صور من وفاء الصحابة:
أبو بكر الصِّدِّيق:
(1) روى الترمذي عن أبي جحيفة، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه، وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصًا (أي: بعيرًا)، فذهبنا نقبضها فأتانا موته، فلم يعطونا شيئًا)، فلما قام أبو بكرٍ قال: مَن كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ، فلْيَجِئْ، فقمتُ إليه فأخبرتُه، فأمر لنا بها؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2266).
(2) روى البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: ((لو قد جاءنا مال البحرين، قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا))،فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء مال البحرين، قال أبو بكرٍ: مَن كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ، فليأتِني، فأتيته، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان قال لي: ((لو قد جاءنا مال البحرين، لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا)) فقال لي: احثُه، فحثوتُ حثيةً، فقال لي: عُدَّها، فعددتها فإذا هي خمسمائةٍ، فأعطاني ألفًا وخمسمائةٍ؛ (البخاري حديث: 3164).
عبدالله بن عمر بن الخطاب:
(3) روى مسلم عن عبدالله بن دينارٍ، عن ابن عمر: أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة، وعمامة يشد بها رأسه، فبينا هو يومًا على ذلك الحمار إذ مر به أعرابي، فقال: ألستَ ابن فلان بن فلانٍ؟! قال: بلى، فأعطاه الحمارَ، وقال: اركب هذا، والعمامةَ، قال: اشدُدْ بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفَر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت ترَوَّحُ عليه، وعمامةً كنت تشدُّ بها رأسك، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن مِن أبرِّ البرِّ: صلةَ الرجلِ أهلَ وُدِّ أبيه بعد أن يولي، وإن أباه كان صديقًا لعمر))؛ (مسلم - كتاب البر حديث 13).
(4) روى ابن حبان عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، قال: قدمت المدينة، فأتاني عبدالله بن عمر، فقال: أتدري لم أتيتُك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أحبَّ أن يصلَ أباه في قبره، فليصِلْ إخوانَ أبيه بعده))، وإنه كان بين أبي عُمرَ وبين أبيك إخاءٌ ووُدٌّ، فأحببتُ أن أصلَ ذاك؛ (حديث حسن) (صحيح الترغيب للألباني حديث 2506).
عبدالله بن عمرو بن العاص:
(5) قال هارون بن رئابٍ: لما حضَرت عبدَالله بن عمرو بن العاص الوفاةُ رضي الله عنه قال: (إنه كان خطَب إليَّ ابنتي رجلٌ من قريشٍ، وقد كان مني إليه شبيهٌ بالوعد، فوالله لا ألقى اللهَ بثُلث النفاق، اشهدوا أني قد زوجتُها إياه)؛ (الصمت لابن أبي الدنيا ص- 231 رقم: 456).
(6) وفاء المسلمين للمقوقس:
لما سار عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى مصر، نزل على مدينة بلبيس، ففتحها الله تعالى على المسلمين، وأسر من القبط خلق كثير، وكان في الأسرى أرمانوسة ابنة المقوقس عظيمِ القبط، كان المقوقس زوَّج ابنته أرمانوسة من قسطنطين بن هرقل، وجهَّزها بأموالها وجواريها وغلمانها لتسير إليه، فخرجت أرمانوسة إلى زوجها في مدينة قيسارية بفلسطين، وفي أثناء الطريق وصلت إلى مدينة بلبيس، فوقعَتْ في الأَسر هي ومن معها، فقال عمرو بن العاص لأصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: إن الله سبحانه وتعالى قد قال: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60]، وهذا الملك قد علِمتم أنه كاتَب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وبعث هديةً، ونحن أحقُّ بمَن كافأ عن نبيِّه صلى الله عليه وسلم هديتَه، وكان يقبَل الهديةَ ويشكُرُ عليها، وقد رأيتُ أن نُنفِذَ إلى المقوقس ابنتَه وما أخَذنا معها، ونحن نتبع سنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستَصْوَبوا رأيَه، فبعَث بها مكرَّمةً مع جميع ما معها مع قيسِ بن سعد رضي الله عنه، فسُرَّ المقوقس بقدومِ ابنته؛ (الخطط للمقريزي ج- 1 ص- 340: 339).
أقوال السلف في الوفاء:
(1) قال أبو حاتم الرازي (رحمه الله): لا خيرَ في الصدقِ إلا مع الوفاءِ، كما لا خير في الفقه إلا مع الورَعِ؛ (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البُستي ص- 89).
(2) قال أبو طالبٍ المكي: الاستقامةُ على التوبةِ: مِن الوفاء بالعهد، وتعدِّي الحدود مِن نقض الميثاقِ وقلةِ الصدق؛ (قوت القلوب لأبي طالب المكي ج- 1 ص- 91).
(3) قال الفضل بن سهلٍ لرجلٍ سأله حاجةً: أعِدُك اليوم، وأحبوك غدًا بالإنجاز؛ لتذوقَ حلاوة الأمل، وأتزيَّن بثبوت الوفاء؛ (أدب الدنيا والدين للماوردي ص- 196).
(4) قال علي بن أحمد بن حزم: الوفاءُ مركب مِن العدلِ والجُود والنَّجدة؛ (الأخلاق والسير في مداواة النفوس - لعلي بن حزم ص- 60).
قال أبو سعيدٍ الخزاز: "علامةُ العبودية ثلاثٌ: الوفاء لله على الحقيقة، والمتابعةُ للرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة، والنصيحةُ لجميع الأمة؛ (الزهد للبيهقي ص- 287 رقم: 745).
(5) قال الجريري: ما نجَا مَن نجَا إلا بمراعاةِ الوفاءِ؛ قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) [الرعد: 20]؛ (الرسالة القشيرية - لعبدالكريم القشيري ج- 1 ص- 232).
(6) قال عبدالواحد بن زيد: الصِّدقُ: الوفاءُ لله عز وجل بالعمل؛ (الرسالة القشيرية - لعبدالكريم القشيري ج- 2 ص- 364).
(7) قال الراغب الأصفهاني: الوفاء: صدقُ اللسان والفعل معًا؛ (الذريعة إلى مكارم الشريعة - للراغب الأصفهاني ص- 209).
الوفاء في دوحة الشُّعراء:
(1) قال علي بن أبي طالب:
مات الوفاءُ فلا رِفدٌ ولا طمَعُ *** في الناسِ لم يبقَ إلا اليأسُ والجزع
فاصبِرْ على ثقةٍ باللهِ وارْضَ به *** فاللهُ أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبَعُ
(مجمع الحكم والأمثال - لأحمد نجيب ص- 163).
(2) قال المتنبي:
غاضَ الوفاءُ فما تَلْقاه في عِدَةٍ ♦♦♦ وأعْوَز الصِّدقُ في الأخبارِ والقسَمِ
(مجمع الحكم والأمثال - لأحمد نجيب ص- 168).
(3) قال أبو النجح الخوارزمي:
عِشْ ألفَ عامٍ للوفاءِ وقلَّما *** ساد امرؤٌ إلا بحفظِ وفائِه
لصلاحِ فاسدِه وشَعْبِ صدوعِه *** وبيانِ مُشكلِه، وكشفِ غطائِه
(مجمع الحكم والأمثال - لأحمد نجيب ص- 162).
(4) قال علي بن مقرب:
لا تركنَنَّ إلى مَن لا وفاء له *** الذِّئبُ مِن طبعِه إنْ يقتدِرْ يَثِبِ
ولا تكُنْ لذوي الألباب محتقرًا *** ذو اللُّبِّ يكسِرُ فرعَ النبح بالغرَبِ
• النبح: شجر صُلب العيدان • الغرب: شجَر لا صلابة فيه؛ (مجمع الحكم والأمثال - لأحمد نجيب ص- 164).
(5) قال عبدالعزيز السلمان:
قَلَّ الوفاءُ فلا عَهْدٌ ولا ذِمَمٌ ♦♦♦ واستحكَمَ الجهلُ في البَادِينَ والحضَرِ
(موارد الظمآن - لعبدالعزيز السلمان ج- 5 ص- 555).
(6) قال الشاعر:
إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ *** واللؤمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ
وترى الكريمَ لِمَن يعاشرُ مُنصِفًا *** وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ
(مجمع الحكم والأمثال - لأحمد نجيب ص- 166).
(7) قال الشاعر:
عزَّ الوفاءُ فما وفاءُ وإنَّه *** لأعزُّ وُجدانًا مِن الكِبريتِ
(مجمع الحكم والأمثال - لأحمد نجيب ص- 169).
مِن عجائبِ الوفاءِ:
(1) كان النعمان بن المنذر قد جعَل له يومين؛ يوم بؤس: مَن صادفه فيه قتَله، ويوم نعيم مَن لقِيَه فيه أحسَن إليه وأغناه، وكان رجلٌ مِن قبيلة طيئ قد خرج ليأتي بطعام لأولاده الصغار، فبينما هو كذلك إذ صادَفه النعمانُ في يوم بؤسِه، فلما رآه الطائيُّ علِم أنه مقتولٌ، فقال: حيَّا اللهُ الملِك، إن لي صبيةً صغارًا وأهلًا جياعًا، وقد أرَقْتُ ماءَ وجهي في حصول شيء لهم، وقد أقدمني سوءُ الحظِّ على الملِك في هذا اليوم العَبُوس، وقد قرُبْتُ مِن مقرِّ الصبية والأهل، وهم على شفَا تلَفٍ مِن الجوع، ولن يتفاوت الحالَ في قتلي بين أول النهار وآخرِه، فإن رأى الملكُ أن يأذَنَ لي في أن أُوصِل إليهم هذا القوتَ، وأوصي بهم أهلَ المروءة مِن الحي؛ لئلا يهلِكوا ضياعًا، ثم أعود إلى الملِك وأُسلِّم نفسي لنفاذِ أمره، فلما سمع النعمانُ صورةَ مقاله، وفهِم حقيقة حاله، ورأى تلهُّفَه على ضَياعِ أطفاله، رقَّ له، ورثى لحاله، غيرَ أنه قال له: لا آذَنُ لك حتى يضمَنَك رجلٌ معنا، فإن لم ترجِعْ قتلناه، وكان شريكُ بن عدي بن شرحبيل نديمَ (أي: صديق) النُّعمان معه، فالتفت الطائيُّ إلى شريكٍ، وقال له، فقال شريك بن عدي: أصلَح اللهُ الملِك، عليَّ ضمانه، فمرَّ الطائيُّ مسرعًا، وصار النعمان يقول لشريك: إن صدرَ النهار قد ولَّى ولم يرجِعْ، وشريك يقول: ليس للملِك عليَّ سبيلٌ حتى يأتيَ المساء،فلما قرُب المساءُ، قال النعمان لشريك: قد جاء وقتُك، قُمْ فتأهَّبْ للقتل، فقال شريك: هذا شخصٌ قد ظهَر مقبلًا، وأرجو أن يكونَ الطائيَّ، فإن لم يكُنْ، فأمرُ الملِك ممتثَلٌ، قال: فبينما هم كذلك وإذا بالطائي قد اشتدَّ عَدْوُه في سيره مسرعًا حتى وصَل، فقال: خشيتُ أن ينقضيَ النهارُ قبل وصولي، ثم وقف قائمًا وقال: أيها الملكُ، مُرْ بأمرِك، فأطرق النعمانُ ثم رفع رأسه، وقال: واللهِ، ما رأيتُ أعجبَ منكما، أما أنت يا طائيُّ، فما تركتَ لأحدٍ في الوفاءِ مقامًا يقوم فيه، ولا ذكرًا يفتخر به، وأما أنت يا شريكُ، فما تركتَ لكريمٍ سماحةً يُذكَر بها في الكرماء، فلا أكون أنا أَلْأَمَ الثلاثة، ألا وإني قد رفعتُ يومَ بؤسي عن الناس، ونقضتُ عادتي؛ كرامةً لوفاء الطائيِّ، وكرمِ شريك، فقال له النعمان: ما حمَلك على الوفاءِ وفيه إتلافُ نفسِك؟ فقال: دِيني، فمَن لا وفاءَ فيه لا دِينَ له،فأحسَن إليه النعمان، وأجزَل له العطاء بما أغناه، وأعاده مكرمًا إلى أهله، وأناله ما تمنَّاه؛ (المستطرف للأبشيهي ص- 209: 208).
(2) لما أراد امرؤُ القيسِ الكِنديُّ المضيَّ إلى قيصرَ ملك الروم، أودع عند السَّموءلِ بن عاديا دروعًا كثيرة، ولما مات امرؤُ القيس، أرسل ملِك كِندةَ الحارثُ بن أبي شمرٍ الغسانيُّ إلى السموءل بن عاديا، وطالَبه بأدراع امرئ القيس المودَعة عنده، فقال السموءل: لا أدفعُها إلا لمستحقِّها، وأبى أن يدفع إليه منها شيئًا،فعاوده، فأبى، وقال: لا أغدِرُ بذمَّتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاءَ الواجب عليَّ، فقصده ملِك كِندة بعسكره، فدخل السموءلُ في حصنه، وامتنع به، فحاصره ذلك الملك،وكان ولدُ السَّموءل خارج الحصن، فظَفِرَ به الملك، فأخذه أسيرًا، ثم طاف حول الحصن، وصاح بالسَّموءل، فأشرَف عليه مِن أعلى الحصن، فلما رآه قال له: إن ولدَك قد أسَرْتُه، وها هو معي، فإن سلَّمتَ إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلتُ عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحتُ ولدك وأنت تنظر، فاختَرْ أيهما شئت،فقال له السموءل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأُبطِل وفائي،فاصنع ما شئت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن، رجع خائبًا، وصبَر السموءل على ذبح ولده؛ محافظةً على وفائه، فقال السموءل في ذلك:
وفَيْتُ بأدرعِ الكِنديِّ إني *** إذا ما ذمَّ أقوام وفيتُ
وأُوصي عاديًا يومًا بألَّا *** تُهدِّم يا سموءلُ ما بنيتُ
بنى لي عاديًا حِصنًا حصينًا *** وماءً كلما شئتُ استقيتُ
فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس، سلَّم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذِمامه ورعاية وفائه أحبَّ إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال في الوفاء تُضرَب بالسموءل، وإذا مدحوا أهلَ الوفاء في الأنام، ذكروا السموءل في الأول.
(الكامل في التاريخ لابن الأثير ج- 1 ص- 469) (المستطرف للأبشيهي ص- 209).
قصة عجيبة للوفاء بسَداد الدَّين:
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأْتِني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلًا، قال: صدقتَ، فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس (أي طلب) مركَبًا يركبها يقدَمُ عليه للأجل (وقت الوفاء لسداد الدين) الذي أجله، فلم يجد مركَبًا، فأخذ خشبةً فنقَرها (أي حفرها)، فأدخل فيها ألف دينارٍ وصحيفةً منه إلى صاحبه، ثم زجَّج موضعها (أي سوَّى موضع النقر)، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلَّفت فلانًا ألف دينارٍ، فسألني كفيلًا، فقلت: كفى بالله كفيلًا، فرضي بك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضي بك، وإني جهدت (أي بذلت وسعي) أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له، فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت (دخلت) فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركَبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينارٍ، فقال: والله ما زلتُ جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنتَ بعثت إلي بشيءٍ؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثتَ في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدًا))؛ (البخاري حديث: 2291).
نقض العهد:
معنى نقض العهد:
عدم الوفاء بما أعلن الإنسان الالتزام به، أو قطعه على نفسه، من عهدٍ أو ميثاق، سواء فيما بينه وبين الله تعالى، أو فيما بينه وبين الناس؛ (موسوعة نضرة النعيم ج- 11 ص- 5633).
التحذير من نقض العهد:
نقض العهد من الكبائر.
قال تعالى عن الفاسقين: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة: 27].
(1) روى الشيخانِ عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ من كنَّ فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلة (صفة) منهن، كانت فيه خَصلة مِن النفاق حتى يدَعَها (يتركها): إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهد غدَر (ترك الوفاء بالعهد)، وإذا خاصَم فجَر))؛ (البخاري حديث: 34/ مسلم حديث: 58).
(2) روى البخاري عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الغادرَ يُنصَب له لواءٌ يوم القيامة، فيقال: هذه غَدْرَةُ فلانِ بن فلانٍ))؛ (البخاري حديث 6178).
(3) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثةٌ أنا خَصمُهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدَر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنَه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطِ أجره))؛ (البخاري حديث 2227).
(4) روى أحمد عن أنس بن مالكٍ قال: ما خطبنا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: ((لا إيمانَ لمن لا أمانة له، ولا دِينَ لمن لا عهد له))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث: 7179).
(5) روى الحاكم عن بُريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقَض قومٌ العهدَ قط، إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرتِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ، إلا سلَّط الله عليهم الموت، ولا منَع قومٌ الزكاةَ، إلا حبس اللهُ عنهم القَطْرَ))؛ (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث: 107).
(6) روى مسلمٌ عن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيشٍ، أو سريَّةٍ، أوصاه في خاصتِه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: ((اغْزُوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا مَن كفر بالله، اغزوا ولا تغُلُّوا، ولا تغدِروا (أي: ولا تنقُضوا العهد)، ولا تُمَثِّلوا (أي: لا تشوِّهوا القتلى)، ولا تقتلوا وَلِيدًا (أي: صبيًّا)، وإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين، فادعُهم إلى ثلاثِ خصالٍ، فأيَّتهنَّ ما أجابوك، فاقبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم، ثم ادعُهم إلى الإسلام))؛(مسلم حديث: 1731).
(7) روى أحمدُ عن رفاعةَ بن شدادٍ، قال: كنتُ أقوم على رأسِ المختار، فلما عرفتُ كذِبَه، همَمْتُ أن أسُلَّ سيفي فأضربَ عنقه، فذكرتُ حديثًا حدثناه عمرُو بن الحمق، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أمَّن رجلًا على نفسه، فقتَله، أُعطيَ لواءَ الغدرِ يوم القيامة))؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد ج- 36 ص- 279 حديث: 21948).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى: أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعلَه ذُخرًا لي عنده يوم القيامة؛ (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفعَ به طلاب العلم.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
وصلى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.