
08-07-2020, 12:36 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,121
الدولة :
|
|
رد: العبيد بين الشكران والجحود
وقال الشافعي - رحمه الله -: الحمد لله الذي لا يُؤدى شكرُ نعمة من نعمه إلا بنعمة تُوجِب على مُؤدي ماضي نِعَمه بأدائها نعمة حادثة توجب عليه شكره بها.
وقال القائل في ذلك:
لَوْ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنِّي لهَا لُغَةٌ 
تُثْنِي عَلَيكَ بِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنِ 
لَكَانَ مَا زَادَ شُكْرِي إِذْ شَكَرْتُ بِهِ 
إِلَيْكَ أَبْلغَ فِي الإِحْسَانِ وَالمِنَنِ [13]
هذا، وقد أعلمنا سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - أن ما عند الله مِنْ خير وبركة لا يُنال إلا بطاعته؛ إذ قال: ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرِّب من النار إلا وقد نهيتكم عنه؛ فلا يستبطئن أحدٌ منكم رزقَه، فإن جبريل ألقى في رُوعي أن أحدًا منكم لن يخرجَ من الدنيا حتى يستكملَ رزقه؛ فاتَّقوا الله - أيها الناس - وأجملوا في الطلَب؛ فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعْصية الله؛ فإنَّ الله لا يُنال فضلُه بمعصيته[14].
ألا فلنفتش في أنفسنا وجناياتنا؛ فإنه لَم ينزل بلاءٌ من السماء إلا بذنبٍ، ولا يُكشف إلا بتوبة، ولنعلم أن ما وقع من غلاءٍ ووباء وبلاء هو بسبب إعراضنا وجحودنا؛ قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ï´¾ [الشورى: 30]، وقال: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [آل عمران: 165].
يقول ابن عجيبة في تفسيره: "يقول الحقُّ - جلَّ جلاله -: أَحِينَ أصابتكم مصيبة يوم أُحُد بقتْل سبعين منكم، وقد أصبتم مثليها يوم بدْر، فقتلتم سبعين وأسرْتم سبعين، قُلتم: أنَّى هذا؟ أي: من أين أصابنا هذا البلاء، وقد وُعِدنا النصر؟! قل لهم: هو من عند أنفسكم؛ أي: مما اقترفتْه أنفسكم من مخالفة المركز، والنصر الموعود كان مشروطًا بالثبات والطاعة، فلما اختل الشرط اختل المشروط، إن الله على كل شيء قدير؛ فيَقدِر على النصر بشرْط وبغيره، لكن حكمته اقتضتْ وُجُود الأسباب والشروط[15].
فإذا كان بسبب مُخالفة واحدةٍ تحولتْ نعمة النَّصْر إلى مصيبة الهزيمة، وتحوَّلتْ نعمة العافية إلى قتْل سبعين مِنْ خيرة الأصحاب - عليهمُ الرِّضوان - على رأسهم سيد الشهَداء حمزة - رضي الله عنه - وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المعركة جريحًا، وقد كسرتْ رباعيته، وشُج وجهُه، ودخلتْ حلقتان من حلقات المغفر في وجنتيه - صلى الله عليه وسلم - فماذا نستحقُّ نحن مع الموبقات التي تُقْتَرف كل لحظة؟!
لذلك لو عامَلَنَا الله بما نستحقُّ لأَخَذَنا مع أول مُخالفة: ï´؟ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ï´¾ [النحل: 61].
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا 
فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ 
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ 
فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ 
قال ابن القيم رحمه الله: "وقال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ï´¾ [الأنفال: 53]، فأخْبَر سبحانه أنَّه لا يُغيِّر نعمَه التي أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يُغيِّر ما بنَفْسه، فيُغيِّر طاعةَ الله بمعصيته، وشكرَه بكُفره، وأسبابَ رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّرَ غُيِّر عليه جزاء وفاقًا، وما ربُّك بظلاَّم للعبيد؛ فإن غيَّر المعصية بالطاعة غيَّر اللهُ عليه العقوبة بالعافية، والذُّلَّ بالعزِّ؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ï´¾ [الرعد: 11]"[16].
فعلينا ألا نُزكِّي أنفسنا، بل نقول كما قال عطاء - رحمه الله - وكان إذا أصابتهم ريح أو برق أو غلاء طعام، قال: "هذا من أجلي يصيبهم؛ لو مات عطاء لاسْتراح الناس"[17].
كلٌّ يصرخ على نفسه، قائلاً:
ويحك يا نفسُ! أنتِ سببُ البلاء الحَالِّ بأرض المسلمين من غلاءٍ ووباء.
ويحك يا نفسُ! أنتِ سبب ضياع مقدساتنا، وانتقاص أرضنا، وانتهاك حُرُماتنا.
ويحك يا نفسُ! لا تعترفين بالفضْل لواهبه.
ويحك يا نفسُ! لا تشكرين الله على نعَمِه الكثيرة الجليلة، وإن حدث فنَزْر يسير لا يكافئ عشير عشر معشار ما به عليَّ تفضل.
ويحك يا نفسُ! لا تستعملين المستحفَظ فيما استحفظ له.
ويحك يا نفسُ! لا تدْعِين الله أن يحفظ عليكِ نعمه، وأن يمتعكِ بها ما بقيتِ.
ويحك يا نفسُ! بماذا ستجيبين ربَّك إذا سألك عما لم تستطيعى عدَّه من نعَمه عليكِ.
بَادِرْ فَقَدْ أَسْمَعَكَ الصَّوْتُ 
إِنْ لَمْ تُبَادِرْ فَهوُ الفَوْتُ 
مَنْ لَمْ تَزُلْ نِعْمَتُهُ قَبْلَهُ 
أَزالَ عَنْهُ النِّعْمَةَ المَوْتُ 
ï´؟ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ï´¾ [النمل: 19].
ï´؟ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ï´¾ [الأحقاف: 15].
والحمد لله رب العالمين.
[1] "أضواء البيان" 2/ 362.
[2] أخرجه مسلم 4915 من حديث أنس - رضي الله عنه.
[3] "التيسير بشرح الجامع الصغير" 1/ 528.
[4] "شرح رياض الصالحين" 1/ 157.
[5] أخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ 155 حديث 18265، والبيهقي في "شُعَب الإيمان" 2/ 154 حديث 1430.
[6] أخرجه الترمذي 3380، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" 3458.
[7] أخرجه الترمذي 2227 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" 100.
[8] أخرجه مسلم 1746 من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما.
[9] حسنه الألباني في "الصحيحة" 2318.
[10] أخرجه مسلم 5979 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[11] "لطائف المعارف" ص 310.
[12] "المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 1/ 144.
[13] "تفسير ابن كثير" 4/ 512.
[14] أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 13/ 227 حديث 35473 من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 1700.
[15] "إحياء علوم الدين" 4/ 186.
[16] "الجواب الكافي" ص 29.
[17] "البحر المديد" 1/ 360.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|