عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 13-07-2020, 03:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (32)

صـــــ238 إلى صــ249


[باب نواقض الوضوء]

قوله رحمه الله: [مِنْ سَبيلٍ]: السبيل هو الطريق،
وقال بعض العلماء:
إن هناك فرقاً بين السبيل، والطريق،
فالسبيل بالنسبة للمعنويات كما في قوله تعالى:
{وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (1) أي: ضلالهم وبُعدُهم عن طاعة الله -عز وجل-،
وقوله سبحانه:
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} (2) أي: سبيل الخير قالوا: السبيل يختصّ بالمعنويات الذي هو الهداية،
والضلال:
تقول سبيلي طاعة الله -عز وجل- وسبيلي: اتباع الكتاب، والسُّنة هذا في المعنويات، وأما الطريق ففي المحسوسات، فلا يقال طريق للمعنويات، ولا يقال سبيل للمحسوسات إلا على سبيل التّجوز هذا قول بعض المفسرين يختاره في الفرق بين تعبير القرآن بالسبيل،
وتعبيره بالطريق وأورد عليه قوله تعالى:
{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} فاستعمل السبيل بمعنى الطريق،
وعكسه في قوله سبحانه: {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} وأجابوا بحملهما على المجاز.
قوله رحمه الله:
{مِنْ سَبِيلٍ}: للإنسان سبيلان: القبل، والدبر، وهذان السبيلان هما الأصل الذي عبّر العلماء بأن الخروج منه يوجب نقض الوضوء
قال رحمه الله:
[وخَارجٌ من بقيةِ البَدنِ إِنْ كَانَ بَوْلاً، أو غَائِطاً] أي: وينقض الوضوء الخارج من غير السبيلين إن كان بولاً، أو غائطاً، وهذا يدل على أن البول، والغائط إذا خرجا من غير المخرج المعتاد نقضا الوضوء، فإذا فتحت فتحة عوضاً عن مخرج البول المعتاد، وخرج منها البول نقض، وهكذا الغائط، ولم يفصّل رحمه الله في مكان المخرج؛ لأن العبرة عنده بالخارج، فيستوي أن تكون الفتحة فوق السرة أو تحتها لكن بشرط إنسداد الفتحة الأصلية،
وقوله:
[إن كان بولاً، أو غائطاً] تحقيق لنوعية الخارج، فإذا فتحت الفتحة، وخرج منها الخارج إن كان متغيراً كالبول، والغائط نقض، ومفهومه: أنه إذا خرج الشراب، أو الطعام من بقية البدن، ولم تكن فيه صفات البول، والغائط لم ينقض، فلو فُتِحت له الفتحة وخرج الشراب منها على حاله كاللبن ليس فيه صفات البول لم ينقض، وهكذا لو خرج الطعام غير متغير لم ينقض الطهارة، وهذا كله راجع إلى أن أصحاب هذا المذهب مذهب الحنابلة أنهم يرون خروج النجس من أيِّ موضع من البدن ناقضاً.
دليلهم على ذلك قالوا:
إنه ينزّل مَنْزِلة المستحاضةِ فإن المستحاضة خرج منها الدّم، وهو نجس من غير المجرى الذي هو مجرى البول فأوجب إنتقاض الوضوء، مع أنه من غير مجرى البول، وليس ذلك إلا لعلّة،
وهي كونه نجساً ففرّعوا عليه:
أن كل خارج نجس من سائر البدن ينقض، وهذا فيه نظر: فإن دم الإستحاضة إجتمع فيه المخرج، والخارج المخرج الذى هو القبل،
والخارج أي:
كونه نجساً، ولذلك نقول إنه إذا خرج من سائر البدن لم ينقض؛ لأنه لم يجتمع فيه الوصفان الموجبان لانتقاض الطهارة، وهما خروجه من المخرج، وكونه خارجاً نجساً بل وُجد فيه وصف واحد وهو كونه خارجاً نجساً، ولكنه ليس من الموضع هذا بالنسبة لمسألة أن كل خارج نجس من سائر البدن يوجب إنتقاض الوضوء.من الأدلة على أنه لا ينقض الوضوء، وهو من أقواها حديث عباد بن بشر -رضي الله عنه- لما قام على الشعب يحرسه، وجاءه السّهم العائِر فنزفَ، وهو يصلي، فلولا أنه خشي على صاحبه لما قطع صلاته، فأقرَّ على ذلك من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم ينكر عليه إستمراره في الصلاة، مع كون الخارج نجساً، لأنه لم يخرج من المخرج المعتبر فلم يوجد فيه الوصفان الموجبان لانتقاض الطهارة، فدلّ على أن خروج الدّم من غير السبيلين لا يوجب إِنتقاض الوضوءِ.
قوله رحمه الله: [أو كَثيراً نجساً غَيْرهما]: غيرهما أي: غير البول، والغائط، وهو الدم مثلاً، والنّجس غير البول،
والغائط يشمل أمثلة منها:
الدم، والقيح، والقيء، كلّ ذلك يعتبر نجساً، ويعتبر من النّجس الخارج من غير السبيلين، وهو من غير البول، والغائط، وجميعها ناقضة للوضوء.فأصحاب هذا القول ينظرون إلى صفة الخارج، لا إلى المخرج،
ومن هنا قال رحمه الله:
[منْ بَقِيةِ البَدنِ]، فمن قاء فقد إِنتقض وضوءه على هذا الأصل لأنه نجس خارج من البدن، ومن رعف انتقض وضوءه لأن الدم نجس فيوجب إِنتقاض الوضوء، وكذلك من خرج منه القيح؛ لأن القيح متولد من الدم، وما تولد من نجس فهو نجس والفَرْعُ يأخذُ حكمَ أصْلِه.
هذه الأمور كلها إذا خرجت أوجبت انتقاض الوضوء على الأصل الذي قررناه من كون الخارج النجس يوجب انتقاض الوضوء، وقلنا إن الصحيح أن الخارج النجس لا يُعتبر ناقضاً للوضوء؛ إلا القيء ففيه تفصيل واستثناء ثبت به الدليل.
لكن هنا شرط ذكره المصنف عبّر عنه بقوله: [كثيراً] فمفهوم قوله: [كثيراً] أنه لو كان قليلاً، لا ينقض الوضوء.وتفصيل ذلك: قالوا إذا خرج من الإنسان دم يسير؛ كالبثرة التي تسمى في عرف الناس اليوم بـ (الحبة) تكون على ظاهر الجسد فينزف الدم منها قليلاً، أو يعصرها فيُخرج دمها اليسير فإنه لا ينقض الوضوء، وأيضاً لو استاك فأدْمى لُثّته، فخرج دم قليل من طرف اللثة، أو جرح جرحاً صغيراً وخرج دم يسير هذا كله لا ينقض الطهارة لكونه يسيراً؛ لكن لو كان كثيراً انتقض وضوءه، إذاً يفرقون بين القليل، والكثير من النجاسات الخارجة من غير السبيلين.
فيرد السؤال:
ما هو الضابط الذي يفرق فيه بين القليل، والكثير عندهم؟
والجواب:
أن لهم أقوالاً متعددة منها: ما اختاره غير واحد، ومنهم الإمام الموفق ابن قدامة رحمه الله ونصّ عليه في المغني، والعمدة، وكذلك اختاره الزركشي من أئمة الحنابلة، وفقهائهم -رحمة الله عليهم-: أن الكثير ما لا يتفاحش في النفس أي الشيء الذي إذا رأيته لم تره كثيراً هذا اليسير، وضدّه الكثير، وحينئذ يرد إشكال، وهو أن الناس يختلفون فلو قلنا بهذا الضابط، فكيف نقدَره بنظر الناس؟
والجواب: أن أصحاب هذا القول رجعوا إلى إعتبار أوساط الناس من عقلائهم قالوا: فيخرج الموسوس والقصّاب.
أما الموسوس: فلأن أقل شيء عنده كثير -نسأل الله السلامة والعافية- يستعظم كل شيء، فهذا لا يُعتبر تفاحش مثله مؤثراً، وعليه أن يسأل من يثق به.
أما النوع الثاني: فالقصّاب، وهو الجزّار؛ لأنه يستهين بالدماء فالذي يتفاحش عنده شيء كثير، فهو معتاد على الدماء، فيخرج هذان النوعان القصاب، والموسوس،
قالوا:
فلا نلتفت لمن يُعظِّم الأمر، ولا لمن يُحقره؛ وإنما يُنظر إلى غالب الناس في أوساطهم.ومنهم من يحدُّه بالقطرة، والقطرتين، ومنهم من اعتبر في القيء ما يملأ الفم فنقض به، دون ما لم يملؤه.أما استثناء اليسير، وعدم نقض الطهارة به،
فدليلهم عليه:
أنه ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: أنهم عصروا البُثر، واغتفروا اليسير كما جاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقد عصر إِبن عمر بثرةً، ثم صلّى،
ولم ير بذلك بأساً قالوا:
فهذا يدل على أن القليل لا ينقض الطهارة.
قوله رحمه الله: [وزوالُ العَقْلِ] المراد به: ذهاب العقل، وبذهابه يزول الإدراك من الإنسان، فلا يعي الأمور،
ولا يعلمها كما قال تعالى:
{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فبيّن سبحانه أن السكران لا يعلم ما يقول، وأن السكر موجب لزوال الإدراك بالأشياء، وإذا كان الإنسان متطهراً، ومعه عقله إستطاع أن يعلم بخروج الخارج خاصة إذا كان من الريح، بعكس ما إذا زال فإنه قد يخرج منه الخارج ولا يعلم به، ومن هنا إعتبر الفقهاء رحمهم الله زوال العقل مظنةً للحدث بناء على اعتبار الشرع للنوم ناقضاً للوضوء كما سيأتي.
وزوال العقل يرجع إلى أربعة أسباب:
النوم، الجنون، والإغماء، والسكر،
وبيانها فيما يلي:
السبب الأول: النوم، وهو ناقض للوضوء في أصحّ أقوال العلماء رحمهم الله، وقد بينتها في شرح البلوغ وأن الذي يترجح هو القول باعتباره ناقضاً إذا زال معه الشعور؛
لما ثبت في حديث صفوان بن عسّالٍ المُرادِي رضي الله عنه قال:
[أَمَرنا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنّا في سفرٍ ألا نَنْزعَ خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ بِليَالِيهن من بولٍ، أو غائطٍ، أو نومٍ] فدلّ هذا الحديث الصحيح على أن النوم ناقض في الأصل حيث جعله كالبول، والغائط مساوياً لهما في نقض الطهارة لا من جهة دلالة الإقتران المجرّدة، بل بدلالتها المشاركة في الوصف، والحكم لأنه في سياق النص المبيّن للحدث، فدلّ على أن الأصل إعتباره ناقضاً،
وكذلك حديث علي رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
[العينان وِكَاءُ السَّهِ فإذا نامتِ العينانِ إستطلقَ الوِكَاءُ] ودلّ دلالة واضحة على أن العبرة في النوم بالشعور الذي يدرك معه الإنسان خروج الريح، فإذا غلبه النوم على ذلك نقض على ظاهر هذه السنة، ومن هنا فرّق بين النوم الذي يزول معه الشعور، وعكسه، وصارت هذه السنة أصلاً في نقض طهارة الوضوء بزوال الادراك والشعور بالخارج، وأكّد ذلك حديث إِبن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين لما بات مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند خالته ميمونة رضي الله عنها قال: [ثمَّ نامَ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتّى نَفَخَ] ثم ذكر إستيقاظه ووضوءه ثم صلاته بالليل، فدلّ على أن النوم ناقض لأنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ بعد إستيقاظه، ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل الخلاء، ثمّ قوله رضي الله عنه: [حتى نَفَخَ] يؤكد أنّ النوم ناقض عند زوال الشعور بالخارج كما قدمنا، وإن كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنام عيناه، ولا ينام قلبه، ولكن هذا على سبيل التشريع لسائر الأمة.
السبب الثاني:
الجُنون، وبه يزول العقل كلّية، وهو ناقض للوضوء بالإجماع كما حكاه الإمام ابن المنذر رحمه الله، وغيره، وإذا كانت الأدلة قد دلّت على إنتقاض الوضوء بالنوم فإنّ إنتقاضه بالجنون أولى وأحرى، فتكون قد نبّهت بالأدنى على ما هو أعلى، وأولى بالحكم منه.
السبب الثالث: الإغماء: وبه يزول الإدراك أيضاً، وكثيراً ما يقع في حالات الصَّرع، وهو في حكم الجنون في كثير من مسائله، ولذلك حُكي الإجماع على إعتباره ناقضاً من نواقض الوضوء، ومستند هذا الإجماع دليل السنة في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [لما مَرِضَ مَرَضَ الموتِ أراد الصلاة فأغْمي عليه، فاغتسل ليصلي، ثم أغمي عليه، فأفاق، فاغتسل] فدلّ على أن الإغماء ناقض للطهارة الصغرى، والكبرى.
السبب الرابع من زوال العقل: السُّكر سواءً كان بسبب مباح، وهو أن يسكر على وجه يعذر به شرعاً مثل: أن يشرب شراباً يظنه ماءً فيسكر، فإنه معذور في سكره للجهل، أو يسكر على وجه محرم شرعاً كأن يشرب المسكر، والمخدر، على وجه لا يعذر به شرعاً والعياذ بالله عالماً به ففي كلتا الحالتين لو شرب ما يزيل عقله من المسكرات، والمخدرات -أعاذنا الله وإياكم منها- فإنه يحكم بانتقاض وضوئه على تفصيل حاصله أن السكر له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: يسميها العلماء الهزة، والنشاط، والطرب، وهي أول ما يكون لمن شرب الخمر -والعياذ بالله-.
والمرتبة الثانية:
أقصى درجات السكر، وهي أن يسقط كالمغشي عليه لا يعرف الأرض من السماء ولا يعي ما يقول، ولا ما يقال له كالمجنون.
والمرتبة الثالثة: وسط بين المرتبتين.فاعلم -رحمك الله- أنه إذا كان السكران في بداية السكر، وهي الهزّة، والنشاط فإنّه مكلف إجماعاً؛ لأنه في حكم المستيقظ، فإذا فعل أيَّ فعل في بداية سكره عند هزته، ونشاطه فإنه يحكم بمؤاخذته؛ لأن الأصل فيه أنه مكلف حتي يؤثر فيه المؤثر، وهو هنا لم يبلغ الدرجة التي يؤثر فيه السكر فيها وكذلك الحال بالنسبة للطهارة فإنه باق على الأصل فيها في هذه المرتبة، ما دام أنه يشعر بالخارج.
أما المرتبة الثانية: وهي أن يبلغ منه السكر غايته كأن يسقط كالمجنون فهذا لا يؤاخذ إجماعاً، وحكمها في الطهارة أنها موجبة لانتقاض الطهارتين الصغرى، والكبرى؛ لأنه كالمجنون.
وأما الحالة الثالثة: وهي المترددة بين الحالتين فهي التي فيها الخلاف بين العلماء في السكران هل هو مكلف، أو غير مكلف؟ وهي هنا توجب إنتقاض الطهارة، فإذا سكر -والعياذ بالله- المتوضيء فإنه يحكم بانتقاض وضوئه، ويلزمه أن يعيده على هذا التفصيل.
قوله رحمه الله: [إلا بيسيرَ نومٍ مِنْ قَاعدٍ]: استثنى المصنف رحمه الله النائم إذا كان قاعداً، فلم يحكم بانتقاض وضوئه لحديث أنس رضي الله عنه في الصحيح قال: " كان الصّحابةُ ينتظرونَ العِشَاء حتى تَخْفِقَ رؤُوسُهم ثم يُصلون، ولا يَتوضّؤُون ".
وقوله رحمه الله: [أو قائم]: لأن اليسير من القائم في حكم اليسير من القاعد، لا فرق بينهما، وهذا مبني على الفرق في النوم بين اليسير، والكثير.والذي يترجح في هذه المسألة أن العبرة بالشعور، سواء طال النوم، أو قصر لأن السنة في حديث علي رضي الله عنه المتقدم دلت على أن سبب اعتبار النوم ناقضاً هو زوال الشعور، وهو ما يدل عليه النظر أيضاً لأن النوم ليس بحدث بذاته وإنما هو مظنة الحدث فاعتبر فيه الوصف المؤثر، وهو زوال الشعور بالخارج. ثم إن هذا القول تجتمع به الأحاديث المتعارضة كما بيناه في شرح البلوغ، وعليه فيستوي أن يكون قائماً، أو قاعداً المهم هو زوال الشعور.قوله رحمه الله: [ومس ذكر متصل]: أي أن من نواقض الوضوء مسّ الذكرِ سواءً قصد الشهوة عند مسّه، أو لم يقصدها، وسواء وجد اللّذة، أو لم يجدها، فمن مسّ الذكر وجب عليه أن يعيد وضوءه لما ثبت في حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: [من مس ذكَرَه فَلا يُصلّي حتّى يتوضّأَ] وجه الدلالة من الحديث: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بالوضوء من مس الذكر مطلقاً.
وقال بعض العلماء: من مس ذكره فلا ينتقض وضوؤه لحديث قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي الحنفي -رضي الله عنه- أنه أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يبني المسجد، فسأله عن مسِّ الذكرِ؟
فقال عليه الصلاة والسلام:
[وهَلْ هُو إِلا بضعةٌ مِنْك].
قالوا:
إن هذا الحديث دلّ على أن مسّ الذكر لا يوجب إنتقاض الوضوء.والذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول بنقض الوضوء بمسِّ الذّكر لقوة دلالة السُّنة على ذلك،
وأما حديث طلقٍ رضي الله عنه فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أنه منسوخ؛ لأن طلق بن علي الحنفي رضي الله عنه قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند بناء مسجده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول قدومه للمدينة، وسأله هذه المسألة؛ كما جاء في نفس الحديث، وحديث: [من مس ذَكرَه] رواه المتأخرون إسلاماً من الصحابة؛ كبُسرةَ بنت صفوان، وأبي هريرة رضي الله عن الجميع،
وإذا تعارض حديثان:
أحدهما: من رواية متأخر الإسلام، والآخر من رواية متقدمٍ في إسلامه، قدّمت رواية المتأخر في إسلامه، خاصّة، وأن حديث طلق رضي الله عنه كان عند أول قدومه عليه الصلاة والسلام للمدينة، فيكون بعد الهجرة مباشرة، وأبو هريرة رضي الله عنه أسلم عام خيبر، وهذا يقوي القول بالنسخ كما إختاره بعض الأئمة، كابن حبان، والطبراني، وابن العربي، والحازمي في كتابه الإعتبار، وغيرهم، وإذا لم يكن هذا المسلك صريحاً في إثبات النسخ إلا أنه يُقَوِّي مسلك الترجيح لحديث بسرة على حديث طلق رضي الله عنهما.ثم إن حديث بسرة رضي الله عنها ناقل عن الأصل، لأنه أوجب الوضوء؛ بخلاف حديث طلق رضي الله عنه حيث بقي على الأصل الموجب لعدم الإنتقاض، واختار جمع من علماء الأصول،
والفقهاء أنه:
إذا تعارض نصّان أحدهما: ناقل عن الأصل،
والآخر:
عكسه، فإنه يقدّم النّص النّاقل؛ لأن فيه زيادة علم، وحكم؛ فصار راجحاً على غيره.
الوجه الثاني: أن يجُمع بين حديث طلق بن علي رضي الله عنه، وبين حديث بسرة رضي الله عنها فيكون سؤال طلق بن علي رضي الله عنه عن مسّ الذكر من فوق الثوب،
فقال له عليه الصلاة والسلام:
[وهَلْ هُو إِلا بَضْعة مِنْك] أي: إذا مسسته بحائل فكأنك لمست يداً، أو نحو ذلك من الأعضاء.
وأما إذا لمسه مباشرة فإنه يحُمل عليه حديث: [مَنْ مَسّ ذكرهُ فَلْيَتَوضّأ] وقد صحّح غير واحد من أهل العلم منهم الإمام أحمد، وأبو زرعة، حديث الأمر بالوضوء من مس الذكر، وصوّبه الإمام البخاري -رحمه الله-، فلذلك يقوى الحكم بأن مسَّ الذكر يوجب انتقاض الوضوء.
إذا ثبت أن مس الذكر يوجب انتقاض الوضوء فيستوي في ذلك ما يلي:
أولاً: أن يكون بشهوة، أو بدون شهوة،
ودليل ذلك عموم قوله:
[مَنْ مَسّ] حيث لم يفرق بين قصد الشهوة، ووجودها، وعدم ذلك.
ثانياً: أن من مسّ حلقة الدبر إنتقض وضوئه؛
وذلك لعموم قوله:
[من مس فَرْجَه] في حديث أم حبيبة رضي الله عنها، والفرج يشمل القبل، والدبر.
ثالثاً: أنّ هذا الحكم يشمل المرأة،
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام:
[من مس فرجه]،
فإن قوله:
[مَنْ] من صيغ العموم عند الأصوليين تشمل الرجال،
والنساء وقوله:
[فرجه] يشمل عضو الرجل والمرأة قبلاً كان، أو دبراً.
رابعاً:
أن هذا الحكم يستوي فيه أن يمسّ فرجه، أو يمسّ فرج غيره،
وكونه عليه الصلاة والسلام يخصه بقوله:
[فرجه] يكون مخرجاً على كونه خرج مخرج الغالب، فلا يعتبر مفهومه.
خامساً:
أنه عام يشمل الصغير، والكبير، فلو مسّت المرأة فرج صبيها، أو صبيتها انتقض وضوءها، وذلك لعموم الخبر من جهة المعنى.
سادساً: أنه يَخْرج من هذا مسّ المنفصل فقال بعض العلماء: لو قُطِعَ العضو، فَمس؛ لم يأخذ الحكم.
(1) الأنعام، آية: 55.
(2) يوسف، آية: 108.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]