الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 287 الى صــــــــ293
الحلقة (48)
إجابة المؤذن
إجابة المؤذن مندوبة لمن يسمع الأذان، ولو كان جنباً، أو كانت حائضاً أو نفساء، فيندب أن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا عند قول "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح" فإنه يجيبه فيها بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا الحكم متفق عليه، إلا أن الحنفية اشترطوا أن لا تكون حائضاً أو نفساء، فإن كانت فلا تندب لها الإجابة، بخلاف باقي الأئمة، والحنابلة اشترطوا أن لا تكون حائضاً أو نفساء، فإن كانت فلا تندب لها الإجابة، بخلاف باقي الأئمة، والحنابلة اشترطوا أن لا يكون قد صلى الفرض الذي يؤذن له، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وكذلك يجيبه في أذان الفجر عند قوله: "الصلاة خير من النوم"، يقول: صدقت، وبررت، وإنما تندب الإجابة في الأذان المشروع، أما غير المشروع فلا تطلب فيه الإجابة، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
ولا تطلب الإجابة أيضاً من المشغول بالصلاة، ولو كانت نفلاً، أو صلاة جنازة، بل تكره ولا تبطل بالإجابة إلا إذا أجابه بقول: صدقت، وبررت، أو بقول: "حي على الصلاة، أو الصلاة خير من النوم" فإنها تبطل كذلك، أما لو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو صدق الله، أو صدق رسول الله، فإنها لا تبطل، ولا تطلب الإجابة من المشغول بقربان أهله، أو قضاء حاجة، لأنهما في حالة تنافي الذكر، وكذلك لا تطلب من سامع خطبة، وهذه الأحكام متفق عليها عند الشافعية والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، بخلاف المعلم والمتعلم؛ فإن الإجابة تطلب منهما، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: لا تطلب من المعلم أو المتعلم للعلم الشرعي، أما القارئ والذاكر فتطلب منهما الإجابة باتفاق. وأما الأكل فتطلب الإجابة منه عند المالكية؛ والحنابلة؛ وقال الشافعية؛ والحنفية: لا تطلب؛ وتطلب الإجابة في الترجيع عند المالكية؛ والشافعية؛ القائلين به إلا أن الشافعية يقولون: يندب أن يجيبه مرتين؛ والمالكية يقولون: يكتفي بالإجابة في أحدها وإذا تعدد المؤذنون وترتبوا، أجاب كل واحد بالقول ندباً.
هذا، ويندب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإجابة، ثم يقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته".
الأذان للصلاة الفائتة
يسن أن يؤذن للفائتة برفع الصوت إذا كان يصلي في جماعة، سواء أكان في بيته أم في الصحراء، بخلاف ما إذا كان يصلي في بيته منفرداً، فإنه لا يرفع صوته، أما قضاء الفائتة في المسجد، فإنه لا يؤذن لها مطلقاً، ولو كانت في جماعة، وهذا الحكم متفق عليه إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، وإن كانت عليه فوائت كثيرة، وأراد قضاءها في مجلس واحد أذن للأولى منها، ويخير في باقيها، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية فقد عرفت أن الأذان عندهم مكروه للفائتة على أي حال، والشافعية قالوا: يحرم الأذان لباقي الفوائت إذا قضاها في مجلس واحد، أما لو أراد قضاء كل واحدة في مجلس فإنه يؤذن لها بخصوصها.
الترسل في الأذان
الترسل معناه التمهل والتأني، بحيث يفرد المؤذن كل جملة بصوته، على أن الفقهاء لهم تفصيل في معنى الترسل، فانظره تحت الخط (5) ، أما حكم الترسل فقد اتفق الحنفية، والمالكية على أنه سنة، وتركه مكروه، بخلاف الشافعية والحنابلة، فإنهم قالوا: إن الترسل مندوب، وتركه خلاف الأولى، أما معنى الترسل السابق فقد زاد فيه بعض المذاهب قيوداً أخرى، فانظره تحت الخط (6) .
مكروهات الأذان: أذان الفاسق
يكره في الأذان أمور؛ منها أذان الفاسق، فلو أذن الفاسق صح مع الكراهة عند الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) .
ترك استقبال القبلة في الأذان، وأذان المحدث
يكره ترك استقبال القبلة حال الأذان إلا للإسماع، كما تقدم، كما يكره أن يكون المؤذن محدثاً أصغر أو أكبر، والكراهة في الأكبر أشد، وهذه الكراهة متفق عليها عند المالكية، والشافعية، أما الحنفية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .
الأذان لصلاة النساء
الأذان لصلاة النساء في الأداء والقضاء، مكروه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .
الكلام حال الأذان
يكره الكلام اليسير بغير ما يطلب شرعاً. أما بما يطلب شرعاً كرد السلام، وتشميت العاطس، ففيه خلاف المذاهب
(10) ، وإنما يكره الكلام حال الأذان ما لم يكن لإنقاذ أعمى
ونحوه، وإلا وجب، فإن كان يسيراً بنى على ما مضى من أذانه، وإن كان كثيراً استأنف الأذان من أوله، ومنها أن يؤذن قاعداً أو راكباً من غير عذر إلا للمسافر، فلا يكره أذانه وهو راكب، ولو بلا عذر، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فإن أذان الراكب عندهم غير مكروه على المعتمد.
التغني بالأذان
التغني والترنم في الأذان بالطريقة المعروفة عند الناس في زماننا هذا لا يقرها الشرع، لأنه عبادة يقصد منها الخشوع لله تعالى، على أن في حكم ذلك تفصيل في المذاهب ذكرناه تحت الخط (11) .
هذا. ولا يكره أذان الصبي المميز، والأعمى إذا كان معه من يدله على الوقت، عند الحنفية والحنابلة، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: يكره أذان الصبي المميز، كما تقدم.
المالكية قالوا: متى اعتمد الصبي المميز في أذانه أو في دخول الوقت على بالغ صح أذانه وإلا فلا) .
الإقامة
تعريفها وصفتها
الإقامة هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص؛ وألفاظها هي "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة؛ قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"، وهذه الصفة متفق عليها بين الحنابلة والشافعية، أما الحنفية، والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
حكم الإقامة
الإقامة كالأذان، فحكمها حكمه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (13) .
شروط الإقامة
شروط الإقامة كشروط الأذان المتقدمة قريباً. إلا في أمرين: أحدهما: الذكورة، فإنها ليست شرطاً في الإقامة، فتصح إقامة المرأة، بشرط أن تقيم لنفسها، أما إذا كانت تصلي مع رجال فإن إقامتها لهم لا تصح عند الشافعية، والمالكية، أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .
ثانيهما: إن الإقامة يشترط اتصالها بالصلاة عرفاً دون الأذان، فلو أقام الصلاة، ثم تكلم بكلام كثير، أو شرب؛ أو أكل، أو نحو ذلك، وصلى بدون إقامة، فإنه يصح، لأنه أتى بسنة الإقامة، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: لا تعاد الإقامة إلا إذا قطعها عن الصلاة كلام كثير، أو عمل كثير، كالأكل، أما لو أقام المؤذن، ثم صلى الإمام بعد الإقامة ركعتي الفجر، فلا تعاد) .
وقت قيام المقتدي للصلاة عند الإقامة
اختلفت المذاهب في وقت قيام المقتدي الذي يسمع إقامة الصلاة، فانظره تحت الخط (15) .
__________
الشافعية قالوا: يسن التوجه للقبلة إذا كانت القرية صغيرة عرفاً، بحيث يسمعون صوته بدون دوران، بخلاف الكبيرة عرفاً، فيسن الدوران، كما يسن استقبال القرية دون القبلة إذا كانت المنارة واقعة في الجهة القبلية من القرية.
الحنفية قالوا: يسن استقبال القبلة حال الأذان، إلا في المنارة فإنه يسن له أن يدور فيها ليسمع الناس في كل جهة، وكذا إذا أذن وهو راكب، فإنه لا يسن له الاستقبال، بخلاف الماشي.
الحنابلة قالوا: يسن للمؤذن أن يكون مستقبل القبلة في أذانه كله، ولو أذن على منارة ونحوها
(1) الحنابلة قالوا: إنما تندب الإجابة لمن لم يكن قد صلى تلك الصلاة في جماعة، فإن كان كذلك فلا يجيب، لأنه غير مدعو بهذا الأذان.
الحنفية قالوا: ليس على الحائض أو النفساء إجابة؛ لأنهما ليستا من أهل الإجابة بالفعل؛ فكذا بالقول
(2) المالكية قالوا: لا يحطي السامع قول المؤذن: "الصلاة خير من النوم"، ولا يبدلها بهذا القول على الراجح، والمندوب في حكاية الأذان عندهم إلى نهاية الشهادتين فقط
(3) المالكية قالوا: تندب الإجابة للمتنفل، ولكن يجب أن يقول عند: "حي على الصلاة، حي على الفلاح": لا حول ولا قوة إلا بالله؛ إن أراد أن يتم، فإن قالهما كما يقول المؤذن بطلت صلاته إن وقع ذلك عمداً أو جهلاً. وأما المشغول بصلاة الفرض، ولو كان فرضه منذوراً فتكره له حكاية الأذان في الصلاة، ويندب له أن يحكيه بعد الفراغ منه.
الحنفية قالوا: إذا أجاب المصلي مؤذناً فسدت صلاته، سواء قصد الإجابة أو لم يقصد شيئاً. أما إذا قصدر الثناء على الله ورسوله فلا تبطل صلاته ولا فرق بين النفل والفرض
(4) المالكية قالوا: يكره الأذان للفائتة مطلقاً، سواء كان المصلي في بيته، أو في الصحراء، وسواء كان في الجماعة أو منفرداً، بلا فرق بين أن يقضيها في مجلس واحد أو لا، كثيرة كانت أو يسيرة
(5) الحنفية قالوا: الترسل هو التمهل، بحيث يأتي المؤذن بين كل جملتين بسكتة تسع إجابته فيما نطق به، غير أن هذه السكتة تكون بين كل تكبيرتين لا بين كل تكبيرة وأخرى.
المالكية قالوا: الترسل هو عدم تمطيط في الأذان؛ وإنما يكون التمطيط مكروهاً ما لم يتفاحش عرفاً، وإلا حرم، وبهذا تعلم أن الخروج بالأذان إلى الأغاني الملحونة في زماننا حرام عند المالكية، وفي هذا من الزجر الشديد لمثل هؤلاء الناس ما لا يخفى
(6) الشافعية قالوا: الترسل هو التأني، بحيث يفرد كل جملة بصوت، إلا التكبير في أوله وفي آخره، فيجمع كل جملتين في صوت واحد.
الحنابلة قالوا: إن الترسل هو التمهل والتأني في الأذان
(7) المالكية قالوا: لا يصح أذان الفاسق، إلا إذا اعتمد على غيره، كما تقدم.
الحنابلة قالوا: لا يصح أذان الفاسق بحال
(8) الحنابلة، والحنفية قالوا: يكره أذان الجنب فقط، أما المحدث حدثاً أصغر فلا يكره أذانه، وزاد الحنفية أن أذان الجنب يعاد ندباً
(9) الشافعية قالوا: الأذان لصلاة النساء إن وقع من رجل فلا كراهة فيه، وإن وقع من واحدة منهن فهو باطل، ويحرم إن قصدن التشبة بالرجال، أما إذا لم يقصدن ذلك كان أذانهن مجرد ذكر، ولا كراهة فيه إذا خلا عن رفع الصوت
(10) الحنفية قالوا: يكره الكلام اليسير، ولو برد السلام، وتشميت العاطس، ولا يطلب من المؤذن أن يرد أو يشمت لا في أثناء الأذان ولا بعده؛ ولو في نفسه، فإن وقع من المؤذن كلام في أثنائه أعاده.
الشافعية قالوا: إن الكلام اليسير برد السلام، وتشميت العاطس ليس مكروهاً، وإنما هو خلاف الأولى، على الراجح، ويجب على المؤذن أن يرد السلام، ويسن له أن يشمت العاطس بعد الفراغ، وإن طال الفصل.
الحنابلة قالوا: رد السلام وتشميت العاطس مباح، وإن كان لا يجب عليه الرد مطلقاً؛ ويجوز الكلام اليسير عندهم في أثناء الأذان لحاجة غير شرعية، كأن يناديه إنسان فيجيبه.
المالكية قالوا: الكلام برد السلام وتشميت العاطس مكروه أثناء الأذان ويجب على المؤذن أن يرد السلام، ويشمت العاطس بعد الفراغ منه
(11) الشافعية قالوا: التغني هو الانتقال من نغم إلى نغم آخر، والسنة أن يستمر المؤذن في أذانه على نغم واحد.
الحنابلة قالوا: التغني هو الإطراب بالأذان، وهو مكروه عندهم.
الحنفية قالوا: التغني بالأذان حسن، إلا إذا أدى إلى تغيير الكلمات بزيادة حركة أو حرف، فإنه يحرم فعله، ولا يحل سماعه.
المالكية قالوا: يكره التطريب في الأذان لمنافاته الخشوع؛ إلا إذا تفاحش عرفاً فإنه يحرم
(12) الحنفية قالوا: إن تكبيرات الإقامة أربع في أولها، واثنتان في آخرها، وباقي ما ذكر في ألفاظها يذكر مرتين، ونصها هكذا: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر؛ أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"
(13) المالكية قالوا: إن حكم الإقامة ليس كحكم الأذان المتقدم، بل هي سنة عين لذكر بالغ، وسنة كفاية لجماعة الذكورة البالغين، ومندوبة عيناً لصبي وامرأة، إلا إذا كانا مع ذكر بالغ فأكثر، فلا تندب لهما اكتفاء بإقامة الذكر البالغ
(14) الحنفية قالوا: إن الشروط المذكورة شروط كمال لا شروط صحةن كما تقدم، فيكره أن يتخلف منها شرط، والإقامة مثل الأذان في ذلك، إلا أنه يعاد الأذان ندباً عند فقد شيء منها، ولا تعاد الإقامة، ومن هذا تعلم أن المرأة إذا أقامت الصلاة لرجال، فإن إقامتها تصح مع الكراهة.
الحنابلة قالوا: إن الذكورة شرط في الإقامة أيضاً، فلا تطلب من المرأة، كما لا يطلب منها الأذان
(15) المالكية قالوا: يجوز لمن يريد الصلاة غير المقيم أن يقوم للصلاة حال الإقامة أو بعدها بقدر ما يستطيع، ولا يحد ذلك بزمن معين، أما المقيم فيقوم من ابتدائها.
الشافعية قالوا: يسن أن يكون قيامه للصلاة عقب فراغ المقيم من الإقامة.
الحنابلة قالوا: يسن أن يقوم عند قول المقيم: قد قامت الصلاة، إذا رأى الإمام قد قام، وإلا تأخر حتى يقوم.
الحنفية قالوا: يقوم عند قول المقيم: "حي على الفلاح"