الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الاول
[كتاب الصلاة]
صـــــ 425 الى صــــــــ437
الحلقة (61)
[المواضع التي تطلب فيها سجدة التلاوة]
تطلب في أربعة عشر موضعاً: وهي آخر آية في الأعراف: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته، ويسبحونه، وله يسجدون} ،
وآية الرعد: {ولله يسجد ما في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، وظلالهم بالغدوّ والآصال} وآية النحل: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة، والملائكة، وهم لا يستكبرون، يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} ،
وآية الإسراء التي آخرها: {يزيدهم خشوعاً} ،
وآية مريم التي آخرها: {خرُّوا سجداً وبكياً} ،
وآيتان في سورة الحج: أولاهما {ويفعل ما يشاء} في آخر الربع {لعلكم تفلحون} ، عند الشافعية، والحنابلة، وخالف، المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) : وآية الفرقان وهي: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً} ،
وآية النمل وهي: {أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض، ويعلم ما تخفون وما تعلنون، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} ،
وآية سورة السجدة وهي: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً} إلى قوله تعالى: {وهم لا يستكبرون} وآية سورة فصلت وهي: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} وآية النجم وهي: {أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا} وآية سورة الانشقاق،
وهي قوله تعالى: {وإذ ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .وأما آية "ص" وهي: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب} ، فليست من مواضع سجود التلاوة عند الشافعية، والحنابلة خلافاً للمالكية، والحنفية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية، والمالكية قالوا: إنها من مواضع سجود التلاوة،
إلا أن المالكية قالوا: إن السجود عند قوله تعالى: {وأناب} والحنفية قالوا: الأولى أن يسجد عند قوله تعالى: {وحسن مآب} .
ومن هذا يتضح أن عدد مواضع سجدة التلاوة عند الحنفية أربعة عشر موضعاً بنقص آية أخر الحج، وزيادة أية {ص} .
وعند المالكية أحد عشر موضعاً بنقص آية النجم، والانشقاق، وسورة اقرأ، وزيادة آية ص) ، والسجود يكون عند آخر كل آية من آياتها المتقدمة باتفاق، إلا عند الحنفية في بعض المواضع، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
[سجدة الشكر]هي سجدة واحدة كسجود التلاوة عند تجدد نعمة أو اندفاع نقمة، ولا تكون إلا خارج الصلاة، فلو أتي بها في الصلاة بطلت صلاته، ولو نواها ضمن ركوع الصلاة وسجودها لم تجزه، وهي مستحبة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية.
فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
[مباحث قصر الصلاة الرباعية]
[حكمها]
يجوز للمسافر المجتمعة فيه الشروط الآتي بيانها أن يقصر الصلاة الرباعية - الظهر والعصر والعشاء - فيصليها ركعتين فقط، كما يجوز له أن يتم عند الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية،
والحنفية قالوا: إن قصر الصلاة مطلوب من المسافر لا جائز، ولكنهم اختلفوا في حكمه،
فقال الحنفية: إنه واجب، والواجب عندهم أقل من الفرض، ومساو للسنة المؤكدة، وعلى هذا فيكره للمسافر أن يتم الصلاة الرباعية، وإذا أتمها فإن صلاته تكون صحيحة إذا لم يترك الجلوس الأول، لأنه فرض في هذه الحالة، ولكنه يكون مسيئاً بترك الواجب، وهو وإن كان لا يعذب على تركه بالنار، ولكنه يحرم من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما تقدم.هذا هو رأي الحنفية،
أما المالكية فقد قالوا: إن قصر الصلاة سنة مؤكدة آكد من صلاة الجماعة، وإذا تركه المسافر فلا يؤاخذ على تركه، ولكنه يحرم من ثواب السنة المؤكدة فقط، ولا يحرم من شفاعة النبي، كما يقول الحنفية، فالمالكية، والحنفية متفقون على أنه سنة مؤكدة ولكنهم مختلفون في الجزاء المترتب على تركه.هذا هو ملخص المذاهب في هذا الحكم، ولكن لكل مذهب تفصيل، فانظر تفصيل كل مذهب على حدة تحت الخط (5) .
[دليل حكم قصر الصلاة]
ثبت قصر الصلاة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} ، فهذه الآية قد دلت على أن قصر الصلاة مشروع حال الخوف، وهي وإن لم تدل على أنه مشروع حال الأمن، ولكن الأحاديث الصحيحة والإجماع قد دلت على ذلك، فمن ذلك ما رواه يعلى بن أمية،
قلت لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته، رواه مسلم.
وقال ابن عمر رضي الله عنه: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان كذلك؛ متفق عليه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بأهل مكة بعد الهجرة صلاة رباعية،
فسلم على رأس ركعتين ثم التفت إلى القوم فقال: "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر".هذا، وقد أجمعت الأمة على مشروعية القصر.
[شروط صحة القصر: مسافة السفر التي يصح فيها القصر]
يشترط لصحة قصر الصلاة شروط: منها أن يكون السفر مسافة تبلغ ستة عشر فرسخاً ذهاباً فقط، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع بذراع اليد، وهذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة وأربعين متراً - مسيرة يوم وليلة بسير الإبل المحملة بالأثقال سيراً معتاداً - وتقدير المسافة بهذا متفق عليه بين الأئمة الثلاثة ما عدا الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، ويقدر الشافعية هذه المسافة بمرحلتين، والمرحلة عندهم ثمانية فراسخ، ولا يضر نقصان المسافة عن المقدار المبين بشيء قليل، كميل أو ميلين باتفاق الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية والشافعيةن فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) ، ولا يشترط أن يقطع هذه المسافة في المدة المذكورة - يوم وليلة - فلو قطعها في أقل منها ولو في لحظة صح القصر، كما إذا كان مسافراً بالطائرة ونحوها، وهذا متفق عليه.
[نية السفر]
لا يصح القصر إلا إذا نوى السفر، فنية السفر شرط لصحة القصر باتفاق،
ولكن يشترط لنية السفر أمران:
أحدهما: أن ينوي قطع تلك المسافة بتمامها من أول سفره، فلو خرج هائماً على وجهه لا يدري أين يتوجه لا يقصر، ولو طاف الأرض كلها، لأنه لم يقصد قطع المسافة،وهذا الحكم متفق عليه، وكذلك لا يقصر إذا نوى قطع المسافة، ولكنه نوى الإقامة أثناءها مدة قاطعة لحكم السفر وسيأتي بيانها، وخالف في هذا الحكم الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) ؛ ثانيهما: الاستقلال بالرأي، فلا تعتبر نية التابع بدون نية متبوعة، كالزوجة مع زوجها، والجندي مع أميره، والخادم مع سيده، فلو نوت الزوجة مسافة القصر دون زوجها لا يصخ لها أن تقصر، وكذلك الجندي والخادم ونحوهما، سواء نوى التابع التخلص من متبوعه عند سنوح الفرصة أو لا، باتفاق؛ وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، ولا يشترط في نية السفر البلوغ؛ فلو نوى الصبي مسافة القصر قصر الصلاة، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) .
[حكم قصر الصلاة في السفر المحرم والمكروه]
ومن الشروط أن يكون السفر مباحاً.
فلو كان السفر حراماً كأن سافر لسرقة مال أو لقطع طريق أو نحو ذلك فلا يقصر، وإذا قصر لم تنعقد صلاته؛ باتفاق الشافعية، والحنابلة؛ وخالف الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (11) ، فإن كان السفر مكروهاً ففيه تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط (12) .
وأما إذا كان السفر مباحاً، ولكن وقعت فيه المعصية فلا يمنع القصر.
[المكان الذي يبدأ فيه المسافر صلاة القصر]
لا يصح للمسافر أن يقصر الصلاة قبل أن يشرع في سفره ويفارق محل إقامته بمسافة مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (13) .
[اقتداء المسافر بالمقيم]
من شروط القصر أن لا يقتدي المسافر الذي يقصر الصلاة بمقيم أو مسافر يتم الصلاة فإن فعل ذلك وجب عليه الإتمام، سواء اقتدى به في الوقت أو بعد خروج الوقت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .ولا فرق في ذلك بين أن يدرك مع الإمام كل الصلاة أو بعضها حتى ولو أدرك التشهد الأخير، فإنه يتم، باتفاق، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) ، ولا يكره اقتداء المسافر بالمقيم إلا عند المالكية،
فإنهم يقولون: يكره، إلا إذا كان الإمام أفضل أو به ميزة.
[نية القصر]
ومنها أن ينوي القصر عند كل صلاة تقصر على التفصيل المتقدم في مبحث "النية" باتفاق الشافعية، والحنابلة؛ وخالف المالكية، والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط (16) .
[ما يمنع القصر: نية الإقامة]
يمتنع القصر بأمور: منها أن ينوي الإقامة مدة مفصلة في المذاهب (17) .
[ما يبطل به القصر، وبيان الوطن الأصلي وغيره]
يبطل القصر بالعودة إلى المكان الذي يباح له القصر عنده حين ابتدأ سفره، سواء كان ذلك المكان وطناً له أو لا؛ ومثل العودة بالفعل نية العودة، وفي ذلك كله تفصيل في المذاهب فانظره تحت الخط (18) .(1) المالكية، والحنفية لم يعدوا آية آخر الحج من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة
(2) المالكية قالوا: إن آية النجم، وآية الانشقاق، وآية اقرأ ليست من المواضع التي يطلب فيها سجود التلاوة
(3) الحنفية قالوا: إن السجود في آية سورة فصلت عند قوله تعالى: {وهم لا يسأمون}
(4) المالكية قالوا: سجدة الشكر مكروهة، وإنما المستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة صلاة ركعتين، كما تقدم.
الحنفية قالوا: سجدة الشكر مستحبة - على المفتى به -، وإذا نواها ضمن ركوع الصلاة أو سجودها أجزأته، ويكره الإتيان بها عقب الصلاة لئلا يتوهم العامة أنها سنة أو واجبة
(5) الحنفية قالوا: قصر الصلاة واجب بالمعنى الذي فصلناه فوق الخط، فإذا أتم الصلاة فقد فعل مكروهاً بترك الواجب، على أن في الإتمام أيضاً تأخيراً للسلام الواجب عن محله، وذلك لأنه يجب على المصلي أن يسلم بعد الفراغ من القعود الأخير، والقعود الأخير في صلاة المسافر هو ما كان في نهاية الصلاة المطلوبة منه، وهي ركعتان، فإذا صلى ركعتين ولم يجلس في الركعة الثانية بطلت صلاته، لأنه هذا الجلوس فرض كالجلوس الأخير، وإذا لم يسلم بعد القعود وقام للركعة الثالثة فقد فعل مكروهاً، لأنه بذلك يكون قد أخر السلام المطلوب منه عن محله.
المالكية قالوا: قصر الصلاة سنة مؤكدة، كما ذكرنا فوق الجدول، فمن تركه وأتم الصلاة فقد حرم من ثواب هذه السنة، وإذا لم يجد المسافر مسافراً مثله ليقتدي به صلى منفرداً صلاة قصر، ويكره له أن يقتدي بإمام مقيم، لأنه لو اقتدى بإمام مقيم لزمه أن يتم الصلاة معه فتفوته سنة القصر المؤكدة.
الشافعية قالوا: يجوز للمسافر مسافة قصر أن يقصر الصلاة، كما يجوز له الإتمام، بلا خلاف،ولكن القصر أفضل من الإتمام، بشرط أن تبلغ مسافة سفره ثلاثة مراحل، وإلا لم يكن القصر أفضل، وذلك لأن أقل مسافة القصر عندهم مرحلتان، وسيأتي قريباً بيان معنى المرحلة عندهم، فإذا كانت مسافة سفره مرحلتين فقط، فإنه يجوز له أن يقصر، كما يجوز له أن يتم، أما إذا كانت ثلاث مراحل فأكثر فإن القصر يكون أفضل، وإنما يكون القصر في هذه الحالة أفضل إذا لم يكن المسافر ملاحاً، والملاح هو القائم بتسيير السفينة ومساعدوه، ويقال لهم: البحارة، فإذا كان هؤلاء مسافرين فإن إتمام الصلاة أفضل لهم، وإن كانت مسافة سفرهم تزيد على ثلاث مراحل.
هذا، وإذا أخر المسافر الصلاة إلى آخر وقتها بحيث لم يبق من الوقت إلا ما يسع صلاة ركعتين فقط، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يصلي قصراً، ولا يجوز له الإتمام بحال، لأنه في هذه الحالة يمكنه أن يوقع الصلاة كلها في الوقت، كما تقدم في المسح على الخف، فإنه إذا ضاق الوقت كانت المسح فرضاً لإدراك الصلاة في وقتها.
الحنابلة قالوا: القصر جائز، وهو أفضل من الإتمام، فيجوز للمسافر مسافة قصر أن يتم الصلاة الرباعية وأن يقصرها بلا كراهة، وإن كان الأفضل له الإتمام، ويستثنى من ذلك أمور سنذكرها في شروط القصر، ومنها أن يكون المسافر ملاحاً - بحاراً - فإنه إذا كان معه أهله في السفينة فإنه في هذه الحالة لا يجوز له قصر الصلاة لكونه في حكم المقيم، وقد عرفت حكم هذا عند الشافعية، وهو أن إتمام الصلاة أفضل في حقهم فقط، أما الحنفية، والمالكية فلم يفرقوا بين الملاح وغيره في الحكم الذي تقدم بيانه عندهم
(6) الحنفية قالوا: المسافة مقدرة بالزمن، وهو ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة، ويكفي أن يسافر في كل يوم منها من الصباح إلى الزوال، والمعتبر السير الوسط، أي سير الإبل، ومشي الأقدام، فلو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال، وبلغ المرحلة، ونزل وبات فيها، ثم بكر في اليوم الثاني، وفعل ذلك، ثم فعل ذلك في اليوم الثالث أيضاً فقد قطع مسافة القصر، ولا عبرة بتقديرها بالفراسخ على المعتمد، ولا يصح القصر في أقل من هذه المسافة وبعض الحنفية يقدرها بالفرسخ، ولكنه يقول: إنها أربعة وعشرون فرسخاً، فهي ثلاث مراحل لا مرحلتان
يتبع