(6) الشافعية قالوا: تنقسم شروط الصيام إلى قسمين:
شروط وجوب، وشروط صحة، أما شروط وجوبه فأربعة:
أحدها البلوغ، فلا يجب الصيام على الصبي، ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه، ويضرب على تركه لعشر سنين، ووافقهم على هذه الحنفية؛ أما المالكية فقد قالوا:
لا يجب على الولي أمر الصبي بالصيام، ولا يندب، ولو كان الصبي مراهقاً؛ الحنابلة قالوا: المعول في ذلك على القدرة والإطاقة، فإذا كان الصبي مراهقاً يطيق الصيام، فيجب على الولي أن يأمره به، ويضربه إذا امتنع؛
ثاينها: الإسلام، فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة، وإن كان يعاقب عليه في الآخرة؛ أما المرتد فإنه يجب عليه وجوب مطالبة فيطلب منه بعد عوده إلى الإسلام،
ثالثها: العقل، فلا يجب على المجنون إلا أن كان زوال عقله بتعديه، فإنه يلزمه قضاءه بعد الإفاقة، ومثله السكران إن كان متعدياً بسكره، فيلزمه قضاؤه، وإن كان غير متعد كما إذا شرب من إناء يظن أن فيه ماء، فإذا به خمر سكر متعدياً بسبب الإغماء أم لا، رابعها: الإطاقة حساً وشرعاً، فلا يجب على من لم يطقه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لعجزه حساً، ولا على نحو حائض لعجزها شرعاً، وأما شروط صحته، فأربعة أيضاً:
الأول: الإسلام حال الصيام، فلا يصح من كافر أصلي، ولا مرتد،
الثاني: التمييز، فلا يصح من غير مميز، فإن كان مجنوناً لا يصح صومه، وإن جن لحظة من نهار، وإن كان سكران أو مغمى عليه لا يصح صومهما إذا كان عدم التمييز مستغرقاً لجميع النهار، أما إذا كان في بعض النهار فقط فيصح، ويكفي وجود التمييز ولو حكماً، فلو نوى الصوم قبل الفجر ونام إلى الغروب صح صومه، لأنه مميز حكماً،
الثالث: خلو الصائم من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم وإن لم تر الوالدة دماً، الرابع: أن يكون الوقت قابلاً للصوم.
فلا يصح صوم يومي العيد وأيام التشريق، فإنها أوقات غير قابلة للصوم، ومنها يوم الشك إلا إذا كان هناك سبب يقتضيه، كأن صامه قضاء عما في ذمته، أو نذر صوم يوم الاثنين القابل، فصادف يوم الشك، فله صومه، أو كان من عادته صوم الخميس وصادف ذلك يوم الشك فله صومه أيضاً، أما إن قصد صومه، لأنه يوم الشك فلا يصح صومه، كما سيأتي في مبحث "صيام يوم الشك"، وكذلك لو صام النصف الثاني من شعبان أو بعضه، فإنه لا يصح، ويحرم، إلا إن كان هناك سبب يقتضي الصوم من نحو الأسباب التي بينا في يوم الشك، أو كان قد وصله ببعض النصف الأول، ولو بيوم واحد.
هذه هي الشروط عند الشافعية، وليست منها النية، لأنها ركن، كما تقدم، ويجب تجديدها لكل يوم صامه؛ ولا بد من تبييتها، أي وقوعها ليلاً قبل الفجر، ولو من المغرب؛ ولو وقع بعدها ليلاً ما ينافي الصوم، لأن الصوم يقع بالنهار لا بالليل؛ وإن كان الصوم فرضاً، كرمضان والكفارة والنذر فلا بد من إيقاع النية ليلاً مع التعيين بأن يقول بقلبه: نويت صوم غد من رمضان، أو نذراً علي، أو نحو ذلك، ويسن أن ينظق بلسانه بالنية، لأنه عون للقلب، كأن يقول:
نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان الحاضر لله تعالى؛ وأما إن كان الصوم نفلاً فإن النية تكفي فيه ولو كانت نهاراً، بشرط أن تكون قبل الزوال، وبشرط أن لا يسبقها ما ينافي الصوم على الراجح، ولا يقوم مقام النية التسحر في جميع أنواع الصوم، إلا إذا خطر له الصوم عند التسحر ونواه، كأن يتسخر بنية الصوم، وكذلك إذا امتنع من الأكل عند طلوع الفجر خوف الإفطار. فيقوم هذا مقام النية.
الحنفية قالوا: شروط الصيام ثلاثة أنواع:
شروط وجوب، وشرطو وجوب الأداء، وشروط صحة الأداء.
فأما شروط الوجوب، فهي ثلاثة:
أحدها: الإسلام فلا يجب على الكافر لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة كما تقدم، وكذا لا يصح منه لأن النية شرط لصحته كما سيأتي؛ وقد تقدم أن النية لا تصح إلا من مسلم؛ فالإسلام شرط للوجوب وللصحة
ثانيها العقل فلا يجب على المجنون حال جنونه ولو جن نصف الشهر. ثم أفاق.
وجب عليه صيام ما بقي. وقضاء ما فات، أما إذا أفاق بعد فراغ الشهر، فلا يجب عليه قضاؤه، ومثل المجنون المغمى عليه. والنائم إذا أصيب بمرض النوم قبل حلول الشهر، ثم ظل نائماً حتى فرغ الشهر،
ثالثها: البلوغ، فلا يجب الصيان على صبيّ، ولو مميزاً، ويؤمر به عند بلوغ سبع سنين، ويضرب على تركه عند بلوغ سنه عشر سنين إن أطاقه، وأما شروط وجوب الأداء فاثنان:
أحدهما: الصحة، فلا يجب الأداء على المريض، وإن كان مخاطباً بالقضاء بعد شفائه من مرضه؛ ثانيهما: الإقامة، فلا يجب الأداء على مسافر، وإن وجب عليه قضاءه، وأما شروط صحة الأداء. فاثنان أيضاً: أحدهما: الطهارة من الحيض والنفاس؛ فلا يصح للحائض والنفساء أداء الصيام وإن كان يجب عليهما؛
ثانيهما: النية؛ فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية تمييزاً للعبادات عن العادات. والقدر الكافي من النية أن يعلم بقلبه أنه يصوم كذا؛ ويسن له أن يتلفظ بها؛ ووقتها كل يوم بعد غروب الشمس إلى ما قبل نصف النهار. والنهار الشرعي:
من انتشار الضوء في الأفق الشرقي عند طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ فيقسم هذا الزمن نصفين. وتكون النية في النصف الأول بحيث يكون الباقي من النهار إلى غروب الشمس أكثر مما مضى، فلو لم يبيت النية بعد غروب الشمس حتى أصبح بدون نية ممسكاً، فله أن ينوي إلى ما قبل نصف النهار.
كما سبق؛ ولا بد من النية لكل يوم من رمضان، والتسحر نية، إلا أن ينوي معه عدم الصيام ولو نوى الصيام في أول الليل، ثم رجع عن نيته قبل طلوع الفجر صح رجوعه في كل أنواع الصيام، ويجوز صيام رمضان، والنذر المعين، والنفل بنية مطلق الصوم، أو بنية النفل من الليل إلى ما قبل نصف النهار، ولكن الأفضل تبييت النية وتعيينها:
ونوى صوماً واجباً، فإنه يقع عن ذلك الواجب، لأنه مرخص له بالفطر حال السفر؛ أما القضاء والكفارة والنذر المطلق، فلا بد من تبييت النية فيها وتعيينها، أما صيام الأيام المنهي عنها، كالعيدين، وأيام التشريق، فإنه يصح، ولكن مع التحريم، فلو نذر صيامها صح نذره، ووجب عليه قضاؤها في غيرها من الأيام، ولو قضاه فيها صح مع الإثم.
المالكية قالوا: للصوم شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، أما شروط الوجوب فهي اثنان: البلوغ، والقدرة على الصوم، فلا يجب على صبي، ولو كان مراهقاً، ولا يجب على الولي أمره به ولا يندب، ولا على العاجز عنه، وأما شروط صحته فثلاثة: الإسلام، فلا يصح من للكافر، وإن كان واجباً عليه، ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر، والزمان القابل للصوم، فلا يصح في يوم العيد. والنية على الراجح. وسيأتي تفصيل أحكامها، وشروط وجوبه وصحته معاً ثلاثة: العقل، فلا يجب على المجنون والمغمى عليه:
ولا يصح منهما، وأما وجوب القضاء، ففيه تفصيل حاصله: أنه إذا أغمي على الشخص يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو أغمي عليه معظم اليوم، سواء كان مفيقاً وقت النية أو لا في الصورتين، أو أغمي عليه نصف اليوم أو أقله، ولم يكن مفيقاً وقت النية في الحالتين فعليه القضاء بعد الإفاقة في كل هذه الصور، أما إذا أغمى عليه اليوم أو أقله، وكان مفيقاً وقت النية في الصورتين:
فلا يجب على التقصاء متى نوى قبل حصول الإغماء، والجنون كالإغماء في هذا التفصيل، ويجب عليه القضاء على التفصيل السابق إذا جن أو أغمي عليه، ولو استمر ذلك مدة طويلة، والسكران كالمغمى عليه في تفصيل القضاء سواء كان السكر بحلال أو حرام، وأما النائم فلا يجب عليه قضاء ما فاته وهو نائم متى بيت النية في أول الشهر.
الشرط الثاني: النقاء من دم الحيض والنفاس. فلا يجب الصوم على حائض ولا نفساء ولا يصح منهما. ومتى طهرت إحداهما قبل الفجر، ولو بلحظة، وجب عليها تبييت النية، ويجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما من صوم رمضان بعد زوال المانع.
الشرط الثالث: دخول شهررمضان فلا يجب صوم رمضان قبل ثبوت الشهر، ولا يصح، أما النية فهي شرط لصحة الصوم الراجح، كما تقدم، وهي قصد الصوم، وأما نية التقرب إلى الله تعالى فهي مندوبة، فلا يصح صوم فرضاً كان أو نفلاً؛ بدون النية. ويجب في النية تعيين المنوي بكونه نفلاً أو قضاءً أو نذراً مثلاً؛ فإن جزم بالصوم وشك بعد ذلك هل نوى التطوع أو النذر أو القضاء انعقد تطوعاً، وإن شك هل نوى النذرأو القضاء، فلا يجزئ عن واحد منهما وانعقد نفلاً، فيجب عليه إتمامه، ووقت النية من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فلو نوى الصوم في آخر جزء من الليل بحيث يطلع الفجر عقب النية صحت، والأولى أن تكون متقدمة على الجزء الأخير من الليل؛ لأنه أحوط، ولا يضر ما يحدث بعد النية من أكل أو شرب؛ أو جماع أو نوم، بخلاف الإغماء، والجنون إذا حصل أحدهما بعدها؛ فتبطل؛ ويجب تجديدها، وإن بقي وقتها بعد الإفاقة، ولا تصح النية نهاراً في أي صوم، ولو كان تطوعاً، وتكفي النية الواحدة في كل صوم يجب تتابعه، كصيام رمضان، وصيام كفارته، وكفارة القتل أو الظهار ما دام لم ينقطع تتابعه، فإن انقطع التتابع بمرض أو سفر أو نحوهما، فلا بد من تبييت النية كل ليلة ولو استمر صائماً على المعتمد، فإذا انقطع السفر والمرض كفت نية للباقي من الشهر، وأما الصوم الذي لا يجب فيه التتابع، كقضاء رمضان وكفارة اليمين، فلا بد فيه من النية كل ليلة، ولا يكفيهنية واحدة في أوله، والنية الحكمية كافية، فلو تسحر، ولم يخطر بباله الصوم، وكان بحيث لو سئل لماذا تتسحر؟ أجاب بقوله: إنما تسحرت لأصوم، كفاه ذلك.
الحنابلة قالوا: شروط الصوم ثلاثة أقسام: شروط وجوب فقط، وشروط صحة فقط، وشروط وجوب وصحة معاً، فأما شروط الوجوب فقط، فهي ثلاثة: الإسلام، والبلوغ، والقدرة على الصوم، فلا يجب على صبي، ولو كان مراهقاً، ويجب على وليه أمره به إذا أطاقه، ويجب أن يضربه إذا امتنع، ولا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، وأما المريض الذي يرجى برؤه فيجب عليه الصيام إذا برأ، وقضاء ما فاته من رمضان، وأما شروط الصحة فقط فهي ثلاثة:
أولها: النية؛ ووقتها الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر إن كان الصوم فرضاً أما إذا كان الصوم نفلاً فتصح نيته نهاراً، ولو بعد الزوال إذا لم يأت بمناف للصوم من أكل أو شرب مثلاً من أول النهار، ويجب تعيين المنوي من كونه رمضان أو غيره؛ ولا تجب نية الفرضية، وتجب النية لكل يوم؛ سواء رمضان وغيره،
ثانيها: انقطاع دم الحيض؛
ثالثها: انقطاع دم النفاس؛ فلا يصح صوم الحائض والنفساء، وإن وجب عليهما القضاء؛ وأما شروط الوجوب والصحة معاً، فهي ثلاثة: الإسلام؛ فلا يجب الصوم على كافر، ولو كان مرتداً؛ ولا يصح منه. والعقل، فلا يجب الصوم على مجنون، ولا يصح منه، والتمييز فلا يصح من غير مميز كصبي لم يبلغ سبع سنين، لكن لو جن في أثناء يوم من رمضان أو كان مجنوناً وأفاق أثناء يوم رمضان وجب عليه قضاء ذلك اليوم، وأما إذا جنَّ يوماً كاملاً أو أكثر، فلا يجب عليه قضاؤه بخلاف المغمى عليه، فيجب عليه القضاء، لو طال زمن الإغماء، والسكران والنائم، كالمغمى عليه، لا فرق بين أن يكون السكران معتدياً بسكره أو لا
(7) الحنابلة قالوا: إذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً. ووجب عليه تبيين النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة، سواء كان في الواقع من شعبان أو رمضان، وينويه عن رمضان، فإن ظهر في أثنائه أنه من شعبان لم يجب إتمامه
(8) الحنفية قالوا: إذا كانت السماء خالية من موانع الرؤية، فلا بد من رؤية جماعة كثيرين يقع بخبرهم العلم، وتقدير الكثرة منوط برأي الإمام أو نائبه، فلا يلزم فيها عدد معين على الراجح؛ وشترط في الشهود في هذه الحالة أن يذكروا في شهادتهم لفظ: "أشهد"، وإن لم تكن السماء خالية من الموانع المذكورة، وأخبر واحد أنه رآه اكتفى بشهادته إن كان مسلماً عدلاً عاقلاً بالغاً، ولا يشترط أن يقول: أشهد، كما لا يشترط الحكم. ولا مجلس القضاء، ومتى كان بالسماء علة فلا يلزم أن يراه جماعة لتعسر الرؤية حينئذ، ولا فرق في الشاهد بين أن يكون ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، وإذا رآه واحد ممن تصح شهادته، وأخبر بذلك واحد آخر تصح شهادته، فذهب الثاني إلى القاضي؛ وشهد على شهادة الأول، فللقاضي أن يأخذ بشهادته، ومثل العدل في ذلك مستور الحال على الأصح، ويجب على من رأى الهلال ممن تصح شهادته أن يشهد بذلك في ليلته عند القاضي إذا كان في المصر، فإن كان في قرية فعليه أن يشهد بين الناس بذلك في المسجد، ولو كان الذي رآه امرأة مخدرة؛ ويجب على من رأى الهلال، وعلى من صدقه الصيام، ولو ورد القاضي شهادته، إلا أنهما لو أفطرا في حالة رد الشهادة فعليهما القضاء دون الكفارة.
الشافعية قالوا: يثبت رمضان برؤية عدل، ولو مستوراً، سواء كانت السماء صحواً أو بها ما يجعل الرؤية متعسرة؛ ويشترط في الشاهد أن يكون مسلماً عاقلاً بالغاً حراً ذكراً عدلاً، ولو بحسب ظاهره، وأن يأتي في شهادته بلفظ: أشهد، كأن يقول أمام القاضي: أشهد أنني رأيت الهلال، ولا يلزم أن يقول: وإن غداً من رمضان، ولا يجب الصوم على عموم الناس إلا إذا سمعها القاضي، ولو لم يشهد عند القاضي، أو شهد ولم تسمع شهادته، وكذا يجب على كل من صدقه أن يصوم متى بلغته شهادته ووثف بها؛ ولو كان الراي صبياً أو امرأة أو عبداً أو فاسقاً أو كافراً.
المالكية قالوا: يثبت هلال رمضان بالرؤية؛ وهي على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يراه عدلان والعدل هو الذكر الحر البالغ العاقل الخالي من ارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، أو فعل ما يخل بالمروءة،
الثاني: أن يراه جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم، ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا يجب أن يكونوا كلهم ذكوراً أحراراً عدولاً؛
الثالث: أن يراه واحد، ولكن لا تثبت الرؤية بالواحد إلا في حَق نفسه أو في حَق من أخبره إذا كان من أخبره لا يعتني بأمر الهلال؛ أما من له اعتناء بأمره، فلا يثبت في حقه الشهر برؤية الواحد، وإن وجب عليه الصوم برؤية نفسه، ولا يشترط في الواحد الذكورة، ولا الحرية، فمتى كان غير مشهور بالكذب وجب على من لا اعتناء لهم بأمر الهلال أن يصوموا بمجرد إخباره، ولو كان امرأة أو عبداً، متى وثقت النفسبخبره واطمأنت له؛ ومتى رأى الهلال عدلان، أو جماعة مستفيضة وجب على كل من سمع منهما أن يصوم، كما يجب على كل من نقلت إليه رؤية واحد من القسمين الأولين، إنما إذا كان النقل عن العدلين، فلا بد أن يكون الناقل عن كل منهما عدلين، ولا يلزم تعدد العدلين في النقل، فلو نقل عدلان الرؤية عن واحد، ثم نقلاها عن الآخر أيضاً وجب الصوم على كل من نقلت إليه، أو جماعة مستفيضة، ولا يكفي نقل الواحد، وأما إذا كان النقل عن الجماعة المستفيضة، فيكفي فيه العدل الواحد، كما يكفي إذا كان النقل ثبوت الشهر عند الحاكم، أو عن حكمه بثبوته؛ وإذا رأى الهلال عدل واحد، أو مستور الحال وجب عليه أن يرفع الأمر للحاكم ليفتح باب الشهادة، فربما ينضم إليه واحد آخر إذا كان عدلاً، أو جماعة مستفيضة إن كان غير عدل، ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم أن يكون بلفظ: أشهد.
الحنابلة قالوا: لا بد من رؤية هلال رمضان من إخبار مكلف عدل ظاهراً وباطناً، فلا تثبت برؤية صبي مميز، ولا بمستور الحال ولا فرق في العدل بين كونه ذكراً أو أنثى.
حراً أو عبداً، ولا يشترط أن يكون الإخبار بلفظ: أشهد، فيجب الصوم على من سمع عدلاً يخبر برؤية هلال رمضان، ولو رد الحاكم خبره، لعدم عمله بحاله، ولا يجب على من رأى الهلال أن يذهب إلى القاضي، ولا إلى المسجد، كما لا يجب عليه إخبار الناس
(9) الشافعية قالوا: إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا للثبوت، والقرب يحصل باتحاد المطلع، بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخاً تحديداً، أما أهل الجهة البعيدة، فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع (10) الشافعية قالوا: يعتبر قول المنجم في حَق نفسه وحَق من صدقه، ولا يجب الصوم على عموم الناس بقوله على الراجح
(11) الشافعية، والحنابلة قالوا: إن رؤية الهلال نهاراً لا عبرة بها، وإنما المعتبر رؤيته بعد الغروب
(12) الشافعية قالوا: يشترط في تحقيق الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم، فمتى حكم به وجب الصوم على الناس، ولو وقع حكمه عن شهادة واحد عدل
(13) الحنفية قالوا: يثبت شوال بشهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين كذلك إن كانت السماء، بها علة، كغيم ونحوه، أما إن كانت صحواً، فلا بد من رؤية جماعة كثيرين، ويلزم أن يقول الشاهد: أشهد.
المالكية قالوا: يثبت هلال شوال برؤية العدلين أو الجماعة المستفيضة، وهي الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب، ويفيد خبرها العلم، ولا يشترط فيها الحرية، ولا الذكورة، كما تقدم في "ثبوت هلال رمضان"، وتكفي رؤية العدل الواحد في حَق نفسه، ويجب عليه أن يفطر بالنية، فلا ينوي الصوم، ولكنه لا يجوز له أن يأكل أو يشرب أو نحو ذلك من المفطرات، ولو أمن اطلاع الناس عليه، نعم إن طرأ له ما يبيح السفر أو طرأ عليه مرض، فإنه يجوز له أن يأكل ويشرب وغير ذلك، وإذا أفطر بغير عذر مبيح، بالأكل ونحوه، وعظ وشدد عليه إن كان ظاهر الصلاح، فإن لم يكن ظاهر الصلاح عاقبه القاضي بما يراه تعزيراً.
الشافعية قالوا: تكفي شهادة العدل الواحد في ثبوت هلال شوال، فهو كرمضان على الراجح، ويلزم أن يقول الشاهد؛ أشهد؛ فلفظ الشهادة متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة ما عدا المالكية.
الحنابلة قالوا: لا يقبل في ثبوت شوال إلا رجلان عدلان يشهدان بلفظ الشهادة
(14) الشافعية قالوا: إذا صام الناس بشهادة عدل وتم رمضان ثلاثين يوماً وجب عليهم الإفطار على الأصح، سواء كانت السماء صحواً أو لا.
الحنابلة قالوا: إن كان صيام رمضان بشهادة عدلين وأتموا عدة رمضان ثلاثين يوماً، ولم يروا الهلال ليلة الواحد والثلاثين وجب عليهم الفطر مطلقاً، أما إن كان صيام رمضان بشهادة عدل واحد، أو بناء على تقدير شعبان تسعة وعشرين يوماً بسبب غيم ونحوه، فإنه يجب عليهم صيام الحادي والثلاثين
(15) الحنفية قالوا: يوم الشك هو آخر يوم من شعبان احتمل أن يكون من رمضان، وذلك بأن يم ير الهلال بسبب غيم بعد غروب يوم التاسع والعشرين من شعبان، فوقع الشك في اليوم التالي له هل هو من شعبان أو من رمضان، أو حصل الشك بسبب رد القاضي شهادة الشهود أو تحدث الناس بالرؤية، ولم تثبت، أما صومه فتارة يكون مكروهاً تحريماً أو تنزيهاً، وتارة يكون مندوباً، وتارة يكون باطلاً، فيكره تحريماً إذا نوى أن يصومه جازماً أنه من رمضان، ويكره تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب نذر، وكذا يكره تنزيهاً إذا صامه جازماً أنه من رمضان، ويكره تنزيهاً إذا نوى صيامه عن واجب نذر، وكذا يكره تنزيهاً إذا صامه متردداً بين الفرض والواجب بأن يقول: نويت صوم غد إن كان من رمضان، وإلا فعن واجب آخر، أو متردداً بين الفرض والنفل، بأن يقول: نويت صوم غد فرضاً إن كان من رمضان، وتطوعاً إن كان من شعبان، ويندب صومه بنية التطوع إن وافق اليوم الذي اعتاد صومه، ولا بأس بصيامه بهذه النية، وإن لم يوافق عادته، ويكون صومه باطلاً إذا صامه متردداً بين الصوم والإفطار، بأن يقول نويت أن أصوم غداً إن كان من رمضان، وإلا فأنا مفطر، وإذا ثبت أن يوم الشك من رمضان أجزأه صيامه، ولو كان مكروهاً تحريماً، أو تنزيهاً، أو مندوباً أو مباحاً.
الشافعية قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برية الهلال ليلته، ولم يشهد به أحد، أو شهد به من لا تقبل شهادته، كالنساء والصبيان، ويحرم صومه، سواء كانت السماء في غروب اليوم الذي سبقه صبحواً أو بها غيم، ولا يراعى في حالة الغيم خلاف الإمام أحمد القائل بوجوب صومه حينئذ، لأن مراعاة الخلاف لا تستحب متى خالف حديثاً صريحاً، وهو هنا خبر: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، فإن لم يتحدث الناس برؤية الهلال، فهو من شعبان جزماً، وإن شهد به عدل؛ فهو من رمضان جزماً، ويستثنى من حرمة صومه ما إذا صامه لسبب يقتضي الصوم، كالنذر، والقضاء، أو الاعتياد، كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس، فصادف يوم الشك. فلا يحرم صومه؛ بل يكون واجباً في الواجب، ومندوباً في التطوع، وإذا أصبح يوم الشك مفطراً، ثم تبين أنه من رمضان وجب الإمساك باقي يومه ثم قضاه بعد رمضان على الفور، وإن نوى صيام يوم الشك على أنه من رمضان، فإن تبين أنه من شعبان لم يصح صومه أصلاً لعدم نيته، وإن تبين أنه من رمضان، فإن كان صومه مبنياً على تصديقه من أخبره ممن لا تقبل شهادته كالعبد والفاسق صح عن رمضان، وإن لم يكن صومه مبنياً على هذا التصديق لم يقع عن رمضان، وإن نوى صومه على أنه إن كان من شعبان فهو نفل، وإن كان من رمضان فهو عنه، صح صومه نفلاً إن ظهر أنه من شعبان؛ فإن ظهر أنه من رمضان لم ي صح فرضاً ولا نفلاً.
المالكية قالوا: عرفوا يوم الشك بتعريفين:
أحدها: أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث ليلته من لا تقبل شهادته برؤية هلال رمضان: كالفاسق، والعبد، والمرأة،
الثاني: أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا كان بالسماء ليلته غيم، ولم ير هلال رمضان، وهذا هو المشهور في التعريف، وإذا صامه الشخص تطوعاً من غير اعتياد أو لعادة، كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس؛ فصادف يوم الخميس يوم الشك، كان صومه مندوباً، وإن صامه قضاء عن رمضان السابق، أو عن كفارة يمين أو غيره أو عن نذر صادفه، كما إذا نذر أن يصوم يوم الجمعة؛ فصادف يوم الشك وقع واجباً عن القضاء، وما بعده إن لم يتبين أنه من رمضان، فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزي عن رمضان الحاضر لعدم نيته، ولا عن غيره من القضاء والكفارة والنذر، لأن زمن رمضان لا يقبل صوماً غيره، ويكون عليه قضاء ذلك اليوم عن رمضان الحاضر؛ وقضاء يوم آخر عن رمضان الفائت أو الكفارة، أما النذر، فلا يجب قضاؤه، لأنه كان معيناً وفات وقته، وإذا صامه احتياطاً بحيث ينوي أنه إن كان من رمضان لحتسب به، وإن لم يكن من رمضان كان تطوعاً. ففي هذه الحالة يكون صومه مكروهاً، فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزئه عنه. وإن وجب الإمساك فيه لحرمة الشهر؛ وعليه قضاء يوم، وندب الإمساك يوم الشك حتى يرتفع النهار، ويتبين الأمر من صوم أو إفطار، فإن تبين أنه من رمضان وجب إمساكه وقضاء يوم بعدن فإن أفطر بعد ثبوت أنه من رمضان عامداً عالماً فعليه القضاء والكفارة.
الحنابلة قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال ليلته مع كون السماء صحواً لا علة بها، ويكره صومه تطوعاً. إلا إذا وافق عادة له أو صام قبله يومين فأكثر، فلا كراهة. ثم إن تبين أنه من رمضان. فلا يجزئه عنه ويجب عليه الإمساك فيه وقضاء يوم بعد، أما إذا صامه عن واجب كقضاء رمضان الفائت ونذر كفارة، فيصح؛ ويقع واجباً إن ظهر أنه من شعبان، فإن ظهر أنه من رمضان فلا يجزئ لا عن رمضان ولا عن غيره، ويجب إمساكه وقضاؤه بعد، وإن نوى صومه عن رمضان إن كان منه لم يصح عنه إذا تبين أنه منه، وإن وجب عليه الإمساك والقضاء، كما تقدم، إن لم يتبين أنه من رمضان، فلا يصح لا نفلاً ولا غيره