق من صفة النساء ترساً قيمته ثلاثة دراهم "(143).
3- حديث عبدالله بن أبي بكر: " أن سارقاً سرق أُترجه(144) في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر بدينار فقطع يده "(145) .
4- ما روى أنس رضي الله عنه: " أن سارقاً سرق مجناً ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم، أو ما يساوي ثلاثة دراهم، فقطعه أبوبكر (146).
وجه الاستدلال من هذه الأخبار:

أن التقدير بثلاثة دراهم هو أقل ما ثبت ، فظاهره أن هذا هو النصاب، لأن الأصل عدم القطع فيما دونه(147)، وظاهره كذلك القطع بثلاثة دراهم، وإن لم تبلغ ربع دينار للإطلاق .
والقيمة هي ما تنتهي إليه الرغبة في الشيء .
والثمن : هو ما يقابل هب المبيع عند البيع أياً كان ، والمعتبر هنا القيمة، ومن رواه بالثمن إما تجوزاً أو لتساويهما في ذلك المجن(148) .
ونوقش بأمرين :

الأمر الأول : أن الاستدلال به على اعتبار النصاب ضعيف لأنه حكاية فعل ، ولا يلزم من القطع في هذا المقدار فعلاً عدم القطع فيما دونه مطلقاً (149).
وأجيب : بأن الأحاديث أفادت صراحة القطع في ثلاثة دراهم خاصة وما كان فوقها بطريق الأولى .

ودل بالمفهوم على أنه لا يقطع ما دونها إذ لو كان القطع في كل شيء لم يكن لذكر الثلاثة فائدة .
وقال بالباجي : " دل التقويم على أن القطع يتعلق بقدر معلوم ، وإلا فلا يكون لذكره فائدة " (150).
الأمر الثاني : أنه معارض بالأحاديث والآثار الدالة على أن ثمن المجن عشرة دراهم، وهو يبيح القطع وهي تحظره، والحاضر يقدم(151) .
وقد تقدم ذكر هذه الأحاديث والآثار مع مناقشتها، فلا تكافئ أدلة الجمهور حتى يطلب الترجيح .
واستدل المالكية وبعض الحنابلة على خصوص مذهبهم في أن العروض تقوم بالدراهم فحسب بالأتي :
1- أن الأحاديث السابقة قومت العرض- وهو المجن والترس والأترجة – بالدراهم لا بالذهب .
فدل ذلك على اعتبارها ، وإلا لم يكن لذكرها فائدة(152) .
ويمكن أن يناقش بأنه إنما حصل التقويم بالدراهم جرياً على الغالب والتقويم في البلد(153) .
قال الحافظ العراقي : " وأجيب بأن العادة جارية بتقويم الشيء التافه بالدراهم ، والأشياء النفيسة بالدنانير، لأنها أنفس النقود وأكرم الجواهر، فتكون الدراهم الثلاثة ربع دينار، والله أعلم(154) .
ويمكن الجواب بعدم التسليم بأن العادة جارية بذلك .
2- أن الفضة أصل مل يعتبر في الأثمان وقيم المتلفات، فوجب أن تكون سرقتها معتبرة بمقدارها في نفسها دون الاعتبار بغيرها، أصله الذهب(155) .
3- أن كل حكم تعلق على الذهب والورق واعتبر فيه نصاب من الذهب وجب ان يعتبر فيه نصاب من الورق أصله الزكاة (156).



أدلة القول الثالث :
استدل الشافعية لخصوص مذهبهم بالأتي :
1- حديث عائشة رضي الله عنها السابق : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً (157)"
وجه الاستدلال :

أن حديث عائشة هذا صريح في الحصر بهذا المقدار من الذهب ، وأما غيره من الأخبار الصحيحة فهي حكاية فعل لا عموم لها .
قاله ابن حجر (158)، فأفاد ان العبرة في النصاب الذهب ، وهو المعول عليه .
2- أن الذهب هو المعول عليه في القيمة ، لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها .
ويؤيد ما نقله الخطابي أن الصكاك القديمة كان يكتب فيها : " عشرة دراهم وزن عشرة مثاقيل " فعرفت الدراهم بالدنانير وحصرت بها (159).
ويمكن الجواب بأن الفضة كذلك من أصول الجواهر وأثبتها ، وهي قرينة الذهب، فتأخذ أحكامه كما هو حاصل في نصب الزكاة، وقيم المتلفات، ومقادير الديات(160).

أدلة القول الرابع :

استدل الحنابلة على خصوص مذهبهم في أن النصاب ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو عرضاً يساوي أحدهما، بأن الأحاديث السابقة جاءت بربع دينار من الذهب ، وثلاثة دراهم من الفضة ، فدل على أن كلا منهما أصل مستقل بنفسه، والروض تابعة لهما، فإذا بلغ العرض قيمة أحدهما وجب القطع(161) .
أدلة القول الخامس :

استدل القائلون بان النصاب ثلاثة دراهم لاغير ، ويقوم الذهب والعروض بالدراهم بالأتي :
1- الأحاديث السابقة : عن أبن عمر ، وأبي بكر ، وأنس ونحوها مما قدر فيه ثمن المجن والترس والأترجه بثلاثة دراهم.
ووجه الاستدلال : أن تقدير العروض بالدراهم في هذه الأخبار دليل على اعتبارها دون الذهب(162) .
ويناقش هذا : بان التقويم بالدراهم إنما كان جرياً على الغالب في البلد ، والعادة جارية بتقويم الأشياء الحقيرة بالدراهم (163)، فلا يكون فيه دليل على النصاب المعين .

2- ما روى أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها : " أقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك، وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم "(164) .
وجه الاستدلال :

أن الذهب وهو ربع الدينار، قوم بالفضة وهي الدراهم ، فدل ذلك على أن الذهب يُرَدُ إلى الفضة(165) .
ويناقش هذا : بأنه لو رُدَّ الذهب إلى الفضة لما جاز القطع بربع دينار إذا كانت قيمته أقل من ثلاثة دراهم، وهذا يخالف أول الحديث : " أقطعوا في ربع دينار "، ولما كان لإيراد ربع الدينار فائدة .

أدلة القول السادس :

استدل القائلون بأن نصاب السرقة خمسة دراهم بالأتي :

1- ما روى عن عمر رضي الله عنه قال : " لا تقطع الخمس إلا في خمس(166) "
وجه الاستدلال : أن الأثر دل على ان اليد المشتملة على خمسة أصابع لا تقطع إلا بسرقة خمسة من الدراهم .
ونوقش بثلاثة أمور :
الأول : أنه اثر غير ثابت(167) .
الثاني : أنه قول صحابي مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون حجة(168) .
الثالث : أنه محتمل الدلالة ، فإنه لم يصرح بذكر الدراهم، بل لو أراد الدراهم لقال " خمسة " ليخالف المعدود كما هو معروف في اللغة .
2- عن عبدالله بن عمر أنه قال : " قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن قيمته خمسة دراهم(169) " .
وجه الاستدلال : أن الحديث أفاد ان المجن قوم بخمسة دراهم، فدل على اعتبارها في القطع .
ونوقش بثلاثة أمور :
الأول : أنه حديث شاذ خالف الجماعة الذين رووا أن ثمن المجن كان ثلاثة دراهم(170) .
الثاني : أنه ضعيف(171) .
الثالث : أنه حكاية فعل، ومن يرى القطع في ثلاثة فإنه يقطع فيما زاد ، فلا دلالة فيه على النصاب(172)

3- وعن أنس قال : " سرق رجل مجناً على عهد أبي بكر رضي الله عنه فقوم بخمسة دراهم فقطع"(173)
وجه الاستدلال :

أن المجن قوم بخمسة دراهم ، فدل على اعتبارها نصاباً (174).

ونوقش بأمرين :
الأول : أنه أثر غير ثابت(175) .

الثاني : أنه حادثة عين ، فلا يكون فيه حجة، لأن من رأي القطع في ثلاثة قطع فيما زاد(176) .
دليل القول السابع :

استدل القائلون بأن نصاب السرقة أربعة دراهم بما روى شعبة عن داود أنه سمع أبا سعيد وأبا هريرة يقولان: "لا تقطع اليد إلا في أربعة دراهم فصاعداً "(177) .
ووجه الاستدلال ظاهر(178) .
ونوقش بأمرين :
الأول : أنه غير ثابت(179)
الثاني : أنه قول صحابي مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون حجة .
الثالث : أن يحتمل أنهما قوّما الجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة دراهم، وهذا لا يمنع من القطع فيما دونها (180).
دليل القول الثامن :

استدل القائلون بان نصاب السرقة درهم بان الدرهم أول معدود من الدراهم(181) .
ويناقش بأن هذا تعليل عليل ، وفي مقابل الدليل ، فلا يكون فيه حجة .
دليل القول التاسع :

استدل القائلون بأن اليد تقطع في درهمين بالأتي :


1- ما روى عنه صلى الله عليه وسلم : " من استحل بدرهمين فقد استحل "(182)
ونوقش بأمرين :
أحدهما : أنه ضعيف(183) .

الثاني : " أن الحديث ليس فيه تصريح بالسرقة ولا بالقطع ، بل يرويه أهل العلم في الصداق بلفظ الدرهم والدرهمين، قال الشوكاني : " ولا دليل على هذا القول من المرفوع " (184).
وقال ابن حجر : لم يصح أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم (185).
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]