خطر على الأمة
الشيخ عائض بن عبدالله القرني
إنَّ الحمد لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
عباد الله:
إن من أعظم الجرائم، ومن أكبر المشاكل التي تفشت في مجتمعاتنا، التي عرضت ديننا وقيمنا، وأمننا، وأموالنا للضياع، وللسفك، وللانسلاخ؛ هو ما تفشى في مجتمعاتنا من تعاطي المخدرات، وشرب الخمر.
إنها مصيبة نكراء، وجريمة شنعاء، فتكت بشبابنا، وأذهبت أموالنا، وأهدرت دمائنا، وزعزعت أمننا وسكينتنا، فنشكو حالنا إلى الله تبارك وتعالى.
والله عزَّ وجلَّ تحدث عن المفسدين في الأرض، وعرض لجرائمهم، وبيَّن أحكامهم فقال: ﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المائدة: 33 - 34].
وقد كانت الخمر وكل مسكر تسمى عند العرب في الجاهلية ((أم الخبائث)) لا يشربها عقلاؤهم، ولا يتعاطاها حكماؤهم، حرمه كثير منهم على نفسه؛ منهم حاتم الطائي، وزيد بن عمرو بن نفيل، وهرم بن سنان، وكانت تسمى عندهم ((السفيهة)) و((المؤذية))، و((القبيحة))، و((المكروهة)). فلما جاء الإسلام حرمها الله تبارك وتعالى في كتابه، وحرمها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وقال: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام))[1] وقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه رجل من اليمن، يسأله عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المِزْر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أو مسكر هو؟)) قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كل مسكر حرام، إن على الله عزَّ وجلَّ عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طينة الخبال)) قال: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: ((عَرَق أهل النار، أو عُصارة أهل النار))[2].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((من شرب الخمر وسكر، لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد كان حقّاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة)) قالوا: يا رسول الله وما ردغة الخبال؟ قال: ((عصارة أهل النار))[3].
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر))[4].
عباد الله:
إن شرب الخمر من الكبائر؛ فهي أم الفواحش، لعنها الله، ولعن عاصرها، ومعتصرها وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها، وآكل ثمنها[5].
إن شرب الخمر يجرئ المرء على معصية لله عزَّ وجلَّ ويهون عليه ارتكاب الموبقات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جلس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو، أسأله عن ذلك، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، ووثبوا جميعاً، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((إن ملكاً من بني إسرائيل أخذ رجلاً، فخيّره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل صبيّاً، أو يأكل لحم الخنزير، أو يقتلوه إن أبى، فاختار أن يشرب الخمر، وأنه لما شرب، لم يمتنع من شيء أرادوه منه))[6].
إن أضرار الخمر وبيلة، ومصائبها كثيرة، ويكفي ما نسمع، وما نرى، وما ينقل إلينا من تلك الأضرار الوخيمة، والعواقب الأليمة، التي تفشت في مجتمعاتنا.
لقد انتشرت العصابات الفاجرة المجرمة التي تجلب إلينا المسكرات والمخدرات، التي تسعى في الأرض فساداً، التي زعزعت أمن البلاد، وأمن العباد، وأرهبت أهل البيوت في بيوتهم، وسفكت الدماء، وهتكت الأعراض، وعرضت الأنساب للاختلاط، وعرضت الشباب للانحراف والضياع.
أيها الناس:
إن من أعظم أضرار المسكرات والمخدرات:
أولاً: إنها محاربة لله تبارك وتعالى ومعصية ظاهرة له، فمن تناول شيئاً منها، أو جلب شيئاً منها لغيره، أو روج لها، أو استحسنها، أو سكت عن مروج لها، فقد بارز الله بالمحاربة، واستوجب لعنة الله تعالى وغضبه، وأمن من مكره سبحانه، وقد قال الله عزَّ وجلَّ عن هؤلاء ﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].
إنها عداوة صريحة لله رب العالمين، وهي أعظم ما عصي الله تعالى به في أرضه، فإن الإنسان إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وإذا افترى، قتل، وزنا، واغتصب، وفعل كل فاحشة خبيثة.
ثانياً: أن فيها إذهاباً للعقل، الذي هو أعظم نعمة، أنعم الله تعالى بها على الإنسان، فإذا أذهب هذه النعمة، وهذه المنة، فقد تردى في الحضيض، وباء بالغضب واللعنة. يقول الله سبحانه وتعالى عن أصحاب العقول: ﴿ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43] وقال عن أهل النار: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10].
وقال عزّ من قائل: ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269] أي أهل العقول.
فالذي أذهب عقله، وأضاع لبه، فهو في مسلك البهيمة، وفي مستوى الحمار، أو الثور، لا يدرك شيئاً، ولا يعرف شيئاً، قلَّت قيمته، وخف وزنه، وهان على ربه، فلا رجولة فيه، ولا حياة، ولا مروءة، ولا دين، ولا خير.
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيِّتٍ ♦♦♦ إِنَّمَا الْمَيِّتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
أذهب الله بهاءه، ونزع رداءه، وهتك ستره، وفضحه على رؤوس الخلائق، فنسأل الله تبارك وتعالى الستر والعافية.
ثالثاً: إن في شرب المسكر والمخدر سفكاً للدماء، وهتكاً للأعراض، وإهداراً للأموال.
فأما الدماء؛ فإننا نسمع كل يوم عن تلك الجرائم البشعة التي تحدثها هذه العصابات الضالة وتلك الشلل التائهة، من قتل رهيب، وتعد على البيوت الآمنة، وترويع من فيها من عباد الله. ونسمع دائماً عن قضايا الإعدام التي تلحق بهؤلاء المفسدين، نسأل الله أن يقطع دابرهم، وأن يطهر البلاد من شرورهم.
وأما الأعراض فإن أكبر جريمة بعد شرب الخمر جريمة الزنا، وهي لا تأتي في الغالب إلا بعد أن يذهب العقل بالخمر، حتى أن بعضهم لما شرب الخمر وسكر، ثَنّى بالجريمة الفحشاء، والفعلة النكراء، على أمه التي ولدته!! فنفذ فيه حكم الله، جزاء على تلك الجريمة التي يتنزه عنها اليهود والنصارى والبوذيون، وتقشعر منها جلودهم، ولا تفعلها الكلاب ولا الحمير، وإنما حمله على ذلك شرب الخمر الذي أذهب عقله ففعل هذه الفعلة البشعة.
وفيها أيضاً إزهاق للأموال، فهي تؤدي إلى الميسر والقمار، وإلى إتلاف الآلاف؛ بل والملايين في غضب الله تعالى وسخطه ولعنته.
رابعاً: ومن أضرارها أنها ضياع لشباب الأمة، وإهدار لقوة الأمة ومستقبلها، فما ضاع أكثر شبابنا إلا بسبب هذه الخبيثة.
لقد امتلأت بهم السجون في جرائم ارتكبوها بسبب شرب الخمر، دعاهم ربهم تبارك وتعالى إلى المساجد، وإلى حِلَق الذكر ومجالس العلم، وإلى أن يرفعوا من أنفسهم ولكنهم أبوا إلا الضياع والانحطاط ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].
أدخلوا السجون بالعشرات، بل بالمئات، والإحصائيات التي سمعنا بها رهيبة رهيبة، تنذر بأشد الخطر، وأسوأ العواقب.
خامساً: وللخمر أضرار صحية لا حصر لها، وكذلك المخدرات، وقد شهد على ذلك أهلها، ومنتجوها، ومروجوها، ومصنعوها.
لقد دخل عن طريق إرسال المخدرات إلى مجتمعاتنا كثير من الأمراض، منها مرض الإيدز، وأمراض الالتهاب الرئوي، وسوء الهضم، والتشنج، والصرع، والسهاد، والقلق، والسهر، والارتباك، والأمراض النفسية، والعصبية، والغم والهم، والحزن، واللعنة في الدنيا والآخرة، إلى غير ذلك مما ذكره أهل الطب، مما يزيد على مائة مرض من أخطر الأمراض؛ ومن أعظمها مرضا الإيدز والسرطان اللذان يصاب بهما كثير من الناس في هذا العصر، حتى قال بعض الأطباء الأمريكان: إن كل أربعة من عشرة من الأمريكيين مهددون بالإيدز، بسبب المخدرات.
ويقول صاحب كتاب "دع القلق وابدأ الحياة": إن الأمريكان قد حفروا لأنفسهم قبوراً، يردونها؛ لأنهم ما عرفوا الله نصف ساعة في اليوم، ثم صرح بأن السبب الرئيس في ذلك هو تعاطي المخدرات، التي أذهبت عقولهم.
ويقول إلكسس كارلي في كتاب "الإنسان.. ذلك المجهول": إن من أكبر الأسباب التي أدت إلى انهيار الإنسان في أوروبا، هي تلك المخدرات التي انتشرت في مجتمعاتها.
سادساً: ومن أضرار المسكرات والمخدرات أيضاً، أنها ضربة للأمة في قوتها واقتصادها، في قوتها العسكرية وقوتها الصناعية، ولذلك ذكر أهل التاريخ، أنه في القرن السادس عشر الميلادي، تواجه الصينيون واليابانيون، فانهزم الصينيون وسحقوا، فلما بحثوا في أسباب الهزيمة، وجدوا أن من أعظم الأسباب، هو انتشار الأفيون انتشاراً رهيباً بين صفوف الجيش الصيني، مما اضطره إلى أن يترك المعركة وينسحب.
وهذا الأمر أيضاً كان معروفاً عند العرب، فقد كانوا في الجاهلية يسمون الأفيون ((عطر منشم)) إذا شمه الجيش وأروح رائحته في المعركة انهزم وولى الأدبار.
وفي ذلك يقول زهير بن أبي سلمى في ميميته وهو يمدح هرم بن سنان:
تَدَارَكْتُمَا عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدَمَا ♦♦♦ تَفَانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَمِ
أيها الناس:
إن معنى تعاطي المخدرات في مجتمعاتنا، والترويج لها، أن نعيش في جو من الإرهاب، بسبب تلك العصابات المجرمة؛ ألا نأمن في بيوتنا ولا في أعمالنا؛ ألا نأمن على زوجاتنا ولا أخواتنا، معناه أن نقدم شبابنا لقمة سائغة إلى تلك الفئات الضالة، فيصبحون شللاً من المجرمين والمنحرفين يهددون أمن هذه الأمة واستقرارها.
إن الصهيونية العالمية، تخطط لإفساد شباب المسلمين، ولذلك فإن إسرائيل عدوة الإنسانية من أكثر الكيانات التي تعمل على إغراق البلاد الإسلامية بالمخدرات، وقد نشر هذا في بعض الإحصائيات.
ولكن ما هي الأسباب التي أدت بشبابنا ومجتمعاتنا إلى هذا التهتك والانحلال؟ اذكر من ذلك بعضاً من أهم هذه الأسباب.
السبب الأول: ضعف مراقبة الحي القيوم، ومن لا يراقب الله يضيعه الله، ولا يحفظه، ومن لا يحفظه سبحانه وتعالى فقد هلك. قال تعالى : ﴿ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً ﴾ [الكهف: 17].
لما ضعفت مراقبة الله تعالى في قلوب كثير من الناس، بما فيهم الشباب سهل عليهم تعاطي المخدرات فاستحقوا غضب الله ومقته؛ ولذلك فإن أعظم ما يوصى به في هذا المقام وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس - رضي الله عنهما - : ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))[7] فمن حفظ الله تبارك وتعالى فأحل ما أحل الله، وحرم ما حرم الله، وأدى الفرائض، وانتهى عن النواهي، حفظه الله، ولم يضيعه.
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه فيكبه في نار جهنم))[8].
يتبع