أوراق متناثرة في تاريخ الصحافة الإسلامية (4/6)
مبارك القحطاني
إذا عُـدّت قلاع الدفاع عن الإسلام في هذا العصر، فإن الأزهر سيكون في طليعتها؛ إذ كان الأزهر وما زال شوكةً في حلوق أعداء الإسلام، ورُمحاً في صدور كلّ من يحاول العبَث بثوابت الأمة وسلخها عن دينها.
فتصدّى الأزهر من خلال مكانته العلمية المرموقة وموقعه المؤثّر في الجماهير المسلمة لحملات التغريب ومسخ الهويّة الإسلامية للشعب المصري، ذلك بأساليب تتناسب مع طبيعة المرحلة ومقتضياتها، لذا كان الإهتمام منصبّاً في مطلعِ القرنِ العشرينِ ميلادي على وسيلةِ الصحافة؛ فأصدر الأزهر عام 1924 م صحيفة" المؤتمر الإسلامي"، لكنها لم تستمرّ طويلاً، وتوقّفت بعد صدور خمسة أعداد منها.
وفي شهر أكتوبر من عام 193 أصدَر الأزهر صحيفة" نور الإسلام"، ورَأس تحريرها الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله، وأوضح في أول عدد منها أسباب إصدارها، ومنها:
1 - تعرَض الدين الإسلامي لهجمات مسعورة شنّها طائفة من الملحدين والعلمانيين في الصحف والمجلات.
2 - الذود عن حمى الشريعة الإسلامية، وتقرير حقائق الدين على وجهها الصحيح، ومواجهة نشاط البعثات التبشيرية في مصر، والعمل على هداية الناس وإرشادهم إلى الحق.
أما أهدافها فقد كانت على النحو التالي:
1 - نشر آداب الإسلام وإظهر حقائقه نقية من كل لبس.
2 - الكشف عما ألصق بالدين من بدع ومحدثات.
3 - التنبيه على ما دس في السنة من أحاديث موضوعة.
4 - دفع الشبه التي يحوم بها مرضى القلوب على أصول الشريعة الإسلامية.
5 - العناية بسير العظماء من رجال الإسلام.
6 - نشر المباحث القيمة في العلوم والآداب.
7 - لا تتعرض المجلة للشئون السياسية أو مهاجمة الأديان أو الطعن في رجال الدين والتعريض بهم.
8 - تبتعد عن إثارة الفتن بين أبناء الوطن الواحد.
أبرز موضوعات المجلة وكتابها:
اهتمّت المجلة بتفسير القرآن الكريم، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشرح السنة النبوية، فخصّصت أبواباً ثابتة لهذه المقالات، وأبواباً خاصة للفتاوى رداً على أسئلة القرّاء، وحفلت المجلة بالكثير من الأبحاث العلمية المتعلّقة بعلوم الشريعة، مثل: قضايا الإنحراف عن الدين وعلله وآثاره ودوائ، والبعث، والزكاة، وصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، وعلاقة الشريعة الإسلامية بالأخلاق، وضرورة الدين للعمران، هذا إلى جانب بعض الفصول المترجمة من كتب أجنبية منتقاة، مثل كتاب"السيرة النبوية" لرينيه وسليمان بن إبراهيم الجزائري.
ونشرت أيضاً سلسلة مقالات عن أثر الثقافة الإسلامية في تطور النهضة الفكرية بقلم الشيخ:" محمد صادق عرجون".
وضمت المجلة نخبة من الكتاب المبرزين بنتاجهم وكتاباتهم من الأزهر وخارجه، مثل: الشيخ محمد الخضر حسين، والشيخ محمد عرفه، والشيخ محمد البهي، والشيخ محمود شلتوت، ومحمد أحمد الغمراوي، ومحمد بخيت المطيعي، وعبدالعزيز الثعالبي، وأمين الخولي، وزكي مبارك، وكثيرون غيرهم.
معارك المجلة الفكرية:
اصطدمت المجلة منذ بداياتها بالكتابات المنحرفة عن الإسلام، والتيار الإلحادي القويّ آنذاك الذي كان ينادي بأن يتحكم العقل والعلم في مسيرة الحياة دون أيّ تدخّل من النصوص الشرعية، أو سيطرة للدين على شئون الحياة. فهاجم الشيخ محمد الخضر حسين دعاة العلمانية وفصل الدين عن الدولة بدعوى أن الجمع بين السلطتين الدينية والزمنية سبب لتأخر المسلمين، وكذلك هاجم الدكتور محمد البهي هذا التيار المتأثّر بالغرب، وأرجع سبب محاربته للدين إلى الإعجاب غير المتعقّل بالغرب عبر وسائل الغزو الفكري في المجتمعات الإسلامية، فيقول:" إن الصورة في ذهن الشرقي عن أوروبا صورة مبالغ فيها نحو الكمال والرقي الإنساني بفضل الدعاية الثقافية والأدبية التي تقوم بها الأفلام السينمائية ومدارس الإرساليات الأجنبية، والنشرات التي تحمل طابع البحث العلمي" ا هـ.
وتعرضت المجلة أيضاً إلى فضح أنشطة التنصير في العالم الإسلامي، وكشف مخطّطاته الرامية لهدم الدين الإسلامي، وإزالته بشتى الوسائل الخبيثة من قلوب المسلمين، فنقلت عن مجلة العالم الإسلامي التي يحرّرها القس"زويمر" مخطّطات التنصير في العالم الإسلامي، تحت غطاء المستشفيات والمدارس والأعمال الخيرية، وخير مثال على ذلك هو مستشفى"هنري" في أسيوط.
وكذلك قامت المجلة بعرض الشبهات التي يقذفها المنصّرون والمستشرقون في مؤلفاتهم إلى المسلمين البسطاء بغية زعزعة الدين في قلوبهم، وتولّت المجلة الردّ على هذه الشبهات بأساليب منهجية علمية، وممن تولّى الردّ عليهم في هذا السبيل الكاتب"محمد فريد وجدي"، فقد ردّ على"اندريه هارفيه" ما كتبه في جريدة كوكب الشرق المصرية من شبهات كاذبة على الإسلام. وكذلك تولّى وجدي الردّ على المستشرق"فرنك فوستر" الذي كتب سلسلة عن تاريخ الإسلام، فنبز الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض التهم الكاذبة، وكشف زيفها وبطلانها بحجج قوية متينة.
وخاضت المجلة العديد من المعارك الفكرية على الكثير من الجبهات، وعبر العديد من المحاور الفكرية، إلا أن الباحث الدكتور"جمال النجار" في دراسته القيّمة عن صحافة الاتجاه الإسلامي في مصر بين الحربين العالميتين يجمل القول عن أبرز اهتمامات مجلة نور الإسلام - كما يراها - على النحو التالي:
1 - تفسير آيات من القرآن الكريم وبيان ما في الذكر الحكيم والسنة النبوية المشرفة من أصول الأخلاق الفاضلة، وقواعد الأدب الكريمة التي يجدر بالمسلم أن يتبعها.
2 - متابعة الحركة الفكرية العالمية وترجمة بعض ما يجيء في الصحف الأجنبية من مباحث علمية أو مقالات صحفية تتحدث عن الإسلام، ومقاومة تيار الإلحاد ودعاته من العلمانيين والملحدين الذين يروّجون لفصل الدين عن شئون الحياة العامة.
3 - مهاجمة التبرج والتعري والسفور والإختلاط بين الجنسين، ومهاجمة الدعوة إلى تقليد المرأة المصرية للمرأة الأجنبية في كل أنماط الحياة، والدفاع عن الشرعية الإسلامية وأصولها وبيان فساد النظريات والمذاهب الوضعية التي تتعارض معها.
4 - التصدي لحركة التبشير النصراني في العالم الإسلامي، وفضح خطط وتآمر المبشرين على المسلمين، ودحض الشبهات التي يثيرها المستشرقون ضد الإسلام.
5 - الدعوة إلى إدخال الدين في المدارس الحكومية ومحاربة المدارس الأجنبية والدفاع عن اللغة العربية، وبحث مسألة ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، والتصدي، للمذاهب الضالة والحركات الهدامة المنتسبة إلى الإسلام كالصوفية والقاديانية والبابية والبهائية." ا هــ.
هذا ومن المؤسف له أن المجلة قد خاضت معارك فكرية مع التيار السلفي في مصر، كما حصل في معركة الشيخ يوسف الدجوي مع الشيخ رشيد رضا صاحب المنار، حول بعض القضايا العقدية التي استنفدت جهوداً كان ينبغي صرفها إلى صدّ أعداء الإسلام الحقيقيين.
وفي عام 1935 م بدأت مرحلة جديدة من عمر المجلة بعد أن تغير اسمها إلى اسم"الأزهر"، وأصبح فريد وجدي مدير تحريرها.