الموضوع: التدابر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-07-2020, 02:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 153,388
الدولة : Egypt
افتراضي التدابر

التدابر


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم





الحمد لله الذي خلق بني آدم من نَفْس واحدة، فكلُّ الخَلْق لآدم وآدمُ من تراب، سبحانه وعَد مَن اتقاه وأطاعه بالجنَّة ونعيمها، وتوعَّد مَن عصاه بالنار وسَعيرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في التزام أوامره السعادةُ في الدارين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، دعانا إلى هَدْيه، والتمسك بسُنته، ومَن سار على نَهْجه وتأسَّى به، نال شفاعته، وحظي بالقرب منه في جِنان الرِّضوان، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم تسليمًا.



أما بعد:

فيا أيها الناس، اتقوا ربكم، الذي خلقكم من نَفْس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا، واتقوا يوم التنادي، يوم تُولُّون مُدبِرين ما لكم من الله من عاصم.



عباد الله:

إذا آمنتم بمراقبة الله عليكم، فلا يَفقِدكم حيث أَمرَكم، ولا يجدكم حيث نهاكم، فاجعلوا مراقبته نُصْب أعينكم، فافعلوا أوامره واجتنبوا منهياته، تُفلِحوا وتنجوا من الخسران والهلاك، ألا وإن مما نهاكم عنه التدابر فيما بينكم؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ولا تدابروا))، ثم قال: ((وكونوا عباد الله إخوانًا))، والتدابر معناه: أن يولِّي كل واحد ظهرَه للآخر، والمراد به: تنافُر القلوب وتقاطُعها وهِجران بعضها بعضًا، فيُفقَد بينها الائتلاف والوئام، والتراحم والتعاطف، والتعاون على البِرِّ والتقوى.



ففي الصحيحين عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيَصُد هذا ويَصُد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))، وخرج أبو داود من حديث أبي خراش السلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن هجر أخاه سنة، فهو كسَفْك دمه)).



وهذا التقاطع المنهي عنه في الأمور الدنيوية، وأما في الأمور الدينية، فيجوز الهِجران فيها فوق ثلاثة أيام حسَب ما تدعو إليه الحاجة، وما يراه الهاجر رادعًا وزاجرًا، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلَّفوا عن الذَّهاب معه إلى غزوة تبوك إلى أن تاب الله عليهم، بسبب ندَمهم وإقلاعهم؛ وذلك مخافة النفاق منهم؛ إذ لا يتخلَّف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عن اتِّباعه ولا الاقتداء به إلا منافقٌ أو فاسق مُستخِفٌّ بسُنته، وأباح النبي صلى الله عليه وسلم هِجران أهل البدع المغلَّظة وأهل المعاصي والدُّعاة إلى الأهواء والشهوات.



أيها المسلمون:

عالِجوا التدابرَ والهِجران بالسلام؛ فإنه يقطع ذلك ويُزيل أثرَه، ويحل مكانه المودَّةَ والمحبة، وخرَّج أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يَحِل لمؤمن أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث، فإن مرَّت به ثلاث، فليلقه فليُسلِّم عليه، فإن ردَّ عليه السلامَ، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يَرُد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسَلِّم من الهجرة)).



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 102، 103].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]